المجيب
كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...
العربية
المؤلف | منصور محمد الصقعوب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - أهل السنة والجماعة |
وبادئ القول: إنَّ العلماء قد ذكروا من نواقض الإسلام الاستهزاءَ بالدين، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام: الناقض السادس: مَن استهزأ بشيء مِن دين الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ثواب الله، أوعقابه، كَفَرَ؛ والدليل قوله -تعالى-: (قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)..
عباد الله: يعد الناس من مساوئ الأخلاق الاستهزاء بمن حقُّه التقدير, وتنقُّص مَن حقه الإكرام, ويعدون المستهزئ مذموماً ملوماً محتقراً مهاناً؛ فالناس لا يرضون أن يستهزئ أحدٌ بهم وأن يذمهم, وكرام الناس يأنفون من أن يستهزئوا بأحدٍ من الناس.
وإذا كان هذا في عموم الاستهزاء فثمة أنواع من الاستهزاء -علاوةً على كونها مَشينة- فهي مُنقصة للدين، أو ربما كانت في بعض صورها مُخرجةً من ملة المسلمين, ذلكم أيها الكرام هو الاستهزاء بشيء من أمور الإسلام، أو أعلامه الكرام، أو بسيد الأنام، عليه الصلاة والسلام، أو بذي الجلال والإكرام. يُقال هذا في زمن صار يعج بصور من الاستهزاء بالدين أو شعائره, وصار التنبيه لمثل هذا الموضوع من مهمات المقال.
وبادئ القول: إنَّ العلماء قد ذكروا من نواقض الإسلام الاستهزاء بالدين، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام: الناقض السادس: مَن استهزأ بشيء مِن دين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو ثواب الله، أوعقابه، كَفَرَ؛ والدليل قوله -تعالى-: (قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65-66].
وفي تفسيرها ذكر العلماء أن الناس في غزوة تبوك حلّ بهم من النصب والتعب والجوع والعطش الشيء الكثير, فاستهزأ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من استهزأ، وقالوا: ما نرى قرآءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عن اللقاء، فرفع ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد ارتحل وركب ناقته، فقالوا: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب.
قال الراوي: رأيته وإن رجليه لتنسفان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متعلق بنسعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزل الوحي من فوق سبع سماوات يعلن كفر هؤلاء المستهزئين: قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) [التوبة:65-66].
إن من المعلوم من سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أرحم الناس بالناس، وأقبل الناس عذراً للناس، ومع ذلك كله لم يقبل عذراً لمستهزئ، ولم يلتفتْ لِحجَّةِ ساخِرٍ ضاحِكٍ، كل هذا مع أن القائلين قد خرجوا في الغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتركوا الأهل والأزواج والأولاد والأوطان، وكان خروجهم في فصل الصيف، وشدة حرارته معلومة، وتعرضوا للجوع الشديد، والعطش الأليم، ومع هذا كله لم يشفع لهم هذا حين وقع الاستهزاء.
وقد تضافر كلام العلماء على هذا الأمر؛ قال ابن قدامة رحمه الله: من سب الله أو أستهزأ به أو بآياته أو برسله أو كتبه كفر، سواء مازحاً أو جاداً.
عباد الله: والناظر في تاريخ المستهزئين ومقالاتهم يجد صوراً عديدة من الاستهزاء, فمن الاستهزاء بالله ووصفه بالأوصاف التي لا تليق, وادعاء أنه لا يفعل الشيء لحكمة, إلى أقوالٍ يجد المرء حرجاً في سوقها, إلى الاستهزاء بسيد البشر -عليه الصلاة السلام-, ولمزه بالأوصاف المستهجنة.
وحادثة الرسومات المشينة قبل سنوات من قبل بعض دول النصارى لم تنسَ, ولم يكن الأمر من أعمال النصارى فحسب؛ بل حتى ممن ينسبون لدينه من رسم بعض الصور المسيئة, ومن اتهمه بالبداوة وقلة المعرفة, ومن صوّره بأنه يُسوِّق للفاحشة عبر الترغيب بالحور العين.
وكان آخر ما تفوهت به الألسن وخطَّته الأقلام مَن كتب قبل أيام وقال: أحببت فيك أشياء وكرهت فيك أشياء, وسأتحدث معك كصديق فحسب, ولن أصلي عليك, ولا أحب هالات القداسة من حولك, وقال في حق الله أموراً أشنع من ذلك.
وليس بأقل منه مَن قال -وهو كبيرهم-: الله والشيطان وجهان لعملة واحدة -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-, إلى غير ذلك من مقالات لم أستسغ ذكر كثير منها، وذكرت البعض من باب قول الله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ) [المائدة:73].
وصور الاستهزاء بالدين لم تنته, فمن السخرية باللحية, إلى السخرية من تعدد الزوجات, والاستهزاء بشعيرة الجهاد, إلى لمز أهل الدين والعلماء, والآمرين بالمعروف والنهي عن المنكر, في شناعات تطالعنا بها وسائل الإعلام في مؤلفات يسوق لها -وللأسف!- على أنها ثقافة, أو في صحف محلية أو في قنوات ومنتديات الكترونية.
معشر الكرام: ويبقى القول: وما الدافع لمثل هذه الصور من الاستهزاء؟ والجواب: إن الدوافع للاستهزاء بالدين وأهله ونبيّه عديدة, فالكُرْه والبغض للدين وشعائره, والنِقمةُ على أهل الخير والصلاح, والسعيُ لتشويه السمعة وإسقاط الرموز، مقاصد يوليها المستهزئ عنايته.
وربما كان الفراغ مع الجهل سبباً لذلك, حين يجهل البعض حرمة الاستهزاء, ولا يقع في قلبه تعظيم لدينه, فربما تفوه بمنكر القول, وفي الحديث: "وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة".
وبدافع حرية الرأي ربما تطاول البعض على ربه ونبيه، ولكنه لا يجرؤ على أن ينطق بحرف ضد ملكه وأميره, والمسلم يعلم أن حرية الرأي لا يعني أن تقول الكفر, وللمسلم حدود لا يمكن أن يصل إليها, نسأل الله السلامة والعافية.
الخطبة الثانية:
ذكر القاضي عياض في كتابه الشفا أن ابن حبيب و أصبغ بن خليل من فقهاء قرطبة حكموا بقتل رجل يقال له ابن أخي عجب, وكان خرج يوما فنزل عليه المطر فقال مستهزئا بربه: بدأ الخراز يرش جلوده!.
فتوقف بعض الفقهاء عن سفك دمه وأشاروا إلى أنه عبث من القول يكفي فيه الأدب، فقال ابن حبيب: دمه في عنقي, أيشتم رباً عبدناه ثم لا ننتصر له؟ إنا إذا لَعبيد سوء وما نحن له بعابدين. ثم أجهش بالبكاء, ورفع المجلس إلى الأمير بها وهو عبد الرحمن بن الحكم الأموي, وزوجته عمة هذا المستهزئ.
فأُعلم باختلاف الفقهاء، فخرج الإذن من عنده بالأخذ بقول ابن حبيب وصاحبه وأمر بقتل المستهزئ, وعزل القاضي لتهمته بالمداهنة في هذه القصة، ووبخ بقية الفقهاء.
إن هذا الموقف يبين لك تعظيم العلماء لحق الله ورسوله ودينه, وحماية جنابهم من التطاول, والحزم مع من يتطاول عليهم.
ومع هذا؛ فالذي علينا جميعاً هو أن نسعى في غرس تعظيم الله ورسوله ودينه في نفوس الناشئة من أولاد وطلاب, وذاك أمر من مهمات المعارف التي ينبغي أن ترسخ في الأذهان.
عباد الله: والإعراض عن المستهزئين والبعد عن مجالسهم, وقراءة مقالاتهم, مطلب مهم, وكم نخطئ حين نذم الاستهزاء بألسنتنا ثم نُعين المستهزئ من صحيفة أو قناة أو كاتبٍ بمتابعتنا له, وقد قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء:140].
معشر الكرام: وكم من امرئ كان سليم الديانة, نقي المعتقد, فأقبل على كتب الزيغ وروايات الانحراف, ومروجي الشبهات من الكتاب, فتغير فكره, وصار ينتقد دينه وصحابته, وربما نبيه وربه -عز وجل-؛ فسلِ الله الثبات, وأبعِد عن كل قراءة تخسر بها ولا تنتفع, فالشبه خطافة.
عباد الله: وحين يضيق المؤمن بالاستهزاء منه فعليه أن يصبر ويحتسب, فقد أوذي المصلحون من قبله واستهزئ بهم؛ ولكن العاقبة يجعلها الله للمؤمنين, قال الله: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) [الرعد:32].
وستمضي الدنيا ويلتقي عند الله الجميع، وسيعلم المؤمن أنه هو الرابح حين صبر على أذى المستهزئين، وأذى المناوئين، (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[المطففين:29-36]