المجيب
كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد أحمد عبد الكريم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الزكاة |
مانع الزكاة توعده الله -عز وجل- بالعذاب الأليم؛ فقال سبحانه: (وَ?لَّذِينَ يَكْنِزُونَ ?لذَّهَبَ وَ?لْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ?للَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى? عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى? بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَ?ذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ). وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة ..
أما بعد:
فأوصي نفسي المقصرة وإياكم بتقوى الله سبحانه.
ثم أما بعد:
فيقول الله سبحانه: (وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَوةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ) [البينة:5].
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله".
إخوة الإسلام، وأحباب الحبيب المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم-: حديثنا اليوم عن ركن عظيم من أركان الإسلام، ألا وهو الركن الثالث من أركان الإسلام الزكاة، والتي قرنها الله في كتابه وفي سنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة، ولذلك فقد قاتل الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- مانعي الزكاة، وقال: "والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها: الأولى: قول الله تعالى: (أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) [النساء:59]، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه، الثانية: قوله تعالى: (وَأَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَآتَوُاْ الزَّكَوةَ) [البقرة:277]، فمن صلى ولم يُزَكِّ لم يقبل منه، الثالثة: قوله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ) [لقمان:14]، فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه".
وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "من كان له مال تجب فيه الزكاة ولم يُزَكِّ سأل الرجعة عند الموت -أي سأل العودة إلى الحياة حتى يزكي- فقال رجل لابن عباس: اتق الله إنما يسأل الرجعة الكفار، فتلا ابن عباس -رضي الله عنهما- على الرجل قول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ الصَّلِحِينَ) [المنافقون:10].
مانعو الزكاة سماهم الله مشركين؛ فقال سبحانه: (وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ بِلآخِرَةِ هُمْ كَفِرُونَ) [فصلت:6-7].
مانع الزكاة توعده الله -عز وجل- بالعذاب الأليم؛ فقال سبحانه: (وَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:35-36]. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار".
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم، ولكن يوسع الله جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على جلده".
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته، مُثِّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع -وهو الثعبان- له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم أخذ بلهزمتيه -أي شدقيه- ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك"، ثم تلا -عليه الصلاة والسلام- قول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَمَةِ) [آل عمران:180].
فيا من آتاه الله مالاً ولم يؤد زكاة هذا المال: اتق الله؛ فبسببك وأمثالك منع الناس القطر من السماء، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "وما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين -أي بالجدب والقحط- ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا".
الزكاة -يا عباد الله- طهارة للمال وطهارة للنفس، طهارة لنفس الغني من الشح والبخل، وطهارة لنفس الفقير من الحسد والبغض والحقد، يقول تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْولِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا) [التوبة:103].
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم-: والله الذي لا إله إلا هو لو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم لما رأينا فقيرًا ولا مسكينًا ولا جائعًا ولا عاريًا ولا محرومًا، وهذا ما حدث في عصر الخليفة العادل الإمام الزاهد عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-، يوم أن أقيم العدل في الأمة، ويوم أن عرف الأغنياء حق الله في أموالهم، جمعت الزكاة في عصر عمر بن عبد العزيز، وأراد عمر أن يوزعها فلم يجد فقيرًا واحدًا في أنحاء الأمة، عقمت أرحام الدولة العمرية أن تلد فقيرًا أو مسكينًا! وكان عمر بن عبد العزيز يحكم أمة تمتد حدودها من الصين شرقًا إلى باريس غربًا، ومن حدود سيبيريا شمالاً إلى المحيط الهندي جنوبًا، ومع ذلك جمع عمر بن عبد العزيز الزكاة فلم يجد مسكينًا واحدًا يأخذ الزكاة، وفاض المال في بيت مال المسلمين، فأصدر عمر بن عبد العزيز أمرًا بأداء الديون وقال: "اقضوا عن الغارمين"، فقضى ديون الناس ومازال المال فائضًا، فأصدر أمرًا بإعتاق العبيد من بيت مال المسلمين، فأعتق العبيد ومازال المال فائضًا في خزينة الدولة، فأصدر أمرًا بتزويج الشباب وقال: "أيما شاب أراد أن يتزوج فزواجه على حساب بيت مال المسلمين". فتزوج الشباب وبقي المال.
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم-: تجب الزكاة في أربعة أنواع من المال: في الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية، وفي عروض التجارة، وفي الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، وفي بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، فإذا بلغ المال النصاب وحال عليه الحول وجبت عليه الزكاة، وقد بين الله -سبحانه وتعالى- مصرف الزكاة في كتابه الكريم فقال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَتُ لِلْفُقَرَاء وَلْمَسَكِينِ وَلْعَمِلِينَ عَلَيْهَا وَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرّقَابِ وَلْغَرِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ اللَّهِ وَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:60].
فلا يجوز ولا يجزئ صرف الزكاة لغير هذه الأصناف الثمانية التي بينها الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية، ولا يجوز للأغنياء ولا للأقوياء المكتسبين أن يأخذوا منها، فإن أخذوا منها فإنما يأخذون حرامًا وسحتًا؛ في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سأل الناس تكثرًا فإنما يسأل جمرًا، فليستقل أو ليستكثر". وفي الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم".
إخوة الإسلام: شهر رمضان شهر البر والإحسان، شهر المواساة والرحمة، شهر الإنفاق والصدقة، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان أجود بالخير من الريح المرسلة، فما أحسن المعروف -يا عباد الله- وما أحسن الجميل، والله لو كان الجميل رجلاً لكان حسنًا، وما أقبح القبيح، والله لو كان القبيح واللؤم رجلاً لكان قبيحًا.
ويقول الشاعر عن البذل والجود:
ولم أر كالمعروف أما مذاقه | فحلوٌ وأما وجهه فجميل |
والله -سبحانه وتعالى- يقول: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْولَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ وَللَّهُ يُضَعِفُ لِمَن يَشَاء وَللَّهُ وسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:261].
والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا".
الخير أبقى وإن طال الزمان به | والشر أخبث ما أوعيت من زاد |
فيا من أراد أن يخلف الله عليه وأن يبارك له في رزقه وفي دخله: أنفق على الفقراء والمساكين، وتفقد الأرامل واليتامى والمحرومين، وأنفق من أموالك في أوجه الخير والبر.
إذا كان بعض الجاهليين -يا عباد الله- لا يرضون أن يعيش في مجتمعهم جائع ولا مسكين، وهم وثنيون لا يعرفون ربًا ولا رسولاً ولا دينًا، فما بال أهل الحق يبخلون بفضل الله على عباد الله.
فقدموا لأنفسكم -يا عباد الله- شيئًا تلقونه هناك، قدموا للقبر، قدموا للصراط، قدموا ليوم الفضائح والكربات، واعلموا أن من قدم خيرًا فإنما يقدم لنفسه: (وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ) [المزمل: 20].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (مَّنْ عَمِلَ صَلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّمٍ لّلْعَبِيدِ) [فصلت:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فقد شرع الله لنا في ختام شهرنا عبادات تزيدنا منه قربًا، وترفع درجتنا عنده -سبحانه وتعالى-، من هذه العبادات زكاة الفطر، فرضها الله -سبحانه وتعالى- تطهيرًا للصائم مما قد وقع في صيامه من لغو ورفث ونقص وإثم، وطعمة للمساكين وإظهارًا للمودة والرحمة والمواساة بين الناس، وهي فريضة على الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين.
فعن عبد الله بن عمر -كما في الصحيحين- أنه قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين.
وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
ومقدار هذه الزكاة صاع من قوت البلد تصرف إلى الفقراء والمساكين.
وأما وقت إخراج هذه الزكاة فهو صباح يوم العيد بعد صلاة الفجر، وقبل صلاة العيد، ولذلك سن تأخير صلاة عيد الفطر حتى يتسع الوقت لإخراج هذه الزكاة، وسن تعجيل صلاة عيد الأضحى حتى يتفرغ الناس بعد الصلاة لذبح ضحاياهم.
ويجوز إخراج صدقة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد إلا بعذر.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلني وإياكم من عباده المقبولين في هذا الشهر الكريم، وأن يجعلنا من عباده الفائزين المستبشرين برضوانه وجناته، ومن عتقائه وطلقائه من النار.
يا ابن آدم: أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان.