البحث

عبارات مقترحة:

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

سورة المعارج

العربية

المؤلف مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه
عناصر الخطبة
  1. تعريف بسورة المعارج .
  2. تفسيرها .
  3. ملخص لموضوعاتها الرئيسية .
  4. أسباب نزول بعض آياتها .

اقتباس

سورة المعارج مكية تعالج أصول العقيدة الإسلامية، تحدثت عن القيامة وأهوالها، والآخرة، وما فيها من سعادة وشقاوة، وراحة ونَصَب، وعن أحوال المؤمنين والمجرمين في دار الجزاء والخلود؛ وتحدثت بشكل خاص عن كفار مكة، وإنكارهم للبعث والنشور، واستهزائهم بدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبالإنذار والعذب الذي خُوِّفوا به ..

الحمد لله رب العالمين، خلقَنا وقدَّر أمورنا وأرزاقنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، والتفكر في آيات الله، والعمل بكتاب الله، وفهم معانيه، وفي خطبتنا اليوم سنتكلم عن معاني السورة السبعين في ترتيب المصحف الشريف، سورة المعارج، والتي تسمى أيضاً سورة: سأل "سائل"، وهي أربع وأربعون آية، وهي مكية باتفاق المفسرين.

بدأت بقوله تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) [1]، أي: دعا داعٍ على نفسه بعذابٍ واقع، ورويت لها معانٍ أخرى، (لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ) [2]، أي: لا يدفع ذلك العذاب الواقع بهم أحدٌ، (مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ) [3]، أي: من جهة الله سبحانه ذي الدرجات التي تصعد فيها الملائكة، (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ)، أي: تصعد في تلك المعارج التي جعلها الله لهم والروح هو جبريل وأفراده بالذكر بعد الملائكة لشرفه: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [4]، أي: عروج الملائكة إلى المكان الذي هو محلها في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعده خمسين ألف سنة.

(فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا) [5]، أمر الله سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالصبر على تكذيب الكفار له، أي: اصبر يا محمد على تكذيبهم لك وكفرهم بما جئت به صبراً جميلاً لا جزع فيه ولا شكوى إلى غير الله، وهذا معنى الصبر الجميل، (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا) [6]، أي: يرون العذاب الواقع بهم، أو يرون يوم القيامة بعيداً، أي: غير كائن، لا يؤمنون به، (وَنَرَاهُ قَرِيبًا) [7]، نعلمه كائنا قريباً، لأن ما هو آت قريب.

ثم أخبر الله سبحانه متى يقع بهم العذاب فقال: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ) [8]، أي: يقع بهم العذاب عندما تكون السماء كالمهل، وهو ما أذيب من النحاس والرصاص والفضة، وقال مجاهد: هو القيح والصديد والدم، (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ) [9]، أي: كالصوف المصبوغ الألوان، (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) [10]، أي: لا يسأل قريب قريبه عن شأنه؛ لِما نزل بهم من شدة الأهوال التي أذهلت القريب عنه قريبه.

(يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) [11]، أي: يُبصَّر كلُّ حميم حميمه، والمجرم هو الكافر، أو كل مذنب ذنباً يستحق به النار. يود المجرم لو يفتدي من عذاب يوم القيامة (بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ) [11-12]، فإن هؤلاء أعز الناس عليه وأكرمهم لديه الابن والزوجة والأخ، (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) [13]، أي: عشيرته الأقربين الذي يضمونه في النسب أو عند الشدائد يأوي إليهم، (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ) [14]، أي: يود المجرم لو افتدى بمن في الأرض جميعاً من الثقلين وغيرهما من الخلائق لينجو.

(كَلَّا إِنَّهَا لَظَى) [15]، ردع وزجر للمجرم بأن جهنم لظى عليه، من التلظِّي وهو التلهُّب، (نَزَّاعَةً لِلشَّوَى) [16]، أي: نزَّاعة للأطراف أو جلدة الرأس أو لمكارم الوجه وحسنه، قال قتادة: تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك فيه شيئاً، (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) [17]، أي: تدعو لظى من أدبر عن الحق في الدنيا وأعرض عنه، (وَجَمَعَ فَأَوْعَى) [18]، أي: جمع المال فجعله في وعاء، وقيل: إنها تقول: إليَّ يا مشرك! إليَّ يا منافق!.

(إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا) [19-20]، أي: إذا أصابه الفقر والحاجة أو المرض أو نحو ذلك فهو كثير الجزع، (وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعَاً) [21]، وإذا أصابه الخير من الغنى والخصب والسعة ونحو ذلك فهو كثير المنع والإمساك، ثم استثنى الله سبحانه فقال: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) [22]، أي: المقيمين للصلاة، (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) [23]، أي: لا يشغلهم عنها شاغل، ولا يصرفهم عنا صارف، وليس المراد بالدوام أنهم يصلون أبداً.

(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) [24]، قيل: المراد الزكاة المفروضة، (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [25]، السائل: هو الذي يسأل الناس لفاقته، والمحروم: هو الذي يتعفف عن السؤال حتى يحسبه الناس غنيا فلا يتصدقون عليه (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) [26]، أي: يصدقون بيوم الجزاء، وهو يوم القيامة، لا يشكون فيه ولا يجحدونه، (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) [27]، أي: خائفون وجلون مع ما لهم من أعمال الطاعة؛ استحقاراً لأعمالهم، واعترافاً بما يجب لله سبحانه عليهم، (إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) [28]، أي: إن ذلك مما ينبغي أن لا يأمنه أحد، وإنه حق على كل أحد أن يخافه.

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) [29]، الفرج يطلق على فرج الرجل والمرأة، ومعنى حفظهم لها أنهم ممسكون لها بالعفاف عما لا يحل لهم، (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [30]، أي: لا يلامون مع زوجاتهم وما يملكون من الإماء؛ لأن هذا حلال لهم، (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [31]، أي: المجاوزون إلى ما لا يحل لهم، فسمى الله سبحانه من نكح ما لا يحل له عادياً.

(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [32]، أي: لا يخلون بشيء من الأمانات التي يؤتمنون عليها ولا ينقضون شيئاً من العهود التي يعقدونها على أنفسهم (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) [33]، أي: يقيمونها على ما كانت عليه من قريب أو بعيد، أو رفيع أو وضيع، ولا يكتمونها ولا يغيرونها، (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [34]، أي: يحافظون على أذكار صلاتهم، وأركانها، وشروطها، وواجباتها، ولا يخلّون بشيء من ذلك، (أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) [35]، أي: المتصفون بتلك الصفات، مستقرون في جنات، مُكرمون بأنواع الكرامات.

(فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) [36]؟ أي: أيُّ شيء جعلهم حواليك مسرعين، أي: مسرعين إلى التكذيب! (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ) [37]، أي: عن يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن شماله جماعات متفرقة، وعِزِين جمع عِزَةٍ، وهم العصبة من الناس، (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) [38]، قال المفسرون: كان المشركون يقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة لَنَدخُلنَّ قبلهم، فنزلت هذه الآية، (كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) [39]، أي: من القدر الذي يعلمون به، فلا ينبغي لهم هذا التكبر.

(فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ) [40]، أي: أقسم بمشرق كل يوم من أيام السنة وبمغربه (عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) [41]، أي: وما نحن بمغلوبين إن أردنا ذلك، بل نفعل ما أردنا ولا يفوتنا شيء، ولا يعجزنا أمر.

(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) [42]، أي: اتركهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم، واشتغل بما أُمرتَ به، ولا يعظمن عليك ما هم فيه، فليس عليك إلا البلاغ، إلى أن يلاقوا يوم القيامة. قيل: هذه الآية منسوخة بآية السيف.

(يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) [43]، أي: يوم يخرجون من القبور، والنصُب: ما نُصب فعُبد من دون الله، والجمع: الأنصاب، ويوفضون بمعنى يسرعون.

(خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ)، أي: ذليلة أبصارهم خاضعة لما يتوقعونه من العذاب، تغشاهم ذلة شديدة، (ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [44] في الدنيا على ألسنة الرسل، قد حاق بهم ووقع بهم من عذابه ما وعدهم به الله -عز وجل-، وإن كان مستقبلاً فهو في حكم الذي قد وقع؛ لتحقُّق وقوعه.

عباد الله: هذه لمحة عن بعض معاني سورة المعارج، أسأل الله أن ينفعنا بفهمها، وأن ينفعنا بالقرآن الكريم، وسنة خاتم المرسلين، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: عباد الله: سورة المعارج مكية تعالج أصول العقيدة الإسلامية، تحدثت عن القيامة وأهوالها، والآخرة، وما فيها من سعادة وشقاوة، وراحة ونَصَب، وعن أحوال المؤمنين والمجرمين في دار الجزاء والخلود؛ وتحدثت بشكل خاص عن كفار مكة، وإنكارهم للبعث والنشور، واستهزائهم بدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبالإنذار والعذب الذي خُوِّفوا به.

وذُكر مثلٌ لطغيانهم بما طلبه بعض صناديدهم وهو (النضر بن الحارث)، حيث دعا أن ينزل الله عليه وعلى قومه العذاب العاجل ليستمتعوا به في الدنيا قبل الآخرة، وذلك مكابرة في الجحود والعناد، (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) [1]، ثم تحدثت السورة الكريمة عن المجرمين في ذلك اليوم الفظيع الذي تتفطر فيه السماوات، وتتطاير فيه الجبال فتصير كالصوف الملون ألواناً غريبة.

ثم ذكرت طبيعة الإنسان، فإنه يجزع عند الشدة، ويبطر عند النعمة، فيمنع حق الفقير والمسكين، ثم تحدثت عن المؤمنين الذين لا يجزعون، وما اتصفوا به من الصفات الجميلة، والأخلاق الفاضلة، وما أعد الله لهم من عظم الأجر في جنات الخلد والنعيم.

ثم خُتمت بالقسم الجليل من رب العالمين على أن البعث والجزاء حق لا ريب فيه، وعلى أن الله تعالى قادر على أن يخلق خيراً منهم.

أسأل الله أن نكون ممن يتعظ ويتذكر، وممن يستمع القول فيتبع أحسنه، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

وصلُّوا وسلِّموا عباد الله على خاتم رسل الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.