المؤمن
كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...
العربية
المؤلف | الشيخ د عبدالرحمن السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
حجاج بيت الله الحرام، اشكروا الله عز وجل على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة حيث تنعمون في هذا اليوم العظيم الأغر بحلول عيد الأضحى المبارك وحيث تعيشون أجواءً روحانية ولحظات إيمانية يسودها شرف الزمان والمكان.
أما بعد:
فيا إخوة الإسلام في هذه البقاع الشريفة، ويا حجاج بيت الله الحرام في هذه الحرمات المنيفة ويا إخوة الإيمان والعقيدة في مشارق الأرض ومغاربها، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فإن تقواه سبحانه وصيته للأوائل والأواخر، بها تسمو الضمائر وترق المشاعر، وتقبل الشعائر، وبها النجاة يوم تبلى السرائر، يقول عز وجل: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ) [النساء:131].
عباد الله، اشكروا الله جل وعلا أن بلّغكم هذا اليوم العظيم وهذا الموسم الكريم، واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن يومكم هذا يوم مبارك، رفع الله قدره، وأعلى ذكره وسماه يوم الحج الأكبر، وجعله عيداً للمسلمين حجاجاً ومقيمين، فيه ينتظم عقد الحجيج على صعيد منى بعد أن وقفوا بعرفة وباتوا بمزدلفة، في هذا اليوم المبارك يتقرب المسلمون إلى ربهم بذبح ضحاياهم اتباعاً لسنة الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وقد أمر الله خليله بذبح ابنه وفلذة كبده فامتثل وسلّم، ولكن الله سبحانه بفضله ورحمته افتداه بذبح عظيم، فكانت ملة إبراهيمية جارية وسنة محمدية سارية عملها المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورغّب فيها في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم ضحّى بكبشين أقرنين أصلحين ذبحهما بيده وسمّى وكبر.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
معاشر المسلمين، الأضاحي شعيرة عظيمة وسنة قويمة قد ورد الفضل العظيم لمن أحياها، في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إراقة دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بأضلافها وقرونها وأشعارها، وإن الدم ليضع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، وإن للمضحي بكل شعرة حسنة وبكل صوفة حسنة فطيبوا بها نفساً)) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه.
ومما ينبغي أن يُعلم ـ رحمكم الله ـ أن للأضحية شروطاً ثلاثة:
الأول: بلوغ السن المعتبر شرعاً، وهو خمس سنوات في الإبل، وسنتان في البقر، وسنة في الماعز، وستة أشهر في الضأن.
الثاني: أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع من ذبحها، وقد بين صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أربعٌ لا تجزئ في الأضاحي العرجاء البيّن ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء ـ وهي الهزيلة التي لا تنقي)) خرّجه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
الثالث: أن تذبح الأضحية في الوقت المحدد شرعاً ويبدأ بعد الفراغ من صلاة العيد وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق، والأفضل في يوم العيد نهاراً ولا بأس في الذبح ليلاً، وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه أنه قال: (كان الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته).
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها الإخوة المضحون، إن للأضحية آداباً ينبغي مراعاتها منها: التسمية والتكبير، ومنها: الإحسان في الذبح بحد الشفرة وإراحة الذبيحة والرفق بها وإضجاعها على جنبها الأيسر متجهة إلى القبلة، والسنة أن يوزعها أثلاثاً فيأكل ثلثاً ويهدي ثلثاً ويتصدق بثلث وأن يتولى ذبحها بنفسه أو يحضرها عند الذبح ولا يعطي جازرها أجرته منها، فلا تحرموا أنفسكم ثواب الله وفضله في هذه الأيام المباركة، وضحوا عن أنفسكم وأهليكم وأولادكم تقبّل الله ضحاياكم وتقربوا إلى الله بالعج والثج يقول عز وجل: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162، 163]، ويقول عز وجل: (فَصَلّ لِرَبّكَ وَنْحَرْ) [الكوثر:2]، ويقول جل وعلا: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـاكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحج:37].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
إخوة الإيمان، يُعد هذا الاجتماع المهيب في هذا اليوم العظيم بآثاره الحميدة وحكمه السامية مظهراً من مظاهر الوحدة الإسلامية (إِنَّ هَـاذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَعْبُدُونِ) [الأنبياء:92]، ومعلماً من معالم الإخوة الإيمانية التي جاء بها هذا الدين الإسلامي الحنيف الذي أكمله الله وأتمه للبشرية ورضيه لها ديناً فلا يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَـامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَـاسِرِينَ)[آل عمران:85].
لقد جاءت هذه الاشريعة الغراء فأشرقت على أصقاع معمورة بأنوار الإيمان ورفرفت على أرجائها رايات العز والأمن والاطمئنان بعد أن كانت البشرية غارقة في أوحال الشرك والوثنية ومستنقعات الرذيلة والإباحية وأودية البغي والظلم والجاهلية، فحمل المصطفى صلى الله عليه وسلم راية الدعوة إلى الحنيفية السمحة فأخرج الله الناس من الظلمات إلى النور، وكانت دعوته عليه الصلاة والسلام مرتكزة على أهم قضية اطلاقاً وأصل القضايا اتفاقاً تلكم هي قضية العقيدة وتوحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، فلا إله غيره ولا رب للناس سواه وفي ذلك أنزلت الكتب وأرسلت الرسل: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـاهَ إِلاَّ أَنَاْ فَعْبُدُونِ) [الأنبياء:25]، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَـاطِلُ) [لقمان:30].
إخوة العقيدة، وإذا كانت قضايا الاعتقاد من الثوابت والمسلَّمات فإنه مع طول الأمد وحصول التخلف المزري لدى شرائح كثيرة في الأمة صحب ذلك جهل ذريع لكثير من الحقائق العقدية المسلّمة حدث نوع من الغفلة أو قل التغفيل دفعتها عمليات التزييف للحقائق تحت ستار مسميّات معسولة، وكان من نتيجة ذلك تمرير بعض الصور الشركية وتزويق بعض النصوص البدعية بل والمجادلة والمماحكة لإلباسها لباس الدين. والدين منها براء، ولعل ما أحدث حول القبور والأضرحة والمشاهد من أوضح النماذج على هذا التزييف الذي أصاب الأمة في أعز مقوماتها وهو عقيدتها وتوحيدها لربها فحق أن نذرف الدموع الساخنة الحراء على عقيدتنا الغراء ونحن نرى سوق الأوهام تنخر في كيان الأمة العقدي وفسطاط القبورية والخرافة يكاد يغطي بعض عقول أهل الديانة فالله المستعان.
إخوة الإسلام، وتمر القرون وتتابع السنون وتعيش أمة الإسلام في أوضاعها بين مد وجزر ولا يزال ولله الحمد والمنة في كل الأعصار والأمصار من هو قائم لله بحجته ومنافح عن دينه وملته واليوم ترسو سفينة الأمة على شاطئ عالمنا المعاصر حيث علا طوفان الافتتان بالحضارة الغربية، وطغى تيار الحياة المادية فانبهر كثير من بني جلدتنا ومن يتكلمون بألستنا بما عليه ظاهر القول وأصيب كثير من أرباب الفكر والثقافة وحملة الأقلام ورجال الإعلام بانهزامية فكرية وخلقية وثقافية فأثروا على الرعاع وخدعوا الدهماء بزخرف القول وقشور التقدمية المزعومة والمدنية الزائفة، وبعد فترة من الصراع بين الحضارة الإسلامية والمادية أيقن الناس بعدها بإفلاس حضارة المادة وتعرّت الشعارات الجوفاء وأفلست النظريات الزائفة وشعر العالم لا سيما المتصفون بالحاجة إلى دين حق يهذِّب النفوس ويُزكي الضماء ويضبط الأخلاق والسلوك ونمت ولله الحمد والمنة توجيهات إسلامية عالمية ستحيد بإذن الله للأمة المفقود من أمجادها والمنشود من عزها والمعقود من آمالها فانتشرت المراكز الإسلامية وكثرت الصروح العلمية الحضارية التي تعد معاقل خير وهداية وصروح أشعاع إصلاح وجسوراً للتواصل بين حضارة الإسلام وغيرها، ومع هذه البشائر فإن هناك من يريد إقفال الستار على عقول أبناء هذه الأمة لتتمكن خفافيش وأدعياء الحضارة من التسلل في ليل حالك لترتفع ألسنة لهيب المفتونين لحماية هذا العفن والدفاع عنه والدعوة إليه بدعاوي مزركشة وأقوال مزخرفة وألبسةٍ فاتنة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب يركبون مطايا من الموضات، ويتزينون بأشكالٍ من التقليعات في سماجة خلقية وسذاجة فكرية فكان لابد من كشف ستورها وإخراج مغمورها وإماطة اللثام والعمل على إشعاع النور في الظلام ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
معاشر المسلمين، ولم تكد القرون المفضلة تنقضي والعصور الزاهية لهذه الأمة تنتهي حتى بدأت الأمة في انحدار، وأخذ تطبيق الإسلام في انحسار، فكثرت الخرافات وتمكنت الفرقة والخلافات تبدّلت قوة الأمة ضعفاً ووهناً وعزتها ذلة واستجداءً، وأغار أعداء الأمة على كثير من بلادها فنهبوا خيراتها وعبثوا بمقدراتها واستغلوا ثرواتها وتداعوا عليها كما تداعى الأكلة على قصعتها تتابعت الحملات الصليبية والهجمات التنصرية، وتهاوت الحضارة الإسلامية في الأندلس بعدما نعمت بها ثمانية قرون واقتسم الأعداء فيها تركت الرجل المريض وعبثوا بمقدسات الأمة وسقطت دويلات المسلمين في أيدي العابثين المستعمرين وبدأت حملات العلمنة والتغريب وسياسات تجفيف المنابع الخيرية في الأمة ومسخت الهوية الإسلامية في كثير من بلاد المسلمين وعلت الشعارات القومية والنعرات الطائفية، وخطب كثير من المنتسبين إلى الإسلام ودّ أعدائهم وحورب الإسلام بمصطلحات غربية لعل من أشهرها في هذه الأمة ما يُعرف بمصطلح (العولمة) الذي يعد باختصار غابةً مظلمة تملؤها وحوش كاسرة إنه يرجي إلى تحويل العالم إلى قرية كونية واحدة لكنه يثير زوابع منتنة وينفث سموماً قاتلة من الممارسات والفواجع المدمرة ويفضي إلى هيمنة غربية على الأمة الإسلامية، ومن البدهيّ أن الأمة المسيطرة تسعى إلى فرض معتقداتها وثقافاتها ومصالحها على الأمم المستجدية، إن العولمة لا تعني انتقال معلومات مجردة وتقنيات ميسرة فحسب، وإنما تريد أن تبذر بذوراً من حنظل لتجني الأمة ثماراً من علقم تتجرع مرارتها شجاً في الحناجر وطعنات في الخواصر، وإن تعجبوا ـ يا رعاكم الله ـ فعجب كيل أرباب العولمة بمكيالين حين تبدوا سياساتهم أكثر انغلاقاً وعنصرية ورفضاً للعالمية الصحيحة حينما تمس أغاط معيشتهم، وإلا فالمسلمون هم أهل العالمية الحقة التي تملؤ الأرض رحمةً وعدلاً وسلاماً وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ثم من حق المسلمين أن يتساءلوا لماذا يستخدم دعاة العولمة الإسلام عدواً لدوداً ويحاولون تشويه صورته وطمس حقائقه ظلماً وعدواناً، هجد بلاده إلى أنواعٍ من العولمة المقبوحة لعل من أشدها أثراً وأكبرها خطراً وأعظمها ضرراً تلك العولمة الثقافية والإعلامية التي تبث الحرب ضد عقيدة المسلمين وقيمهم وفكرهم النيّر وتروِّج لثقافات مسمومة تنذر طلائعها مزيداً من الشقاء للبشرية فهل يا ترى يتنبه المسلمون لما يراد بهم ويخطط لهم؟! إن هذه المصطلحات تحدٍّ كبير يحتاج من الغيورين في الأمة إلى رفضها والتصدي لها من وجهةٍ شرعية كما أنها قضية تحتاج إلى النظر فيها بدقة وتفهُّم لإمكان الاستفادة من إيجابياتها التي لا تتعارض مع مصالح أمتنا الإسلامية وثوابتها العقيدة والشرعية وتبقى الحقيقة المسلَّمة من منطلق هذه الصيحات وهذه المصطلحات وهي المشعل الوضّاء في نهاية نفق التحديات المليء بالكيد والمؤامرات، فلن تهزم هذه المصطلحات بإذن الله عقيدة الإيمان المتغلغلة في نفوس المسلمين بحمد الله وإنه لا يمكن للمسلمين أن يواجهوا هذه التحديات إلا بتوحيد الجهود وتنسيق المواقف في منظومة متألفة في عالم يموج بالتحولات وتعصف بعوامل استقراره المتغيرات مع ضرورة الثبات على أصالة الماضي والإفادة من تقانات الحاضرة، ألا فليعلم سماسرة العولمة في عالمنا الإسلامي أن أمتنا الإسلامية بتأريجها وأجيالها لن تفرط في شيء من ثوابتها ولن تتنازل عن شيء من خصائصها ومميزاتها مهما عملوا على خلخلة البنى التحتية الثقافية والأخلاقية في كثير من المجتمعات فلن نعمل بإذن الله مستوردين لأنماط العادات والموضات في بعد عن قيمتنا ومبادئنا لقد خُيل لبعض المنهزين أمام الحضارة الغربية ممن استعبد الغزو الفكري قلوبهم أن السبب فيما أصاب أمتنا من ضعف وتأخر كان نتيجة حتمية لتمسكهم بدينهم فسبحان الله عباد الله، كيف انخدعت فئام من الأمة، وكيف انحدرت إلى هذا الواقع المرير حتى احتلت فلسطيننا الصامدة المجاهدة واستبيحت مقدساتنا المسلمة وعُبث بأرضنا المبارك وانتهكت حرمة المسجد الأقصى الشريف أولى القبلتين ومسرى سيد الثقلين من إسرائيل الحثالة البشرية أحفاد إخوان القردة والخنازير وعبد الطاغوت، وعبث بكشمير أرضاً ومقدرات، ولا تسأل عن أحوال الشيشان في هذه الأيام وأسدل الستار على عدد من قضايانا العادلة ونُحيت شريعة الله في كثير من البلاد بل أقيمت المتاريس ضدها بأجيال نزعت هويتهم وتربوا على فكر أعدائهم، وسممت جملة من مناهج التعليم ووسائل الإعلام في كثير من بلاد المسلمين فأخرجت أجيالاً نافرة من دينها منسلخة عن قيمها خرجت تنعق بدعوات غربية وتعتنق أفكاراً جاهلية، وترى في الدين تأخراً ورجعية فإلى الله المشتكى ألم يأن الأوان يا أمة الإسلام أن تعي الأمة رسالتها وأن تتعرف على الخلل الكبير في حضارة أعدائها، فيا أهل الإسلام يا من أعزكم الله بهذا الدين، يا خير أمة أخرجت للناس، يا من شرفكم الله بحمل أمانة الإسلام يوم أن عجزت السموات والأرض والجبال إن عليكم مسؤولية كبيرة تجاه دين الله تعلماً وتعليماً دعوة واصلاحاً، فالدين قادم بحمد الله والمستقبل للإسلام لابد أن تستيقن الأمة بمراتب اليقين كلها أنه لا مخلص لعالم اليوم من أزماته الخانقة وأوضاعه المتروية إلا الإسلام على عقيدة التوحيد الصافية والمتابعة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والسير على منهج سلف الأمة وإن الناظر الغيور ليأس أشد الأسى من تضييع الأمة لكثير من الفرص في الدعوة إلى دين الله واستثمار وسائل العصر الحديثة كالفضائيات والعالمي من وسائل المعلومات والشبكات لا سيما في عصر التفجر المعلوماتي وثورة التقنية فأين من يحمل هموم العمل للإسلام؟! ها هو العالم يفتح صدره للإسلام فأين العاملون المخلصون على منهج قويم بأسلوب سليم.
كفى حزناً للدين أن حماته إذا خذلوه قل لنا كيف يُنصر
أما لله والإسـلام حق يدافع عنه شـبان وشيب
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أمة الإسلام إن المسلم يتفاءل كثيراً بأن المستقبل لدين الله كما قال سبحانه وتعالى: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ) [الروم:47] ، وكما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وبشر: ((ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار حتى لا يدع بيت وبر ولا مدر إلا دخله بعز عزيز وذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل به الكفر وأهله)) خرّجه الإمام أحمد والحاكم بسند صحيح، إن من البشائر أن الحضارة المعاصرة تعلن إفلاسها وتلفظ أنفاسها؛ لأنها فرطت في أعظم مقومات البقاء، خالفت الفطرة (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) [الروم:30]، ها هنا النصفة يعلنون ألا عز للبشرية إلا بالإسلام، هزمت معسكرات الوثنية ودُكت معاقل الجاهلية حُطم القواصرة وكسّر الكواسرة وهزم التتار والصليبيون برفع شعار (الله أكبر) وانتصر المصطفى صلى الله عليه وسلم وعز عمر وسعد وخالد وطارق وصلاح الدين بإعلاء راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولكن أكثر الناس لا يعلمون (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَـافِلُونَ) [الروم:70]، مع ذلك كله لابد أن يقدم المسلمون لدينهم ويصلحوا أنفسهم ويعالجوا عيوبهم من الداخل ويسدوا كل ثغرة يرد العدو أن ينفذ منها، وأن يلتحموا على كتاب الله ويعتصموا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وينبذوا كل الاتجاهات والمذاهب وجميع الأحزاب والمشارب التي تخالف تعاليمه، وأن يؤصلوا في أنفسهم وأجيالهم العلم الشرعي والتربية السليمة، إن نصرة دين الله ليست أحلاماً وأوهاماً، حاشا وكلا، إنها وعود حق وأخبار صدق غير أن الواجب على الأمة الإسلامية أن يكون لها مزيد اهتمام وبذل جهود أكبر في خدمة الدعوة الإسلامية، إننا لنتواجه إلى قادة المسلمين وزعماء العالم بتذكيرهم بالواجب الأكبر في اعزاز دين الله وتحكيم شريعة الله ونصرة أولياء الله، وإن على العلماء والدعاة إلى الله وأهل الخير والصلاح من أهل الكفاءة العلمية أن يسهموا بمستوى النهوض في الدعوة الإسلامية عالمياً لما له من الأثر البالغ تصحيحاً في المناهج وسداً للباب أمام كل من يريد الاصطياد في الماء العكر من أصحاب الاتجاهات المنحرفة والمسالك الضالة والمشارب المشبوهة، كما أن الدعوة متجددة وبإلحاحٍ شديد في عصرنا الحاضر بالعمل على إيجاد قنوات إعلامية إسلامية تبث الدعوة إلى الله ومحاسن الدين القويم بلغاتٍ شتى؛ لأن العصر عصر إعلام والإعلام يؤدي دوراً كبيراً في التأثير على جميع الفئات مما يتطلّب من المعنيين بشؤون المسلمين لا سيما أهل الثراء واليسار ورجال الأعمال وذوو الاقتدار أن يسهموا بسد هذه الثغرة أداء للواجب عليهم تجاه دينهم وأمتهم، وأمتنا بحمد الله أمة معطاء مليئة بالكفاءات زاخرة بالقدرات في شتى التخصصات من هم مؤهلون للعمل بقنوات إعلامية إسلامية تواكب تطلعات العصر وتحمل رسالة الإسلام الحنيف الحق بعد أن عملت القنوات الفضائية المسفَّة أبشع أعمالها بوأد الفضيلة ورفع راية الرذيلة غثاء وهراءً وعفناً وانحلالاً تبكي له الفضيلة وتأن من لأوائه الأخلاق والقيم ومما يزيد القلب أسىً وحرقة أنها قد تعود في معظمها إلى مُلاك من بني جلدتنا ويتكلمون بلغتنا فأين حمية القوم الدينية، وشهادتهم العربية، وغيرتهم الإسلامية، نعوذ بالله من الردى بعد الهدى.
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلام وإيمان
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أمة الإسلام إذا كان العالم اليوم يعيش على أعتاب القرن الحادي والعشرين ويدلف إلى تباشير الألفية الثالثة فإنها بإذن الله ألفية الإسلام والانتصار للمسلمين بعد أن هوت نظم وتكتلات وأفلست نظريات وشعارات طالما جُربت فبان إفلاسها وظهر عوارها في تحقيق أمن الشعوب والحفاظ على مقدراتها وتنمية مواردها وخيراتها، إن البديل الذي يجب أن يطرح وبشجاعة هو الإسلام لا شيء غيره فإنه لا عز للبشرية ولا صلاح ولا سعادة للإنسانية إلا بتطبيقه وتحكيمه (إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَـامُ) [آل عمران:19]، وإنه لا مساومة على عقيدتنا ولا تنازل عن شيء من مبادئنا بأي حال من الأحوال، فالحق حق والباطل باطل والإسلام إسلام والكفر كفر وهيهات أن يجتمع حق وباطل وكفر وإسلام، إن الفرصة اليوم سانحة لعرض الإسلام بمبادئه السامية وتعاليمه السمحة على العالم بعد أن سامته الشعارات سوء العذاب وصادرت حرياته وقضت على مقدراته ليس صحيحاً أن يظل المسلمون في عزلة عن العالم إنه بحكم التواصل الحضاري والإعلامي فإنه يجب على الأمة الإسلامية أن تجعل من هذا التواصل أداة للتأثير وليس التأثر لتكون أمة قائدة لا تعودة متبوعة لا تابعة إن العالم اليوم بحاجة ماسة إلى عرض الإسلام الصحيح بمبادئه العادلة وتعاليمه السمحة السامية بعد أن وُسم بمصطلحات غربية تشوه صورته وتنفّر منه لوسم الإسلام وأهله بالتطرف والإرهاب، وعدم مراعاة حقوق الإنسان في مغالطات سياسية وتناقضاتٍ فكرية وتلاعب بموازين الحق والعدل، إننا ومع اعترافنا بوجود تقصير بعض المسلمين وجنوحهم عن الوسط الذي جاء به الشرع المطهر فإننا لابد أن نستيقن أن العداء السافر للإسلام هو الإرهاب بعينه، فماذا يسمى ما يقوم به اليهود والصهاينة في فلسطين ولبنان من قتل الأبرياء وهدم المساجد والمنازل وتدمير الممتلكات؟! ماذا نقول عما يدور في بلاد الشيشان من حرب إبادة، يقلُّ نظرها التاريخ المعاصر أي عين يجمل بها أن تبقي شيئاً من الدموع في مآقيها وهي تقلب النظر في أحوال الأمة ومآسيها، ولا ننسى ما يحدث لإخواننا في العقيدة على ثرى كشمير وغيرها إن لم يكن هذا هو الإرهاب، فما هو الإرهاب إذن؟! وإن لم يكن هذا هو الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان، فأين يكون إذن؟ وإذا كنا ندين العنف وقتل الأبرياء فالعنف ما كان في شيء إلا شانه ولا نزع من شيء إلا زانه فإننا في الوقت نفسه نستنكر ولا نغض العين عما يحدث من قبل أعدائنا فهو أشد وأنكى ففلسطيننا تستغيث والأقصى يستصرخ والشيشان تستنجد والعالم يقف موقف المتفرج ولا حول ولا قوة إلا بالله، حُق أن نذرف الدموع السجال على أحوال أمة الإسلام، إن المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم الإسلامي اليوم مرحلة خطيرة لا منفذ منها إلا الاستمساك بحبل الله ولن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، يجب أن يعرض الإسلام عرضاً صحيحاً على منهج سلف هذه الأمة بلا غلو ولا جفاء ولا تنازل عن شيء من مبادئنا أو قيمنا، نعم للاستفادة من معطيات العولمة لتصحيح صورة الإسلام في العالم وبيان محاسنه السامية ومبادئه العادلة ولا وألف لا لدعوات الانفتاح الفجّة على حساب المبادئ والقيم ولا لدعوات العصرية المنفلتة من الثوابت والأصالة، ولا لإخضاع العقل السليم، ولا لإخضاع النقل السليم لرغبات العقل السقيم.
أيها المسلمون، يجب أن نعلم أنه لا عز لنا إلا بالإسلام، وإذا تنازلنا عن شرع ومبادئنا وقيمنا فإنها الانهزامية لا محالة، نعم لعرض الإسلام والدعوة إليه على كل صعيد وبكل وسيلة ولا للحوار الحضاري مع الشرق أو مع الغرب إذا كان تميعاً وتنازلاً وانهزامية، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: من الآية8]. وكان الله في عون العاملين لنصرة دينهم وأمتهم ومجتمعاتهم (وَلَّذِينَ جَـاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
بارك الله لي ولكم في الوحيين ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو البر الرحيم.
الخطبة الثانية:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الحمد لله لم يزل بالمعروف معروفاً وبالكرم والإحسان موصوفاً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له كل يوم هو في شأن ييسر عسيراً ويجبر كسيراً، ويغفر ذنباً ويرفع كرباً ويغيث ملهوفاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، رفع الله ذكره وأعلى في العالمين قدره، وزاده تعظيماً وتكريماً وتشريفاً فأكرم به صادقاً أميناً عفيفاً صلى الله وسلم بارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أما بعد:
فاتقوا الله يا عباد الله، (وَتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
إخوة الإسلام، حجاج بيت الله الحرام، اشكروا الله عز وجل على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة حيث تنعمون في هذا اليوم العظيم الأغر بحلول عيد الأضحى المبارك وحيث تعيشون أجواءً روحانية ولحظات إيمانية يسودها شرف الزمان والمكان، فيومكم هذا يا عباد الله ثمرة في جبين الزمان وابتسامة في ثغر الأوان، يوم تثمر فيه أغصان القلوب وتتحات فيه أوراق الخطايا والذنوب وتجتمع فيه الخلائق تدعو علام الغيوب وتسأله رفع الدرجات وتنزل الخيرات ونجاح الطلبات والرغبات في هذا اليوم المبارك يتذكر المسلم عبق الذكريات الخالدة وشذى الانتصارات الماجدة ويسعى في تحقيق الآمال الواعدة والأماني الصاعدة وهو يعيش هذه الأجواء العابقة يتذكر التاريخ الإسلامي المجيد على ثرى هذه الرُّبى والبطاح، ألا ما أشد حاجة الأمة اليوم إلى أخذ هذه الدروس والعبر من هذه المواقف العظيمة لتستعيد مجدها بين العالمين لتحقق لكيانها العز والنصر والتمكين في منأىً عن التخلف المزري الذي أصابهافي كثير من المجالات، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
يا أمة محمد (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: من الآية8].
يا خير أمة أخرجت للناس، إنه لا سبيل إلى مواجهة التحديات إلا بالتمسك بالثوابت واليقينيات والمبادئ والمقومات التي يترتب عليها عز هذه الأمة وسعادتها في الحياة وبعد الممات مع حسن التعامل مع المتغيرات وجامع هذه الثوابت شعيرة عظيمة وفريضة قويمة أصل أصيل وأساس متين متى ما قمت به الأمة عزت وسادت وانتصرت وقادت، أتدرون ما هو يا رعاكم الله ؟ إنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوام هذا الدين به نالت هذه الأمة الخيرية على العالمين، لقد عده بعض أهل العلم ركناً سادساً من أركان الإسلام، فالواجب على المسلمين أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ولابد من تحلي الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمنتسبين إليه بالرفق والعلم والحلم والرحمة والحكمة ليكون لهم الأثر الإيجابي في بعد عن التعنيف والغلظة، والحق أن أهل الحسبة وفقهم الله يبذلون جهوداً جبارة تذكر فتشكر وينبغي أن يشجعوا حسياً ومعنوياً وأن يكف عن تضخيم أخطائهم وأن الذين في هذا الميدان هم من خيار الأمة نحسبهم ولا نزكي على الله أحداً، فمجال الحسبة يا عباد الله تاج عز هذه الأمة وثمرة رسالتها وأثر دعوتها ومظهر من مظاهر حضارتها هو صمام الأمان بإذن الله من اللوثات العقدية والانحرافات الأخلاقية لا تمكين للدولة الإسلامية إلا به الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فهو سفينة النجاة وطوق الحياة والقائمين به وفقهم الله رجالٌ أهمهم أمر أمتهم وأرقهم وجود المنكر في مجتمعاتهم يهبون لإزالة المنكرات بأرواح متوهجة وضمائر حية لحفظ نفوذ الأمة المعنوي وأمنها الفكري والعقدي والسلوكي واستمرار بقاء عناصر تمكينها هم مشاعل هداية ومصادر توجيه وسرج إشعاع يعملون بحكمة وحماس لإصلاح ما أفسد الناس لدين الله دعاة وعليه حُراس، كم يلقون من العنت في هذه المهمة الشاقة ولا غرابة أن يعمل بعض الرويبضة للوقيعة بهم لأنهم يصطدمون بالشهوات ويكبحون جماح المغريات، الإيمان دافعهم والغيرة حافزهم فلله درهم من رجال وبوركت أفعالهم وجهودهم وضاعف الله مثوبتهم ونشهد الله الذي لا إله إلا هو على حبهم والدعاء لهم لما يضطلعون به من مهام جسيمة تعمل على تجفيف منابع الشر في هذه الأمة وحراسة ثغور المجتمع من تسلل الجريمة بدعوى الحرية الشخصية أو التقدمية الزائفة المدنية المعفونة، فواجب الأمة جميعاً تعزيز جانب الحسبة فإن ضعفه وانحساره وطي بساطه وانخفاض لواءه وإهمال علمه وعمله نذر شرور خطيرة وأضرار جسيمة على الأمة جميعاً، وإن المتأمل لأحوال عالمنا الإسلامي اليوم المعاصر يدرك ما منّ الله به على بلاد الحرمين ـ حرسها الله ـ من عناية لهذا الجانب المهم، فرعاية الحسبة تاج على رأسها وثمرة في جبينها جعلت له جهازاً مستقلاً وجهة خاصة مسؤولة ورئاسة عامة تتولى رعايتها والعناية بها وتلك جهود مذكورة مشكورة وعند المنصفين غير منكورة يجب أن تروى فلا تطوى مع ما يؤمل من تعاون المسلمين ومزيد الدعم لأهل الخير والإصلاح في الأمة، فالشرور كثيرة وجهود المغرضين ظهيرة في خرق سفينة الأمة والسنن لا تتغير والمتغيرات لا تتمهل والله وحده المسؤول أن يحفظ لهذه البلاد أمنها وإيمانها، ويزيدها خيراً وتوفيقاً بمنه وكرمه وسائر بلاد المسلمين، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
شباب الإسلام يا بنات العز والشرف، يا أحفاد الأبطال الفاتحين والمجاهدين الصامدين أدوا رسالتكم خير أداء، أسلكوا المنهج الوسط فلا غلو ولا جفاء، والتحمو بعلمائكم الربانيين وولايتكم المسلمة، أختي المسلمة الشريفة العفيفة، يا حفيدة أمهات المؤمنين، يا من أعزكم الله بالإسلام إن واجبك عظيم عليك الالتزام بالحجاب والحشمة والعفاف والحياء والحذر من دعاة السفور والتبرج والاختلاط وأدعياء تحرر المرأة من دينها وأخلاقها وعفافها وقيمها ولا تنخدعي بأبواقهم الناعقة وشعاراتهم الزائفة فاسمعي وعي حتى لا تخدعي لا سيما بنت الجزيرة المحافظة وفتاة بلاد الحرمين المصونة ولقد عظمت الفتنة لأدعياء تحرير المرأة في هذا العصر، عليهم من الله ما يستحقون.
أيها المسلمون، أدوا الصلاة المفروضة فإنها عمود الإسلام والفارق بين الكفر والإيمان، احذروا الوقوع في المعاصي أدوا زكاة أموالكم صوموا شهركم وحجوا بيت ربكم ولا تبخسوا الناس أشياءهم أطعموا الطعام وأفشوا السلام وأطيبوا الكلام وصلوا الأرحام وبروا الوالدين واحذروا الربا والزنا والمسكرات والمخدرات، فإن وبالها عظيم وشرها مستديم تقود إلى الجريمة بشتى صورها، احذروا الرشوة والزور والغش والخديعة والغيبة والنميمة والبهتان والحقد والشحناء، والحسد والبغضاء، تحلو بالصدق والصبر والأمانة والوفاء وحسن التعامل فيما بينكم توبوا إلى الله من جميع ذنوبكم وابدؤوا صفحة جديدة ملؤها الأعمال الصالحة، تذكروا باجتماعكم هذا يوم العرض على قيوم السموات والأرض تذكروا الموت وسكرته والقبر وظلمته والصراط وزلته والحشر وكربته، تذكروا بمرور الليالي والأيام وتصرم الشهور والأعوام انتهاء الأعمار والنقلة لدار القرار، ألا وإن مما يستحق التوقف ونحن في نهاية هذا العام ما رزأت به أمتنا الإسلامية خلال هذا العام الذي حُق أن نسميه عام الحزن من فقد كوكبة من علمائها ووفاة عدد من فضلائها وفقهائها يأتي في مقدمتهم عقد جيدهم وتاج فخارهم أمام دهره وفريد عصره شيخ الإسلام مفتي الأنام إمام أهل السنة والجماعة في هذا العصر بلا منازع نسيج وحده سراج بمفرده أمة في رجل وأئمة في إمام بقية السلف الصالح سماحة الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله رحمة واسعة، وأمطر على قبره شآبيب الرحمة والرضوان ورفع درجاته في المهديين وخلفه في عقبه في الغابرين وعوض أمة الإسلام بفقده خيراً وفقد العالم ثلمة لا تسد ومصيبة لا تحد، فيا علماء الشريعة أنتم خير خلف لخير سلف فالله الله في السير على خطى هؤلاء الأعلام نصحاً للأمة وبراءة للذمة وقياماً للمسؤولية والأمانة، ويا طلاب العلم الله الله في التلاحم مع علمائكم حذار من الاختلاف فيما بينكم فالخير ما بقي من علمائكم بحمد الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله، إن من التحدث بنعم الله ما حبا الله أرض الجزيرة من نعمة تفيؤ ظلال الدعوة الإصلاحية التي قام بها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بمناصرة ومؤازرة من ولاة الأمر الأماجد رحم الله متوفاهم، وبارك في أحياءهم فإلى متى يظل من يتهمون دعوتهم الإصلاحية بالوهابية وأنها مذهب خامس، في تعصبهم ثابرين بدون برهان ولا حجة فإلى مزيد من الوعي أيها المسلمون، وكفى انسياقاً وراء الشائعات دون تثبت وتحميص والدعاوى إن لم تقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء لقد من الله على هذه البلاد وله الفضل والمنة بنعم عظيمة يأتي في مقدمتها نعمة العقيدة والإيمان والأمن والاطمئنان والولاية المسلمة التي تعلن الإسلام وتعتز به وتحكِّمه وتدعو إليه وتقوم بخدمة الحرمين الشريفين ورعايتهما إعماراً وتوسعة وتطهيراً صيانة ونظافة وتطويراً جعله الله في موازينها ولقد أقض وجود هذه النعم في بلاد الحرمين الشريفين من الأمن والأمان والخير والمقدسات مضاجع كثير من الحاقدين والحاسدين فعملوا على بث الشائعات المغرضة (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر: من الآية43] وستظل بإذن الله بلاد الحرمين الشريفين واحة أمن وسلام على رغم أنف الحاسدين الحاقدين بمن الله وكرمه، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
هذا واعلموا رحمكم الله أن من أفضل أعمالكم وأرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم كثرة صلاتكم وسلامكم على سيد الأولين والآخرين النبي المصطفى والنبي المجتبى كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال عز من قائل سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].