البحث

عبارات مقترحة:

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

المغضوب عليهم (اليهود)

العربية

المؤلف سعد بن سعيد الحجري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان - الأديان والفرق
عناصر الخطبة
  1. الحرص على رضوان الله .
  2. صفات أهل الرضوان .
  3. موجبات غضب الله .
  4. اليهود هم المغضوب عليهم .
  5. من صور إشراك اليهود .
  6. صفات اليهود . .
اهداف الخطبة
  1. حث المؤمنين على تحصيل رضوان الله
  2. التحذير من موجبات غضب الله
  3. بيان صفات اليهود وصور إشراكهم .

اقتباس

وحتى يحذر المسلم هؤلاء الأعداء ويتبع غير سبيلهم فإنه لا بد من معرفة حالهم، فاليهود هم أعداء الله تعالى وتأتي عداوتهم من إشراكهم به

الحمد لله الذي لعن اليهود وبين أنهم العدو اللدود ووصفهم بنقض العهود وبنشر الشر بلا حدود، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له معبود العبيد وجامع الناس ليوم الوعيد، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب القول السديد والعمل الرشيد، صلى الله عليه وسلم كلما انتصر أهل الإسلام وهزم اليهود اللئام، وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه إلى يوم القيامة.

أما بعد:

عباد الله! اتقوا الله الذي جعلكم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم، (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [آل عمران:110-111]، ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: من الآية103].

واحرصوا على رضوان الله فإنه دأب الصالحين قبلكم ومنهاة عن الإثم ومغفرة للذنوب ومطردة للعذاب، وهو سعادة الدنيا وربحها ولذتها، وهو النجاة يوم القيامة، أهله يحيون فلا يموتون أبداً، ويشبون فلا يهرمون أبداً، ويصحون فلا يسقمون أبداً، وينعمون فلا يبأسون أبداً. وأهل الرضوان هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، عمروا حياتهم بخشية الله ومراقبته، فكانوا بذلك خير البرية.

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البينة:7-8].

وأهل الرضوان هم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، صدقوا مع الله في اعتقادهم وفي أقوالهم وفي أفعالهم وفي تعاملهم وفي ظاهرهم وباطنهم فاهتدوا بصدقهم إلى البر، واهتدوا بالبر إلى الجنة ففازوا بالمطلوب ونجوا من المرهوب. يقول الله تعالى: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة: من الآية119].

وأهل الرضوان هم الذين يحاربون أعداء الله ويبغضونهم ويحذرون منهم ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم لأن الله كتب في قلوبهم الإيمان وحببه إليه وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، أولئك هم الراشدون. يقول الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة:22].

وأهل الرضوان هم الذين يشكرون الله على نعمه آناء الليل وأطراف النهار، يشكرونه بقلوبهم وبألسنتهم وبجوارحهم، ويعلمون أنهم لن يؤدوا شكر نعمة واحدة لأن نعم الله كثيرة، والشكر قليل. قال تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [الزمر:7]، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها".

ومن أرضى الله في الدنيا رضي الله عنه وأرضى عنه الخلق، وفي الحديث: "ومن التمس رضا الله في الدنيا بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس" ومن أرضى الله في الدنيا رضي الله عنه في الآخرة رضواناً لا يسخط بعده أبداً . يقول تعالى في الحديث القدسي: "يا أهل الجنة. فيقولون: لبيك ربنا وسعديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك. فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحلُ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً".

وإذا حرصنا على رضوان الله فلنحذر غضبه فإن غضب الله شديد وعقابه أكيد، وقد أوجب غضبه على المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الذين يظنون بالله الظن الفاسد. يقول تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) [الفتح:6].

وأوجبه على الجبناء الذين يفرون من الزحف ويثلمون في الإسلام ثلمة ويؤتى الإسلام من قبلهم. يقول تعالى: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الأنفال:16].

وأوجبه على من قتل مؤمناً متعمداً لأن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل نفس مؤمنة، ولأن المسلم حرام الدم والمال والعرض. يقول تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء:93].

وأوجبه على الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق. قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) [الشورى:16]. وأكثر الغضب في القرآن على اليهود لأنهم دعاة الضلال والانحراف وقادة الكفر والفجور ومنبع العهر والشرور، دنسوا الأرض في قديم الزمان وحديثه، وفرقوا الأمم والشعوب على مر العصور والأزمان. قرن الله ذكرهم باللعنة والغضب وجعل لعنهم على ألسنة جميع الأنبياء. قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة:79]. ويقول عنهم: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) [النساء:52] ويقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَبذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) [الأعراف:152]. وودع صلى الله عليه وسلم الدنيا بلعنة اليهود لتبقى أمته من بعده تلعنهم إلى يوم القيامة. قال صلى الله عليه وسلم في مرض موته: "لعن الله اليهود والنصارى".

ونهى تعالى المؤمنين عن موالاة اليهود أو محبتهم أو الركون إليهم أو التشبه بهم أو تقليدهم أو الإعجاب لهم. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) [الممتحنة:13] ويقول صلى الله عليه وسلم: "المغضوب عليهم اليهود".

وحتى يحذر المسلم هؤلاء الأعداء ويتبع غير سبيلهم فإنه لا بد من معرفة حالهم، فاليهود هم أعداء الله تعالى وتأتي عداوتهم من إشراكهم به، فهم مشركون وإن تسموا باليهود نسبة إلى يهوذا بن يعقوب أو أخذاً من الهود والرجوع، وهم شعب الله الأشرار وليسوا الأخيار.

ومن صور إشراكهم: إن الله تعالى لما نجاهم من فرعون وقومه نجاهم من الغرف وفلق لهم البحر وأهلك فرعون وقومه وظللهم بالغمام وأنزل عليهم المنَّ والسلوى ورزقهم من الطيبات وفضلهم على عالمي زمانهم؛ قابلوا هذا الإحسان بالإساة، وقابلوا النعم بالكفر، وقابلوا الخير بالشر إذ قالوا لموسى لما رأوا أقواماً يعبدون الأصنام: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) [الأعراف: من الآية138] فقال لهم: (إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف:139] وهذا يدل على رداءة معدنهم وخبث نفوسهم.

ومن صور إشراكهم: إنهم عبدوا العجل من دون الله وهو صنم لا يضر ولا ينفع وجعلوه معبوداً لهم من دون الله. وكانت هذه العبادة مع وجود رسولين بينهم مما يدل على رسوخ الكفر في قلوبهم وتأصل الانحراف في صدورهم وهيمنة الشر عليهم، وما علم أن أحداً عبد البقر قبلهم ولا أحداً ابتلي بها قبلهم، والقرين بالمقارن يقتدي.

ومن صور إشراكهم: اتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وتقديس الصالحين وعبادتهم والبناء على قبورهم واتخاذهم المساجد على القبور.

يقول تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) [التوبة: من الآية31]. ويقول صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، ويقول عدي بن حاتم: يا رسول الله لسنا نعبدهم. قال "أليسوا يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟" قال: بلى. قال: "فتلك عبادتهم".

ومن صور إشراكهم: نسبة الولد إلى الله تعالى إذ يولون: عزير ابن الله ويقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه ( قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ) [المائدة: من الآية18]، والله منزه عن الصاحبة والولد غني عنهما تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، هو الواحد الأحد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار. يقول تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص:1-4].

ومن صور إشراكهم: قولهم إن الله فقير ونحن أغنياء، وقالوا إنه يطلب القرض ولا يطلبه إلا لحاجته فهو يطلبنا ولا نطلبه، ويتضرع إلينا ولا نتضرع إليه، ونسيء هؤلاء أن الله أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يملكون شيئاً وأنه الذي رزقهم وأنعم عليهم وأنه الغني الحميد. يقول تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:56-58].

والله واسع الإنعام والإحسان، فما من دابة إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها، ويده ملأى لا يغيضها ولا ينقصها نفقة سحاء الليل والنهار، وهو الذي أنفق على الخلق منذ خلقهم حتى تقوم الساعة وهو واسع العطاء ما عنده باق وخزائنه مليئة لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. يقول تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي لو أنّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر".

ومن صور إشراكهم: قولهم: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) [المائدة: من الآية64].

ومن صور إشراكهم: قولهم: لموسى: (أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) [النساء: من الآية153]، وما علموا أن الله لا يرى في الدنيا.

يقول صلى الله عليه وسلم: "نورٌ أنّى أراه"، ولم يمكن موسى من رؤيته، بل ولم يثبت الجبل لما تجلى الله له، وليس لليهود شرف في رؤيته تعالى يوم القيامة، بل هم محجوبون عن ذلك محرمون منه لأنهم كفار ملحدون ألد أعداء الله. قال تعالى: (كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين:15].

ومن صور إشراكهم: قولهم أن الله تعالى تعب بعد خلق السموات والأرض فاستراح يوم السبت، ونسي هؤلاء أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه يقول للشيء كن فيكون. يقول تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ)  [قّ:38].

وصور إشراكهم كثيرة جداً وتجرؤهم على الله لم يشاركهم فيه أحد، واليهود أعداء الملائكة المقربين، فهم يعادون جبريل وميكائيل لأنهم يرون أنهم سبب العذاب على اليهود، ويرون أن جبريل هو الذي نقل الرسالة من بني إسرائيل إلى العرب. قال تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة:98]. ولما أجاب صلى الله عليه وسلم على أسئلة ابن سلام قال: كيف عرفت ذلك؟ قال: "أخبرني بها جبريل آنفاً". قال ابن سلام: "ذاك عدوُّ اليهود من الملائكة".

وليعلم اليهود بأن الملائكة هم العباد المكرمون الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم الذين يسبحون الليل والنهار ولا يسأمون، و يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون، ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك ساجد أو قائم لله رب العالمين، والملائكة مسخرون لحفظ أعمال العباد ولحفظ أجسادهم ولحب المؤمن وبغض الكافر: "فإن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحبُّ فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض الله عبداً دعا جبريل فقال: إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض".

واليهود أعداء الرسل إذ ينكرون رسالتهم ويقولون: (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى ) [الأنعام: من الآية91]. ويقولون إن الرسالة لا تكون إلا فيمن يختارونه ويرشحونه هم. وقد قتلوا الأنبياء إذ قتلوا زكريا ويحيى وحولوا قتل عيسى وأرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يقتصر فساد اعتقادهم بالدنيا فقط بل فسد اعتقادهم بالآخرة إذ يقولون: (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: من الآية111].

ويقولون أن العاصي منهم مهما عصى ربه لن يدخل النار إلا أياماً معدودات، ونسي هؤلاء أن أكثر أهل النار من اليهود، وأنّ كل واحد من المسلمين يفك من النار بواحد من اليهود. فلله الحمد الذي لعن اليهود وغضب عليهم.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

ثم أما بعد :

أيها المسلمون اتقوا الله واعلموا أعداءه اليهود ومعدنهم وسوء صفاتهم.

من صفاتهم أنهم قد اتصفوا بصفات ذميمة تدل على خستهم وعلى خبثهم وعلى عداوتهم للإنسانية كلها، وعلى وجوب بغضهم والتحذير منهم والدعاء عليهم، ومن هذه الصفات:
كتم الحق والعلم لأنهم أهل الباطل وأهل عداوة ولا يحبون للغير ما يحبون لأنفسهم، ولأنهم يريدون استذلال الشعوب بالجهل. يقول تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [آل عمران:71]  وقد لعن الله من كتم الحق ومنع العلم وألجمه بلجام من نار. يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:159-160]. ويقول صلى الله عليه وسلم: "من كتم علماً ألجمه الله بلجام من النار".

ومن صفاتهم: الغدر والخيانة ونشر الفساد فقد خانوا موسى أكثر من مرة. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) [الأحزاب:69]، وخانوا الأنبياء بعده وحاولوا الغدر بعيسى عليه السلام إذ أرادوا قتله فرفعه الله إليه، وحاولوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بإلقاء صخرة عليه فأخبره الله بذلك فأخبره الله بذلك ففارقهم ثم حاصرهم حتى أخرجهم من المدينة، ونقضوا عليه العهد الذي أبرمه معهم بأن لا يؤلبوا عليه أحداً ولا يحملوا عليه السلاح ويلزموا منازلهم فحكم فيهم سعد بن معاذ فحكم عليهم: بقتل الرجال، وسبي الأموال والذرية.

ومن صفتهم: الحسد الذي تأصل في نفوسهم، حسدوا الرسل على رسالتهم، وأهل الإيمان على إيمانهم، وأهل الأولاد على أولادهم، وأهل الأموال والصحة... وعاشوا في حقد دفين وقلق شديد. قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء: من الآية54]. وقد أمرنا تعالى أن نتعوذ به من شر الحاسد إذا حسد وإننا نعوذ بالله من اليهود.

ومنها: الحيل المحرمة والخداع واستحلال الحرام وتحريم الحلال.

ومن ذلك: احتيالهم في السبت إذ وضعوا الشباك يوم السبت وحفروا الحفر للصيد يوم السبت ويأخذونها يوم الأحد، فمسخهم الله قردة، وحرم عليهم الشحوم فأذابوها وشربوها وباعوها وأكلوا ثمنها. يقول صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود إنَ الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها وإن الله إذا حرم على قوم شيئاً حرم عليهم ثمنه".

ومنها: الذلة والمسكنة والخوف والذعر والجبن. قال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) [آل عمران: من الآية112]، ويقول: (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُر) [الحشر: من الآية14]، ولما قال لهم موسى: ادخلوا الأرض المقدسة. قالوا: ( إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ) [المائدة: من الآية22]. وقالوا لموسى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) [المائدة: من الآية24].

ومنها: أكل أموال الناس بالباطل سواء بالربا أو السرقة أو الخيانة أو الرشوة، ويرون أن جميع الأموال لهم وأن الناس غير اليهود أخذوها غصباً ويقولون: ليس علينا في الأميين سبيل، وقد أرادوا رشوة ابن رواحة لما ذهب يخرص نخلهم. قال: والله إنكم أبغض خلق الله لي، وما بغضكم يمنعني من العدل.

ومن صفاتهم: سوء الأدب، إذ كانوا يسلمون على الرسول صلى الله عليه وسلم بقولهم: السام عليك، أي الموت والسم. فقال: "وعليكم". واتهموا مريم بالزنى وقالوا بأنّ عيسى ولد زنى قاتلهم الله أنّى يؤفكون.

وقد عاقبهم الله في الدنيا بعقوبات كثيرة، منها: الذلة والصغار والمسكنة واللعنة، فهم مطرودون مبعدون من رحمة الله، وغضب عليهم وعاقبهم بقسوة القلوب فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وأبعد القلوب عن الله، وأبغض الخلق إلى الله أصحاب القلوب القاسية. قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) [المائدة: من الآية13]، وعاقبهم الله بالتيه في الأرض أربعين سنة وجعل منهم القردة والخنازير، وسلط عليهم عدوهم وشردهم وسامهم سوء العذاب،و الجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحداً.

نسأل الله أن ينصرنا عليهم وأن يخذلهم، وأن يجعلهم غنيمة للمسلمين، وأن يشردهم في الأرض شر مشرد إنه سميع مجيب.