الحكم
كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
ونبدأ بالثناء؛ لأنه من الأكثرين، ولله الحمد، إن من المصلين -بارك الله فيهم- مَن يُعجبك في احترامه لبيت الله، وإحساسه لقدسية المكان، وامتلاء قلبه بهيبة المسجد، وبالتالي فإنه لا يرفع صوته، لا في حديثٍ عابر، ولا حتى في قراءة القرآن، بل يخفض صوته توقيراً وتأدباً لمكان العبادة..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يقول -سبحانه وتعالى-: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة:18].
عمارة المسجد في اللغة لزومه، والإقامة فيه للعبادة، أو لخدمته بالتنوير والتنظيف ونحوهما، وكذلك عبادة الله فيه، وزيارته للعبادة، ومنها جاء لفظ العمرة، أي: الزيارة، يقال: عمر الرجل المكان، أي أصلحه وبناه وأقام على زيارته، قال سبحانه (إِنَّمَا يَعْمُرُ) إن حرف توكيد وما حرف نفي، وإذا اجتمع التوكيد والنفي في قولة: إنما، أفاد الحصر والقصر، أي لا يعمر مساجد الله إلا مَن توفرت فيه هذه الصفات فقط، (آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ).
والمقصود الخشية الإيمانية، لا الخشية الفطرية البَشَريَّة، ولم يخشَ إلا الله، أي: لا يخشى مِن مخلوقٍ شيئاً لم يقدر على فعله إلا اللهُ تعالى، ولم يطع أحدا في معصية الله تعالى خشيةً منه، ولم تنكسر نفسه للمعصية والمال الحرام أبدا؛ كيف وخشية الله في قلبه؟.
وهذه الخشية هي ما كان يريد النبي -صلى الله عليه وسلم- إنشاءها في النفس في حديثه المشهور لابن عباس -رضي الله عنهما- وهو شاب صغير عندما قال له، فيما صح في السنن: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام، وجفَّت الصحف".
فالإيمان بالله واليوم الآخر الذي نصت عليه الآية إذا تحقق فلابد أن ينعكس على شخصية المسلم، على فكره وأخلاقه وسلوكه، لابد أن ينعكس وإن تفاوت مداه وعمقه بين إنسان وآخر، لكن لابد أن ينعكس شيء منه، لابد أن ترى له أثراً.
أيها الإخوة: كثير من المصلين يقصدون المساجد للصلاة، وهذا والله من الخير الذي يُشكرون عليه! وأسأل الله أن يكونوا من عُمَّار المساجد، وأن يكون لهم حظ من الصفات التي وردت في الآية، ثبَّتَنا الله وإياهم على الهدى.
ولكن، إذا تناولنا تفاصيل علاقة المسلم المواظب على الصلاة في المسجد ظهر لنا من الملاحظات ما يستدعي لِأمرين: ثناء وذم.
ونبدأ بالثناء؛ لأنه من الأكثرين، ولله الحمد، إن من المصلين -بارك الله فيهم- مَن يُعجبك في احترامه لبيت الله، وإحساسه لقدسية المكان، وامتلاء قلبه بهيبة المسجد، وبالتالي فإنه لا يرفع صوته، لا في حديثٍ عابر، ولا حتى في قراءة القرآن، بل يخفض صوته توقيراً وتأدباً لمكان العبادة.
في الموطأ، بسند صحيح، عن أبي حازم التمار، عن البياضي، قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: "إن المصلِّي يناجي ربه، فلْينظُر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". هذا في حال قراءة القرآن، فماذا عن الكلام العابر؟.
إنك إذا دخلت مكتبة عامة في الخارج فإنك لا تسمع فيها إلا همسا، كل ذلك مراعاة للذوق العام، واحتراماً للقراء، وحرصا على الهدوء الذي يُبقي المكان مناسبا للتركيز حال القراءة؛ ولكنك لا تجد مثل هذا إذا دخلت بعض المساجد، حيث يُقرأ هناك أعظم كتاب في الوجود، إنهم أقلية، صحيح، ولكن أثرهم مؤذٍ الجميع، فهذا يضحك ويتابع الضحك، وذاك يتبسط في الحديث مع أصحابه ويرفع صوته كما لو كان في مجلس خاص، والآخر يقرأ القرآن بصوت مرتفع وكأنه في بيته ليس معه أحد؛ فيزعج من يقرأ بجانبه!.
والأدهى من هذا كله من يُبْقى جواله مفتوحاً عمداً لا سهوا، فتأتيه مكالمة وهو في الصف يصلي مع الناس فيبقى جواله يرن أو يخرج أصوات مزعجة أخرى دون أن يحرك ساكنا، فإذا قضيت الصلاة قام وهاتف المتصل قبل أن يخرج من المسجد.
وتراه يضع جواله على أذنه وهو متجه إلى باب المسجد يحدث الطرف الآخر بكل انفعال قبل أن يخرج من المسجد, والمصلون ما زالوا في أماكنهم يسبحون ويهللون بعد الصلاة. فهل يدل هذا على توقيره على مكان العبادة؟ أو احترامه للذاكرين لله؟.
وبعضهم يتحدث بصوت عالٍ مسموع مع مَن بجانبه أو في جواله وهو جالس في المسجد أثناء الدرس أو المحاضرة، فليس هذا من الأدب، وبعضهم إذا دخل المسجد أثناء الصلاة والإمام يقرأ لا يُنهي مكالمته قبل دخوله المسجد، لا، ينهيها داخل المسجد، يدخل المسجد وهو منهمك في الكلام فيقطع على المصلين تركيزهم، ويشوش على الإمام قراءته، فما والله ما أحسن في فعله، وما والله ما وقر المسجد!.
ونحن -أيها الإخوة- في نِزال ولا نزال! ننصح المصلين عُمَّار المساجد بإقفال جوالاتهم أو جعلها على الصامت إذا دخلوا المسجد عل وعسى، فمن المصلين جزاه الله خيرا من يحرص على ذلك، ومنهم من ينسى، ومنهم من يكابر ويتعمد ويصر على إبقائه مفتوحا بصوت عالٍ! ولكن -مع هذا كله- لا نيأس، فلربما جاء اليوم الذي يلتزم فيه الجميع بأدب خفض الصوت في بيت الله وبحضرة قراءة آياته.
في صحيح البخاري عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ -رماني بحصاة- فَنَظَرْتُ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ، فَجِئْتُهُ بِهِمَا، قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟.
كان يتحدثان بقوَّةٍ بصوتٍ مرتفع، نعَم، جئتَ للمسجد، أهلا وسهلا! جزاك الله خيراً وبارك الله فيك على حرصك! ولكن؛ كن أهلا لهذا المجيء والحرص، أحسِنْ في تأدبك في المسجد كما أحسنتَ إذ أتيت.
معاشر الكرام: إن إحسان الصلاة يستلزم الحرص على استواء الصف، ففي صحيح مسلمٍ من حديث انس يقول -صلى الله عليه وسلم-: "سوُّوا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة"؛ ولذلك كان كبار الصحابة يهتمون كثيراً جداً بتسوية الصفوف، يقول مالك بن أبي عامر: كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يقول في خطبته، وقَلَّ ما يدَع ذلك، يقول: إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا له وأنصتوا؛ فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظِّ مثل ما للسامع المنصت.
في ذاك الزمان لم تكن هناك مكبرات لسماع الخطبة من بعيد، يقول: فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ مثل ما للسامع المنصف؛ فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف، وحاذوا المناكب؛ فإن اعتدال الصفوف من تمام الصلاة. ثم لا يكبر -رضي الله عنه- حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أن قد استوت، فيبدأ في التكبير. إذاً، فهذا فعل الخلفاء الراشدين، فلنحرص على تسوية الصف وإكماله إذا نقص فإنه من تمام الصلاة.
أيها الإخوة: ما أجمل أن يكون المصلي مصغيا منصتا متدبراً للآيات إذا قرأ الإمام! فكثير من المصلين قد أنعم الله عليهم بالاجتهاد في التدبر والخشوع في الصلاة، فتراه يهتم ويجتهد ويُحضِر ذهنه في الصلاة، وهذا هو المطلوب، فالخشوع طريق الفلاح: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2].
وفي الوجه المقابل هناك من لا يبالي خشع أم لم يخشع! سيانِ عنده، فصلاته حركات لا روح لها، وقد يعلم هذا من نفسه ولا يبالى ولا حتى يفكر في إصلاح شأنه؛ وليس هذا فحسب! بل إنه يُفسد الخشوع على باقي المصلين! كيف؟ كالذي يعتاد التثاؤب بصوت مرتفع، فقد تراه قبل الصلاة مستيقظاً، لكن، ما إن يرفع يديه مكبرا ليدخل في الصلاة حتى يبدأ بتثاؤبه المزعج.
وقد تكون الآيات التي يقرؤها الإمام آياتٍ في الجهاد، أو آيات في وصف الجنة، فيتثاءب هذا بصوته المرتفع فيفسد جو الآية على الإمام وعلى المصلين، فلا هو خشع في صلاته، ولا ترك للمصلين مجالاً للخشوع.
فالواجب على هذا وأمثاله أن يردّ تثاؤبه، فإن لم يستطع رده فلا أقل من أن يتثاءب بدون صوت، ففي صحيح الأدب المفرد، عن أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "فأما التثاؤب فإنه من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فلْيردَّه ما استطاع، فإذا قال: ها! ضحِكَ منه الشيطان".
وبعضهم يكثر النحنحة والسعال أثناء قراءة الإمام بالذات، فتجده -كسابقه- هادئا قبل بداية الصلاة، فإذا دخل في الصلاة مع الناس وبدأ الإمام يقرأ أخذ بالنحنحة وإخراج أصوات مزعجة أخرى. فلْيَتْنَبِهْ مَن لديه مثل هذه العادات؛ فإنها دليل شرود القلب.
أما الروائح الكريهة المنهية عنها فلا تخفى على من أكل ثوما أو بصلا ثم جاء ليزعج الملائكة والمصلين برائحته، مع علمه بالنهي عن حضور المسجد، فلقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أكل ثوما أو بصلا فلْيَعْتزِلْنا"، وقال: "فلْيعْتَزِلْ مسجدنا، ولْيقْعُدْ في بيته"، وقال أيضا: "مَن أكل من هذه البقلة" يعني: الثوم، وقال مرة: "مَن أكل البصل والثوم والكرات فلا يقربنَّ مسجِدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".
فالواجب على عامر المسجد أن يعمره بالروائح الطيبة دون الكريهة، وأن يكون هو في ذاته نظيفا، وأن يرتدي أحسن الملابس لا أوضعها، أليس المسجد أعظم حرمة من مقر العمل الذي نلبس له أحسن الثياب؟ فلماذا إذاً يختار بعضهم أوضع الثياب للمسجد، كملابس النوم مثلا؟ ولعله يسأل نفسه: هل هذا من التوقير؟ أليس في هذا مخالفة لقوله تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31]. أسأل الله تعالى أن يصلح الحال، والله المستعان...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين،نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيا أيها المصلون: لقد كان الصحابة يسطرون معا الجماعة، ولذلك كانوا مثالا في متابعة الإمام في الصف المرصوص، كانوا منضبطين، لا يسبقونه ولا يتأخرون عنه، ولما سمعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول، كما صح في الترمذي: "إنما جعل الإمام يؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعين".
لما سمعوه يقول ذلك في أكثر من مناسبة ازدادوا في التزامهم في المتابعة، لا يسابقونه لا في ركوعه ولا في سجود؛ فالفاء في قوله: "فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا"، للتعقيب، أي: عقب ركوعه تركعوا لا قبله ولا أثناءه.
وفي صحيح مسلم عن البراء قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال سمع الله لمن حمده، لم يحنِ أحدٌ منا ظهره حتى يقع النبي -صلى الله عليه وسلم- ساجداً، لم يحنِ أحد منا ظهره، ثم نقع سجوداً بعده.
بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذَّرَ من هذا الأمر شديداً بقوله: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار"، يقول ابن تيمية -رحمه الله-: أما مسابقة الإمام، فحرام، باتفاق الأئمة... لا يجوز لأحد أن يركع قبل إمامه، ولا يرفع قبله، ولا يسجد قبله... وإذا سبق الإمام سهواً لم تبطل صلاته، لكن يتخلف عنها -أي من الأجر- بقدر ما سبق به الإمام؛ ولكن ما يفعله قبل الإمام لا يعتد به على الصحيح؛ لأنه فعله في غير محله؛ لأن ما قبل فعل الإمام ليس وقتاً لفعل المأموم، فصار بمنزلة مَن صلى قبل الوقت، أو بمنزلة من كبَّر قبل تكبير الإمام... اهـ.
وهناك فريق على العكس مِن هؤلاء، يتأخرون عن الإمام فترى الإمام مثلا يرفع من السجود مكبرا، ويرفع المصلون بعده مباشرة، وأخونا لا يزال ساجداً مستمراً في سجوده بحجة إكمال الدعاء! ولا يدري أن تأخره عن الإمام يُنقص من أجره لا العكس! روي عن عمر أنه رأى رجلاً يُسابق الإمام فضربه وقال: لا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت. أسأل الله تعالى أن يكتبنا فيمن فقه في دين الله، وعمر مساجد الله.
معاشر المسلمين: إن من أراد عمارة المسجد فليكن إيجابيا فاعلا، من المصلين من يبادر للخير دون طلب، فإذا ما رأى نقصاً أو خللا أو حاجةً للمسجد تجده هو بنفسه يعرض خدماته للإمام أو للمؤذن.
ومنهم من هو أقل منه، وهو مَن يعين إذا ما طُلب منه، قدر استطاعته، ومنهم من هو أقل، وهو الذي يساهم ولكن بأقل القليل، مع قدرته على ما هو أفضل بكثير، ومنهم من يعد بخدمة بيت الله في شأن ما، ولكنه لا يفي بوعده.
ومنهم من هو أقل من هؤلاء كلهم! مَن هذا؟ هو مَن طبعه الانتقاد وإلقاء اللوم والتذمر من هذا والتذمر من ذاك، ولماذا فعلتم كذا ولماذا ولم تفعلوا كذا؟ وأين كذا؟ ولماذا يوجد كذا؟ فإذا قلت له: ساهِمْ، بارك الله فيك ، ولو بالقليل، ولَّي مدبرا ولم يعقِّب! فالنقد والاتهام بلا إيجابية وبذل لا ينتج إصلاحا أبداً.
أيها الإخوة: إن عمارة المسجد تكون في القلب أولا، ثم تطْغَى بعد ذلك على الجوارح.
اللهم اجعَلْنَا ممن يعمر مساجد الله بحق...