المهيمن
كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...
العربية
المؤلف | حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
شهر رمضان مدرسةٌ تربويةٌ تُربِّي المُسلمَ على المبادِئ الفُضلَى، والأخلاق العُظمَى، والمسالِك المُثلَى؛ لتُقيمَ مُجمعًا إسلاميًّا راقيًا في أخلاقِه وسُلوكِه وتعامُلاتِه.. فمن شهر الصوم يجبُ أن يتربَّى المُسلمُ على ضبطِ النفس، وعلى التحكُّم في جُموحِها؛ لتنأَى عن كل خُلُقٍ رَذيلٍ، ومسلَكٍ مَشينٍ. فيكونُ المُسلمُ بذلك في كل أحوالِه على صِفةٍ عالِيةٍ من الرِّفقِ واللِّين والسَّماحَة والعفوِ، بعيدًا عن العُنف بأشكالِه القوليِّ أو الفعليِّ، مُجانِبًا الفُحشَ بمُختلَف صُوره، مهما كانت الدوافِع، ومهما تعدَّدَت أساليبُ الاستِفزاز له.
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدًا كما ينبغي لربِّنا ويرضَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الأعلى، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبيُّ المُصطفى والرسولُ المُجتبَى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه، وعلى آل وأصحابِه الأصفِياء.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون: إن الإسلام منظومةٌ كُبرى تشملُ أحكامُه ما يكفَلُ سعادةَ البشريَّة وصلاحَها.
ألا وإن من دروس هذا الشهر الكريم: أنه مدرسةٌ تربويةٌ تُربِّي المُسلمَ على المبادِئ الفُضلَى، والأخلاق العُظمَى، والمسالِك المُثلَى؛ لتُقيمَ مُجمعًا إسلاميًّا راقيًا في أخلاقِه وسُلوكِه وتعامُلاتِه.
فمن شهر الصوم يجبُ أن يتربَّى المُسلمُ على ضبطِ النفس، وعلى التحكُّم في جُموحِها؛ لتنأَى عن كل خُلُقٍ رَذيلٍ، ومسلَكٍ مَشينٍ. فيكونُ المُسلمُ بذلك في كل أحوالِه على صِفةٍ عالِيةٍ من الرِّفقِ واللِّين والسَّماحَة والعفوِ، بعيدًا عن العُنف بأشكالِه القوليِّ أو الفعليِّ، مُجانِبًا الفُحشَ بمُختلَف صُوره، مهما كانت الدوافِع، ومهما تعدَّدَت أساليبُ الاستِفزاز له.
ففي الصوم: ترفُّعٌ عن السَّفَه والمُماراة، والفُحش والسوء، قال - صلى الله عليه وسلم -: «فإذا كان يومُ صوم أحدِكم فلا يرفث ولا يصخَب، فإن شاتَمَه أحدٌ أو قاتلَه فليقُل: إني صائمٌ»؛ متفق عليه.
كيف لا يكونُ الصومُ مدرسةً تربويةً تُعلِّمُ أبناءَ المُجتمعَ المُسلمَ السلوكَ الأفضلَ، والخُلُقَ الأمثلَ، بشتَّى صُوره ومُخلَف أشكاله، والله - جل وعلا - قد بيَّن لنا أن المقصد الأعظَم من الصوم هو تحقيقُ التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
إنها التقوى التي من أبرَز عناصرها وأمثَل مضامينِها: العيشُ مع الناس بكل فعلٍٍ جميلٍ، وقولٍ حسنٍ، ومظهرٍ طيبٍ؛ فإن مما يخالفُ مظاهرَ التقوى: التطاوُل على الخلق، والفُحش لهم، وسوءُ الأخلاق في التصرُّف معهم.
ففي الثابتِ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة: قيل: يا رسول الله! إن فُلانة تُصلِّي الليل، وتصومُ النهار، وفي لسانِها شرٌّ تُؤذِي جِيرانَها، سليطةٌ. قال: «لا خيرَ فيها، هي في النار». وقيل: إن فُلانة تُصلِّي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتتصدَّق، وليس لها شيءٌ غيره، ولا تُؤذِي جِيرانَها، قال: «هي في الجنة»؛ والحديث أخرجه أحمد والحاكم، وصحَّحه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصحَّحه جمعٌ من الحُفَّاظ.
إن الصوم تتمثَّلُ فيه صفةُ التقوى التي تجعلُ العبدَ ربَّانيًّا مُتمثِّلاً أخلاقَ القرآن وآدابَه، في قولِه وفعلِه وسُلوكِه، مع الصديق والعدو، مع الكبير والصغير؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «من لم يدَع قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه»؛ رواه البخاري.
إخوة الإسلام: إن تشريعات الإسلام - ومنها فريضة الصوم في هذا الشهر العظيم - يجبُ أن تبنِيَ في نفوسِنا ومُجتمعاتنا كلَّ فعلٍ جميلٍ، وكلَّ خُلُقٍ نبيلٍ. ولهذا فسَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - البرَّ بأنه «حُسن الخُلُق»؛ كما رواه مسلم. وصحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما من شيءٍ أثقلُ في ميزان العبدِ يوم القيامةِ من حُسن الخُلُق».
فيا أيها الصائم! تعلَّم من الصوم حُسن الأخلاق، وجميلَ الطِّباع، ومحاسِنَ العادات والسُّلوك؛ تفُز بعظيم الأجر من الله - جل وعلا -، فقد سُئِل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يُدخِل الناسَ الجنة، فقال: «تقوى الله، وحُسن الخُلُق»؛ والحديث حسَّنه أهلُ العلم.
وفي "سنن أبي داود" بسندٍ صحيحٍ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن المُؤمنَ ليُدرِكُ بحُسن خُلُقِه درجةَ الصائم القائم».
فليكُن هذا الشهر مُربِّيًا في نفوسِنا في كل الأزمان والأوقات حُسن الطِّباع، وجميلَ الأخلاق، وطِيبَ التعامُل؛ مُمتثِلين وصيةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح - الذي رواه الترمذي -: «اتقِ الله حيثُما كنتَ، وأتبعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ».
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي كان أجودَ ما يكونُ في رمضان، من صفاتِه العظيمة في كل وقتٍ وحينٍ: أنه لم يكن فاحِشًا ولا مُتفحِّشًا، وكان يقول: «إن خيارَكم أحسنُكم أخلاقًا». ويقول: «إن أحبَّكم إليَّ أحسنُكم أخلاقًا».
فبتلك التوجيهات يسعَدُ الأفراد، تأمنُ المُجتمعات، وتطمئنُّ النفوسُ. فلا غرْوَ؛ فحُسن الأخلاق قاعدةُ الأمن والأمان للمُجتمعات، وسيِّئُها أصلُ الشُّرور والشقاء في المُجتمع.
قال علماءُ النفس: "الحياةُ من غير قِيَمٍ خُلُقيَّةٍ مُرَّةٌ على القلب وعلى النفوس"، ويتكلَّمُ بعضُهم عن عذابِ الوِجدان فيقول: "إنها لظَى جحيم، يعضُّ قلوبنا ليلاً ونهارًا"، ويُرجِعُ بعضُهم هذا العذابَ النفسيَّ الذي هو أشدُّ من العذاب الحسِّيِّ، فيقول: "كلُّ مرضٍ نفسيٍّ يحدثُ لأفراد المُجتمع فإن وراءَه فسادًا خُلُقيًّا".
فسبحان من أرشدَ إلى جميل الأخلاق، وإلى محاسِن العادات والسُّلوك، وأرسلَ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - ليُتمِّمَ مكارِمَها، ويشرع محاسِنَها. قال الله - جل وعلا -: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خُلُقُه القرآن، كما أخبرَت بذلك عائشةُ - رضي الله عنها -.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعَنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون: أُوصِيكُم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي وصيةُ الله للأولين والآخرين.
عباد الله: شهر رمضان شهرُ الجُود والكرَم؛ فرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كان أجودَ الناس، "وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقاهُ جبريل فيعرِضُ عليه القرآن، فلرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودُ بالخير من الرِّيحِ المُرسَلة".
فكُن - أيها المسلم - جوادًا بالخيرات والطاعات التي تُقرِّبُك إلى ربِّ الأرض والسماوات .. كُن جوادًا كريمًا مُحسِنًا في قولِك وفعلِك وسُلوكِك .. كُن مُحسِنًا بأنواع الإحسان القوليِّ والفعليِّ.
وتذكَّر - أيها المُسلم - إخوانًا لك في سائر البُلدان التي أصابَتها الفتن والمِحَن، فيهم فُقراءُ ومُعوِزون، وفيهم مُشرَّدون ومُهجَّرُون .. فلا تنسَوهم بفضلِكم وإحسانِكم، (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما نقصَت صدقةٌ من مال».
ثم إن الله - جل وعلا - أمرَنا بالصلاةِ والسلامِ على النبيِّ الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على سيِّدنا وحبيبِنا وقُرَّة عيوننا محمدٍ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه.
اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم أذِلَّ الشركَ والمُشركين، اللهم انصُر عبادكَ الموحِّدين، اللهم انصُر عبادكَ المُجاهِدين في سبيلِك في كل مكانٍ.
اللهم احفَظ المسلمين بحفظِك، اللهم اكلأهم برعايتِك وعنايتِك، اللهم احفَظهم بحفظِك واكلأهم برعايتِك وعنايتِك.
اللهم عليك بأعداء المُسلمين، اللهم اجعل تدميرَهم في تدبيرهم، اللهم زلزِل الأرضَ من تحت أقدامهم، اللهم خالِف بين كلمتِهم، اللهم خالِف بين كلمتِهم.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذابَ النار. اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، واكفِهم شِرارَهم يا حي يا قيوم.
اللهم تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين. وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.