الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن إبراهيم العليان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الحكمة وتعليل أفعال الله |
إنهم الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر -أعلى اللهُ منارَهم ورفع قدرَهم-، إنهم قومٌ محتسبون، نذروا أنفسهم لترك المجاملة، والصبر عن حلاوة المداهنة، يواجهون كَلَلَ الأرواح، وفتورَ العزائم، وشهواتِ النفوس، ورغباتِها الآثمة. المحتسبون -أعظم اللهُ أجورَهم- يجابهون...
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي: (نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ) [الزمر: 23]، سبحانه وبحمده، من يهدِه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له مِن بَعْدِه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، شهادةَ الحقِّ يوم يقوم الأشهاد، والنجاةِ يومَ التناد.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضلُ السادة، وأكرمُ العباد، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أولي الهدى والرشاد، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد.
أما بعد:
فقد باء برضوانٍ من ربه من اتقاه حق تقواه، وعبده كأنه يراه.
التقوى هي لزومُ الأثر، والاستمساك بالعروة الوثقى، وذكرى الدارِ الآخرة، وإجابةُ داعي الله حيثما دعا إليه وذكّر بأمره.
التقوى صدقٌ وإخلاص، وطلبٌ واتباعٌ لسبيلِ الخلاص، جدٌّ وعزم، وقوةٌ وحزم، وانتصارٌ على النفس والهوى، فتلكم هي التقوى.
أيها المؤمنون: شرع الله شريعتَه الخاتِمة، وخصَّ هذه الأمةَ بخير دينٍ: دينِ القيمة؛ ليكون الدين كلُّه لله، وليعبَدَ في أرضه على نور منه سبحانه، وأودع في هذه الشريعة القيِّمة أسبابَ بقائها وعلوِّها على غيرِها، واستعصائِها على رياحِ التغييرِ مهما اشتدَّتْ، وإبائها على قفازات التدمير مهما تعدَّدَتْ، وتاريخُ الأمةِ الطويلُ شاهدٌ على هذه الحقيقة.
أجل؛ فقد حَفِظَ اللهُ الإسلامَ، الذي هو الدينُ عنده بحفظه التام، فبقيَ شامخًا يطاول الزمان، في مَنَعَةٍ من اللهِ وأمان، وجَعَلَ حَمَلَتَهُ خيرَ أمةٍ أخرجت للناس، وَأَكْرَمَ أمةٍ تَفِدُ عليه تعالى يوم العرضِ الأكبر بأمرهم بالخير ودعوتِهم إليه، ونهيِهم عن الشر وتحذيرِهم منه.
إنها شعيرةٌ من شعائرِ الإسلامِ الظاهرة، وعمادٌ من عَمَدِه الشامخة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110].
أوضح أمْرَها النبيُّ الأمين -صلوات الله وسلامه عليه-، وقام بها صحابتُه المجتبَوْن، وسار على إِثْرِهِمُ في ذلكم العلماءُ بعلمهم، والدعاةُ بوعظهم، والمصلحون ببيانِهم، والناصحون بنُصْحِهم، وسائرُ المسلمين بتقواهم، فَنَفَوْا عن دينِ اللهِ غُلَوَّ الغالين، وانتحالَ المبطِلين، وتأويلَ الجاهلين، وردوا شبهاتِ القالين، وحفظوا سنة خير المرسلين -صلى الله عليه وسلم-.
ورحمةً من الله وفضلًا، يقيِّظُ لهذه الأمةِ من يجدد لها دينَها كلما دَرَست معالمـُه.
إنها شعيرةُ الاحتسابِ في بيانِ الحق، وردِّ الباطل، والأخذِ على يدِ السفيه، وأطرِه على الحقِّ أطرا؛ ليبقى دينُ الله معظَّما في النفوس، ولتعيشَ المجتمعاتُ المسلمةُ على أساس متين من العبودية لله والطهارة والنقاء، ولو طُوِي بساطُ هذه الشعيرة، وأُهمِلَ القيامُ بها؛ لتعطَّلَتِ الشريعة، وتلاشت الديانة في النفوس، وفشتِ الضلالة، وشاعت الجهالة، واتسع الخرق، وانطمس وجه الحق، واستشرى الفساد، وخَرِبَتِ البلاد، وهَلَكَ العباد، وكان المعروف في كل عصر ومصرٍ منكرًا، والمنكَرُ معروفًا، وثَمَّ يستعصي الإصلاحُ على أهلِ الإصلاح، وتَسْتَحْكِمُ غُربَةُ الدين.
وما حلَّ الهوانُ واللعنُ بالأمم السابقة إلا يوم أَلِفُوا المنكرات، ورضوا واطمأنوا بها، وقلَّ النكيرُ لها، وعُدِمَ بينهم قائمٌ لله بالحق: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78- 79].
ويقول الحقُّ -تعالى- عنهم: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [المائدة: 62- 63].
أما هذه الأمةُ فبشعيرةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، نالتْ خَيْرِيَّتها، ومن زُلَالِهَا اسْتَقَتْ فَضْلَهَا، وهل مُهِمَّةُ خاتمِ النبيين -عليه صلواتٌ وسلامٌ من رب العالمين-، ومهمةُ أتباعه إلى يوم الدين إلا الدعوةُ إلى الله على بصيرة، والتي هي الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر؟ (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].
وهي أخصُّ صفاتِ أهلِ الإيمان، ومن تمامِ الوَلايةِ لهم في الرحمن؛ إذْ هِيَ دليلُ مَحْضِ النصح، وحبِّ الخير للمؤمنين، ودفعٌ لغضبِ الله -تعالى- عنهم، وأخذٌ بحُجَزِهم عن النار: (والْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].
وهي براءة من حال المنافقين، الآمرين بالمنكر، الناهين عن المعروف، الناسين أمرَ الله -تعالى-.
شعيرةٌ يُرَادُ منها أن تَعُمَّ الفضيلة، وتَخْتَفِيَ الرذيلة، ويَذِلَّ مَنْ خَالَفَ أمرَ اللهِ -تعالى- ورسولِه -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذا كان إنكارُ المنكَرِ واجبًا عينيّا على من علمه ورآه، وأمكنه إنكاره دون غيرِه من الناس بنص قول رسول الله -عليه الصلاةُ والسلام-: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" [أخرجه مسلم في صحيحه].
ولا بد من طائفة معيَّنة من هذه الأمةِ تقومُ بشعيرةِ الحُسْبَةِ على الوجهِ الذي أراده الله -تعالى- إذْ أَمَر به في قوله سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
إنهم الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر -أعلى اللهُ منارَهم ورفع قدرَهم-، إنهم قومٌ محتسبون، نذروا أنفسهم لترك المجاملة، والصبر عن حلاوة المداهنة، يواجهون كَلَلَ الأرواح، وفتورَ العزائم، وشهواتِ النفوس، ورغباتِها الآثمة.
المحتسبون -أعظم اللهُ أجورَهم- يجابهون الشرور، ويتعرضون للأذى والشتائم من أهل الأهواء، ويُسْلَقُونَ بألسنة آثمة حداد.
أما إنهم لو شاؤوا لآثروا السلامة المزعومة، ولخلدوا إلى الدعة، ولنأوا بأنفسهم عن أذى المنافقين، ولاسْتَجَنُّوا بالمجاملةِ عن افتراءِ الآثمين، ولكنهم محتسبون، لا لأنفسهم يمهدون، بل لدين الله ينصرون، ولأمره يمتثلون، وبه من عذابه يستجيرون.
سمت بهم هذه البلادُ منذُ تأسيسِها، فكانت هذه الشعيرةُ صِمَامَ أمانٍ لسفينتِهَا الماخرةِ من خَرْقِ السفهاء، وحظيت وحملتَها بدعمٍ مشكور، ومساندة صادقة من أولياء الأمور -جزاهم الله خير الجزاء-.
لقد صدع الولاةُ الصالحون فأسمعوا من أراد السماع -رحمهم الله وحفظ أحياءهم- بأن هذه الشعيرةَ أساسُ الدين، وأنها باقيةٌ ما بقيت هذه الدولة، وأنها جهازٌ من أجهزة الدولة يخطِئُ أفرادُها ويصيبون، إلا أن الخطأَ مغمورٌ في بحر الصواب، إلا أن أناسًا ذوي أغراضٍ دنيئة يضخِّمون الأخطاء، ويخلقون إفكًا من أجل تشويه هذه الشعيرة وأهلها، لقد قطع الولاةُ أطماعَ هؤلاء الأرذلين ببيانهم أن هذه البلاد ليست إلا للمسلمين، فمن شرق بذلك فليس له فيها من مقام.
ولقد قطع الأمراء الموفَّقون -إن شاء الله- الطريقَ على المنافقين الأذلِّين يوم أكَّدوا أن الخطأَ تصلحه الدولة، والصوابَ تدعمه الدولة؛ فلا يرجى من المنافقين إصلاح ولا ثواب.
جعل الله -تعالى- في كتابه الكريم الذين يأمرون بالقسط من الناس، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر خير الناس، وكذا المؤمنون، وولاةُ الأمر في هذه البلاد، إلا أن المنافقين الأذلين اتخذوهم شر الناس، وقالوا فيها بهتانا عظيما.
إنهم قومٌ أخْرَجَ اللهُ أضغانَهُم، فإن تُرِكَت لهم شهواتُهم الآثمةُ رضوا، وإن حيل بينهم وبينها إذا هم يسخطون.
ولبئس ما قدَّمَتْ لهم أنفسُهم في رَفْضِهِمْ لشرعِ اللهِ -تعالى- وحكمِه.
جرأةٌ فجَةٌ في خروجٍ عن قيم هذا المجتمع وأخلاقه، وافتئاتٍ على وُلاةِ أمرِهِ وعلمائِه، وسخطٍ للسياسة العليا التي قامت عليها هذه الدولة، ألا ساءَ ما يرجون! وما أقبحَ ما يبتغُون.
لقد ساءهم -أرغم الله أنوفَهم- أن يجابَ داعي الله -تعالى- إلى الصلاة، فتغلقَ المتاجِر والأسواق، وسيئوا بالأمر بالحشمة والبعد عن الاختلاط والخنا والمجون، وأرادوا للمجتمع أن يكون مثلَهم، فلا رافض لفحشهم، ولا ممتعضَ من منكرهم، ولا يذمُّ السوقَ إلا الخاسرُ فيها، وإنه لا أدل على النفاق، ولا أركسَ في رِيَبِه ورجسه من الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة: 67].
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل سوء وخطيئة، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانِه، والشكرُ له على فضلِه وامتنانِه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وعلى الأنبياء إخوانه.
أما بعد:
فاذكروا -رحمكم الله- أن ربكم -سبحانه- يدفعُ بالمصلحينَ العذابَ: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 116- 117].
ولقد أخرج الإمام أحمد -رحمه الله- في مسنده عن حذيفةَ بنِ اليمان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ".
وإن المنكراتِ لم تفشُ في مجتمعٍ مسلمٍ مرةً واحدة، إنما فَشَتْ؛ لأن فاعلًا فعل، وآخر داهن وسكت، وإنه لا يُمْتَحَنُ امتحانُ من قال: لا إله إلا الله بمثل أن يدعى إلى ترك مجاملة الخلق، رغبة في إحقاق الحق، وابتغاء ما عند الله -تعالى-.
وإننا واثقون بربنا -سبحانه- بأن ينصر القائمين بأمره، ثم بولاة أمرنا أن لا يثنيهم عن القيام بهذا الحق لومةُ لائم، ولا تشغيبُ مفسد.
للِه أنتم تَسْحَقُون المنكَرَا | وتمعِّرُون الوجهَ منه تأثُّرا |
يا خيرنا يا فخرَنا يا ذخرَنا | حقٌّ عليَّ بمثلِكم أن أفخرا |
لا تتركوا للمفسدين بقيةً | لا تمهلوا زرعَ البُغاةِ فيكبُرا |
هي أمتي جَسَدٌ إذا عضوٌ | طغى فيهِ الفسادُ فحقُّه أن يُبتَرا |
كم من فتاةٍ قد حفظتم عرضَها | توصُونها باللينِ أن تتستّرا |
كم فاغلٍ أرشدتموهُ إلى الهدى | إذْ عادَ من بعدِ الضلالةِ مُبصرا |
يا مَن إذا نُمْنا بثوبِ أماننا | فَتَحُوا العيونَ النعاساتِ لتَسْهَرا |
من يَدْعُ للمعروف يُجْزَ بمثلِهِ | والله أكثرُ للفتى إن أكثرا |
هيئاتُنا تاجٌ على هاماتنا | أخشى بدونِهِمُ بألا نُمطَرا |
يا ربِّ زلزلْ من يريدُ بجمعِهم | سوءًا وشُل يمينَه والمنخرا |
هم للورى ركب النجاة تقدما | وبدونِهمْ تمضي الركائبُ للورى |
وشواهد الإحصاءات والدراسات تنبئ كم دُفِعَ بهم من فساد، وكم أحبط بجهودهم من مؤامرات، وكم حفظَ الله بهم من أعراض، وكم هدي بهم من ضُلال؟!
ألا فاتقوا الله -أيها المؤمنون- وقوموا بما أوجبَ اللهُ عليكم من الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر في بيوتكم وأسواقكم، وأعمالكم، وانصروا المحتسبين بدعائكم وحسن مقالكم، قال سفيان الثوري -رحمه الله-: إذا أمرتَ بالمعروف شددتَّ ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق.
وتأملوا -يا رعاكم الرحمن- هذا الحديث النبوي الذي يصوِّر دور هذه الشعيرة في حراسة المجتمع وأمانه، أخرج البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا".