الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
العربية
المؤلف | أحمد بن عبد العزيز الشاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان |
لقد تباعد بنا الزمن واستشرت الفتن واشتغل الأكثرون بالحطام من المهن، غاب عنا الحب وإن ادعيناه ونسينا الواجبات، فكانت من أحاديث الذكريات نتحدث عن الهدي النبوي لكن لا ترى جادًّا في الاتباع ولا صادقًا في الكلام إلا قليلاً.. إن من أهم ما يجب علينا تجاه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نحقق محبته اعتقادًا وقولاً وعملا ونقدمها على محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين ..
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حقًّا ويقينًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على دربه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
أما بعد: فاتقوا الله يا أمة محمد وكونوا مع الصادقين.
الجرو غار حينما سمع الكلاب الكبار تنبح في وضح النهار دونما رفضٍ ولا إنكار، فأكثر النباح والتصعيد مسميًّا نباحه تغريدًا، تضايق الأغيار من أجناسه، وطلبوا الراحة من أجناسه، فصارت الكلاب في الحظيرة خائفة على جرائها الصغيرة، وسطروا ردودهم تباعًا أنتم تحاربون الفن والإبداع.
وبعد أيام عديدة حصلت حادثة أكيدة قد أسكت الجرو عن نباحه، ولكن أنتجت الكلاب جريات جديدة..
وهكذا عادت الموضة من جديد، ولكن بلسان عربي مبين تتطاول على سيد الورى وإمام المرسلين أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عَلَم يتردد في عالم القمم، واسم ينبض في كل الأمم، وشخصية تتمثل فيها كل الشيم والقيم.
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أمة في إنسان وعالم من الرحمة والشفقة وأفق واسع في الشمائل والكرم والجود والإحسان..
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.. نبينا، قدوتنا، أسوتنا، إمامنا، ومن فداه أبائنا وأمهاتنا وأنفسنا..
محمد بن عبد الله صل الله عليه وسلم..
ذاك الذي تعرف البطحاء وطأته | والبيت يعرفه والحل والحرم |
هذا هو خير عباد الله كلهم | هذا التقي النقي الطاهر العلم |
محمد بن عبد الله صل الله عليه وسلم.. لم يعرف العالم من أزله إلى أبده بشرًا مصفى المعدن زكي السيرة، بهي الخلائق، صلب الجهاد، صبارًا على الشدائد، فانيًا في ربه شديد التعلق به، دائم الذكر له مثلما عرف هذه الشمائل فيه صلى الله عليه وسلم.
إن الإنسانية لم تعرف في ماضيها الطويل ولم تعرف رجلاً وقَّره الأبطال وكرَّمه العظماء وانطبعت محبته في شغاف القلوب كما عُرف ذلك في النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
ما عرف أحد من العظماء ميزة في نفسه يفخر بها إلا وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلق أعرق منها وأرقى، ولذلك يرفع إليه بصره مثلما يرفع الناس أبصارهم إلى القمم الشواهق التي لا تُنال.
ومع هذا الجلال الفارع وذلك الامتياز الرائع فقد كان هذا الرسول الأمين قريبًا بسهولة طبعه من كل فرد فما يعز مناله على أرملة أو مسكين، بل بلغ من اتساع عواطفه وتدفق مشاعره، أن كل فرد كان يحس في نفسه أنه آثر الناس عند رسول الله وأقربهم إليه، وأعزهم عليه، إنه محمد بن عبدالله رسول الله ومصطفاه.
ظل ثلاثة وعشرين عامًا يكافح وينافح ويدعو ويجاهد فلا كلّ ولا ملّ ولا زلّ ولا ضلّ ولا استكان ولا زل بل صبر وصابر حتى أكمل الله به الدين وأتم به النعمة..
إنه محمد بن عبدالله (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)..
يبكي ذات يوم أهو توجع من ألم؟ كلا، أخوف من عدو؟ كلا، أحزن على فقيد؟ كلا، تلا قول الله عز وجل في إبراهيم عليه السلام (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
وقول عيسى عليه السلام (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فبكى عليه السلام ورفع يديه، وقال "اللهم أمتي..أمتي.. أمتي "، فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم-، فسله ما يبكيك فأتاه جبريل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: "إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك".
إن محمد صلى الله عليه وسلم كان رحمة للأمة ونورًا بذل لها وضحى من أجلها وقدم نفسه ومال وراحته من أجل صلاحها فبما تكافئ الأمة نبيها وما حقه عليها؟
إنه مهما سردنا من موجبات محبته وتعظيمه فلن نوفيه حقه وإن الثناء عليه ينبعث من ينبوع الثناء على ربه فهو تقرير حقيقة وشكر جميل، فليس مدحه من قبيل افتعال الشعراء لفنون القول في أشخاص ما يمدحون، وليس شكره ألفاظ تمر بالشفاه مجازاة لنعمة محدودة، كلا.. فالآيات التي أسداها تجعل كل مؤمن مدين له بنور الإيمان الذي أضاء نفسه وزكاها (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
لقد جاءت آيات القرآن توضح حقوق النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وحفلت السيرة بمواقف خالدة في المحبة والتعظيم عند من عرفوا قدره حق المعرفة وذاقوا لذة الإيمان بعد شقاء الجاهلية.
سئل عليّ رضي الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله صل الله عليه وسلم فقال: "كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ".
وكان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم، وقد جف لسانه هيبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيا ترى أين حالنا من حالهم؟! وأين نحن من سيرتهم؟ لقد قام في قلوبهم ما قصرت هممنا على أن نقوم بأقله، وأحيوا في شعورهم ما ماتت مشاعرنا دونه وتعلقت أبصارهم فيما وراء الطرف في حين لم تتجاوز أبصارنا أطرافنا.
لقد تباعد بنا الزمن واستشرت الفتن واشتغل الأكثرون بالحطام من المهن، غاب عنا الحب وإن ادعيناه ونسينا الواجبات فكانت من أحاديث الذكريات نتحدث عن الهدي النبوي لكن لا ترى جادًّا في الاتباع ولا صادقًا في الكلام إلا قليلاً..
إن من أهم ما يجب علينا تجاه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نحقق محبته اعتقادًا وقولاً وعملا ونقدمها على محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين.
وفي الحديث "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".
ويكفي من آثارها وثوابها جوابه صلى الله عليه وسلم لمن سأله متى الساعة؟ فقال: "وماذا أعددت لها؟ " قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، فقال: "أنت مع من أحببت".
كما يتعين علينا نصحه والنصيحة له تكون بالعناية بطلب سنته والبحث عن أخلاقه وآدابه وتعظيم أمره ولزوم القيام به وشدة الغضب والإعراض عمن تديَّن بخلاف سنته.
قال ابن القيم رحمه الله: " فرأس الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كمال التسليم له والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق، ومن الأدب معه ألا يستشكل قوله بل تستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نصه بقياس بل تُهدر الأقيسة وتُلقى لنصوصه، ولا يوقف قبول ما جاء به الرسول على موافقة أحد ".
أظهروا الحب بالتأسي والاقتداء (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) عبروا عن حب نبيكم بكثرة ذكره، فمن أحب شيئًا أكثر من ذكره، والتشوق لرؤيته وتعداد فضائله وخصائصه ومعجزاته ودلائل نبوته وتعريف الناس بسنته، وتعليمهم إياها وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه وذكر صفاته وأخلاقه وما كان من أمور دعوته وسيرته.
عبّروا عن حبكم لنبيكم بسلوك الأدب معه، وذلك بالثناء عليه بما هو أهله والصلاة والسلام عليه والتأدب عند ذكره والأدب في مسجده وحفظ حرمة بلده المدينة النبوية وتوقير حديثه والتأدب عند سماعه والوقار عند دراسته..
أظهروا حب نبيكم بالذبّ عنه والدفاع عن عرضه ونصرته والذبّ عن أصحابه وآل بيته وزوجاته ومحبتهم والترضّي عنهم والاهتداء بهديهم والاقتداء بسنتهم.
إن القدح في الصحابة قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فهم خاصته وبطانته ولهذا قال الإمام مالك: "إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول ليقول القائل: رجل سوء، كان له أصحاب سوء ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين ".
وقال ابن تيمية: " وأما الرافضة فيطعنون في أصحابه، وباطن أمرهم الطعن في الرسالة تلك إشارات وومضات من أمارات حب النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه تقاس بها درجة التعظيم وتفحص بها حرارة المحبة"، نسأل الله أن يقذف في قلوبنا حبه وحب رسوله وحب ما يحبه الله ورسوله.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على الهادي الأمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن صار على دربه إلى يوم الدين، أما بعد:
أيها المسلمون: من بعد بلاد البقر جاء عُبّاد البقر، ومن بعدهم جاء البقر من المراهقين يتطاولون على سيد البشر، وينطحون بقرونهم الهزيلة جبل العظمة المحمدية، وصخرة النبوة الشامخة وأمام هذه الموجة الجديدة من الإلحاد والمتمثلة في التطاول على ذات الإله والسخرية من سيد الورى، فإن موقف المسلم يتمثل في الوقفات التالية:
أولها: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) إن التهاون في الذبّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته هو من الخذلان الذي يدل على ضعف الإيمان أو زواله بالكلية، فمن ادعى الحب ولم تظهر عليه أثار الغيرة على حرمته وعرضه وسنته فهو كاذب في دعواه.
إن سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من نواقض الإيمان التي توجب الكفر ظاهرًا وباطنًا سواء استحل ذلك أو لم يستحله.
قال القاضي عياض رحمه الله: "دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة على تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوقيره وإكرامه، ومن ثم حرم الله تعالى أذاه في كتابه وأجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا)".
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أطهر البشرية جمعاء وأزكاها ولم تضره هذه السخرية مهما عظمت وكثرت، ونحن نعتقد أن الله سبحانه وتعالى سيحمي سمعة رسوله ويصرف عنه أذى الناس وشتمه بكل طريقة.
يقول شيخ الإسلام: "إن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبّه، ومظهر لدينه ولكذب الكاذب إذا لم يمُكِّن الناس أن يقيموا عليه الحد " (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وإنك لتعجب من أولئك المنهزمين الذين ينادون بتهوين الأمر ويدعون للرفق والصفح والعفو مع من تطاول على مقام سيد البشر، وقد علموا من أقوال العلماء ما علموا فلا تضعف تلك البيانات الهزيلة غيرتكم، ولا توهن من مطالبكم.
وثانيا: (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) حينما سُخر بالمصطفى صل الله عليه وسلم ونِيلَ من عرضه تميز الدعاة من الأدعياء (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
لقد تجلى الحب الصادق لرسول الله صل الله عليه وسلم وظهر شيء من آثاره واستبان سبيل المجرمين وانكشف الكاذبون.
لقد عبرت الأمة عن حبها لنبيها وغيرتها على حبيبها، ورسمت هذا الحب الصادق في مظاهر إيمانية ومشاهد تبعث في النفس مشاعر العزة والجلال.
هذا هو الحب الصادق الذي يصدره أهل السنة أتباع محمد صلى الله عليه وسلم السائرون على هديه.
إنهم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذين أدركوا قوله: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين ".
إنهم المحبون لمحمد صلى الله عليه وسلم بصدق لا ادعاء فسموهم بما تريدون، لقد أعلن الصادقون حبهم فماذا فعل الأدعياء؟
أين أرباب الرفض والتشيع؟ أصحاب العمائم والمشالح السوداء والتي تخفي تحتها حقد أسود وزيف في الاتباع وكذب في الحب.
أولئك الذين رسموا الحب بمظاهر شركية وأعمال بدعية وماذا فعل أهل التصوف الذين عبروا عن حب مزيف بمدائح كفرية واحتفالات بدعية تعد مواسم ارتزاق للمنتفعين ومناخا لنشر البدع بين المسلمين..
وصورا الحب للنبي صلى الله عليه وسلم بصور من الغلو والإطراء لا تليق بمقام الأنبياء، أين هؤلاء وهؤلاء؟! بل أين جهود أهل النفاق والعلمنة وأين مواقفهم في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم؟! وهم الذين زكموا أنوفنا بالحديث عن هدم الدين وثوابته وآدابه، والهجوم على الاحتساب والمحتسبين تحت غطاء مكافحة التطرف والعنف..
وهم الذين سلطوا سهام كلماتهم وسودوا الصحف بزواياهم هدما لقمم الإسلام ومعالم الفضيلة ودفاعا عن إخوانهم من الزائغين، ما لهم لا ينطقون؟!! (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ).
لقد أنبأنا الله من أخبارهم، وقال ربنا عن حالهم: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ).
وثالثًا: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) إن هذه الهجمة القذرة على نبينا صلى الله عليه وسلم من قبل أفراخ العلمانية والليبرالية الحاقدين وإن ألهبت مشاعرنا، فإن في طياتها منحا وخيرا، لقد أظهرت للناس حقيقية دعاة التغريب وأن أهدافهم لا تتوقف عند هدم الجدار الأخلاقي للأمة فحسب، وإنما لا تنتهي مطامعهم إلا عند غاية إمامهم إبليس (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
ليست مشكلتنا في مراهقين يؤزهم دعاة التغريب والعلمنة إلى الكفر باسم الفكر، ويقودهم إلى الضياع باسم الإبداع، وإنما الخطورة تكمن في وجود مخطط كبير لنشر الكفر والإلحاد في صفوف أبنائنا تحت شعارات خداعة وفي أماكن مشبوهة من مقاهي ومكتبات واستراحات.
مشكلتنا أن أجيالنا تدعى إلى حرية غير منضبطة وقراءة منفتحة في كتب منحلة وراويات ساقطة باسم الثقافة والإبداع، والنهاية جيل حائر تائه في ظلمات الشك والإلحاد..
فتفطنوا لأبنائكم وبناتكم وكنوا معهم عين رقيبة ولسان موجهًا وقلبًا رفيقًا، وانظروا مع من يجلسون ولمن يقرؤون قبل أن نستيقظ يومًا فنجد فئة من أبنائنا في صفوف الملحدين.
لقد كان في الحدث خير حينما ولد مشاعر الغيرة عند المسلمين وحرك الأشجان والعواطف الجياشة تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل الحدث يتبع الناس لتعلق أكبر بنبيهم صلى الله عليه وسلم وحب أعظم واقتداء أكثر.
ورابعًا: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا) إن المؤمن كيس فطن وليس بالخب ولا الخب يخدعه وإن الكلام الكفري لم يكتب له الذيوع والانتشار لولا أن فئة من الأخيار تنقله وتنشره، وإن مواقع الفجار ما كان لها أن تشتهر لولا أن فئة من الغيورين أشهرتها بكثرة الدخول عليها استطلاعا أو مناقشة أو رد..
وإن الذي يجب أن نعلمه أن فئة من المارقين تستهدف بطرحها أن تجذب الناس لمواقعهم وتوقعهم في شباك ضلالتهم، فلنتواصى على هجرها وألا يردها إلا عالم يبغي كشف الشبهات ولتستبين سبيل المجرمين.
وخامسًا: إن هذا الفعل المشين والحدث الآثم قد ولَّد عند المسلمين مواقف مشرفة عبرت عنها كلماتهم وكتباتهم شعرهم ونثرهم أحاديثهم في مساجدهم ومنتدياتهم، وكل هذه أمور محمودة ومشاعر مشكورة، لكن المطلوب منا ألا تكون مواقفنا ردود أفعال تشتعل جميعًا وتخمد جميعًا.
إن الغيرة على رسول الله والحديث عن شخصيته وسيرته والدفاع عن عرضه يجب أن يكون شعورا ملازمًا لكل مسلم وهمًّا يلاحقه في كل زمان ومكان لا تولده الأفعال ولا تحركه وسائل الإعلام.
إن الحديث عن رسولنا صلى الله عليه وسلم وسيرته وشمائله يجب أن يكون محور مناهجنا ومادة برامجنا وأنشطتنا في مدارسنا وحلقاتنا، فما أجمل أن تتربى الأمة على سيرة نبيها وهدي رسولها وما أعظم أن تنشأ الأجيال على حب الرسول ومعرفة سيرته ومسيرته.
وأخيرًا: نعم.. إلا رسول الله.. ولكن قبلها.. إلا الله..
إن الغيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست بأعظم من الغيرة على الله، لقد تحركت مشاعرنا وحسنت مواقفنا حينما سُخر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا واجب محتم، ولكن أين غضبتنا حينما يُسخَر بالله في الكتابات والروايات؟! أين غضبنا حينما يوصف الله بأنه هو الشيطان وجهان لعملة واحدة؟!
أين نحن من سفلة الحداثة وسخريتهم وكفرياتهم وقائلهم يقول: فنحن جميعًا أموات أنا ومحمد والله وهذا قبرنا أنقاض مؤذنة معفرة عليها يكتب اسم محمد والله!!
ويقول في وصف مموسات في بيت دعارة: والسور يمضغهن ثم يقيئهن ركام طين نصباً يخلد عار آدم واندحار الأنبياء..
هل هذا الحدث هو أول موقف للسفلة من ربنا ومن رسولنا؟ فأين موقفنا وأين مواقفنا من عدواتهم السابقة؟ لماذا لم تتحرك مشاعرنا إلا مع نعيق مراهق فأين نحن عن نهيق أساتذته ومنتجيه ورعاة أفكاره؟!
أسئلة تطرح نفسها والمطلوب أن نكون ذوي وعي دائم مؤثرين لا متأثرين، وأن تدفعنا إلى مواقفنا مبادئ نؤمن بها وثوابت ندين بها وتعليمات ربانية تضمنها دستورنا لا أن نكون صدى لوسائل الإعلام تحركنا متى شاءت وتطفئ جذوة حماسنا إذا شاءت.
اللهم وفقنا لاتباع رسولك واجعلنا من أنصار دينك..