الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
اشْكُرُوا اللهَ رَبَّكُمْ فِي يَوْمِ عِيدِكُمْ، وَبَرُّوا وَالِدِيكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ، وَاعْطِفُوا عَلَى صِغَارِكُمْ، وَأَدْخِلُوا السُّرُورَ عَلَى أَهْلِكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَعِيشُوا مَآسِيَ إِخْوَانِكُمْ؛ فَإِنَّ مُصَابَ الْمُسْلِمِينَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الدِّيَارِ عَظِيمٌ؛ قُتِلَ رِجَالُهُمْ، وَيُتِّمَ أَطْفَالُهُمْ، وَاسْتُبِيحَتْ بُلْدَانُهُمْ، وَفِي رَمَضَانَ دَكَّ الْيَهُودُ إِخْوَانَكُمْ فِي غَزَّةَ فَقَتَلُوا وَجَرَحُوا وَدَمَّرُوا، وَالْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، يَحْزَنُ لِحُزْنِهِ، وَيَكْرَبُ لِكَرْبِهِ، وَيَأْسَى عَلَى مُصَابِهِ، فَكُونُوا لِإِخْوَانِكُمْ إِخْوَانًا..
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ خَلَقَ الْخَلْقَ فَرَبَّاهُمْ بِنِعَمِهِ، وَهَدَى الْمُؤْمِنِينَ لِدِينِهِ، وَدَلَّهُمْ عَلَى طَرِيقِهِ وَمَنْهَجِهِ (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [البقرة: 213]، نَحْمَدُهُ فَقَدْ هَدَانَا لِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَّمَنَا الْحِكْمَةَ وَالْقُرْآنَ، وَوَفَّقَنَا لِلصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ فِي الْأَرْضِ وَفِي السَّمَاءِ، وَفِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ عَظِيمٌ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، كَبِيرٌ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، قَدِيرٌ فِي خَلْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ «إِذَا قَضَى الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ) [سبأ: 23]».
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ نَصَحَ لأُمَّتِهِ فَبَيَّنَ لَهَا مَا يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مِنْ عَظَائِمِ الْفِتَنِ، وَشَدَائِدِ الْمِحَنِ، وَالتَّعَامُلِ مَعَهَا، وَالْمَخْرَجِ مِنْهَا، وَأَسْبَابِ الْوُقُوعِ فِيهَا، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيَا مَنْ حَيِيَ عَنْ بَيِّنَةٍ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَعْطَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَنْجَانَا.. اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا؛ خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا وَعَلَّمَنَا، وَمَا كُنَّا شَيْئًا وَلَا نَمْلِكُ شَيْئًا وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا؛ أَطْعَمَنَا مِنَ الْجُوعِ، وَآمَنَنَا مِنَ الْخَوْفِ، وَكَسَانَا مِنَ الْعُرْيِ، وَهَدَانَا مِنَ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَنَا مِنَ الْعِمَايَةِ، وَنِعَمُهُ فِينَا لَا تُعَدُّ، وَفَضْلُهُ عَلَيْنَا لَا يُحَدُّ، وَكُلُّ حَمْدٍ نَحْمَدُهُ يَتَقَاصَرُ عَنْ حَمْدِهِ، وَحَمْدُهُ مِنْ نِعَمِهِ، وَنِعَمُهُ تَسْتَوْجِبُ الْحَمْدَ، فَتَنْقَطِعُ الدُّنْيَا وَلَا يَنْقَطِعُ اسْتِحْقَاقُهُ الْحَمْدَ، وَقَدْ قَالَ مَلَائِكَتُهُ الْمُقَرَّبُونَ: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ.. بَلَّغَنَا رَمَضَانَ، وَوَفَّقَنَا لِلصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَدَلَّنَا عَلَى طُرُقِ الْإِحْسَانِ، فَخَتَمْنَا شَهْرَنَا نَتَقَلَّبُ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، وَنَرْجُو الْقَبُولَ وَالْغُفْرَانَ، وَنَخَافُ الرَّدَّ وَالْحِرْمَانَ، فَاللَّهُمَّ اقْبَلْ طَاعَتَنَا، وَاغْفِرْ زَلَّتَنَا، وَاغْسِلْ حَوْبَتَنَا، وَارْفَعْ دَرَجَتَنَا، وَأَنْعِمْ عَلَيْنَا بِالْعَفْوِ وَالرِّضَا وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالْعِتْقِ مِنَ النَّارِ، وَوَالدِينِا وَأَهْلِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، يَا مُجِيبَ الدَّعَوَاتِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاعْبُدُوهُ فِي سَائِرِ أَزْمَانِكُمْ وَأَحْوَالِكُمْ، وَلَا تَرْتَدُّوا عَنْ طَاعَتِهِ بَعْدَ شَهْرِكُمْ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَدَائِمٌ لَا يَفُوتُ، وَيُعْبَدُ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ، وَيُجَازِي بِالْحَسَنَاتِ، وَيُؤَاخِذُ بِالسَّيِّئَاتِ، وَإِنَّ حَيَاةَ الْمُؤْمِنِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ كُلَّهَا كَرَمَضَانَ، فِي الْإِقْبَالِ عَلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَإِتْيَانِ طَاعَتِهِ، وَالِانْتِهَاءِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَتَعْظِيمِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرَجَائِهِ وَخَشْيَتِهِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَمُرُّ الْعِيدُ بِالْأُمَّةِ وَهِيَ عَلَى مُفْتَرَقِ طُرُقٍ، وَالْفِتَنُ تُحِيطُ بِالْمُؤْمِنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَفِي أَحْوَالِ الْفِتَنِ يَخَافُ النَّاسُ عَلَى أَمْنِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ، فَيَخْشَوْنَ الْجُوعَ بَعْدَ الشِّبَعِ، وَالخَوفَ بَعْدَ الْأَمْنِ، وَالتَّشْرِيدَ بَعْدَ الِاسْتِيطَانِ، وَالِاضْطِرَابَ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ، وَحُقَّ لَهُمْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ ذَهَابَ الْأَمْنِ وَالرِّزْقِ وَالِاسْتِقْرَارِ لَيْسَ بِالْأَمْرِ الْهَيِّنِ عَلَى النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ.
إِنَّ الْحَاقِدِينَ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنَ الْكُفَّارِ لَنْ يَكُفُّوا عَنْ إِحْدَاثِ الِاضْطِرَابَاتِ، وَإِشْعَالِ نَارِ الْفِتَنِ فِي بِلَاِد الْمُسْلِمِينَ، بِمَا يَمْلِكُونَهُ مِنْ أَمْوَالٍ يَشْتَرُونَ بِهَا الذِّمَمَ، وَإِعْلَامٍ يَصُوغُونَ بِهِ الْعُقُولَ، وَسِلَاحٍ يُزَوِّدُونَ بِهِ مَنْ يَخْدِمُ مَصَالِحَهُمْ، وَحِقْدٍ يُطَوِّقُونَ بِهِ الْمُسْلِمِينَ لِسَحْقِهِمْ وَإِنْهَاءِ وُجُودِهِمْ، وَمَكْرٍ يُحَرِّشُونَ بِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُثِيرُونَ الْخِلَافَ وَالتَّفَرُّقَ فِي أَوْسَاطِهِمُ، وَيَصْطَنِعُونَ أَشْخَاصًا يُحَقِّقُونَ مَآرِبَهُمْ.
وَمَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَعْنِيهِمْ دِينُ الْإِسْلَامِ وَلَا أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَلَا يَعْرِفُ التَّارِيخَ، وَلَا يَفْهَمُ الْوَاقِعَ، وَلَا يُبْصِرُ إِلَّا بِعُيُونِ الْأَعْدَاءِ.
وَأَمَّا أَذْنَابُهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَيَسْعَوْنَ بِجُهْدٍ حَثِيثٍ، وَعَزْمٍ أَكِيدٍ، وَخُطًى مُتَسَارِعَةٍ لِإِعَادَةِ صِيَاغَةِ الْإِسْلَامِ، وَقَسْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذِهِ الصِّيَاغَةِ الَّتِي أَفْرَزَتْهَا أَهْوَاؤُهُمْ، وَلَوِ اقْتَضَى ذَلِكَ حَرْقَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، وَإِسْقَاطَ الدُّوَلِ، وَنَشْرَ الِاضْطِرَابَاتِ، وَبَثَّ الْفَوْضَى فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمَنْ يُبْصِرُ وَاقِعَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ، وَيَرَى الْأَيَادِيَ الظَّاهِرَةَ، وَيُحِسُّ بِالْأَيَادِي الْخَفِيَّةِ وَهِيَ تَخْنِقُ الْإِسْلَامَ، وَتَمْنَعُ التَّحَاكُمَ إِلَيْهِ، لَيُوقِنُ أَنَّ الْمُهِمَّةَ الْأُولَى لِلْمُجْتَمَعِ الدَّوْلِيِّ، وَالنِّظَامِ الْعَالَمِيِّ هِيَ شَلُّ الْإِسْلَامِ وَسَحْقُ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ لَا تَكَادُ تُوجَدُ قَضِيَّةٌ سِوَاهَا بِحَجْمِهَا وَأَهَمِّيَّتِهَا، وَأَضْحَتْ هَذِهِ هِيَ قَنَاعَةَ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِذَا كَانَتْ دِرَاسَاتُ الْمُسْتَشْرِقِينَ هِيَ الْمُمَهِّدَةُ لِطَلَائِعِ الْمُسْتَعْمِرِينَ؛ فَإِنَّ مَرَاجِلَ الْحِقْدِ فِي قُلُوبِ كُلٍّ مِنَ الْمُسْتَشْرِقِينَ وَالْمُسْتَعْمِرِينَ عَلَى أُمَّةِ الْإِسْلَامِ تَكَادُ تُفَتِّتُ قُلُوبَهُمْ، وَتُزْهِقُ أَرْوَاحَهُمْ، وَتُصِيبُهُمْ بِالجُنُونِ مِنَ انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ؛ (حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة: 109].
إِنَّ أَنْعَمَ الْمُسْتَشْرِقِينَ، وَأَرْحَمَ الْمُسْتَعْمِرِينَ يَوَدُّونَ سَحْقَ الْإِسْلَامِ، وَتَفْتِيتَ دُوَلِهِ، وَإِذْلَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْهَاءَ وُجُودِهِمْ، وَحِينَمَا نَقُولُ هَذَا عَنْ أَنْعَمِهِمْ وَأَرْحَمِهِمْ فَكَيْفَ إِذَنْ بِأَشَدِّهِمْ قَسْوَةً وَدَمَوِيَّةً؟!
هَذَا أَحَدُ الْمُسْتَشْرِقِينَ بَلَغَ مِنْ نُعُومَتِهِ وَوَدَاعَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهِ الشَّرَّ يَوْمًا، وَلَمْ يُعَادِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، لَكِنَّهُ يَتَمَنَّى مَوْتَ الْإِسْلَامِ وَسَحْقَ الْمُسْلِمِينَ، يَقُولُ الْمُسْتَشْرِقُ آرْنست رِينَان: "أَنَا الْمَعْرُوفُ بِوَدَاعَتِي مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ، وَالَّذِي أُعَاتِبُ نَفْسِي عَلَى عَدَمِ كُرْهِي الشَّرَّ، أُعْلِنُ أَنِّي لَسْتُ أُشْفِقُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنِّي أَتَمَنَّى لِلْإِسْلَامِ الْمَوْتَ الْمُخْزِي، أَتَمَنَّى إِذْلَالَهُ.."!!
وَيَقُولُ: "إِنَّ الشَّرْطَ الضَّرُورِيَّ الْوَحِيدَ فِي عَصْرِنَا الْحَاضِرِ لِنَشْرِ الْحَضَارَةِ الْأُورُبِّيَّةِ هُوَ تَحْطِيمُ الْعُنْصُرِ السَّامِي، تَحْطِيمُ الْقُوَّةِ الثِّيوقْرَاطِيَّةِ لِلْإِسْلَامِ، وَبِالتَّالِي تَحْطِيمُ الْإِسْلَامِ نَفْسِهِ، ثَمَّةَ حَرْبٌ لَا تَتَوَقَّفُ، وَلَنْ تَتَوَقَّفَ هَذِهِ الْحَرْبُ إِلَّا حِينَمَا فَقَطْ يَمُوتُ آخِرُ وَلَدٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بُؤْسًا، أَوْ أَنْ يَدْفَعَهُ الْإِرْهَابُ إِلَى أَعْمَاقِ الصَّحَرَاءِ". انْتَهَى كَلَامُهُ. وَسَيْبَقَى لَهُ مَا يَسُوؤُهُ وَأَمْثَالَهُ.
إِنَّهُمْ هُمْ مَنْ يَصْنَعُ الْكَرَاهِيَةَ وَالْإِرْهَابَ بِمَا فَاضَ مِنْ صُدُورِهِمْ مِنَ الْأَحْقَادِ، وَهُمْ مَنْ يُصْدِرُ الْكَرَاهِيَةَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ مَنْ يُوجِدُ أَسْبَابَهَا، ثُمَّ يُعَاقِبُونَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا.
إِنَّ إِحْدَاثَ الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابَاتِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ صَارَ وَاقِعًا مُشَاهَدًا، وَإِنَّ مَشْرُوعَاتِ تَفْتِيتِ دُوَلِ الْإِسْلَامِ الْمُقَسَّمَةِ أَصْلاً قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْحَدِيثِ السِّرِّيِّ إِلَى الْعَلَنِيِّ، وَمِنَ الْأَدْرَاجِ الْمُغَلَّقَةِ إِلَى الْفَضَاءِ الْمَفْتُوحِ، وَيُفْرَضُ الْآنَ وَاقِعًا بِسِيَاسَاتِ الدُّوَلِ الْكُبْرَى فِي تَغْيِيرِ تَحَالُفَاتِهَا، وَخِيَانَةِ أَصْدِقَائِهَا، وَإِظْهَارِ حَقِيقَةِ حِلْفِهَا مَعَ أَعْدَائِهِمْ؛ لِتَسْتَقِرَّ الْحَقِيقَةُ الْقُرْآنِيَّةُ فِي الْمَشْهَدِ الْكُلِّيِّ لِلْحَدَثِ (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].
وَأَمَّا أَرْبَابُ النِّفَاقِ وَمَنْ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَلَطَالَمَا حَدَّثُونَا عَن خُرَافَةِ الصِّرَاعِ الْعَقَدِيِّ، وَعَنْ مَتَانَةِ الصَّدَاقَةِ مَعَ الْقُوَى الْمُسْتَكْبِرَةِ، حَتَّى رَأَوُا الْكَافِرَ الْوَفِيَّ يَرْكُلهُمْ وَيَتَّجِهُ لِلْفَارِسِيِّ الْمَجُوسِيِّ؛ لِيَشْتَرِكَا فِي تَقْطِيعِ أَوْصَالِ الشَّرْقِ الْعَرَبِيِّ السُّنِّيِّ.
وَإِذَا أُنْذِرَ الْمُنَافِقُونَ بِالْعَذَابِ وَتَسْلِيطِ الْأَعْدَاءِ؛ جَرَّاءَ اجْتِرَائِهِمْ عَلَى شَرِيعَةِ اللهِ -تَعَالَى-، وَتَحْسِينِ مَنَاهِجِ الْكُفَّارِ وَنَشْرِهَا وَفَرْضِهَا، سَخِرُوا مِنَ الْعَذَابِ كَمَا سَخِرَ أَسْلَافُهُمْ، وَاسْتَعْجَلُوهُ كَمَا اسْتَعْجَلَهُ السَّابِقُونَ (وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) [الصَّفات:13-14]، فَالسَّابِقُونَ مِنَ الْكُفَّارِ قَدْ قَالُوا: (اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال: 32]، وَالسَّابِقُونَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالُوا: (لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ) [المجادلة: 8] يَقُولُونَ ذَلِكَ تَكْذِيبًا لِلْقُرْآنِ، وَاسْتِخْفَافًا بِالْعَذَابِ، وَاسْتِهَانَةً بِوَعِيدِ اللهِ -تَعَالَى-، وَالسَّابِقُونَ مَا عُذِّبُوا إِلَّا بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمِينَ، وَلَا وَقَعَ الْعَذَابُ إِلَّا بِسَبَبِ مَقُولَاتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ كَمَا أَخْبَرَ اللهُ -تَعَالَى- أَنَّهُمْ يَسْتَعْجِلُونَ الْعَذَابَ سُخْرِيَةً وَاسْتِهْزَاءً (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذَابِ) [العنكبوت: 53].
إِنَّ الْمُحِيطَ الْعَرَبِيَّ السُّنِّيَّ يَمُوجُ بِمُشْكِلَاتٍ عَوِيصَةٍ، وَمُسْتَقْبَلٍ مَخُوفٍ قَاتِمٍ يُنْذِرُ بِأَزَمَاتٍ عُظْمَى، إِلَّا أَنْ يَلْطُفَ اللهُ -تَعَالَى- بِعِبَادِهِ وَيَرْحَمَهُمْ؛ فَالْكَوَارِثُ السِّيَاسِيَّةُ تَتَتَابَعُ، وَالْمُشْكِلَاتُ الْأَمْنِيَّةُ تَتَفَاقَمُ، (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ) [النجم: 57، 58]، وَإِذَا ذُكِّرَ النَّاسُ بِالتَّوْبَةِ لِرَفْعِ الْبَلَاءِ، وَدَفْعِ الْعَذَابِ؛ انْبَرَى الْمُنَافِقُونَ يَسْخَرُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَحُثُّونَ النَّاسَ عَلَى مَزِيدٍ مِنَ الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ، وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى حَرْبِ اللهِ -تَعَالَى-، وَيُشَكِّكُونَ فِي قُدْرَتِهِ وَعَذَابِهِ، وَيَسْخَرُونَ مِنْ شَرِيعَتِهِ وَأَحْكَامِهِ.. إِنَّهُمْ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ يَسْتَمْطِرُونَ الْعَذَابَ، وَيَسْتَجْلِبُونَ الْعِقَابَ، وَلَنْ يُفْلِحَ مَنْ كَانَ سَمَّاعًا لَهُمْ.
وَلَنْ تَجْنِيَ الْأُمَّةُ مِنْ طَاعَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ إِلَّا الْخِزْيَ وَالْخِذْلَانَ، وَالْفَشَلَ وَالِاضْطِرَابَ، وَقَدْ جَرَّبَ قَادَةُ الْعَرَبِ ذَلِكَ عُقُودًا كَثِيرَةً فَمَا جَنَوْا إِلَّا الذُّلَّ وَالِانْحِطَاطَ (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [الأحزاب: 48].
إِنَّنَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْمُضْطَرِبَةِ، وَالسِّيَاسَاتِ الْمُرْتَبِكَةِ، وَالْأَحْدَاثِ الْمُخِيفَةِ مُطَالَبُونَ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالتَّعَلُّقِ بِاللهِ -تَعَالَى-، وَكَثْرَةِ الْإِلْحَاحِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَحْفَظَ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ وَالْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَكْفِيَهُمْ شَرَّ أَعْدَاءِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ أَمْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا اسْتِقْرَارَهُمْ.
إِنَّنَا مُطَالَبُونَ بِاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ عَلَى دِينِ اللهِ -تَعَالَى-، وَنَبْذِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ، وَتَعْظِيمِ الدَّمِ الْحَرَامِ فِي زَمَنٍ صَارَتْ فِيهِ الدِّمَاءُ أَرْخَصَ مِنَ الْمَاءِ؛ فَإِنَّ قَتْلَ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُوبِقَاتِ، وَلَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ -تَعَالَى- مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.
إِنَّنَا مُطَالَبُونَ بِعَدَمِ الْخَوْضِ فِيمَا لَا نَعْلَمُ مِنْ أَحْدَاثٍ كُبْرَى مُتَقَلِّبَةٍ عَلَى صَفِيحٍ سَاخِنٍ يَكَادُ يَنْفَجِرُ، وَمُطَالَبُونَ بِحِفْظِ أَلْسِنَتِنَا عَنْ إِثَارَةِ الْفِتَنِ، وَلَوْكِ أَعْرَاضِ الْمُؤْمِنِينَ (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83].
إِنَّنَا مُطَالَبُونَ بِأَنْ نَثِقَ بِوَعْدِ اللهِ -تَعَالَى- لِلْمُؤْمِنِينَ، وَبِالتَّمَسُّكِ بِأَهْدَابِ الدِّينِ، وَعَدَمِ التَّنَازُلِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ مَهْمَا كَلَّفَنَا ذَلِكَ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ زَوَالُ الدُّنْيَا عِنْدَنَا أَهْوَنَ مِنْ ذَهَابِ شَيْءٍ مِنْ دِينِنَا، وَأَنْ لَا نَيْأَسَ مِنْ رَوْحِ اللهِ -تَعَالَى-، وَلَا نَشُكَ فِي وَعْدِهِ، وَلَا نَسْتَبْطِئَ نَصْرَهُ، فَإِنَّهُ قَادِمٌ مَهْمَا كَانَ الحَالُ قَاتِمًا (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47] (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات: 173] وَأَمَّا مَتَى؟ وَكَيفَ؟ فَذَلِكَ مَرَدُّهُ إَلَى الله -تَعَالَى-.
وَالمُؤْمِنُ بَينَ حَسَنَتَينِ فَإِمَّا نَصْرٌ وَعِزٌّ وَإِمَّا شَهَادَةٌ وَأَجْرٌ. فَلْنَثِقْ بِوَعْدِ الله -تَعَالَى- لَنَا، وَلْنَسْتَبْشِرْ بِنَصْرِهِ لِأُمَّتِنَا وَلَوْ عَظُمَ المَكْرُ وَالكَيدُ (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم: 46]، (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) [النمل: 51] وَكُلُّ مَنْ تَسَرَّبَ إِلَى قَلْبِهِ شَيءٌ مِنَ الخَوفِ أَوِ اليَأْسِ أَوِ الإِحْبَاطِ فَلْيُوقِنْ بِأَصْلٍ عَظِيمٍ وَهُوَ: أَنَّ القَدَرَ بِيَدِ الله -تَعَالَى- وَلَيسَ بِيَدِ الخَلْقِ، وَأَنَّ القُوةَ لله جَمِيعًا، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُ المُؤْمِنِينَ وَلَا يُقَدِّرُ لَهُمْ إِلَّا مَا هُوَ خَيرٌ لَهُمْ، وَأَنَّ مَا يُصِيبُ المُؤْمِنِينَ فِي أَقْطَارٍ شَتَّى مِنْ صُنُوفِ الأَذَى وَالتَّقْتِيلِ وَالتَّهْجِيرِ وَالتَّعْذِيبِ لَيسَ إِلَّا قَدَرًا قَدَّرَهُ اللهُ -تَعَالَى- عَلَيهِمْ، وَلَنْ تَكُونَ عَاقِبَتُهُ إِلَّا خَيرًا لَهُمْ، مَتَى مَا صَبَرُوا وَثَبَتُوا عَلَى دِينِهِمْ (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود: 49].
إِنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَسْتَحْضِرَ سِيرَةَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي مَوَاقِفِهِمُ الْعَصِيبَةِ؛ فَنُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا رَبَّهُ (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [القمر: 10]، وَالْخَلِيلُ لَمَّا قُذِفَ فِي النَّارِ قَالَ: "حَسْبِيَ اللهُ"، وَمُوسَى وَقَفَ أَمَامَ الْبَحْرِ وَالْعَدُوُّ خَلْفَهُ وَقَالَ: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62]، وَيُونُسُ لَمَّا ضَاقَتْ بِهِ الْحِيلَةُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ دَعَا قَائِلًا: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87]، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظَلَّ فِي بَدْرٍ يُنَاشِدُ رَبَّهُ وَيُلِحُّ فِي دُعَائِهِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبِهِ، فَلَاذَ كُلُّ الرُّسُلِ فِي الشَّدَائِدِ بِاللهِ -تَعَالَى-، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، وَاعْتَصَمُوا بِهِ، وَسَأَلُوهُ مُوقِنِينَ بِالْإِجَابَةِ، وَلَمْ يَتَخَلَّوْا عَنْ دِينِهِمْ، أَوْ يَتْرُكُوا دَعْوَتَهُمْ، أَوْ يُغَيِّرُوا مَنْهَجَهُمْ؛ اتِّقَاءً لِأَعْدَائِهِمْ، أَوِ اسْتِبْقَاءً لِأَنْفُسِهِمْ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 140-141].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَنْصَارِ دِينِهِ، وَمِنْ حَمَلَةِ شَرِيعَتِهِ، وَرَزَقَنَا الشَّهَادَةَ عَلَى الْحَقِّ ثَابِتِينَ لَا مُبَدِّلِينَ، مُقْبِلِينَ غَيْرَ مُدْبِرِينَ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ....
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ؛ بَلَّغَنَا عِيدَنَا، وَأَتَمَّ نِعْمَتَنَا، وَدَرَأَ الشَّرَّ عَنَّا، وَعَافَانَا مِمَّا ابْتَلَى بِهِ غَيْرَنَا، وَجَعَلَنَا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ، الْكَبِيرُ الْمُتَعَالُ، شَدِيدُ الْمِحَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَمُصْطَفَاهُ مِنْ عِبَادِهِ؛ رَفَعَ اللهُ -تَعَالَى- ذِكْرَهُ، وَأَعْلَى شَأْنَهُ، وَنَشَرَ دَعْوَتَهُ؛ فَنَحْنُ نَتَفَيَّأُ ظِلَالَهَا فَضْلًا مِنَ اللهِ -تَعَالَى- وَنِعْمَةً، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اشْكُرُوا اللهَ رَبَّكُمْ فِي يَوْمِ عِيدِكُمْ، وَبَرُّوا وَالِدِيكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ، وَاعْطِفُوا عَلَى صِغَارِكُمْ، وَأَدْخِلُوا السُّرُورَ عَلَى أَهْلِكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَعِيشُوا مَآسِيَ إِخْوَانِكُمْ؛ فَإِنَّ مُصَابَ الْمُسْلِمِينَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الدِّيَارِ عَظِيمٌ؛ قُتِلَ رِجَالُهُمْ، وَيُتِّمَ أَطْفَالُهُمْ، وَاسْتُبِيحَتْ بُلْدَانُهُمْ، وَفِي رَمَضَانَ دَكَّ الْيَهُودُ إِخْوَانَكُمْ فِي غَزَّةَ فَقَتَلُوا وَجَرَحُوا وَدَمَّرُوا، وَالْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، يَحْزَنُ لِحُزْنِهِ، وَيَكْرَبُ لِكَرْبِهِ، وَيَأْسَى عَلَى مُصَابِهِ، فَكُونُوا لِإِخْوَانِكُمْ إِخْوَانًا؛ فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- أَمَرَنَا بِذَلِكَ (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة: 71] (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ: اتَّقِي اللهَ تَعَالى فِي نَفْسِكِ، وَفِي حِجَابِكِ وَعَفَافِكِ، وَلَا تَكُونِي فِتْنَةً لِغَيْرِكِ؛ فَإِنَّ الْأُنُوثَةَ وَالْجَمَالَ نِعْمَةٌ وَفِتْنَةٌ، فَإِنْ أَخْفَتْهُ الْمَرْأَةُ إِلَّا عَنْ حَلِيلِهَا كَانَ نِعْمَةً عَلَيْهَا، وَإِنْ أَبْدَتْهُ لِغَيْرِهِ كَانَ نِقْمَةً عَلَيْهَا. وَمَنْ تَقْدِرُ عَلَى حَمْلِ آثَامِ كَثِيرٍ مِنَ الرِّجَالِ وَهِيَ لَا تَعْرِفُهُمْ حِينَ تُبْدِي شَيْئًا مِنْ مَفَاتِنِهَا لَهُمْ.
كُونِي -أَيَّتُهَا الصَّائِمَةُ الْقَائِمَةُ- كَمَا كَانَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ، وَكَمَا كَانَ خِيَارُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ طُهْرًا وَعَفَافًا وَاسْتِقَامَةً عَلَى الدِّينِ، وَطَلَبًا لِمَرْضَاةِ اللهِ -تَعَالَى-؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ عَاشُوا أَيْتَامًا فِي كَنَفِ أُمَّهَاتٍ عَظِيمَاتٍ، مَا رَضِينَ إِلَّا أَنْ يُخَرِّجْنَ أَئِمَّةً كِبَارًا حَفَرُوا أَسْمَاءَهُمْ فِي التَّارِيخِ الْبَشَرِيِّ، وَسَيَظَلُّ ذِكْرُهُمْ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ -تَعَالَى-. حَفِظَ اللهُ -تَعَالَى- نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِهِ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِنَّ بِسَتْرِهِ، وَكَفَاهُنَّ شُرُورَ أَنْفُسِهِنَّ، وَشُرُورَ الْمُتَرَبِّصِينَ بِهِنَّ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَعَادَهُ اللهُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ -تَعَالَى- مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ صَالِحَ الْأَعْمَالِ.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].