الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | أحمد بن حسن المعلم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
لما سبق من مفاسدَ وإضرارٍ دينيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ وصحيةٍ، حسب الوضع الذي نعيشه في محافظتنا الحبيبة، أقول: إن تخزينَ القات، وبيعَه، وشراءه، وجميع الأعمال التي تساهم في نشره بين الناس هي حرام، والدخل المتحصَّلُ منه حرام، فهل يقول إخواننا المبتلون به كما قال الصحابة حينما عدَّد الله عليهم مفاسد الخمر، ثم قال: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)؛ قالوا: انتهينا يا ربّ ..
كثر الحديث هذه الأيام عن القات، ودرج الحديث عنه في الكثير من المجالس والمحافل، وتناوله الكُتَّابُ في كثير من المواقع، وزادت حدة الحديث عنه عندما تفاقمت مشكلة بعض أسواقه في بعض أحياء المكلا، بعد أن ثار عليه أهل الشحر وأخرجوه من داخل المدينة.
وفي هذه الظروف أجدني مضطراً للعودة للحديث عنه، وإن كنت قد تحدثت عنه كثيراً وفي مناسبات مختلفة، وأصدرت فتاوى مكتوبة في تحريمه.
نعم؛ هو حرام، خصوصاً في مثل وضع المخزي في بلادنا هنا في حضرموت، فالله تعالى عندما حرم شرب الخمر علل ذلك التحريم وبناه على مفاسدَ تترتب على شربه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة:90-91].
هكذا عدَّدَ اللهُ العِلَلَ الَّتِي مِن أجلها حرم الخمر والميسر، يعني " القمار"، وهي العلة الجامعة التي تتفرع عنها سائر العلل الأخرى: أنه رجس من عمل الشيطان، ورجس يعني نجس نجاسة معنوية، وقيل حسية، كما قاله الشوكاني -رحمه الله-.
وإذا ثبت أن الخمر نجس نجاسة معنوية فإن القات يكون كذلك نجساً نجاسة معنوية؛ لما يترتب عليه من المفاسد والشرور التي تفسد الجوانب الدينية والاجتماعية والصحية والاقتصادية، وتزيد في بلادنا حيث يحشر القات صاحبه في الجانب الممقوت من المجتمع، ويبعده عن أهل الصلاح والخير، وحسبك بهذا نجاسة معنوية!.
وعندما يضاف ذلك الرجس إلى عمل الشيطان فإنه يزيده قبحاً ونجاسة، فرأس الأنجاس المعنويين هو الشيطان، فكيف بعملٍ منسوب إليه؟! ألا يكون من أنجس النجاسات؟ هذا في الخمر، وللقات من ذلك نصيبه الوافر.
ثم يبيِّن اللهُ بقية العِلَلَ المـــُوجِبة للتحريم فيقول: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ)، نعم الخمر والميسر من أقوى أسباب العداوة والبغضاء بين الناس، فهل القات كذلك؟ أقول: نعم! إنه يوقع في العداوة والبغضاء بين الناس، واذهب إلى سوق القات وتأمل ما يحدث هناك من خصام ومنازعات وسب وشتم، بل وعراك بالأيدي أحياناً، وبالأسلحة أحياناً أخرى.
ثم تأمل ماذا يكون ممــــَّن ابتُلوا من الساكنين أو التجار الذين تقع أسواق القات بجوارهم، ماذا تُكِنُّ صُدُورُهُم من بغضاءَ وعداوةٍ للقات وأهله؛ لما لحقهم من أضرار بسببه؟.
ثم انتقِلْ إلى داخل الأسر لتجد العداوة والبغضاء على أشدها بين المتعاطي للقات وبين أبيه وأمه، بينه وبين زوجته وأولاده وسائر أعضاء الأسرة، كل أولئك يكنون أنواعاً من العداوات والبغضاء للقات ومتعاطيه؛ بسبب ما يلحقهم من أضرار في حقوقهم المالية والاجتماعية، أضرار في السمعة والصحة؛ بل وفي كل شيء؛ وذلك يجعلهم يبغضون المخزنين جميعاً، هذه العلة الثانية من علل تحريم الخمر متحققة في القات.
ثم يقول تعالى: (وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)، حرم اللهُ الخمرَ لأنه يصدُّ عن ذكر الله، فالقات في بلادنا يصد عن ذكر الله أم يحثُّ عليه؟ الذين يعرفون مجالس التخزين يوقنون بالجواب جيداً، وأقول: إنه يصد عن ذكر الله، ولا مجال في مجالسه لذكر الله، بل حتى مضادة تماماً لذلك، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما جلس قومٌ في مجلسٍ لم يذكروا الله تعالى فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرَةً؛ فإن شاء عذَّبَهُم وإن شاء غفر لهم" .
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِن قومٍ يقومون من مجلسٍ لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة يوم القيامة".
ثم يقول: (وَعَنِ الصَّلَاةِ)، يعني أن الخمر يصد عن الصلاة، فهل القات كذلك يصد عن الصلاة؟ الجواب: نعم؛ يصد عن الصلاة، وثمانون في المائة من المخزنين في بلادنا يصدهم القات عن صلاة العصر والمغرب على الأقل، وهناك من يخزن في الليل فيتأخر في نومه فلا يصلي الفجر، وكذا كثير لدى المخزنين، ومن تعوَّدَ ترك صلاة العصر والمغرب والفجر فهل تراه يحرص على الظهر والعشاء؟ الغالب لا؛ والنتيجة أن القات يصد عن الصلاة بامتياز؛ فهو محرم، ولو لم تكن فيه إلا هذه المفسدة وحدها.
قد يجادل البعض ويقول أنا لا أترك الصلاة بل أخرج وأصلي. فنقول: الحكم للغالب.
والقات في هذه البلاد مظنة لترك الصلاة؛ فهو مُحَرَّمٌ على مَن تركها بسببه ومن لم يتركها، نعم! مَن ترك الصلاة بسببه ارتكب جريمتين، وَمَن لم يتركها ارتكب جريمة واحدة، هذه العلل التي رتب القرآن عليها تحريم الخمر كلها موجودة في القات.
وهناك أسباب تحريم غير هذه: أن تعاطي القات يلجئ كثيرين من المتعاطين إلى الكسب المحرم للمال؛ فإذا علمنا أن كثيراً من المخزنين بدون عمل، وكثيرٌ ممن يعملون لا تتجاوز رواتبهم الخمسون ألف، بل لا تصل إلى هذا القدر، وعلمنا أن متوسط ما ينفقه الفرد المخزِّن ألف على التقدير المتواضع، طلعت النتيجة أن شريحة كبيرة جداً من المخزنين سيضطرون إلى جلب المال بطرق غير شرعية.
وتتنوع تلك الطرق بين ظلم الأسرة ومن يعول ذلك المخزن هذا وحرمان مَن يعول من حقوق أساسية في الغذاء والكساء والعلاج...، فكم من أسر تعرضت للذل والهوان حيث أصبحت تتسول وتمد يدها إلى الآخرين! وكم من أسر نساء وأطفال ضاعوا وسلكوا سبل الرذيلة تحت سوط الحاجة والحرمان الذي جلبه عليهم القات! هذا أولا.
وثانيا: الرشوة وخيانة أصحاب العمل، سواء في المرافق العامة أم الخاصة، فهناك أنواع من الفساد المالي سببه القات.
ثالثا: نهب وابتزاز الأسر من آباء وأمهات وزوجات بأنواع من الطرق منها السرقة الداخلية ، النهب الصريح ، الخداع ، والمراوغات... وقد وصلت إلى أنواع من المشكلات من هذا القبيل.
رابعا: السرقات العامة بمختلف صورها، فقد زادت منذ انتشر القات في أوساطنا زيادة مذهلة، وسببها أن معظم السرقات من أصحاب القات أو المخدرات أو من أشبههم.
ومن أسباب تحريم القات الضرر الاجتماعي المتمثل في تفكُّك الأسر، والفراغ الكبير في البيوت، والبعد عن الزوجة والأولاد، مما يضعف التربية؛ بل يعرضهم لما يقابل ذلك من تربية سيئة والوقوع في أنماط من الانحراف الأخلاقي وغيره، وقد تسبب في حالات كثيرة جدا ً من حالات الطلاق.
ومن أخطر الأضرار في هذا الجانب الإدمان.
ومن أسباب التحريم الأضرار النفسية والصحية المترتبة على القات وهي كثيرة جداً، على رأسها مرض السرطان، والاضطرابات النفسية والعصبية التي قد تؤدي إلى الحالات النفسية والعصبية المستعصية.
ومن أسباب التحريم الأضرار الاقتصادية، ومنها أضرار الأموال الطائلة فيما يعود بالضرر، وهذا هو الإسراف والتبذير الذي حذر الله منه في قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31]، وقوله تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء:27].
وقد ذكرت دراسة حديثة أن ما يصرف على القات يومياً في حضرموت الساحل أربعة مليون 4,000,000 ريالاً! فكم في الشهر؟ وكم في السنة؟ إضافة إلى أن أعدادا كبيرة من الناس قد فقدت أعمالها بسبب القات، وأن وتيرة العمل قد ضعفت كثيرا بسبب التخزين في بلادنا، على الأقل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
عباد الله: لما سبق من مفاسدَ وإضرارٍ دينيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ وصحيةٍ، حسب الوضع الذي نعيشه في محافظتنا الحبيبة، أقول: إن تخزينَ القات، وبيعَه، وشراءه، وجميع الأعمال التي تساهم في نشره بين الناس هي حرام، والدخل المتحصَّلُ منه حرام، فهل يقول إخواننا المبتلون به كما قال الصحابة حينما عدَّد الله عليهم مفاسد الخمر، ثم قال: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)؟ قالوا: انتهينا يا ربّ. فهل يقول المخزنون: انتهينا يا رب وتبنا إليك من هذه الآفة الخبيثة، والمعصية القبيحة، والسلوك المدمر. أرجو أن يوفقهم الله لذلك.
عباد الله: لعل الله أن يجعل هذه الخطبة فاتحة تحوُّل عن القات، تتبعها خطوات نظرية وعملية، وتلاقي استجابة من جميع الأطراف المعنية، وفي مقدمتهم المستهلِكون للقات، الذين هم أكبر المتضررين منه.
ومن الخطوات النظرية: تكثيف التوعية بأضراره المختلفة عبر الخطب والمقالات، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
أما من الخطوات العملية؛ التحركات الشعبية بالوسائل السلمية الحضارية، ورفع شكاوى ومطالبات، وتكوين رأي عام يفرض نفسه على الجهات ذات العلاقة لاتخاذ خطوات جادة في سبيل منعه من الدخول.
ولنبدأ بما يدور الحديث حوله الآن، وهو إخراج أسواق القات من وسط المدن، وإبعاده عن تجمعات الناس، وقد تحركت بعض أحياء المكلا مطالبة بذلك، ونحن ندعمهم، ونود أن لا يقتصر ذلك على حي دون آخر؛ بل يكون إخراجه عن جميع الأحياء والمدن والقرى.
وقد تحرك مجموعة من العلماء، وكتبوا رسالة ومناشدة للسلطة المحلية -على رأسهم الأخ المحافظ- بهذا الخصوص، ستسلم له عند عودته من صنعاء.