البحث

عبارات مقترحة:

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

العقوبات الإلهية سنة ماضية

العربية

المؤلف عبدالمحسن بن محمد القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. العقوبة الإلهية سنة من سنن الله .
  2. عذاب كل أمة يتفاوت بتفاوُت ذنوبهم .
  3. نماذج من عقابات الأمم السابقة .
  4. أعظم عقوبة في الدنيا: العقوبة في الدين .
  5. العقوبات سببها العبد نفسه .

اقتباس

والعقوبةُ الإلهية سنةٌ من سنن الله التي لا تتغيَّر ولا تتبدَّل؛ قال -عز وجل-: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ). وكانت الأممُ السالفةُ تُعذَّبُ باستِئصالِها جميعًا؛ كقومِ نوحٍ وعادٍ وثمود، قال -جلَّ شأنه-: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). ولما بعثَ الله موسى عليه السلام رفعَ الله برحمته عذابَ إهلاك الأمةِ جميعًا؛ قال -جلَّ شأنه-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى) ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى؛ فبتقوى الله تُستجلَبُ النِّعَم، وبالبُعد عنها تحِلُّ النِّقَم.

أيها المسلمون: خلقَ الله العبادَ لعبادته وبيَّن لهم طريقَ الهداية من طريق الضلالة، قمن أطاعَه نالَ السعادة، ومن عصاه أعدَّ له عذابًا شديدًا؛ قال -عزَّ وجل-: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) [الحجر: 49، 50].

والله سبحانه قويٌّ قديرٌ إذا نزلَ عذابُه لم يرُدَّه أحدٌ، ولهذا حذَّرَ العبادَ من نفسِهِ وغضبِهِ وعذابِهِ فقال: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) [آل عمران: 28].

والعقوبةُ الإلهية سنةٌ من سنن الله التي لا تتغيَّر ولا تتبدَّل؛ قال -عز وجل-: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران: 137].

وكانت الأممُ السالفةُ تُعذَّبُ باستِئصالِها جميعًا؛ كقومِ نوحٍ وعادٍ وثمود، قال -جلَّ شأنه-: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 45].

ولما بعثَ الله موسى -عليه السلام- رفعَ الله برحمته عذابَ إهلاك الأمةِ جميعًا؛ قال -جلَّ شأنه-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى) [القصص: 43].

قال شيخُ الإسلام -رحمه الله-: "وكان قبل نزول التوراة يُهلِكُ اللهُ المُكذِّبين للرسل بعذابِ الاستِئصال عذابًا عاجِلاً، يُهلِكُ اللهُ به جميعَ المُكذِّبين".

ونبيُّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- سألَ ربَّه أن لا يُهلِكَ أمَّتَه جميعًا؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "سألتُ ربي أن لا يُهلِكَ أمَّتي بالسَّنَةِ -أي: بالجُوعِ-، فأعطانيها، وسألتُه أن لا يُهلِكَ أمَّتي بالغرق، فأعطانيها، وسألتُه أن لا يجعلَ بأسَهم بينهم، فمنعنيها". رواه مسلم.

وعذابُ كلِّ أمةٍ يتفاوتُ بتفاوُت ذنوبهم، وأولُ عذابٍ أنزلَه الله في الأرض هو الغرقُ؛ قال -جلَّ شأنه- عن قومِ نوحٍ: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح: 25]، وأغرقَ فرعونَ وجنودَه به، فقال: (فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) [الأعراف: 136]، ومملكة سبأٍ أهلكَها الله بالماءِ، فقال تعالى: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) [سبأ: 16]، وهدَّدَ الآمنين من مكره بالغرق، فقال: (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ) [الإسراء: 69].

وأرسلَ على قوم عادٍ ريحًا عاتِيةً، (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) [الحاقة: 6]، وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا رأى غَيْمًا أو رِيحًا خشِيَ منها، قالت عائشة -رضي الله عنها-: يا رسول الله: الناسُ إذا رأوا الغَيْمَ فرِحوا رجاءَ أن يكونَ فيه المطرُ، وأراك إذا رأيتَه عُرِفَت في وجهِك الكراهية؟! فقال: "يا عائشة: ما يُؤمِّنُني أن يكونَ فيه عذابٌ، قد عُذِّبَ قومٌ بالريح، وقد رأى قومٌ العذابَ فقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) [الأحقاف: 24]". متفق عليه.

وأخذَت قومَ صالحٍ صيحةٌ قطَّعَت قلوبَهم: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) [القمر: 31].

وتوعَّد اللهُ المُشركين بمثلِ هذا العذابِ، فقال: (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) [ص: 15].

ولما كفرَ قومُ لُوطٍ وارتكَبُوا المُوبِقَاتِ أرسلَ الله عليهم حِجارةً وقلبَ دِيارَهم، فقال سبحانه: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) [هود: 82].

وهمَّ أصحابُ الفيل بهدمِ الكعبة ونقضِ حجارتِهِ فنزلَت عليهم حجارةٌ من السماء: (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) [الفيل: 3، 4].

وقارون علاَ وظَلَم فأهانَه في سافلِ الأرض، قال سبحانه: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) [القصص: 81]، وحذَّر العُصاة من هذا العذابِ، فقال: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) [النحل: 45]، "وبينما رجلٌ يمشِي في حُلَّةٍ تُعجِبُه نفسُه مُرجِّلٌ جُمَّتُه؛ إذ خسَفَ الله به فهو يتجلجلُ به إلى يوم القيامة". متفق عليه.

ومن لم يشكُر نعمةَ الأمن والرخاء سلَبَه إياهما: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].

وعذَّبَ بني إسرائيل بتسليطِ الأعداء عليهم إلى يوم الدين، قال سبحانه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) [الأعراف: 167]، وأصابهم الذلُّ والهوان بما اقترفُوا من خَطايا، قال سبحانه: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا) [آل عمران: 112].

وعذَّبَ الله أقوامًا بمَسْخِ صُورهم إلى غير صُورة البشرة؛ فأصحابُ السبتِ احتالُوا على ما حرَّمَ الله فمسَخَهم قِردةً، قال سبحانه: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) [البقرة: 65]، ومسخَ من بني إسرائيل قِرَدةً وخنازيرَ، كما قال سبحانه: (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) [المائدة: 60].

وسيقعُ في هذه الأمةِ مِثلُ ذلك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليَكُونَنَّ من أمَّتِي أقوامٌ يستحِلُّونَ الحِرَ -أي: الزنا-، والحريرَ، والخمرَ، والمعازِفَ، ولينزِلَنَّ أقوامٌ إلى جنبِ علَمٍ -أي: جبَلٍ- يرُوحُ عليهم بسارحَةٍ لهم -أي: لهم غنَمٌ يأتيهم؛ يعني: الفقيرُ لحاجةٍ- فيقولون: ارجِع إلينا غدًا، فيُبيِّتُهم الله ويضعُ العلَمَ -أي: يدُكُّ الجبلَ- ويمسَخُ آخرين قِردةً وخنازيرَ إلى يوم القيامة". رواه البخاري.

و"غضِبَ الله على سِبطٍ من أسباطِ بني إسرائيل فمسخَهم دوابَّ يدُبُّون في الأرض". رواه مسلم.

وأرسلَ على بني إسرائيل الطوفان والجرادَ والقُمَّلَ والضفادِعَ والدمَ، وأحلَّ العداوةَ والبغضاءَ بين اليهود، فلا تجتمِعُ قلوبُهم أبدًا، قال سبحانه: (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) [المائدة: 64].

والطاعونُ من عذابِ الله، قال -عليه الصلاة والسلام-: "الطاعُون رِجسٌ أُرسِلَ على طائفةٍ من بني إسرائيل، أو على من كان قبلَكم". رواه البخاري.

ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قُريشٍ إدبارًا في أول دعوته وآذَوه، فدعَا عليهم وقال: "اللهم سبعٌ كسبعِ يُوسُف -أي: دعا عليهم بالجُوع-، فأخَذَتهم سنةٌ حصَّت كلَّ شيءٍ، حتى أكَلوا الجُلُودَ والميتةَ والجِيَف". رواه البخاري.

وأرسل الله ملَكَ الجبال للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقال له: "إن شئتَ أن أُطبِقَ عليهم -أي: على قُريشٍ- الأخشبَيْن، وهما جبَلان عظيمان في مكة". متفق عليه.

ولحِقَ سُراقةُ بنُ مالكٍ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكرٍ -رضي الله عنه- وهما في طريقِ الهِجرة ليُعلِمَ قُريشًا عنهما، فلما رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم اصْرَعه". فصرَعَه الفرسُ، ثم قامَت تُحَمحِمُ -أي: قامَت الفرسُ تُخرِجُ صوتًا-. رواه البخاري.

وعصَى رجلٌ أمرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- فشُلَّت يدُه من ساعته، كان الرجلُ يأكلُ بشِماله، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُل بيمِينك". قال: لا أستطيعُ. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا استَطَعْتَ، ما منعَه إلا الكِبْرُ". قال الراوي: فما رفعها إلى فيه. رواه مسلم.

ودخلَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على أعرابيٍّ مريضٍ، فقال له: "لا بأسَ؛ طهورٌ إن شاءَ الله". أي: إن المرضَ يُكفِّرُ الخَطَايا. فقال الأعرابيُّ -مُتسخِّطًا على قدرِ الله-: قلتَ: طهورٌ، كلا بل هي حُمَّى تفُور أو تثُور، على شيخٍ كبيرٍ، تُزيرُه القبور. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فنَعم إذًا". أي: سيكونُ كما ظننتَ أنها ستُميتُك. رواه البخاري. وعند الطبراني: فأصبحَ الرجلُ ميِّتًا.

وأسلمَ رجلٌ نصرانيٌّ فكان يكتبُ للنبي -صلى الله عليه وسلم- كُتبَه، فارتدَّ فأماتَه الله، فدفنُوه فلفَظَته الأرضُ، فحفَروا له ثانيةً فأعمَقُوا فلفَظَته الأرض، فعلوا ذلك ثلاث مراتٍ والأرض تلفظُه فترَكوه. رواه البخاري.

ولما قرأَ كِسرى كتابَ النبي -صلى الله عليه وسلم- مزَّقَه فمزَّقَ الله مُلكَه. قال الزهريُّ -رحمه الله-: "فحسِبتُ أن ابن المُسيَّب قال: فدعا عليهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُمزَّقَ كلَّ مُمزَّق". رواه البخاري.

وما أبغضَ أحدٌ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وتطاوَلَ عليه إلا بترَهُ الله بقَطْعِ ذِكرِه ونَسْلِه: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) [الكوثر: 3].

ومن نالَ من الصحابةِ -رضي الله عنهم- شيئًا فإن الله ينتقِمُ منه؛ قال القاضي أبو الطيبِ -رحمه الله-: "كنا في مجلسِ النظرِ بجامعِ المنصورِ، فقال شابٌّ: أبو هريرة غيرُ مقبول الحديثِ، فما استتمَّ كلامَه حتى سقَطَت عليه حيَّةٌ عظيمةٌ من سقفِ الجامعِ، فوفدَ الناسُ من أجلها -أي: جلَسُوا فزِعين-، وهربَ الشابُّ منها وهي تتبَعُه، فقيل له: تُب. فقال: تُبتُ، فغابَت الحيَّةُ فلم يُرَ لها أثرٌ".

وقد يُعاقَبُ المرءُ بقطعِ رِزقِه: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) [النساء: 160].

وأعظمُ عقوبةٍ في الدنيا: العقوبةُ في الدين؛ فمن صدَّ عن دين الله أعرضَ الله عنه، قال سبحانه: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف: 5]، ومن نقضَ ميثاقَ ربِّه وأشركَ مع الله غيرَه عُوقِبَ بقَسوَةِ القلبِ، قال سبحانه: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) [المائدة: 13]، ومن دعا غيرَ الله نُزِعَت من قلبه محبةُ الله وأحبَّ ما سِواه، قال سبحانه: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) [البقرة: 93].

ومن تعلَّق تميمةً تخلَّى الله عنه ووكلَهُ إلى ما علَّق، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من تعلَّقَ شيئًا وُكِلَ إليه". رواه الترمذي.

وقد يُعاقَبُ المرءُ في دينه بحُبُوطِ عمله؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "قال رجلٌ: واللهِ لا يغفرُ الله لفُلان، فقال الله -عز وجل-: من الذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفِرَ لفُلان، فإني قد غفرتُ له وأحبطتُ عملَكَ". رواه مسلم.

وبعد:

أيها المسلمون: فعذابُ الله شديدٌ، وعِقابُه سريعٌ، وأخذُهُ أليم، ووعدُه حقٌّ، وبيده مقاليدُ السماوات والأرض، ولا يُعجِزُه شيءٌ، وما يعلمُ جنودَه إلا هو، وأمرُه كلمحِ البصرِ، وإذا عصَى العبدُ ربَّه هانَ عليه، ويستدرِجُه من حيث لا يعلمُ، وهو سبحانه لا يخفَى عليه شيءٌ من أعمال خلقِه؛ فمن عمِلَ صالحًا شُكِر، ومن أساءَ عُوقِبَ، والعاقلُ لا يستهينُ بمعاصِي الله فلا يعلمُ أيُّها تُهلِكُه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أيها المسلمون: قصَّ الله علينا قصصَ من قبلَنا للعِظَة والعِبرَة، وهو بحكمتِهِ وعدله يُظهِرُ للناسِ أعمالَهم في قوالِب وصُورٍ تُناسِبُها؛ فتارةً بقحطٍ وجَدبٍ، وتارةً بعدوٍّ، وتارةً بأمراضٍ عامَّة، وتارةً بهُمومٍ وآلامٍ وغمومٍ، وتارةً بمنعِ بركاتٍ من السماء والأرض وقطع الرِّزق، ومن تابَ رفعَ عنه عذابَه، ومن أنابَ إليه أعلى درجَتَه.

والعقوباتُ سببُها العبدُ نفسُه، قال سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30].

وإذا تأخَّرَ العذابُ قد يكونُ استِدراجًا أو إمهالاً؛ قال -جلَّ شأنه-: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 182].

قال القرطبي -رحمه الله-: "تأخيرُ العذابِ ليس للرِّضا بأفعالهم؛ بل سُنَّةُ الله إمهالُ العُصاة مُدَّة".

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُود وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم من أرادنا أو أرادَ المُسلمين بسُوءٍ فأشغله في نفسه، واجعل كيدَه في نحره.

اللهم انصُر المُستضعفين من المُسلمين في الشام، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا. اللهم عليك بمن آذاهم، اللهم زلزِل الأرضَ من تحت أقدامهم، واجعل كيدَهم في نُحورهم، وألقِ الرُّعبَ في قلوبِهم.

اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم رُدَّهم إليك ردًّا جميلاً، ووحِّد كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحنُ الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].

اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك يا رب العالمين.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.