الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - السيرة النبوية |
عباد الله: الخطأ صفة ملازمة لكل أحد، إلا من عصم الله من الأنبياء والمرسلين، يقول صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ بَنِى آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ". ولو نجا من الخطأ أحد لنجا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضل الخلق، ومع هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "والذى نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله؛ فيغفر لهم". ولما كان الخطأ ملازما لكل إنسان، لا يسلم منه أحد، جاء الشرع ب...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ: اتَّقوا اللهَ -تعالى-حَقَّ التقوى.
عباد الله: الخطأ صفة ملازمة لكل أحد، إلا من عصم الله من الأنبياء والمرسلين، يقول صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ بَنِى آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
ولو نجا من الخطأ أحد لنجا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضل الخلق، ومع هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله؛ فيغفر لهم".
ولما كان الخطأ ملازم لكل إنسان، لا يسلم منه أحد، جاء الشرع بأدب معين، ومنهج صالح؛ لعلاج الخطأ، فالخطأ لا بد أن يعالج، والمُخطئ لا بد أن يوجه لما يخلصه من خطئه.
ومن رحمة الله بهذه الأمة: أنه رفع عنها إثم الخطأ، يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِى الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ".
ولما أنزل الله قوله تعالى: (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ) [البقرة: 284].
دخل قلوب الصحابة شيء واحد لم يدخل شيء غيره، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: "قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا".
ولما استقر الإيمان في قلوبهم أنزل الله: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)[البقرة: 286].
قال الله: قد فعلت.
(رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) [البقرة: 286].
قال الله: قد فعلت.
(رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا) [البقرة: 286].
قال الله: قد فعلت".
أيها المسلم: إن علاج الخطأ، وإصلاح المُخطئ، لابد أن نسلك فيه سبيل محمد -صلى الله عليه وسلم-، فله في علاج الخطأ السنن الثابتة، فإنه صلى الله عليه وسلم تعامل مع الناس على اختلاف مستوياتهم، وفي مواضع كثيرة من حياته؛ بالرفق واللين، في إصلاح الأخطاء.
أيها المسلم: فمن معالم إصلاح الأخطاء في هديه صلى الله عليه وسلم: استعمال الرفق مع المُخطئ في خطئه، حتى يزول ذلك الخطأ، فهو صلى الله عليه وسلم رؤوف بأمته، رحيم بهم، يعز عليه ما يعنتهم: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[التوبة: 128].
عالج الخطأ بالرفق واللين، والكلمة الطيبة، حتى ملك قلوب الناس: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159].
فهو القائل صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ نْزَعُ الرِّفْقَ مِنْ شَيءٍ إِلاَّ شَانَهُ".
وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الْخَيْرَ كله".
وفي عهده صلى الله عليه وسلم يحدثنا معاوية بن الحكم السلمى فيقول: "بينا أنا أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلى؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكنى سكت، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن".
فانظر إلى هذا التعليم العظيم، والرفق بهذا المُخطئ؛ لأن الهدف إصلاحه واستصلاحه لا وتأنيبه وتأديبه.
ومن معالم إصلاح الأخطاء في هديه صلى الله عليه وسلم: أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعمل أسلوب القناعة للمُخطئ، حتى يتوب عن الخطأ قناعة، ليس المهم أن يترك هذا الخطأ في هذا اليوم؛ ولكن المهم أن يتركه للمستقبل، وأن يتركه عن قناعة، لا عن خوف، ولا تهديد، فكونه يتركه عن قناعة ومعرفة وتصور بأن هذا خطأ خير من أن يتركه خوفا، ثم يعود إليه ثانيا.
فقد أتى شاب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا؟ فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: أدنه فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه" فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
هكذا عالجه النبي -صلى الله عليه وسلم-، واستوف الداء وأقر فيه الخير والصلاح والسلامة.
ومن معالم إصلاح الأخطاء في هديه صلى الله عليه وسلم ومعالجته لها: أنه لا يواجه المخطئ أمام الناس بالتثريب عليه، ولا بعيبه ولا بسبه، ولكنه يوجه خطابا عاما، حتى يعرف فيه المُخطئ خطأه.
جاء نفر إلى بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن هديه، فكأنهم تقالوا عمله،فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه، فقال: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكنى أصلى وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
فتوجيه الخطاب للعموم يفهم السامع المراد دون التشهير به، ودون الإضرار به.
ومن معالم إصلاح الأخطاء في هديه صلى الله عليه وسلم وعلاجه لها: ارتكاب أخف المفسدتين بدرء أكبرهما، وأشدهما خطرا، قال أنس -رضي الله عنه-: "بينما نحن في المسجد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مه مه" قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزرموه دعوه" فتركوه حتى بال.
ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعاه، فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله -عز وجل- والصلاة وقراءة القرآن".
ثم إن الأعرابي قنع بذلك، وقال: "اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا".
هذا الأعرابي لو استمر الناس في زجره ومعاتبته؛ لأوشك أن يرتكب إثما فادحا.
أولا: قد يعم البول مواضع المسجد، وقد يعم البول بدنه وثيابه، وقد يصدمه عن الإسلام، ويصده عنه؛ لكن المصطفى رفق به، وبجهله، وعالج أخطاءه بتركه يكمل بوله، ثم وجه النصيحة إليه، فذهب مقتنعا بذلك.
ومن معالم إصلاح الأخطاء في هديه صلى الله عليه وسلم ومعالجته لها: دلالة المخطئ على الوجه الشرعي، وتصحيح الأخطاء، كان صلى الله عليه وسلم يقول: "إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاَةَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا".
وفي حديث أبي بكرة: أنه دخل المسجد والنبي -صلى الله عليه وسلم- راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "زادك الله حرصا، ولا تعد".
فنهاه عن ذلك، وأمره أن يركع عند الصف، وأن لا يركع قبل الصف.
ولأن في ذلك مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاَةَ فأْتُوهَا تَمْشُونَ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا".
ومن معالم إصلاح الأخطاء في هديه صلى الله عليه وسلم ومعالجته لها: مراعاة طبائع الناس والغريزة التي في نفوسهم، فإن من طبيعة الضرات، شدة الغيرة على بعضهن، ونحو ذلك، فيعالج هذا الخطأ بالحكمة؛ لأن الغريزة أمر فطري، لا يستطيع الإنسان أن يتخلص منها، وكان صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم عند عائشة -رضي الله عنها-:فأرسلت أم سلمة للنبي –صلى الله عليه وسلم- صحفة من الطعام، فلما رأتها عائشة -رضي الله عنها- ضربت الصحفة، حتى انكسرت، وانتثر طعامها، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وجمع الطعام، ولمَّ الصحفة، وقال: "غَارَتْ أُمُّكُمْ".
ثم أخذ صحفة من عائشة سليمة، وأعطاها لأم سلمة، وقال: "إنَاءٌ بِإِنَاءٍ، وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ".
فانظر إلى هذه الحكمة: أنه علم أن هذه غريزة في النفوس لابد أن تعالج بحكمة ورفق ولين.
أيها المسلم: وإذا تدبرنا كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وجدنا لإصلاح الأخطاء آدابا:
فأول أدب: التثبت من الخطأ، فإن المتسرع في الإنكار على الناس، أو تخطئتهم بدون تروٍّ وتبصر؛ يقع في الخطأ ولا بد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)[الحجرات: 6] أي: فتبينوا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ) [النساء: 94].
فلا يجوز التسرع في تخطئة الناس بمجرد قول سمعته من غير روية، ولا تفكر فيه، بل عليك التثبت قبل أن تنكر، وقبل أن تحكم على الآخرين؛ تتثبت في مصدر القول، هل صح ما نسب إلى فلان أم لا؟
كن متثبتا في الأمر، وعالج بحكمة، إياك والتسرع في التخطئة والحكم على الناس بمجرد سماع قول قد لا يكون واقعا، يقول صلى الله عليه وسلم: "بِئْسَ مَطِيَّةُ القوم زَعَمُوا".
ويقول صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ".
فإياك أن تتسرع في تخطئة الناس، والحكم عليهم، من غير تثبت ولا روية.
ومن الآداب أيضا: أن تحسن الظن بأخيك، وتحمل كلامه على الخير ما وجدت له سبيلا، يقول الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[الحجرات: 6].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ".
ومن الآداب أيضا: أن ننصح المخطئ، ونوجه النصيحة له، نصيحة خالصة له، لعل الله أن ينقذه من خطئه، ويرده إلى الصواب، يقول صلى الله عليه وسلم: "الدِّينَ النَّصِيحَةُ" قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلكِتَابِهِ وَلرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".
ويقول جرير بن عبدالله: "بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم".
ومن الآداب أيضا: الحكمة في التغيير، فلا تغير منكرا بمنكر أعظم منه، ولا خطأ بخطأ أعظم منه، بل تعالج الخطأ بما يناسب الوضع، ولا ترتكب خطأ لأجل خطأ، فالأخطاء لا تصلح بالأخطاء، وإنما يصلح الأخطاء بالصواب.
ومن الآداب أيضا: أن تستر على المخطئ، يقول صلى الله عليه وسلم: "من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة".
ومن الآداب: أن لا تتبع عيوب الناس وأخطائهم، يقول صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِه، وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ إلى قَلْبَهُ لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَمَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِهِمْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ أخزاه ولو فِي جَوْفِ بَيْتِهِ".
ومن الآداب أيضا: أن لا تفرح بأخطاء المسلم، فإن فرحك بالخطأ نقص في إيمانك.
فأخوك المسلم تحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك، فإياك أن تفرح بخطئه وزلاته، ففي الحديث: "من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله".
فإياك أن تفرح بأخطاء الناس!.
افرح بصلاحهم وهدايتهم، إياك أن تفرح بأخطائهم، وتسر بأخطائهم، يقول الله -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النــور: 19].
فالمسلم يحب لأخيه الصلاح والخير، والاستقامة والثبات، ويكره أن ينسبه لمعصية وخطأ، وإذا بلغه عنه ما يكره؛ عالج ذلك بالحكمة، والبصيرة والنصيحة، والتوجيه والكلام الطيب.
فلو سلكنا هذا المسلك في أمورنا كلها؛ لصلحت أخطاؤنا، واستقام حالنا.
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ:
فيا أيُّها الناس: اتَّقوا اللهَ -تعالى-حقَّ التقوى.
عباد الله: وإذ حدث خطأ، فعلينا بعلاج أسبابه، ومراعاة الآداب المطلوبة، فلنتق الله في أنفسنا، ولنصلح أخطاءنا، وليفرح بعضنا في صلاح بعض، ولينصح كل منا صاحبه.
أيها الآباء: إن عليكم مسئولية كبيرة في إصلاح أخطاء الأبناء منذ الصغر، وذلك بتعويدهم على الخير، وتربيتهم عليه، وتحذيرهم من الشر أو من أي قول سيء تكلموا به.
أن يوضح للأبناء أن هذا خطأ، وأن هذا الفعل خطأ، وأن التصرف هذا خطأ؛ لينشئوا على تربية صالحة، وعلى تربية حسنة: "فما نحل والد ولده؛ أفضل من أدب حسن".
كذلك -أيها الإخوة-: كذلك -أيها المربون من المعلمين والمعلمات-: عليهم تقوى الله، وإصلاح أخطاء الأبناء والبنات، بكل وسيلة ممكنة، والتربية على الأخلاق والقيم، والأقوال الطيبة، والسلوك الحسن.
المفتون والعلماء، عليهم تقوى الله في أنفسهم، والرفق بم يستفتيهم ويسألهم، فيوجهونه إلى الخير، ويحثونه على الخير، ويهدونه إلى الطريق المستقيم، ويفتونهم بما يحفظ دينه، ويقوي إيمانه وإسلامه.
على رجال الحسبة، تقوى الله في أمرهم ونهيهم، وأن يكون الأمر والنهي مبنيا على الرفق والرحمة بالخلق، والإحسان إليهم، والستر عليهم؛ لأن هذا هو المطلوب.
على القضاة، إذا حضر عندهم الخصوم؛ فعليهم سماع ما لديهم، والرفق بهم، وإقناع المخالف بالشرع، حتى يعلم أنه حكم عليه بشرع الله، فيقتنع بذلك.
ومن ذلكم أيضا -أيها الإخوة: الصحفيون عليهم تقوى الله في أنفسهم، وأن يكون الصحفي موضوعيا في علاج أي أخطاء، وأن يكون القلم مؤدبا، فلا يخط إلا خيرا، ولا يناقش إلا خيرا.
وإذا أراد النقاش عن موضوع من الموضوعات، فليناقش على بساط المحبة والرحمة والإحسان، لا على وجه الانتقام والانتصار في النفوس.
وعلى وسائل الإعلام: أن لا تضخم الأخطاء، وأن تعالج بالحكمة، وأن يشيع بيننا الرفق والأناة، في كل أحوالنا، فإذا أصلح بعضنا حال بعض، وسعينا بالإصلاح والتوفيق، كنا على خير.
أيها المسلم: قد تجد أخطاء من زوجتك، فعالج بالحكمة، واعلم أن المرأة ضعيفة،فاصبر عليها، يقول صلى الله عليه وسلم: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ ما فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ استمتعت بها استمتعت بها وفيها عْوَجَ".
عالج أخطاء الجيران، وأخطاء الزملاء، وأخطاء المتعاملين، وأخطاء من أخطأ عليك، بحكمة وبصيرة، كل ذلك من العمل الحسن.
فمن أراد الخير والإصلاح، فليتقِ الله في إصلاح الأخطاء، ولا يكون هم الإنسان الانتصار لنفسه، والتعالي على الآخرين، وإنما يكون همه الإصلاح والاستصلاح، والتوجيه والدعوة الصادقة، والنصيحة النافذة.
نحن في زمن يجب التعاون فيه، وأن نكون لحمة واحدة، وصفا واحدا أمام كل التحديات، وأمام كل المغريات، وأمام كل ما يستهدف ديننا وأمننا وأخلاقنا، يجب أن نكون صفا واحدا، وأن نسخر الأقلام والإعلام، لما فيه الخير والصلاح.
أيها المغرودن في وسائل التواصل الاجتماعي "تويتر وغير ذلك": اتقوا الله في أنفسكم، واحذروا أن تسجلوا في حساباتكم أشياء سيئة، أو أكاذيب وأراجيف.
إياكم أن تسجلوا فيها -في مواقع حساباتكم- آراءً شاذّة،أو طعنا في مسلم،أو تخطئة مسلم بغير حق.
إياكم أن تشيعوا الفاحشة، وأن تبحثوا عن عيوب الناس، وأن تكتبوا ما لا خير فيه.
من عنده نصيحة لأخيه فليتصل به شفويا، وليناصحه.
أما ملئ هذه المواقع بالأحقاد، والكلام السيئ، والشتائم، وغير ذلك، فهو أمر غير لائق بالمسلم.
المسلم ليس بالسباب، ولا باللعان، ولا بالفاحش، ولا بالبذيء.
المسلم ناصح وموجه وداع إلى الخير، لا فارح بالخطأ، ولا متسبب للخطأ.
علينا جميعا: أن نكون أمة واحدة، وصفا واحدا، نعالج قضايانا ومشاكلنا بحكمة وبصيرة، يشد بعضنا أزر بعض، ويقوي بعضنا بعضا.
نحن في زمن مستهدفون فيه في الدين والأمن، والأخلاق والقيم، فلابد أن نعيد أمرنا، وأن نقوي رابطتنا، وأن نستغل كل إمكانياتنا في وحدة صفنا، واجتماع كلمتنا وأهدافنا، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
واعلموا -رحمكم الله-: أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد؛ كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين؛ أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.
اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللَّهمّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بن عبدالعزيز لكل خير، اللَّهمَّ بارك له في عمره وعمله، وألبسه ثوب الصحة والسلامة والعافية، ووفق ولي عهده والنائب الثاني لكل خير، واجعلهم دعاة خير إنك على كل شيء قدير.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عبادَ الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].