البحث

عبارات مقترحة:

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

التيسير في الشريعة الإسلامية

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. شريعة الإسلام خاتمة للشرائع كلها .
  2. مبدأ التيسير مبدأ شرعي وسمة للشريعة المحمدية .
  3. معالم اليسر في هذه الشريعة متعددة الجوانب واضحة الأدلة .
  4. التيسير في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
  5. التيسير في عقيدة المسلمين .
  6. تيسير الله في أركان الإسلام .
  7. التيسير على المرأة في شريعة الإسلام .
  8. اتباع الكتاب والسنة هو الصراط المستقيم .
  9. سوء فهم التيسير في الشريعة .

اقتباس

جعل الله شريعة الإسلام خاتمة للشرائع كلها، أنزلها الله كافةً للناس في مشارق الأرض ومغاربها، الذكر والأنثى، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والعالم والجاهل، والصحيح والمريض، ومن نعمة الله أن جعلها ميسَّرة الفهم، يسهل العمل بها، وتسع الناس أجمعين، فهي رخصة بعد عزيمة، ولين لا تشديد معه، ويسر لا عسر معه، ورفع الحرج عن الأمة..

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:

فيا أيُّها الناسُ: اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

عباد الله: جعل الله شريعة الإسلام خاتمة للشرائع كلها، أنزلها الله كافةً للناس في مشارق الأرض ومغاربها، الذكر والأنثى، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والعالم والجاهل، والصحيح والمريض، ومن نعمة الله أن جعلها ميسَّرة الفهم، يسهل العمل بها، وتسع الناس أجمعين، فهي رخصة بعد عزيمة، ولين لا تشديد معه، ويسر لا عسر معه، ورفع الحرج عن الأمة.

أيُّها المسلم: إن مبدأ التيسير مبدأ شرعي وسمة لهذه الشريعة المحمدية، فإن الله جلَّ وعلا لم يشق علينا أولم يعنتنا، وإنما أراد بنا اليسر أنزل هذه الشرعية مشتملة على اليسر والرفق، قال جل وعلا: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ)، وقال جل جلاله: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)، وقال جل وعلا: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)، وقال جل جلاله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ»، وقال: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ».

أيها المسلم: ومعالم اليسر في هذه الشريعة متعددة الجوانب واضحة الأدلة تمثل في كتاب الله وشخصية محمد صلى الله عليه وسلم، وأصول الدين وأحكامه وعباداته في أصوله وفروعه، أما كتاب الله فإنه أفضل الكتب وآخرها هو آخر كتب الله، جمع الله فيه معاني ما سبقه من الكتب، يسَّر الله تلاوته، ويسر الله فهمه، ويسر الله تدبره قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) وقال: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا) وقال: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فهو كتاب الله، تُقبل عليه العقول، وتلين له القلوب وتحب سماعه لا يمل سماعه، هو كتاب عظيم جمع الله فيه معاني ما سبقه من الكتب، وفيه من أسرار العلوم ودقائقها ما يعرفها الراسخون في العلم وهو كتاب عظيم ينتفع به كل من قرأه من خاص وعام، ويتدبره ويستفيد من تلاوته.

أما شخصية محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله أرسله رحمةً للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وهو رحمة للمؤمنين حريص على هدايتهم، يعز عليهم ما يعنتهم من الآصار والأغلال التي كانت على من سبقهم (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، وقال جلَّ جلاله: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا»، وتقول عائشة رضي الله عنهما: «ما خُيِّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه».

وكذلك التيسير في عقيدة المسلمين، فإن أدلتها مفهومة، ومعانيها مفهومة، وأدلتها واضحة؛ من الإيمان بالله بربوبيته وبأسمائه وصفاته على ما يليق بجلال الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، والإيمان بملائكته وكتبه ورسوله ولقائه، والإيمان بقضاء الله وقدره، أما العبادات والمعاملات الشرعية فإن التيسير فيها واضح حيث يسّرت أمر المؤمن في مرضه وصحته، وسفره وإقامته، وحال الاضطرار.

أيها المسلم: اسمع أخي تيسير الله في أركان الإسلام، وما جاء بها من التيسير والتسهيل، فالصلوات الخمس التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام جاء فيها من التيسير ما الله به عليم، فأولاً طهارتها، فالطهارة شرط لصحة الصلاة لا يقبل الله صلاة بلا طهور: «لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»، فالطهارة شرط لها، لكن هذه الطهارة ميسر أمرها، والذي غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين جاء بطريقة سهلة، فنبينا صلى الله عليه وسلم كان في طهوره لا يزيد عن مُدّ في الوضوء، ولا عن صاع في الغسل، تيسيرًا على الأمة وحثًا لها على الاقتصاد في ذلك، وجاء التيمم قائمًا مقام الماء عند عدم الماء (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)، وجاء المسح على الجبيرة الموضوعة على أي عضو من أعضاء الوضوء عندما يتعذر الغسل، فإن المسح عليها قائم مقام غسلها، وشُرع المسح على الخفين لمن لبسهما على طهارة وجاء وقت الصلاة، فإن السنة أن يمسح عليه وهو التيسير، ولا يشرع في حقه خلع الخفين وغسل الرجلين ما دام لبسهما على طهارة، فالمدة باقية يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليها للمسافر، ونُهي المسلم عن الوسواس في طهارته، فإن البعض من الموسوسين حملوا على أنفسهم مشقة فتراه يتوضأ ساعة كاملة أو أكثر، وكل هذا من الحرج الذي رفعه الله عنا، كذلك إزالة النجاسة شُرع لنا إزالتها بالماء أو بالتراب من غير وسواس، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أتى أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه أذًى فليمسحهما بالتراب وليصل فيهما» صلواته الله وسلامه عليه.

ثم نرى التيسير في أوقات الصلاة الخمس بطريقة ميسرة، فجعل طلوع الفجر الثاني علامةً لصلاة الفجر، وزوال الشمس في الظهر، والظل في العصر، وجعل غروب الشمس وقت المغرب، ومغيب الشفق الأحمر وقت العشاء، كل هذا من التيسير وعدم المشقة وتكبيد ما لا يُطاق، ثم نرى هيئة الصلاة فإن القيام والركوع والسجود أركان من أركان الصلوات، ومع هذا قد تسقط عند العجز عنها، فيمكن أن تصلي قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب، فإن لم تستطع فمستلقيًا، دخل النبي على رجل من أحد أصحابه وقد وضع وسادة ليسجد عليها، فرمى بها، وقال: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فمُستلقيا»، فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة.

ثم أيها المسلم، جاء التيسير أيضًا بطريق أخرى وهو أنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن ممن خصه الله به أن جعل كل الأرض لنا مسجدًا وطهورًا لنا، مسجد نصلي ونتطهر به عند عدم الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسَاجِدَ وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فعنده مسجده وضوءه خلاف لمن كَانَ قَبْلِنا»؛ حيث إن صلواتهم في كنائسهم، لكن هذه الأمة جعل أمرها ميسرًا في ذلك، ثم نرى التيسير أيضًا في أداء النوافل، وأن المسلم لا ينبغي أن يحمل نفسه على المشقة والتعب، دخل النبي على عائشة وعندها امرأة فقالت عائشة يا رسول الله تذكر من صلاته قال: «مه، عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَ اللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا»، وقال أنس رضي الله عنه: دخل النبي المسجد فإذا حبل بين ساريتين فقال: «ما هذا»؟ قالوا: "لزينب إذا تعبت تعلقت به"، فقال: «أيها الناس! ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد» وأمر بحل ذلك الحبل.

ثم نراه صلى الله عليه وسلم يُرشد الأئمة بالجماعة أن يراعوا حال المرضى والمسنين والضعفاء، فلا يطولوا عليهم تطويلاً يشق عليهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، مِنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ ورائه فِيهِمُ الصغير والكبير، والْمَرِيضَ، وَذَا الْحَاجَةِ ومن صلى وحده فليطول ما شاء»، ثم نرى أيضًا تيسيرًا للصلاة أن شرع قصر الرباعية في الصلاة إذا سافر سفرًا تُقصر فيه الصلاة، شرع القصر وكان القصر رباعية الظهر والعصر والعشاء أفضل من إتمامها في السفر، هكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم، ثم رخص في الجمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء للمسافر، ورخص الجمع أيضًا للمريض والأعذار كالمطر ونحو ذلك، كل هذا من تيسير الله بالمسلمين.

ثم نرى الزكاة التي هي الركن الثالث من أركان الإسلام وكيف التيسير فيها، وأنها مواساة وليس فيها ظلم للغني ولا تفريط في حق الضعيف، فجعل نصاب النقديين الذهب والفضة ربع العشر، اثنان ونصف في المائة، وجعل زكاة الحبوب الثمار العشر فيما يسقى بالكلفة ونصف العشر بما سُقي بدون المشقة والكلفة، فجعل العشر فيما سقي بدون كلفة ونصف العشر فيما سقي بالمؤنة والكلفة، وجعل زكاة بهيمة الأنعام ميسرًا أمرها أول نصاب الغنم أربعون، وأول نصاب الإبل خمس وأول نصاب البقر ثلاثون؛ تيسيرًا من الله وتسهيلاً للعباد.

ثم نرى في صيام رمضان الذي هو الركن الرابع من أركان الإسلام، فإن الله أوجب الصيام صيام رمضان على المسلم القادر المقيم الصحيح البالغ، فمن كان مريضًا أو مسافرًا جاز لهما الفطر على أن يقضيا أيامًا آخر (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، وجعل الإطعام يقوم مقام الصيام عند العجز بكبر سنٍ أو مرض لا يرجى برؤه، قال جل وعلا: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ).

ثم في الحج لم يفرضه في العمر إلا مرة لمن كان قادرًا عليه قال صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فحجوا» قَالَوا: "أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ"؟ فسكت ثم قَالَ: «لَوْ قُلْتُ نعم لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ ما استطعتم؛ ذروني ما تركتكم، الْحَجُّ مَرَّةٌ فَمَا زَادَ فَهو تَطَوُّعٌ»، ومن عجز بماله ولم يقدر فلا حج عليه (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)، ومن قدر بماله وعجز ببدنه فإنه ينيب من يؤدي هذه الفريضة عنه.

ثم إنَّه جل وعلا جعل الأصل في الأشياء الإباحة (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا) ما لم يأتِ ما يخص ذلك، ثم أباح لنا تناول الطيبات من مأكول ومشروب ما لم يأتِ نهي بذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وجعل الأصل في البيوع الحل (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، فالأصل في البيوع الحل إلا ما دل الدليل على تحريمه، وجعل الأصل في الشروط الحل أيضًا إلا ما أحل حرامًا أو حرّم حلالاً، فـ«المسلمون على شروطهم، إلا شرط أحل حرامًا أو حرّم حلالاً»، وجعل المشروط عرفًا كالمشروط شرعًا، فمتى كان الشرط معروفًا بين الناس فالواجب اتباعه.

ثم إنه صلى الله عليه وسلم أرشد القاضي الشرعي إلى أن يحل بين الطرفين المدعي والمدعى عليه، ويحكم بما أراه الله وليس مسئولاً عن خفايا الأمور، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: «أيها الناس، إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَي، وإن بعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ الآخر، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ السلم، فَإِنَّمَا هي قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلاَ يَأْخُذْهَا أو ليدعها» بمعنى أن القاضي يقضي بما تبين له لكن لو كانت كاذبة والشهود شهود زوار لا يعلم حالهم، فإن ذلك لا يعطي المحكوم له حل ذلك الأمر؛ لأنه بناه على ما رآه القاضي، وبناء على شهادة زوار وكذب.

أيُّها المسلم، وفي باب الحسنات والسيئات، فمن تيسير الله لنا أن جعل عقوبة السيئة سيئةً مثلها أو يعفوا، وأن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، قال جلَّ وعلا: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)، وقال: (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)، وقال: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وكذلك من تيسير الله لنا أن جعل التوبة لنا ملجئًا لنا عندما تقع الأخطاء منا والسيئات، وكلنا خطّاء وخير الخطائين التوابون، فقد كان فيما قبلنا إذا أذنب العبد كُتب ذنبه على بابه، فإذا تاب مُحي ذنبه، وجعل توبتهم أيضًا أن يقتل بعضهم بعضًا، أما توبة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإقلاع عن الخطأ، وندم على ما مضى، وعزم صادق أن لا يعود إلى مثل ذلك، كل هذا من تيسير الله بنا ورفقه بنا، فالحمد لله على كل حال، الحمد لله على هذه الشريعة على كمالها ويسرها وتيسيرها، فالواجب قبولها والتقرب إلى الله بذلك، وحمد لله على هذه النعمة العظيمة، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:

فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.

عباد الله: إن من تيسير الله في طريقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم يكلف الإنسان ما لا يطيقه فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» فجعل الأمر موقوفًا على رؤية المشاهدة «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» أي يوضح الحق بحكمة وبصيرة، «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ» يعلم الله منه بغض الشر وكراهيته.

أيُّها المسلم: التيسير في حق المرأة المسلمة، فيسر لها الأمر حيث لم يكلّفها ما لا تطيق، بل كلفها بخدمة البيت، وتربية الأولاد، وجعل القوامة للرجل عليها (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، فراعى ضعفها، فجعل الأمر على ما يليق بقدرتها لا على ما يشق عليها ويحملها ما لا تطيق، وفي باب الإنفاق جعل الله التيسير في ذلك واضحًا (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرا).

أيُّها المسلم: إن البعض من أبناء المسلمين يتصور التيسير في الشريعة تصورًا خاطئًا، فتراه أحيانًا يعترض على أوامر الشرع، وعلى نواهي الشرع، ويقول: إن هذا تشدد، وإن هذا تنطع، وإن هذا تكلف. وهذا من سوء فهمه وخطأه، فإن هذه الشريعة شريعة شرعها رب العالمين، أكملها وأتم بها النعمة، ورضيها لنا (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا)، فمن ادعى تشددًا أو تنطعًا في أحكام الشرع؛ في أوامره التي أمر، وفي النواهي التي نهى عنها، فإن ذلك خطأ منه وسوء فهم منه؛ إذ لو كان حقًّا لقَبِلَ هذه الشريعة وارتضاها (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) لما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) أتى الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلسوا على ركبهم وقالوا: "يا رسول الله كُلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة، والزكاة، وقد جاءت آية لا نطيقها فقال: «وما هي»؟ قالوا قول الله: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) قال: «أتريدون أن تقولوا سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا»، فلم اقترأها القوم، وذلت بهم ألسنتهم أنزل الله بها (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ* لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عن أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا».

أيها المسلم: إن اتباع الكتاب والسنة هو الصراط المستقيم الذي أُمرنا بسلوكه (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)، فنقبل دين الله ونرضى به كما رضي الله ولا يكون في نفوسنا حرج من ذلك، بل هو حق ونعمة ورحمة، فعلى المسلم أن يقبل ذلك، وأن يرضى بما رضي الله به.

أيها المسلم: يتصور بعض الناس التيسير في الشريعة بالتخلي عن بعض أحكامها، والتجاوز عن بعض المحرمات، واستباحة ما حرم الله بدعوة التسهيل والتيسير، وهذا من سوء الفهم وقلة الإيمان، فالتيسير في الشريعة لم يكن نابعًا من تصورات البشر، ولكن التيسير جاءت به الشريعة من عند الله، فليس لنا الحق أن نحرّم ما لم يحرمه الله، أو نبيح ما حرم الله (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)، فالتيسير تابع لشريعة الإسلام، جاء التيسير من رب العالمين ليس التيسير بأهوائنا وأغراضنا وقضاء شهواتنا ولعبنا ولهونا، إنما التيسير حكم من أحكام الله جاءت به شريعة الإسلام، فعلى المسلم أن يقبل ذلك ولذا قال الله: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

أيها المسلم: التيسير مطلوب ولاسيما في قيادة الأمم والمسئولين عن قيادة الأمم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ، اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ»، فالموفّق من القادة من جعله الله سببًا لتفريج همّ المواطنين، ودفع الظلم والأذى عنهم، وحل مشاكلهم، وتضميد جراحهم، والسماع لشكاويهم، وحل مشاكلهم؛ لما يقوم بالعدل والإخلاص والصلاح، أما أولئك القادة الظلمة القتلة السفك للدماء الهتاكين للأعراض الناهبين للأموال الباغين للمشقة، الظالمين الذي قست قلوبهم، فقتل الأطفال والمسنين والنساء أمر ميسر لهم، مدوا أيديهم بيد أعداء الإسلام، وأكفر خلق الله على الإطلاق تعاونًا معهم على أهل الإسلام والسنة والجماعة، ظلم للعباد، فكم نهبوا من أموال! وسفكوا من دماء! واغتصبوا من نساء! وانتهكوا من أعراض! وشرّدوا من أناس! وضروا بالأمة! وألحقوا بها الأذى! أولئك قوم لم تؤثر فيهم نُذُر القرون الخالية، فلوثوا أيديهم بالدماء، وعانوا الصليبين ضد الإسلام، وعانوا التتار ضد الإسلام، وعانوا كل من يريد الإسلام على الكيد والبلاء، فنسأل الله أن يكشف سرهم، وأن يفرّق كلمتهم، ويشتّت أمرهم، وينزل الرعب في قلوبهم ويكفّ شرهم وبلاءهم، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا رَحِمَكُم اللهُ على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.

اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، ونصر عبادك الموحدين، وجعل اللهم هذا البلاد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم آمنا في أوطننا، وأصلح ولاة أمرنا، وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، أعلِ على المسلمين خيارهم وكف عنهم شر أشرارهم، إنك على كل شيء قدير، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللَّهمّ كن له عونًا ونصيرًا، اللهم أمده بالصحة والسلامة والعافية، وأعنه على كل خير، واجعل بركته على نفسه وعلى المجتمع المسلم، اللهمَّ وفق ولي عهده نايف بن عبد العزيز لكل خير، وسدده في أقواله وأعماله، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، اللَّهمّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثتنا، اللهم سقي رحمة لا سقي بلاء ولا هدم ولا غرق.

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.