الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام - |
إن الله جل وعلا يعظّم من أمره ما يشاء، وإن الله جل وعلا يصطفي من خلقه من يشاء، فقد اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس، واصطفى ذكره من الكلام واصطفى المساجد من سائر البقاع واصطفى من الشهور شهر رمضان والأشهر الحرم واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظّموا رحمكم الله ما عظم ربكم، وإنما تُعظم بتعظيم الشرع لها ..
إن الحمد لله، نحمده ...
أما بعد:
فيا أيها الناس: إن الله جل وعلا يعظّم من أمره ما يشاء، وإن الله جل وعلا يصطفي من خلقه من يشاء، فقد اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس، واصطفى ذكره من الكلام واصطفى المساجد من سائر البقاع واصطفى من الشهور شهر رمضان والأشهر الحرم واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظّموا رحمكم الله ما عظم ربكم، وإنما تُعظم بتعظيم الشرع لها.
معاشر المسلمين نحن في شهر محرم وهو أول شهور السنة وهو شهرٌ حرام، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعةٌ حرم؛ ثلاثة متوالية: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» وقد سمي محرم بذلك تأكيدًا على تحريمه، وقد كان الكفار في الجاهلية ينسئون تحريمه أحيانًا إلى صفر.
وشهر محرم قد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار من الصيام فيه فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم» فيستحب الإكثار من الصيام فيه، ومن ذلك صيام يوم عاشورا فإن عاشورا يومٌ معظم عند الله عز وجل ويومٌ أيضًا عظمه الناس، فقد كان معظمًا عند الجاهليين وعند اليهود ثم جاء الإسلام وحث على صيامه من باب مخالفة أهل الكتاب فإنهم كانوا يصومونه ويحتفلون فيه ويعتبرونه عيدًا، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ورآهم يصومونه على تلك الصورة أمر بصيامه، وذلك بوحي من الله عز وجل أو إلهام ألهمه الله إياه وكذلك هو اتباع لسنة موسى عليه السلام؛ لأنه لما نجاه الله صام ذلك اليوم، ونحن معاشر المسلمين لا يصام يوم العيد عندنا فاتبعنا هدي موسى عليه السلام وخالفنا أهل الكتاب في الاحتفال فيه، وزاد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في أمر المخالفة حتى أمر بصيام يوم قبله إكمالاً لمخالفتهم حتى في الصوم، حتى قال اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه، وبين المصطفى صلى الله عليه وسلم فضل صيامه، كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صيام يوم عاشورا إني أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله»، وأمر بالمخالفة لأهل الكتاب لما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: حين صام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشورا وأمر أصحابه بصيامه قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» يعني مع العاشر فلم يأت العام المقبل حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم.
عباد الله السنة الأكمل بصيام عاشورا أن يصوم المسلم التاسع والعاشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، وصيام يوم عاشورا سُنة لا ينبغي للمسلم أن يتركه لكونه سنة، فإن أجره عظيم فإن عجز المسلم عن أن يطبق السنة على وجهها الأكمل بأن يصوم التاسع والعاشر فلا بأس أن يصوم العاشر فقط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله –: صيام يوم عاشورا كفارة سنة ولا يكره إفراده بالصوم، انتهى كلامه - رحمه الله – إلا أن يشتبه دخول الشهر على الناس فإنهم يصومون ثلاثة أيام، قال الإمام أحمد – رحمه الله -: فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر، وبهذه المناسبة أحب أن أحذر الذين يحبون الشائعات ونشرها بين المسلمين في دخول الشهر وخروجه ويعبثوا بعقول الناس ويشككونهم حتى في دينهم، حتى تكلموا في وقوف الناس بعرفة فإن الرؤية صحيحة ولله الحمد، وحتى لو أخطأ الناس فلا شيء عليهم؛ لأن الصوم والوقوف بعرفة مع عظم الناس كما بينه المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي هذه السنة لم ير هلال شهر محرم لوجود الغيم، فالسنة إكمال الشهر ثلاثين يومًا، فيكون يوم الثلاثاء هو يوم عاشورا، وهذا خلاف التقويم فلنتنبه لذلك.
معاشر المؤمنين: من كان عليه صوم فريضة من رمضان أو نذر، فقد اختلف أهل العلم في جواز تنفله بصيام يوم عاشورا أو عرفة وترك الفريضة، واختار الإمام أحمد عدم جواز ذلك وأنه لا يصوم النفل قبل الفريضة، ومن وافق عاشورا وعليه صومٌ فرض فإنه يصومه بنية الفرض والله واسع فضله جل جلاله، اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك يا رب العالمين .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم والتابعين وسلم تسليما كثيرا، أما بعد .
فيا أيها الناس: لقد ظهرت مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب جليةً في شهر محرم عدا ما كان يخالفهم فيه في سائر السنن، ونحن نرى البعض يوافقهم في بعض أمورهم، وهذا من الخذلان، فمن ذلك موافقتهم في التاريخ الميلادي وهجر التاريخ الهجري، وإن هذه لرزية انتشرت بين بعض المسلمين هداهم الله تعالى، وإن التاريخ الهجري لم يكن معمولاً به في أول الإسلام حتى إذا كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته كتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول له: "إنه يأتينا منك كتبٌ ليس لها تاريخ"، فجمع عمر الصحابة رضي الله عنهم فاستشارهم فيقال: إن بعضهم قال: "أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم، كلما هلك ملك أرخوا بولادته من بعده"، فكره الصحابة ذلك، فقال بعضهم: "أرخوا بتاريخ الروم"، فكرهوا ذلك أيضًا فقال بعضهم: أرخوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وقال آخرون: من مبعثه، وقال آخرون: من مهاجره، فقال عمر رضي الله عنه: "الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرّخوا بها"، فأرخوا من الهجرة واتفقوا على ذلك.ثم تشاوروا من أي شهر يكون ابتداء السنة، فقال بعضهم من رمضان؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن، قال بعضهم: من ربيعٍ الأول؛ لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً، واختار عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أن يكون من المحرم؛ لأنه شهر حرام يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي فيه المسلمين حجهم، الذي فيه تمام أركان الإسلام والذي كان فيه بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم والعزيمة على الهجرة، فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر المحرم، فوجب على المسلمين الإذعان لهذا الأمر.
وإنه لمن المؤسف حقًّا أن يعدل أكثر المسلمين في هذه الأيام عن التاريخ الإسلامي الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الذي لا يمت لدينهم بصلة، ولئن كان لبعضهم شبهة من العذر حين استعمر بلادهم النصارى وأرغموهم على نسيان تاريخهم الإسلامي الهجري فليس لهم الآن أي عذرٍ في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي، وقد أزال الله عنهم الاستعمار؟!
وكذلك فإن من البدع التي يقع فيها بعض الناس في شهر محرم ما سئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عما يفعله بعض الناس في يوم عاشورا من الكحل والاغتسال والحناء والمصافحة وطبخ الحبوب وإظهار السرور وغير ذلك، هل لذلك أصلٌ أم لا؟ فأجاب – رحمه الله -: إنه لم يرد في شيء من ذلك حديثٌ صحيح لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا استحب ذلك أحدٌ من أئمة المسلمين ولا الأئمة الأربعة ولا غيرهم ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا التابعين، لا صحيحاً ولا ضعيفًا، ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثلما رووا أن من اكتحل يوم عاشورا لم يرمد من ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشورا لم يمرض ذلك العام وأمثال ذلك، ورووا في ذلك حديثًا موضوعًا مكذوبًا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول:من وسّع على أهله يوم عاشورا وسّع الله عليه سائر السنة، ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب، ألا فلنتق الله عز وجل عباد الله، ولنتمسك بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم حتى الوفاة .
اللهم اجعلنا من أهل السنة، اللهم أحيينا عليها وأمتنا عليها، واحشرنا في زمرة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وتحت لوائه يا رب العالمين، اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، اللهم إنا نعوذ بك من الجبن والبخل، اللهم إنا نعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم أنج المستضعفين..