البحث

عبارات مقترحة:

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

العمل الخيري خطبة عيد الفطر لعام 1424هـ

العربية

المؤلف صالح بن عبد الله بن حميد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. فرحة العيد وترجمتها إسعادا للأقرباء وإسعافا للفقراء .
  2. أهمية تصدي العلماء والساسة للتلبيس .
  3. رفض الإرهاب ورفض الخلط في مفهومه .
  4. أهمية العمل الخيري .
  5. آثار توقُّف العمل الخيري .
  6. التصدي لحملة تشويه صورة العمل الخيري .
  7. السعي لمنهج التوسط والاعتدال .
  8. الفرح بالعيد بعيدا عن المنكرات .
  9. أعمال العيد وما بعده .

اقتباس

وليس من المبالغةِ القولُ بأنّ العمل الخيريَّ يُعدّ من خطوطِ الدّفاع الأولى للدّول والأمَم، والإجهاز على هذا الخطّ بتشويهٍ أو تشكيك أو إضعاف أو تحجيم هو إجهازٌ على قوّةٍ من أهمّ القوى المساندة لأيّ دولةٍ أو مجتمع، فلا بدّ من التنبّه ودقّة النّظر والتدبّر والاعتبارِ، والحذَر من مكرِ الماكرين وكيدِ الكائدين ..

أمّا بعد: فأوصيكم -أيّها النّاس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فاتّقوا الله رحمكم الله، فالتّقوى خير ذخرٍ يُدّخر، واتقوا الفواحشَ ما بطن منها وما ظهَر، ولا تغرّنّكم الحياة الدنيا، ولا يغرّنّكم بالله الغرور.

أيّها المسلمون: تقبَّل الله طاعاتِكم وصالحَ أعمالكم، وقبِل صيامَكم وقيامكم، وجعلنا وإيّاكم جميعًا ممّن ينادَى: (كُلُواْ وَشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) [الحاقة:24].

شعارُكم التّكبير، ونداؤكم التّوحيد: الله أكبَر، الله أكبر، لا إلهَ إلاّ الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

حقٌّ لأهلِ الإسلامِ أن يفرَحوا بعيدِهم، ويتزاوَروا ويتبادَلوا التّهاني، مطلوبٌ منهم أن يُسعِدوا أنفسَهم وأهليهم، ويسعِدوا الفقراءَ واليتامى والمحاويج، فشهرُ رمضانَ شهر البرّ والإحسانِ والجود، وهو متوّج بتقديم زكاةِ الفطر.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحانَ الله بكرة وأصيلاً.

أيّها المسلمون: ومع كلِّ هذه الأعمالِ والاستبشار بالعِيد وفرحتِه غيرَ أنّه لا بدّ من كلمةِ حقّ تُقال في هذه الأيّام، وفي هذه الظروفِ التي تحيط بعيدِنا بأهل الإسلام وبأمّتنا وبالعالم أجمَع.

إنّ الجهادَ في سبيل الحقيقة هو ما يجِب أن يُبذَل في هذا الوقت وفي هذا العصرِ الذي لم يسبق له مثيلٌ في تاريخ الإنسانيّة من حيث القوّةُ القاهرة لسلطانِ التّضليل وتشويه الحقائق.

إنّ تقنيات الإعلام وتصريحاتِ السّاسة وكتاباتِ المثقّفين في الخارج أوجدت خلطًا ولَبْسًا يدعو إلى الدّهشة؛ ممّا يحتِّم على طلاّب الحقّ ودعاتِه المجاهدةَ لإيضاحِ الحقيقة، والتصدّي لهذا اللّبس، ونصر الحقّ، يجب على كتّابِ المسلمين وعلمائهم وساستِهم ومثقّفيهم أن يبذُلوا في هذا السّبيل أقصى الجهود وعلى كلّ المستويات، إنّ لزامًا على كلّ من يَرى الخطأ أن يصحِّح، ومن يرى الانحرافَ أن يعدِّل.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيّها المسلمون: الإرهابُ مرفوضٌ، والأعمال الإرهابيّة كلُّها إجرَام، ويجب التصدّي لها بكلّ قوةٍ، وسدُّ كلِّ الأبواب الموصلةِ إليها، فقتل النّفوس المعصومةِ إرهاب، وتدمير الممتلكات وترويعُ الآمنين كلُّ ذلك إرهاب، ومع هذا كلِّه فإنّ مِن المطلوب المتعيِّن وضعَ تعريفٍ محدّدٍ متَّفق عليه للإرهاب حتّى لا تؤخَذ دوَلٌ ولا أفراد ولا منظّمات ولا مؤسّسات ولا جمعيّات باسم الإرهاب، بينما يوجَد مثلها ونظائرُها في الطرَف الآخر ولا تُتَّهم بالإرهاب.

إنّ هناك مناطقَ ساخنةً في العالم، وبؤَرًا ملتهِبة، ولكن -مع الأسف- لا يتعامل معها الإعلام ولا خطابُ السّاسة بمعيار واحدٍ، فهذه منظّمة إرهابيّةٌ وتلك غيرُ إرهابيّة، وطبيعة عمَلِهما واحدٌ، ونشاطهما واحد، بل إنّ بعضَها قديمًا كان يُسمَّى حركةَ مقاومَة، وبعضها حركةَ تمرُّد، وبعضها حركةَ انفصال، ثمّ تحوّلت جميعًا ليطلَق عليها حركات إرهابيّة، تغيّر الاسمُ ولم يتغيّر المسمَّى.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيّها المسلمون: والمناسبة مناسبةُ عيد، وجعل الله أعيادَكم مباركة، لا بدّ مِن أن يُثارَ حقّ الفقراءِ واليتامى والأرامل والمرضى والمحتاجين، كيفَ سيأتي عليهم هذا العيدُ وأعمال البرّ ومؤسّساتُ الخير وجهود الإغاثة ممّن اكتوَت بهذا الخلطِ في المفاهيم، وتأثّرت بهذا اللّبس في المصطلحات؟.

إنّ العملَ الخيريّ هو كفُّ الرحمةِ التي يسوقها الله -عز وجل- لتمتدَّ على كلّ أرضٍ، وتجوبَ كلَّ قطر، لتمسحَ دموعَ اليتامى وتبدِّد أحزانَ الثكلَى، وتقتلعَ مآسيَ الأرامل، وترعى الأطفالَ، وتحنوَ على المنكوبين، وتعالجَ المرضى، وتنشرَ العلمَ في الجاهلين.

كم للشّتاء القارس مِن رزايا! وكم للحروب من ضَحايا! وكم للفقر من أنياب، فيطرُق العمل الخيريّ برجالِه ونسائِه ومؤسّساته ومحسِنيه أبوابَ هؤلاء جميعًا ليحملَ لهم بإذن الله الفرجَ بعدَ الشدّة والسرورَ بعد الحزن والبسمةَ بعد الدّمعة والنورَ بعد الظّلمة، في لمسةٍ حانِية ويدٍ مشفِقة، في وجهِ قسوةِ الأيام الضّارية.

العمل الخيريُّ هو ملتقى الحضاراتِ، وهو جامعُها، وهو المقرّب بين الشّعوب، وهو بريد السّلام واستقرار العالم.

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، وصلّى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبِه وسلّم تسليمًا كثيرًا.

معاشرَ الإخوة: أمّا في الإسلام فإنّ أعمالَ الخير من المطلوبات الكبرى في الدّين، وليس شيئًا فرعيًّا أو أمرًا جانبيًّا، فضلاً عن أن يكون مَعرّةً تُنكَر، أو تهمةً تدفَع، بل إنّه مطلوب كما يُطلَب الركوع والسّجودُ وأنواع العبادة، وذلك كلُّه سبيل الفلاح، (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ ارْكَعُواْ وَسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَفْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِى اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) [الحج:77-78].

أيّها الإخوة في الله: وإذا كان ذلك كذلك فليُعلَم أن نجاحَ العملِ الخيريّ يُعَدّ مقياسًا وتقويمًا لمستوى عيشِ الأمَم والأفرادِ والدّول، وعاملاً من عوامِل التوازُن والتكامُل بينَ الأغنياء والفقراء.

العمل الخيريّ صمّام أمان، بل هو -بإذن الله- الأمن الوقائيُّ في المجتمعاتِ وبين الدّوَل، فهو يساعِد على تقليص الجريمةِ، ونزعِ مخالب الشحّ والحَسَد، فثماره وآثاره تعُمّ الجميعَ القاصيَ والداني، ويتحقّق به التوازن السياسيُّ والاقتصادي، وكبحُ جِماح طغيان قطاعٍ على قِطاع.

وليس من المبالغةِ القولُ بأنّ العمل الخيريَّ يُعدّ من خطوطِ الدّفاع الأولى للدّول والأمَم، والإجهاز على هذا الخطّ بتشويهٍ أو تشكيك أو إضعاف أو تحجيم هو إجهازٌ على قوّةٍ من أهمّ القوى المساندة لأيّ دولةٍ أو مجتمع، فلا بدّ من التنبّه ودقّة النّظر والتدبّر والاعتبارِ والحذَر من مكرِ الماكرين وكيدِ الكائدين.

العاملون في الجمعيّاتِ الخيريّة هم سفراء شُرَفاء، يحمِلون الإخلاصَ والحبّ مِن دولِهم ومواطنيهم، وعملُ الخير ينطلق من أفئدَتِهم قبلَ أن توزّعه أيديهم، ولا نزكّي على الله أحدًا، بل الله يزكِي من يشاء، ووقوع الأخطاءِ الفرديّة والاجتهاد الخاطِئ لا يؤثّر على القاعدةِ، ولا يشوِّش على شرفِ المهمّة ونُبلِ أهلها.

إنَّ القائمين على الأعمالِ الخيريّة قد تجاوزوا مصالحَهم الذاتيّة وعاشوا لغَيرهم، بل عاشوا للفقراءِ واليتامى والمرضَى والأرامِل وأُسَر القتلى والشّهداء، وتفانَوا وضحَّوا وبَذَلوا في سبيلِ تحقيقِ المصالح العامّة ابتغاءَ رضوان الله.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

معاشرَ الإخوة: أيّ شقاءٍ سيحلّ بالبشريّة إذا حيل بينها وبين هذا الخير؟! وأيّ بؤسٍ سوف يعشعِش في أجوائها إذا اغتيل هذا العطاء؟! كم ستكون الصّدمة إذا توقّفت قوافلُ الخير ومسيرات البرّ، وحُجِب النّور، ورُدِم أهل العطاء، وأغلِق باب المعروف؟! سوف تكون الكارثة التي تحلُّ بالأرض وأهلِ الأرض، وحينئذٍ لا تعاوُنَ ولا تآزُرَ ولا تواصُلَ ولا تراحمَ ولا بذلَ ولا عطاء، ليهلك المتخَم بتخمتِه، ويموتَ الجائع بجوعه، ويرتكسَ العالم في مستنقَع الأنانيّة البغيضةِ، والأثرَة المقيتة، وتفترس هؤلاء الضّعاف ذئاب البشر، فلا حول ولا قوّة إلا بالله.

أيّها المسلمون: يجب الوقوفُ الحازم أمامَ حملاتِ التشويهِ التي تستهدف هذا العملَ المبرور، إنّها حملات جُمِّدت فيها حساباتٌ، وصودِرت مدَّخرات، وأقفِلت مؤسّسات، مع مراقبةٍ متعسِّفة تنفّر من العملِ الخيريّ، حملةُ تشويهٍ امتدّت إلى كلّ ما ارتبط بالعمَل الخيريّ من مصارِف، وبيوت تجارة، وأموال، وشخصيّات محسِنَة، وجهاتٍ مانحة، وطالت معظمَ الدّول.

أيّها المسلمون: ومع الثقةِ الكبرى بجمعيّاتنا الخيريّة وهيئاتنا ورجالِنا فإنّ من الحزم والحقّ تحرّي الصّدق، وتوخّي الشفافية والوضوح في جميع الأعمالِ، والتزام الأنظمةِ المرعيّة، والضبط في موارد المالِ ومصارفِه، وإعلان ذلك للكافّة بالوسائل المناسِبة، والدقّة في محاسبة النّفس من التزام الصّلاح، والورَع، وروح المسؤوليّة، وإخلاص النيّة، وصواب العمَل، وحسن التسيير والتدبير، والله بما تعملون محيط.

وبعدُ: أيّها المسلمون: فإنّ ثمارَ العمل الخيريّ وإنجازاته الجبارة هي بعدَ فضل الله جهودٌ مشتركة لمجتمع آمنت قيادتُه، وآمَن أغنياؤه، وآمَن أفراده بمسؤوليّتهم تُجاهَ ربّهم ودينِهم وإخوانِهم.

فالله اللهَ أن تضعفَ العزائم، أو تنقبِض الأيدي مِن البسط، أو تضعف الثقة بالله الذي يعمَل من أجلِه العاملون، ويستعين به الجادّون، ويتوكّل عليه المتوكّلون، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فبادروا -رحمكم الله- حتّى تغبرّ أقدامكم في السّير في ركابِ الخير، واللحاق بقوافله ودعمِ مسيرتِهِ، والذّبّ عن حياضِه، وكفّ ألسُن الإعلامِ والأقلام عن الوقوع في أعراضِه.

وعلى الجميع الاستفادةُ من عِبر التاريخ، فلا طريقَ إلى العزّة إلاّ بالله ثمّ بالقوّة والوحدَة شعوبًا ودوَلاً ومؤسّسات، وعجلةُ التاريخ تدور بسوادِها وبياضها تدوينًا وتسجيلاً وعبَرًا ودُروسًا، (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُ-مْ وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [غافر:44].

اللهمّ اجعلنا للخير أهلا، وللأهل خيرًا، ووفّقنا لعمل الخير وخير العمَل.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَتَّقَى * وَصَدَّقَ بِلْحُسْنَى * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِلْحُسْنَى * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ) [الليل:4-11].

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ محمّد، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عبادِه الذين اصطفى، والحمد لله بجميع محامِده، والشكر له على جميلِ عوائده.

الله أكبر لا إله إلا الله، سبحانه وبحمدِه، تقدّست صفاته، وحسُنت أسماؤه، توافر برُّه، وتكاثر عطاؤه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، تمّت كلمته، ووسِعت رحمته، وعمّت نعمتُه.

وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله، خاتم أنبيائه، وسيّد أوليائه، صلّى الله وسلّم وبارك عليه، أتقى البريّة وأزكاها، وعلى آله وأصحابه أفضل الأمّة وأتقاها، والتّابعين ومن تبعهم بإحسان، صلواتٍ وسلامًا وبركات لا تتناهى.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أمّا بعد: أيّها المسلمون: إنّ تحجيمَ المؤسّساتِ الخيريّة مآله تحجيمٌ للأمَم والدُّوَل، وإذا ضعُفَت هذه الهيئات وانحسَر عملُها المبارك، فكم من محرومٍ سيتخرّج من مدارس الحرمان، وكم من جاهلٍ سوف يتعلّم من عصابات الإجرام، وكم من يتيم سوفَ يهيم، وكم من جائع سوف يهلك، وكم من مريضٍ سوف يقطّعه الأنين، وكم من ضالّ سوف يتشرّد، وكم من منحرِف سوف يؤذي ويخرّب، لماذا؟ لأنّ كلّ هؤلاء سوفَ يعيشون في مجتمعاتٍ لا ترحمهم، وبين أناسٍ لا يعبؤون بهم ولا يحمِلون همَّهم.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

معاشرَ الأحبّة: ونحن في العيد ونعيش وظيفةَ العيد من التواصُل والتّزاور والتّسامح فإنّ ما حصل من تراجعاتٍ ومراجعات من بعض الذين أصدَروا فتاوى خاطِئةً، وأعلنوا بشجاعةٍ عن خطئِهم وضلال طريقِهم فهي مراجعاتٌ في الصّواب ورجوع إلى الحقّ، وهذه فضيلة ونعمةٌ تستحقّ الإشادةَ والثناء، كما أنّها من علاماتِ توفيق الله لهذه البلادِ وقيادتها وحسن تعاملها وعلاجها في مثلِ هذه الأحداث، أرانا الله جميعًا الحقَّ حقًّا ورزقنا اتّباعه، وأرانا الباطلَ باطلاً ورزقنا اجتنابه.

إنّ على الجميع من مواقع مسؤوليّاتهم أن يسعَوا في ردمِ الفجَوات، والسّعي في منهج الوَسط والاعتدال من جميع الفئاتِ والفعاليّات.

لا بدّ من تشجيع كلّ موقفٍ يبعِد عن التصنيفات أو التعصُّبات من جميع الأطرافِ والاتّجاهات، يجب الوقوفُ بحزم أمامَ كلّ قولٍ أو عمل من شأنه أو يؤدّيَ إلى صِدام أو تناقضٍ أو استفزاز، وليبتعدِ الجميع عن الخطابات الإعلاميّة الاستفزازيّة، فالحقّ لا تبليه الآراءُ المتطرّفة من أيّ جانبٍ، غلُوًّا كان أو جفاءً، وكفى تجاربَ! فالخسارةُ فادحةٌ، والكاسبُ هو العدوّ، والعدوّ وحدَه.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

فاهنئوا بعيدكم، والزَموا حدودَ ربّكم، وصوموا عن المحارم كلَّ دهرِكم، تكن لكم أعيادٌ في الأرض وأعياد في السماء.

وفَرَح المسلمين بعيدهم ليس فرحَ لهوٍ تُقتَحم فيه المحرّمات، وتنتهَك فيه الحُرمات، ولكنّه فرحٌ وزينة وعبادةٌ وصِلة، إنّ من الخطأ الفاضِح أن يظنَّ المسلم أنّ غيرةَ الله على حدودِه ومحارمِه في رمضانَ أشدّ منها في غيرِ رمضان، فيتساهَل في العيدِ بانتهاكِ المحرَّمات والممنوعَات.

الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحانَ الله بكرةً وأصيلاً.

ألا فاتّقوا الله رحِمكم الله، فهنيئًا لمَن صام وقام، وجبَر الكسرَ، وواسى المكلومَ، وأطعم البائسَ الفقير، وما اشتكى فقيرٌ إلاّ بقدْرِ ما قصّر غنيّ.

وإنّ من أعمال هذا اليومِ إخراجَ زكاةِ الفطر، فأخرجوها طيّبةً بها نفوسُكم، ومقدارُها صاعٌ من طعامٍ من غالبِ قوتِ البلد كالأرز والتّمر والبرّ عن كلّ مسلم، ووقتُ إخراجِها الفاضل يومُ العيد قبلَ الصلاة.

ومِن مظاهرِ الإحسانِ بعدَ رمضان استدامةُ العبدِ على المنهج المستقيم، ومداومة الطّاعة، وإتباع الحسنةِ الحسنة، فذلك من قَبول الطاعات، وقد ندَب نبيّكم محمّد بأن تتبِعوا رمضانَ بستٍّ من شوّال، فمن فعَل ذلك فكأنّما صام الدّهر كلّه.

تقبّل الله منّا ومنكم الصيامَ والقيامَ وسائرَ الطاعات.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

ألا وصلّوا وسلِّموا على الرّحمة المهداة، والنّعمة المسداة، نبيّكم محمّدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربّكم فقال عزّ قائلاً عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله وأزواجِه وذرّيّته، وارضَ اللهمّ عن الخلفاء الراشدين...