الأول
(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | عبد الله بن راضي المعيدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة - الصيام |
ويجوز للإنسان أن يوزع الفطرة الواحدة على عدة فقراء، وأن يعطي الفقير الواحد فطرتين فأكثر؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قدر الفطرة بصاع ولم يبين قدر من يعطى، فدلّ على أن الأمر واسع، وعلى هذا لو كال أهل البيت فطرتهم وجمعوها في كيس واحد وصاروا يأخذون منها للتوزيع من غير كيل فلا بأس، لكن إذا لم يكيلوها عند التوزيع فليخبروا الفقير بأنهم لا يعلمون كيلها خوفًا من أن يدفعها ..
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وفكروا في أمركم، ماذا عملتم في شهركم الكريم؟! فإنه ضيف كريم قارب الزوال والانتهاء والارتحال، وسيكون شاهدًا لكم أو عليكم بما أودعتموه من الأعمال، فابتدروا -أيها المسلمون- ما بقي منه بصالح الأعمال والتوبة والاستغفار؛ لعل ذلك يجبر ما حصل من تفريط وإهمال.
لقد كانت أيام هذا الشهر معمورة بالصيام والذكر والقرآن، ولياليه منيرة بالصلاة والقيام، وأحوال المتقين فيه على ما ينبغي ويرام، فمضت تلك الأيام الغرر، وتلك الليالي الدرر، كساعة من نهار، فيا أسفًا على تلك الليالي والأيام، لقد مضت أوقات شهرنا بالعفو والغفران والقبول، والعتق من النار وبلوغ المأمول، وأسأله تعالى أن يعيد أمثاله علينا في خير وأمن وإيمان.
أيها المسلمون: لقد شرع لنا ربنا الكريم في ختام هذا الشهر عبادات جليلة، يزداد بها إيماننا وتكمل بها عباداتنا، وتتم بها علينا نعمة ربنا، شرع لنا ربنا في ختام هذا الشهر زكاة الفطر، والتكبير، وصلاة العيد.
فأما زكاة الفطر فهي صاع من البُر أو الأرز أو التمر أو غيرها من قوت الآدميين، قال أبو سعيد -رضي الله عنه-: "فرض رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعًا من طعام".
وكلما كان من هذه الأصناف أطيب وأنفع للفقراء فهو أفضل وأعظم أجرًا، فطيبوا بها نفسًا، وأخرجوها من أطيب ما تجدون، فلن تنالوا البر حتى تنفقوا ممّا تحبون، وهي -والحمد لله- قدْر بسيط لا يجِب في السنة إلا مرة واحدة، فكيف لا يحرص الإنسان على اختيار الأطيب مع أنه أفضل عند الله وأكثر أجرًا؟!
ويجوز للإنسان أن يوزع الفطرة الواحدة على عدة فقراء، وأن يعطي الفقير الواحد فطرتين فأكثر؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قدر الفطرة بصاع ولم يبين قدر من يعطى، فدلّ على أن الأمر واسع، وعلى هذا لو كال أهل البيت فطرتهم وجمعوها في كيس واحد وصاروا يأخذون منها للتوزيع من غير كيل فلا بأس، لكن إذا لم يكيلوها عند التوزيع فليخبروا الفقير بأنهم لا يعلمون كيلها خوفًا من أن يدفعها عن نفسه وهي أقل من الصاع.
وزكاة الفطر فرض على جميع المسلمين، على الصغير والكبير والذكر والأنثى، فأخرجوها عن أنفسكم وعمّن تنفقون عليه من الزوجات والأقارب، ولا يجب إخراجها عن الحمل الذي في البطن، فإن أخرج عنه فهو خير.
أما وقتها فالأفضل إخراج الفطرة يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين فقط، ولا تجزئ بعد صلاة العيد إلا إذا كان الإنسان جاهلاً لا يدري، مثل أن يأتي العيد بغتة ولا يتمكّن من أدائها قبل الصلاة، أو يظن أنه لا بأس بتأخيرها عن الصلاة، فهذا تجزئه بعد الصلاة.
ولا يجزئ دفع زكاة الفطر إلا للفقراء خاصة، والواجب أن تصلَ إلى الفقير أو وكيله في وقتها، ويجوز للفقير أن يوكّل شخصًا في قبض ما يدفع إليه من زكاة، فإذا وصلت الزكاة إلى يد الوكيل فكأنها وصلت إلى يد موكّله، فإذا كنت تُحبّ أن تدفع فطرتك لشخص وأنت تخشى أن لا تراه وقت إخراجها فمره أن يوكّل أحدًا يقبضها منك، أو يوكّلك أنت في القبض له من نفسك، فإذا جاء وقت دفعها فخذها له في كيس أو غيره وأبقها أمانة عندك حتى يأتي.
وأما التكبير فهو من السنن التي قد ضيِّعت والقرب التي أهمِلت، ولقد أمر الله تعالى به في كتابه فقال: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) [البقرة: ]، أي: على ما وفّقكم له من الصيام والقيام وغيرهما من الطاعات في هذا الشهر.
فكبروا -أيها المسلمون- من غروب شمس ليلة العيد إلى الصلاة، قولوا: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. قولوا ذلك جهرًا في المساجد والأسواق والبيوت، إلا النساء فإنهن يكبرن سرًّا لا جهرًا، وحذار أن يأخذ أحدَنا في ترك ما شرع أو فعل ما لم يشرع الحياءُ.
وأما الصلاة فقد أمر بها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، حتى النساء، فاخرجوا -رحمكم الله- إلى الصلاة رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، ولتخرج النساء غير متجملات ولا متطيبات، وتعتزل الحائض المصلى؛ لأن مصلى العيد مسجد، أما الرجال فالسنة أن يخرجوا متطيبين لابسين أحسن ثيابهم بعد الاغتسال والتنظيف.
والسنة أن يأكل الإنسان قبل خروجه إلى الصلاة تمرات وترًا ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو نحوها من الوتر، وسمعت أن بعض النساء يخرجن بالتمر معهن إلى مصلى العيد يفطرن منه، وهذا بدعة لا أصل له، وبعضهن يفعلن ذلك إذا جاء خبر العيد بعد الفجر، يقلن: ما نفطر إلا بالمصلى، وهذا أيضًا لا أصل له، بل الواجب أن ينوي الإنسان الفطر حين يثبت العيد؛ لأن إمساك يوم العيد حرام.
عباد الله: مضى شهرنا الكريم، فليله معمور بالقيام، ونهاره مصون بالصيام، فكيف لا نحزن على فراق شهرنا ونحن لا نعلم أنحن من المقبولين أم من المطرودين الخائبين؟! كيف لا نحزن ونحن لا ندري أندرك غيره أم هذا آخر شهر نصوم؟!
أيها الصائمون القائمون: تذكروا وأنتم تودّعون شهركم سرعة الأيام، ففي مرورها وسرعتها عظة وعبرة، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان:62]. بالأمس القريب استقبلناه، واليوم نودعه، اليوم نعيش آخر أيامه، فيا أيها الصائمون: قصروا الآمال، وأصلحوا الأعمال، وتذكروا العرضَ والبعث والنشور، تذكروا وأنتم تودّعون شهركم الموت وشدّته وكربته وعظته.
تذكر ظلام القبر إن كنت تعقل
إن خير ما يتم به هذا الشهر هو التوبة لله والعزم على الاستقامة، وإن مما يلاحظ على كثير من الناس هو النكوص على الأعقاب بعد رمضان، فمن كان يصلي في رمضان يتركها بعده، ومن كان يقرأ القرآن في رمضان فيتركه أو يهمله بعده، وهكذا، وما هذا وربي إلا الحرمان من الخير والإحسان.
عباد الله: إذا كنا أيقنا بالموت وأنه حق فلمَ الغفلة والتفريط؟! فإن الأمر جدّ خطير، فالبدار البدار بالتوبة وحسن الختام، وعلينا بزاد التقوى إنه خير زاد، علينا -معاشر المؤمنين- أن نختم شهرنا بتوبة نصوح صادقه لا نعود فيها إلى الذنوب إصرارًا أو تهاونًا، فإن كنا تبنا من الكذب والغيبة والحسد والغناء والتهاون بالصلوات فلا نرجع إليها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
هذا، وصلوا وسلموا على نبي الرحمة محمد بن عبد الله...
الخطبة الثانية:
لم ترد.