الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه |
في كتاب الله الكريم للمؤمن نزهة، وفي سوره يجد ما يغنيه، وفي خطبتنا اليوم سنعطي -إن شاء الله- لمحة عن أربع سور قصار فيه: سورة الفيل، وسورة قريش، وسورة الماعون، وسورة الكوثر ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من سرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فيا أيها المسلمون: في كتاب الله الكريم للمؤمن نزهة، وفي سوره يجد ما يغنيه، وفي خطبتنا اليوم سنعطي -إن شاء الله- لمحة عن أربع سور قصار فيه: سورة الفيل، وسورة قريش، وسورة الماعون، وسورة الكوثر.
فسورة الفيل خمس آيات، نزلت بمكة، وترتيبها في المصحف الخامسة بعد المائة، بدأت بقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) [الفيل:1]، أي: ألم تعلم يا محمد بما فعله الله بأصحاب الفيل، الذين قصدوا تخريب الكعبة من الحبشة مع قائدهم أبرهة الأشرم؟ والفيل: الحيوان المعروف الكبير الجثة، ويجمع على أفيال وفِيَلَة.
(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) [2]، أي: ألم يجعل مكرهم وسعيهم في تخريب واستباحة أهلها في تضليل عما قصدوا إليه؟ حتى لم يصلوا إلى البيت، ولا إلى ما أرادوه بكيدهم. والكيد: إرادة المضرة بالغير؛ لأنهم أرادوا أن يكيدوا قريشاً بالقتل والسبي، ويكيدوا البيت الحرام بالتخريب والهدم.
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ) [3]، أي: أرسل الله عليهم طيراً أقاطيع يتبع بعضها بعضا كالإبل المؤبلة، وأبابيل جماعات من ههنا وههنا، وحقيقتها أنها جماعات عظام. قال سعيد بن جبير -رضي الله عنه-: فوجاً فوجاً، مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجران في رجليه وحجر في منقاره، لا يصيب شيئاً إلا هشمه. وقيل غيره.
(تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) [4]، أي: ترميمهم بحجارة مما كتب عليهم العذاب به، وقيل هي حجارة من طين طبخت بنار جهنم مكتوب فيها أسماء القوم. قال عكرمة: كانت ترميهم بحجارة معها، فإذا أصاب أحدهم حجر منها خرج به الجدري، وكان الحجر كالحمصة وفوق العدسة.
(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [5]، أي: جعل الله أصحاب الفيل كورق زرع قد أكلت منه الدواب، وبقي منه بقايا، أو أكلت حبه فبقى بدون حَب. والعصف =قيل-: الزرع الكثير فقد، تحدثت السورة عن أصحاب الفيل الذين قصدوا هدم الكعبة فأهلكهم الله وأبادهم عن آخرهم.
وفي قصة أصحاب الفيل روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- قوله: جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح، فأتاهم عبد المطلب جد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان ذلك في سنة ولادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحد. قالوا: لا نرجع حتى نهدمه. وكانوا لا يُقَدِّمُونَ فيلهم إلا تأخَّرَ، فدعا الله الطير الأبابيل، فأعطاها الله حجارة سودا عليها الطين، فلما حاذتهم رمتهم، فما بقي أحد إلا أخذته الحكة، فكان لا يحك الإنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه، وقصة أصحاب الفيل جاءت مبسوطة في كتب التاريخ والسيرة لمن أراد أن يبحث عنها.
وسورة قريش: هي السورة السادسة بعد المائة في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها أربع آيات، وهي مكية عند الجمهور، بدأت بقوله تعالى: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) [قريش:1]، أخرج البخاري وغيره عن أم هانئ بنت أبي طالب، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فضل الله قريشاً بسبع خصال لم يُعْطها أحداً قبلهم، ولا يعطيها أحداً بعدهم: أَنِّي فيهم، وفي لفظ: النبوة منهم، والخلافة فيهم، والحجابة فيهم، والسقاية فيهم، ونُصروا على الفيل، وعبدوا الله سبع سنين، وفي لفظ: عشر سنين، لم يعبده أحد غيرهم، ونزلت فيهم سُورةٌ من القرآن لم يذكر فيها أحدٌ غيرهم، (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ)".
وقوله (لِإِيلَافِ) قيل: مُتَعَلِّقَةٌ بالسورة التي قبلها، كأنه قال سبحانه أهلكت أصحاب الفيل لأجل تألف، قريش قال القراء: هذه السورة متصلة بسورة (الفيل)؛ لأن الله سبحانه ذكَّرَ أهلُ مكة بعظيم نعمته عليهم بما فعل بالحبشة.
والمعنى: أي: فعلنا ذلك بأصحاب الفيل، نعمة منا على قريش، وذلك أن قريشا كانت تخرج في تجارتها فلا يغار عليها في الجاهلية، يقولون: هم أهل بيت الله -عز وجل- حتى جاء أصحاب الفيل، وهو أبرهة الحبشي وجيشه الذي كان يتقدمه فيل عظيم ليهدم الكعبة، ويأخذ بحجارتها فيبني بها بيتاً في اليمن يحج الناس إليه، فأهلكه الله -عز وجل-، فذكَّرَهم الله نعمته.
(إِيِلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) [2]، أي: ليألفوا الخروج، ولا يجترئ عليهم، وقد ألفوا رحلتين للتجارة، كل سنة رحلة في الشتاء إلى اليمن؛ لأنها بلاد حارة، ورحلة في الصيف إلى الشام؛ لأنها بلاد باردة.
وقريش هم بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بم مضر، ويرجع نسبهم إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل -عليهما السلام-، وقوله (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) [3]، أمرهم سبحانه بعبادته بعد أن ذكر لهم ما أنعم به عليهم، أي: إنْ لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الخاصة المذكورة، والبيت: الكعبة.
(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [4]، أي: أطعمهم بسبب هاتين الرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلها، وآمنهم من خوف شديد كانوا فيه، وقيل: إن هذا الإطعام هو أنهم لما كذبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا عليهم فقال: "اللهم اجعل عليهم سنينَ كسنينَ يوسف". فاشتد القحط. فقالوا: يا محمد، ادع الله لنا فإنا مؤمنون، فدعا الله فأخصبوا وزال عنهم الجوع، وارتفع القحط، وقد تحدثت السورة عن نعم الله الجليلة على أهل مكة، ورحلتيهما للتجارة، كما أنعم عليهم بنعمة الأمن والاستقرار، ونعمة الغنى واليسار.
وبعدها سورة: أرأيت، أو سورة الدين، أو سورة الماعون، ويقال سورة اليتيم، وهي سبع آيات، وترتيبها في المصحف الشريف السابعة بعد المائة، وهي مكية عن أغلب المفسرين.
بدأت بقوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) [الماعون:1]، الخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو لكل من يصلح له، والرؤية بمعنى المعرفة، والدين: هو الجزاء والحساب في الآخرة، والمعنى: أرأيت الذي يكذب بالدين، أمُصيبٌ هو أم مخطئ؟ قيل نزلت في العاص بن وائل السهمي، وقيل في الوليد بن المغيرة، وقيل غيره.
وقوله (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) [2]، أي: إن تأملته أو طلبته فذلك الذي يدفع اليتيم، أي: بعنف وجفوة، أي: يدفع اليتيم عن حقه دفعاً شديداً، فقد كانوا لا يورثون النساء والصبيان، وقوله:(وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [3]، أي: لا يحض نفسه ولا أهله ولا غيرهم على ذلك؛ بخلا بالمال، أو تكذيباً بالجزاء.
(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) [4]، أي: عذاب للمصلين الساهين عن صلاتهم، أو هلاك لهم، أو واد في جهنم، ومعنى ساهون أي: غافلون غير مبالين بها، قيل: نزلت في المنافقين الذين لا يرجون بصلاتهم ثواباً إن صلوا، ولا يخافون عليها عقاباً إن تركوها، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها، وإذا كانوا مع المؤمنين صلوا رياء، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا، وهو معنى قوله (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ) [5]، أي: يراءون الناس بصلاتهم إن صلوا، أو يراءون الناس بكل ما عملوا من أعمال البر ليثنوا عليهم.
(وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [6]، قال أكثر المفسرين: الماعون: اسم لما يتعاوره الناس بينهم من الدلو والفأس والقِدر، وما لا يُمنع كالماء والملح، وقيل غيره، وقيل هو الزكاة، أي: يمنعون زكاة أموالهم، وقيل الماعون هو الحق على العبد على العموم، وقيل غيره، والمعنى: الشيء القليل، فسمى الله الصدقة والزكاة ونحو ذلك من المعروف ماعوناً لأنه قليل من كثير.
فسورة الماعون تتحدث عن فريقين من البشر هما: الكافر والمنافق، فالكافر جاحدٌ لنعم الله، مكذب بيوم الجزاء والحساب، ومن صفاتهم أنهم يدُعُّون اليتيم ويزجرونه، ولا يفعلون الخير معه، حتى ولو بالتذكير بحق المسكين والفقير، فلا هم أحسنوا في عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه.
أما المنافق فهو الذي لا يقصد بعمله وجه الله، بل يرائي في أعماله وصلاته، ومن صفات المنافقين الغفلة عن صلاتهم، ولا يؤدونها في أوقاتها، يقومون بها صورة لا معنى، وقد توعدت الفريقين بالويل والهلاك، وشنعت عليهم أعظم تشنيع.
عباد الله: هذه لمحة عن هذه السور الثلاث: الفيل وقريش والماعون، نفعنا الله بها، وبهدي كتابه الكريم، وسنة خاتم المرسلين.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي منّ على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بالكوثر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد ان نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم على نهج كتاب الله إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، والعمل بكتابه الكريم، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وسنتكلم باختصار عن سورة الكوثر، أقصر سورة في القرآن الكريم، وعدد آياتها ثلاث آيات، وهي الثامنة بعد المائة في ترتيب المصحف الشريف، قيل: هي مكية، وقيل: مدنية، على اختلاف بين المفسرين، والراجح أنها مدنية.
بدأت بقوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر:1]، المعنى -قيل-: إنا أعطيناك يا محمد الخير الكثير البالغ في الكثرة إلى الغاية، وذهب أكثر المفسرين إلى أن الكوثر نهر في الجنة، وقيل هو حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- في الموقف، وقيل الكوثر: النبوة، وقيل القرآن، وقيل غيره، وروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه "نهر أعطاه الله له في الجنة".
(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [2]، أي: داوم على إقامة الصلوات المفروضة، وانحر البُدْن التي هي خيار أموال العرب، قال محمد بن كعب: إنَّ أُنَاسَاً كانوا يُصَلُّونَ لغير الله، وينحرون لغير الله، فأمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن تكون صلاته ونحره له. وقال عطاء وعكرمة: المراد صلاة العيد، ونحر الأضحية. وقال سعيد بن جبير: صَل لربك الصبح المفروضة بجمع، أي مزدلفة، وانحر البدن في منى. وقيل: النحر وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة حذاء النحر. وقيل غيره.
(إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [3]، شانئك، أي: مبغضك، أي: إن مبغضك يا محمد هو المنقطع عن الخير على العموم، فيعم خيري الدنيا والآخرة، أو الذي لا عقب له، أو الذي لا يبقى ذكره بعد موته، وظاهر الآية العموم، وأن هذا شأن كل من يبغض النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولا ينافي ذلك كون سبب النزول هو العاص بن وائل، حيث قيل: كان أهل الجاهلية إذا مات الذكور من أولاد الرجل، قالوا: بُتِر فلان، أي: انقطع ذكره، فلما مات ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إبراهيم خرج بعض المشركين فقالوا: بُتر محمد، فنزلت الآية.
وقال أهل اللغة: الأبتر من الرجال: الذي لا ولد له، ومن الدواب الذي لا ذنَب له، وكل أمر انقطع من الخير أبتر، والبتر القطع، فقد تحدثت هذه السورة عن فضل الله العظيم على نبيه الكريم بإعطائه الخير الكثير، والنعم العظيمة في الدنيا والآخرة، ومنها (نهر الكوثر)، حوضه -صلى الله عليه وسلم-، وغير ذلك من الخير العظيم العميم، وقد دعَت الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمَّته إلى إدامة الصلاة، ونحر الهدي؛ شكراً لله تعالى.
وخُتِمَت ببشارة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بخري أعدائه، ووصف مبغضيه بالذلة والحقارة، والانقطاع من كل خير في الدنيا والآخرة، بينما ذِكْر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرفوع على المنائر والمنابر، واسمه الشريف على كل لسان، خالد إلى آخر الدهر والزمان، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
فأكْثِرُوا -عباد الله- من الصلاة والسلام عليه تنالوا الأجر العظيم، نسأل الله -عز وجل- أن يُبَلِّغَنا الفردوس الأعلى من الجنة، فهو أعلى منازل الجنة، وأرقاها، وأعظمها، مع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.