المقيت
كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة - الصيام |
إن نبيكم صلى الله عليه وسلم شرع لكم في نهاية شهركم هذا صدقة الفطر أو زكاة الفطر، وصدقة الفطر فريضة فرضها محمد صلى الله عليه وسلم، فدلَّ على فرضيتها سنة محمد صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان، صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين ..
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: إن العمل الصالح لا بد أن يكون خالصًا لله تعالى حتى يُقبل، نبينا صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه عن ربه -عز وجل-: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"، وفي لفظ: "وأنا منه بريء".
وكذلك لا بد أن يكون العمل صالحًا، على وفق ما دل عليه كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم.
فالعمل الصالح ما وافق كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن كان هذا العمل خالصًا ولكنه على خلاف شرع الله ما قبله الله، ففي الحديث: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، وقد جمع الله المعنيين في قوله: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا) [الكهف:110]، ولهذا في الحديث: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا"، "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا"، "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا"، فلا بد من إخلاص، ولا بد من موافقة شرع الله.
أيها المسلم: اعرف نعمة الله عليك بتوفيقك للعمل الصالح، ولولا فضل الله عليك لكنت من الهالكين. إن أداءك العمل الصالح توفيقٌ من الله لك، وعون من الله لك، فلو وكلك الله إلى نفسك لهلكت، فالشيطان متسلط عليك، كل لحظة يتمنى أن يضلك ويغويك: (قَالَ أَرَءيْتَكَ هَـاذَا الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء:62]، وقال عنه: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـاكِرِينَ) [الأعراف:16، 17]، ولكن الله عصم منه عباده المخلصين: (إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـانٌ) [الحجر:42].
إذًا -أيها المسلم- فأداؤك العمل الصالح توفيق من الله لك، وعون من الله لك، الله يقول لنبيه: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَـاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذًا لأَذَقْنَـاكَ ضِعْفَ الْحَيَوةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ) [الإسراء:74، 75].
إذًا يا أخي، فإذا وُفقت لعمل صالح فاعلم أن هذا فضل من الله عليك، وكرمٌ من الله عليك، وكم ضل أقوام وزاغت قلوب أقوام ما وفقهم الله للصواب، والله يقول لنبيه: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْء) [النساء:113].
أيها المسلم: فاعرف نعمة الله عليك، واحمد الله على التوفيق والتيسير.
أيها المسلم: وُفِّقت لأسباب الخير فاحمد الله على ذلك، فالله الذي هيأ لك أسباب الخير، والله الذي أعانك على ذلك: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَتَّقَى * وَصَدَّقَ بِلْحُسْنَى * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِلْحُسْنَى * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل:5-10]، فإذا أخذت بأسباب الخير والتجأت إلى الله، ووثقت بالله، وعلمت حقًّا أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، رُجي لك ذلك الخير.
أيها المسلم: إياك أن تأتي بأمور قد تكون سببًا لحبوط العمل، فمن ذلك الغرور بالنفس والانخداع والإعجاب بالنفس والتكبر على الله بالعمل.
أيها المسلم: لولا توفيق الله لك ما عملت، ولولا هداية الله لك ما استقمت، قال تعالى: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَـانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:83]، إياك أن تُعجب بعملك، إياك أن تغتر بنفسك، إياك أن يدخلك الكبر والعجب، بل كلما أحسست بشيء من ذلك فذكر نفسك أن ذلك فضل من الله عليك، وأنه لولا فضل الله ورحمته لأغواك الشيطان وأضلك عن سواء السبيل: (إِنَّ الشَّيْطَـانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَـابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6].
فإياك والاغترار والإعجاب، واعلم أن الفضل من الله عليك، فله الفضل عليك أولاً وأخيرًا.
أيها المسلم: إن المؤمن كلما عمل العمل وأخلصه لله، وكان عمله صالحًا، هو لا يغتر بنفسه، يخاف على هذا العمل أن يعرض له ما يحبطه أو يذهبه: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـالَكُمْ) [محمد:33]، ويقول: (وَلاَ تَكُونُواْ كَلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـاثًا) [النحل:92]، لكن المؤمن يحافظ على العمل، كان سلفكم الصالح يهتمون بقبول العمل أعظم اهتمامًا بالعمل، قال بعضهم: "كونوا لقبول العمل أشدَّ منكم من العمل".
قال الله -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ * وَلَّذِينَ هُم بِـئَايَـاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَلَّذِينَ هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ * وَلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهِمْ رجِعُونَ) [المؤمنون: 57-60]، يعملون الأعمال الصالحة ويخشون أن لا يتقبل منهم، قيل: وذلك لقوة الإيمان، ومعرفتهم بربهم وأنفسهم يخافون على الأعمال أن ترد عليهم، كان السلف يخافون النفاق على أنفسهم، ويقول بعضهم: "ما خاف النفاق إلا مؤمن، وما أمن النفاق إلا منافق"، كل ذلك حرصٌ على العمل الصالح أن يتطرق إليه ما يذهبه أو ينقص ثوابه.
أيها المسلم: وأنت اليوم على أبواب ختام رمضان، فاحمد الله قبل كل شيء أن بلغك رمضان، واحمد الله أن يسر لك فيه الصيام والقيام وتلاوة القرآن، واحمد الله إذ بلغك كمال رمضان في صحة وسلامة وأمن واطمئنان. فاحمد الله على هذه النعم، واشكره عليها كل آنٍ وحين، فهو تعالى يحب من عباده أن يشكروه، واسأل ربك أن يختم لك رمضان بالحسنى، وأن يجعلك في عداد المقبولين، أن يجعلك ممن قبل صيامه وقيامه، فهذا هو المطلوب، نسأل الله أن يتقبل منا.
إبراهيم وإسماعيل نبيان من أنبياء الله، يشيدان بيت الله الحرام، ويقولان: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 127]، فالمسلم يسأل ربه قبول عمله والله يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].
نسأل الله أن يجعلنا من المتقين، الذين قبل الله عملهم، وأثابهم فضلاً منه ورحمة، وإلا فالتقصير منا والإساءة موجودة، ولكنّ رجاءنا في الله قوي، فنتعلق برجاء الله، ونسأله أن يعاملنا بعفوه، فهو أهل الكرم والجود، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَـاسِرِينَ) [الأعراف:23].
أيها المسلمون: إن نبيكم صلى الله عليه وسلم شرع لكم في نهاية شهركم هذا صدقة الفطر أو زكاة الفطر، وصدقة الفطر فريضة فرضها محمد صلى الله عليه وسلم، فدلَّ على فرضيتها سنة محمد صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان، صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين.
وما فرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكمه حكم ما فرضه الله؛ لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم أعطاه الله القرآن ومثله معه، يقول صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه".
وقد أنكر صلى الله عليه وسلم على الخوارج الذين ردوا سنته متمسكين في زعمهم بالكتاب، وأخبر أن الله أعطاه الكتاب ومثله معه، قال الله -جل وعلا-: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى) [النجم: 3، 4]، فطاعة الرسول طاعة لله، (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء:80]، (وَمَا ءاتَـاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـاكُمْ عَنْهُ فَنتَهُواْ) [الحشر:7].
فهي فريضة على عموم المسلمين ذكورهم وإناثهم، صغارهم وكبارهم، أحرارهم وعبيدهم، أغنيائهم وفقرائهم، لعموم السنة.
فيؤديها المسلم عن نفسه، وعمن ينفق عليه من الزوجة والأولاد والأبوين إن كان ينفق عليهم، ويؤديها عمن ينفق عليه ممن يستخدمهم في منزله وأماكن عمله لحديث: "أدوا صدقة الفطر عمَّن تمونون".
واستحب أمير المؤمنين عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم في قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"، استحب إخراجها عن الجنين في البطن.
وحكمها فريضة، ومن لم يؤدها فهو عاصٍ لله -جل وعلا-، وحكمتها إطعام المساكين، وإغناؤهم عن سؤال القوت في يوم العيد ليشاركوا إخوانهم فرحتهم وسرورهم، وفيها أيضًا زكاةٌ لهذا البدن الذي مضى عليه عام، وهو في سلامة وعافية من الله، وهي طهرة للصائم، عما حصل عليه في صيامه من لغو ورفث قوليٍّ أو عملي، قال عبد الله بن عباس: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين"، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
وفرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم في طعام الآدميين الذي يأكلونه على اختلافه، إذًا فلا تخرج من علف البهيمة، ولا من فرش وأوانٍ وغيرها، قال أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: "كنا نعطيها زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، قال: وكان طعامنا يومئذ الأقط والشعير والتمر والزبيب". فيخرجها الإنسان من التمر، من البر، من الأرز، من الشعير، من الأقط، من الزبيب، من أي صنف من هذه الأصناف الخمسة، وينظر أي الأصناف أنفع للفقير، فيعطيه فذاك أفضل. فإن رأى إعطاءه الأرز أفضل أعطاه، وإن رأى التمر أفضل أعطاه، المهم أن يعطي الفقير ما هو أنفع له، وما يستفيد منه.
ولا يجوز لنا أن نخرج قيمتها بأن نقدّر قيمتها ونعطيها الفقير؛ لأن هذا غير معمول به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه الراشدين، ولا في عصر الصحابة والتابعين، واتباع أولئك أولى، فلا ينبغي الخروج عن ذلك، والقيمة لا تجزئ لأنها صدقة خفية وصدقة الفطر صدقة معلنة.
والمقدار الواجب صاع من الأرز أو البر أو التمر أو الشعير أو الأقط أو الزبيب، والصاع يقدَّر بالوزن بمقدار ثلاثة كيلوجرامات، فمن أخرج ذلك فقد أبرأ ذمته.
أيها المسلم: وهذه الصدقة تجب على المسلم إذا أدرك غروب شمس آخر يوم من أيام رمضان، فإذا أدرك غروب شمس آخر يوم من أيام رمضان وجبت عليه صدقة الفطر.
وهذه الصدقة لها وقتان: وقت استحباب، أن يخرجها يوم العيد في طريقه إلى المصلى، قال أبو سعيد الخدري: "كنا نعطيها زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد قبل الصلاة"، وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "وأمر النبي أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة"، والوقت الجائز أن تخرجها قبل العيد بيوم أو يومين، فمن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين فإنها مجزئة إن شاء الله.
أيها المسلم: ويؤديها المسلم في المكان الذي أدركه غروب شمس آخر يوم من أيام رمضان في ذلك المكان، وإن أناب أهله أن يدفعوها عنه فإنه لا مانع من ذلك.
ولا بد أن يتسلمها الفقير بنفسه من الغني، أو ينيب عنه من يقبضها، وأما ادخارها للفقير وهو لم يوكل عليها أحدًا، فإن ذلك لا يجزئ؛ لأنها تنتهي بانتهاء صلاة العيد، فالمبادرة بالإخراج هو الأولى.
أيها المسلم: اختر لفطرتك طعامًا طيبًا، فإن الله يقول: (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ) [البقرة:267]، فاختر الطعام الطيب، الذي ينتفع به الفقير ويستفيد منه، فإنك بذلك تؤدي هذه العبادة على أكملها.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والعون على كل خير.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: يحرص بعض الإخوان على النفع العام، وعلى التعاون على ما ينفع الغني والفقير، وحقًّا إن التعاون مطلوب، هذا التعاون يتمثل في صدقة الفطر، فنسمع دائمًا إعلانات عن كوبونات لزكاة الفطر: ادفع عشرة ريالات وخذ هذا الكوبون، ومعناه أن ذمتك قد برئت بأداء تلك العبادة، هكذا يقال ويعلن عنه، وهذا -يا إخواني- خطأ عظيم، وتفريط في أداء هذه العبادة، هذه الصدقة هي عبادة، وأمانة عندك أن توصلها إلى الفقير المستحق لها، وأما شراء هذا الكوبون الذي يقولونه، فإنما ذلك تفريط منك، وأنت لا تدري أهؤلاء يخرجونها في وقتها ويؤدونها في وقتها أم يتهاونون بها؟! وليسوا هم وكلاء عن الفقراء، ولا نواب عن الفقراء، أبدًا. فهذا التصرف، تصرف خاطئ، ثم في هذا أيضًا، هذا الكوبون، يقولون: إن القيمة عشرة، وريال يخصم للجمعية، وتسعة ريالات يأخذها من يبيع صدقة الفطر، فكأنهم اتخذوا هذه العبادة وسيلة لجلب الأموال لهم، وانتفاعهم بها، وهذا -يا إخواني- من الخطأ، كثير من أولئك جمعوا صدقات الفطر من الناس، ثم أعياهم الأمر، فانتهت صلاة العيد وما أوصلوها لمستحقيها، وليسوا نوابًا عن الفقراء ولم ينوِّبهم الفقراء عنهم.
فليعلم المسلم أن المطلوب منه أن يؤدي هذه العبادة، ويحرص على إيصالها لمستحقيها، ويبحث عن الفقير، هؤلاء يقولون: الفقراء لا تعلمونهم نحن نعلمهم، لماذا؟! المسلم مطالب بالسعي والبحث عمن يستحق هذه العبادة، ولو بحث لوجد لها، وأما أخطاء بعض الناس وتصرفات بعض الناس غير الصواب، فلا يحكم بها على شرع الله، فالسنة قائمة في أن المسلم يؤدي هذه العبادة، ويبحث عن مستحقيها، وأما هذه الكوبونات وأمثالها، فإنما هي وسيلة إلى أخذ المال والاتجار بالأموال، والربح من ورائها، وتعطيل هذه العبادة، والإخلال بها، فليكن المسلم على حذر، وليؤدِّ هذه العبادة بنفس مطمئنة، وليبحث عن المستحق لها فهذا هو المطلوب.
أسأل الله أن يوفقني وإياكم لصالح القول والعمل.
واعلموا -رحمكم الله- أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم...