الفتاح
كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
أخبر –صلى الله عليه وسلم- أن فيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر، فمن مزايا هذا الشهر اشتماله على هذه الليلة العظيمة التي لا توجد في غيره، تلكم الليلة التي وصفت في القرآن بأوصاف عظيمة.
الحمد لله –يخلق ما يشاء ويختار. وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار –صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار. صلاة وسلماً دائمين متعاقبين بتعاقب الليل والنهار.
أما بعد
أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه. إن الله سبحانه بعلمه المحيط بكل شيء وبحكمته البالغة يختار ما يشاء من مخلوقاته فيفضل بعضها على بعض. يفضل بعض البشر وبعض الأمكنة والأزمنة على بعض. ومن ذلك تفضيله شهر رمضان على غيره من الشهور. قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) وقد فصل النبي –صلى الله عليه وسلم- خصائص هذا الشهر في الحديث الذي رواه ابن خزيمة والبيهقي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في آخر يوم من شعبان فقال: أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك. شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر. جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً. من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه. ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه. وهو شهر الصبر. والصبر ثوابه الجنة. وشهر المواساة. وشهر يزاد فيه الرزق.
ومن فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار. وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء". قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم. قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء، ومن سقى صائماً سقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة. ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار حتى يدخل الجنة. وهو شهر أوله رحمه، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار. فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم. وخصلتين لا غنى بكم عنهما. أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه. وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما. فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار".
أيها المسلمون: في هذا الحديث الشريف بيان خصائص هذا الشهر المبارك، فقد وصفه النبي –صلى الله عليه وسلم- بأنه شهر عظيم مبارك. وهذان الوصفان يضفيان عليه ميزة خاصة على غيره من الشهور. فكل لحظة من هذا الشهر تتصف بالعظمة والبركة. بركة في الوقت وبركة في العمل وبركة في الجزاء.
وأخبر –صلى الله عليه وسلم- أن فيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر، فمن مزايا هذا الشهر اشتماله على هذه الليلة العظيمة التي لا توجد في غيره، تلكم الليلة التي وصفت في القرآن بأوصاف عظيمة. فهي الليلة التي أنزل فيها القرآن.
كما قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن القرآن أنزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وكان ذلك في ليلة القدر. وهي خير من ألف شهر. أي: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر. وهي ليلة مباركة كما في قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) وهي ليلة تتنزل فيها الملائكة بالخيرات كما قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا) وهي الليلة التي يجري فيها التقدير السنوي كما قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وهي ليلة سلام كلها كما قال تعالى: (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) فهذه الليلة العظيمة بخيراتها وبركاتها هي من جملة خصائص شهر رمضان المبارك.
ومن خصائصه التي بينها –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث افتراض صيام نهاره واستحباب قيام ليله، فصيام نهاره أحد أركان الإسلام، فامتاز على غيره باشتماله على أحد أركان الإسلام. واشتمال ليله على صلاة التراويح التي هي من آكد السنن ولا تشرع في غيره من الشهور.
ومن الخصائص التي بينها هذا الحديث لهذا الشهر المبارك كثرة مضاعفة الحسنات فيه. فالسنن تكون فيه بمنزلة الفرائض في الأجر. والفريضة الواحدة يفه تعادل في الأجر سبعين فريضة في غيره. لم يرد مثل هذا التضعيف في غيره من الشهور.
ومن خصائصه: أنه شهر الصبر، أي جبس النفس عن شهواتها بالصيام، وتحملها مشقة الطاعة والبعد عن مألوفها. والصبر من أشق الطاعات على النفوس، ولهذا صار ثوابه الجنة. وقال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
ومن خصائص هذا الشهر: أنه شهر الجود من العباد بعضهم على بعض بالمواساة وإطعام الجائع وسقي الظمآن وتفطير الصائم والرفق بالمملوك.
ومن خصائصه: أنه شهر التراحم بين العباد ونزول الرحمة من الرحمن. فالغني يرحم الفقير. والقوي يرحم الضعيف. والمالك يرحم المملوك. والراحمون يرحمهم الرحمن.
ومن خصائص هذا الشهر: تنوع الخيرات فيه، فأوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
عباد الله: جدير بشهر هذه أوصافه وخصائصه أن يفرح بقدومه.
ولهذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يدعو الله أن يبلغه رمضان. فكان –صلى الله عليه وسلم- إذا دخل شهر رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان، وكان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان، وذلك لما يعلمونه فيه من الخيرات. وما يعلمونه فيه من الطاعات.
اللهم بلغنا رمضان. وأعنا على الطاعة في رمضان. وتقبل منا رمضان. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) إلى قوله: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).