البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
أَلَا وإن إحصاء أسماء الله الحسنى أنْ يعرفَ العبد لفظها ومعناها، ويتعبدَ لله تعالى بموجبها ومقتضاها: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، ويقول صلى الله عليه وسلم: " إن لله تعالى تسعةً وتسعين اسماً، مَن أحصاها دخل الجنة" ..
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعرفوا ما لربكم -عز وجل- من الأسماء الحسنى والصفات العلى؛ فإن معرفة ذلك زيادة في الإيمان، وبصيرة في الله وعرفان، إن لربكم -سبحانه وتعالى- تسعةً وتسعين اسماً، مَن أحصاها دخل الجنة.
ألا وإن إحصاء أسماء الله الحسنى أنْ يعرفَ العبد لفظها ومعناها، ويتعبدَ لله -تعالى- بموجبها ومقتضاها: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف:180]، ويقول -صلى الله عليه وسلم- " إن لله تعالى تسعةً وتسعين اسماً، مَن أحصاها دخل الجنة".
فمن أسمائه -سبحانه وتعالى-: "الحي القيوم"، وهو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، وإذا سئل به أعطى، فهو -سبحانه- حي كامن في حياته، حياة لم يسبقها عدم، ولا يلحقها زوال؛ هو -سبحانه- الحي وحده الذي لا يموت، وهو -سبحانه- الباقي وحده وكُل من عليها فان.
أما القيوم فهو الذي قام بنفسه فاستغنى -سبحانه وتعالى- عن جميع خلقه، في الحديث القدسي: "يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا إذا ينقص المخيط إذا أدخل البحر، ذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون".
فسبحانه إلهًا! ما أعظمه! ما أكرمه! ما أحلمه!.
وللقيوم معنى آخر وهو القائم على غيره، فكل ما في السماوات والأرض منذ أن خلق الله السماوات والأرض وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كل من في السماوات والأرض مضطر إلى الله -عز وجل-، لا قيام له البتة ولا ثبات ولا وجود له إلا بالله الواحد القهار: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) [الروم:25].
ومن أسمائه -سبحانه وتعالى- اسم "العليم"، الذي يعلم كل شيء جملة وتفصيلا، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام:59].
يعلم -سبحانه- (مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد:4]، (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان:34].
هو -سبحانه- وحده العليم بكل شيء، يعلم السر وأخفى، يعلم ما توسوس به النفوس قبل أن تتكلم به، وهو -سبحانه- الرقيب الشاهد في كل الحالات: (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ) [يونس:61].
وهو -سبحانه- "العلي" الأعلى، هو العلي في ذاته فوق عرشه، العلي في صفاته فما يشبهه ولا يماثله أحد من خلقه، وهو -سبحانه- "الملِك" صاحب الملك المطلق، مالك العالم كله، علوه وسُفله، لا يتحرك في هذا الكون كله متحرك إلا بعلمه وإرادته، ولا يسكن من ساكن إلا بعلمه وإرادته -عز وجل-.
هو الملِك ذو السلطان الكامل، والملك الشامل، المتصرف بخلقه كما يشاء من غير ممانع ولا مدافع، ما من دابة صغرت أو كبرت، (مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) [هود:56]، له الملك المطلق، لا يُسأل عما يفعل -سبحانه- وهم يُسألون، يؤتِي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء، ويذل من يشاء بيده وحده الخير، وهو على كل شيء قدير.
بيده -سبحانه- ملكوت السماوات والأرض، يحيي -سبحانه- ويميت، يغني فقيرا ويفقر غنيا، ويضع شريفا ويرفع وضيعاً، ويوجد معدوما ويعدم موجودا، يبتلي -سبحانه- بالنعم ويبتلي بالمصائب ليبلو عباده أيشكرون النعمة أم يكفرونها، وهل يصبرون على المصائب أم يجزعون.
يقلب الليل والنهار بالرخاء والشدة، والأمن والمخافة، كل يوم هو في شأن، ملكه ظاهر في السماوات والأرض، ويظهر ملكه -عز وجل- تماما حينما يتلاشى الملك عن كل أحد، حينما يعرض الخلائق جميعهم من لدن آدم إلى قيام الساعة يعرضون عليه في صعيد واحد فرادى كما خلقوا أول مرة، (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر:16].
فسبحانه -عز وجل-! لا ملك إلا ملكه! ولا سلطان إلا سلطانه! له الحكم وإليه ترجعون.
وهو -سبحانه- القدوس الذي تقدس وتنزه عن النقائص والعيوب، لقد خلق السماوات بما فيها من النجوم والأفلاك العظيمة، وخلق الأرض بما فيها من البحار والأشجار والجبال والمصالح والأقوات، خلق كل ذلك وما بين السماوات والأرض، خلقها كلها في ستة أيام سواء للسائلين، وما مسه -سبحانه- من تعب ولا آفات، وهو القوي القهار.
هو -سبحانه- القوي القهار، ما من مخلوق مهما عظم إلا وتحت قدرته وقهره، وما من جبروت إلا وقد ذل لعظمته وسطوته.
هو -سبحانه- الخلاق القدير، الذي أمسك بقدرته السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه.
هو -سبحانه- الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، لا تنفعه -والله!- طاعة الطائعين، ولا تضره -سبحانه- معصية العاصين.
هو -سبحانه- الكريم بجزيل عطائه وهباته، فيده -سبحانه- لا تنقصها نفقة... أرأيتم -يا عباد الله- ما أنفق ربكم منذ أن خلق السماوات والأرض؟ فإنه -سبحانه- لم يغض ما في يمينه.
حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، وفي الحديث القدسي يقول الله -عز وجل-: "يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".
ربكم -عز وجل- هو -سبحانه وتعالى- الرحمن الرحيم، الذي هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، ما من نعمة وجدت إلا من رحمته، وما من نقمة دفعت إلا من آثار رحمته، معاشنا من آثار رحمة ربنا، صحتنا وعافيتنا من رحمة مولانا، أموالنا وأولادنا من رحمته -سبحانه وتعالى-.
الليل والنهار والمطر والنبات من رحمته، الأمن والرغد من رحمته، إرسال الرسل وإنزال الكتب من رحمته -سبحانه وتعالى-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل:18].
فسبحانه من إله! ما أعظمه! تفرد -سبحانه- بجميع صفات الكمال والجلال، وتنزه عن جميع النقائص والعيوب، لا إله إلا هو، لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
أحاط بكل شيء علما، ووسع كل شيئا رحمة وحكما، أحقُّ من عُبد، وأعدل مَن حكم، وأرأف من رحم، فسبحانه! عز جاره! وجل ثناؤه! وتقدست أسماؤه! ولا حول ولا قوة إلا به.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء:110-111].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله المتفرد بكمال الصفات، المتنزه -سبحانه- عن العيوب والنقائص والآفات، خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ولو شاء لخلقهما في لحظات، له الملك وله الحمد وله الخلق وله الأمر في جميع الأوقات، فسبحانه من إله عظيم، وملك رب رحيم، ولطيف بالعباد! عليم، يغفر الذنب العظيم، ويقبل التوب، ويجير المستجير، ويجبر الكسير، سبحانه! يعفو عن السيئات مهما عظمت، ويعلم ما تفعلون.
وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له في إلوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعرفوا ما لربكم -سبحانه- من الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العلي، فإن معرفة ذلك زيادة في الإيمان، وتثبّت على الحق، وإيقان وعبادة لله على بصيرة وبرهان.
من أسماء ربكم -سبحانه وتعالى-: "المتكبر"، أي ذو الكبرياء والعظمة، الكبرياء وصف الله مختص به، ليس لأحد من المخلوقين أن ينازعه في ذلك، ومن نازعه في الكبرياء أذاقه الله الذل والهوان، والمتكبرون يحشرون يوم القيامة أمثال الذَّر يطؤهم الناس بأقدامهم.
وهو -سبحانه- "الخالق" الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما من المصالح، وما بينهما من المخلوقات، خلقها الله تعالى كلها في ستة أيام، وأحسن خلقها وأكمله، (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك:4-5].
(يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران::6]، (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقَاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ) [الزمر:6]: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة غشاء الجنين في بطن أمه؛ (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام:102].
يقدر لكم في ذلك الموضع من الغذاء ما لا يستطيع أحد أن يوصله إليكم، وذلك بواسطة السرة المنغرسة في عنق الرحم، فتمتص من الدم ما يتغذى به جسم الجنين، ولا يحتاج معه إلى البول والغائط فسبحان الله رب العالمين!.
خلق الله تعالى كرسيه وعرشه وهما من أعظم المخلوقات، فالكرسي وسع السماوات والأرض، وما السماوات السبع والأرضيين السبع -على عظمها- بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، والعرش استوى عليه الرحمن، وهو أعظم المخلوقات وأعلاها.
أيها الإخوة المسلمون: هذه المخلوقات العظيمة وما فيها من الإتقان والكمال والإبداع والجمال تدل دلالة ظاهرة على عظمة خالقها وكماله، وأنه -سبحانه- أتقن كل شيء وأحسن كل شيء خلقه، فتبارك الله أحسن الخالقين.
ومن أسمائه -عز وجل- "الرزاق"، الذي عم برزقه المادي والمعنوي كل شيء، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها.
رزق الأجنة في بطون الأمهات، رزق الحيتان في قيعان البحار، رزق السباع في مهامه القفار، والطيور في أعالي الأوكار، ورزق كل حيوان وهداه لتحصيل معاشه، فأعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
ولو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطي،ر تغدو في الصباح خماصا جائعة، ثم تروح في المساء بطانا ممتلئة بطونها بما يسَّر الله لها من الرزق والقوت.
ومِن رزق الله تعالى ما يمن الله به على من شاء من الخلق، وحسن الخلق، وسماحة النفس، ومن رزقه -تعالى- ما يمن الله به على من يشاء من عباده من العلم النافع، والإيمان الصحيح، والعمل الصالح الدائب المستمر، وهذا -والله!- أعظم رزق الله يمنُّ الله به على العبد: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق:2-3].
وهو -سبحانه- "المعطي المانع"، كم من سائل أعطاه سؤله! وكم من محتاج أعطاه حاجته ودفع ضرورته! وإنه تعالى -مع عظمه وجماله وكماله وغناه- يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا وخائبتين.
كم منع -سبحانه- من بلاء انعقدت أسبابه! منعه عن عباده ودفعه عنهم، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وهو -سبحانه- الذي بيده النفع والضر، إن جاءك نفع فمن الله وحده، وإن حصل عليك ضر لم يكشفه سواه، ولو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمع الناس كلهم على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.
فربك -سبحانه- هو المدبر، هو المتصرف بخلقه كما يشاء، فالجأ إلى ربك العظيم الكريم، الرحمان الرحيم، الجأ إليه عند الشدائد تجده قريبا، وافزع إليه بالدعاء تجده كريما مجيبا، وإذا عملت سوءاً أو ظلمْتَ نفسك فاستغفِرْ ربك الغفور الرحيم تجدْه غفوراً رحيماً.
نسأل الله -عز وجل- أن يبصرنا في ديننا، وأن يقوي الإيمان في قلوبنا، وأن يجعلنا ممن عظَّم الله بأفعالنا وأقوالنا، وجميع حركاتنا وسكناتنا.