الخلاق
كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
نحن في حاجة ماسة إلى صاحب كل خبرة ليستغلها في الخير، وخدمة الدين، ونشر الإسلام، فنحن محتاجون للطبيب المسلم، والمهندس المسلم، والكيميائي المسلم، والتربوي المسلم، والتقني المسلم، وغيرهم وغيرهم. هناك كثير من شبابنا عندهم خبرات مذهلة في جانب التقنية وعلوم الحاسب الآلي والانترنت، ولكن قليل منهم من يستغل التقنية في جانب الخير...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ: إقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا.
أَمَّا بَعْدُ:
عباد الله: إن الشباب هم ذخر هذه الأمة، وخيرة رجالها، وفرسان ميدانها، وأوائل المنتمين إليها، والمدافعين عنها، والمتقدمين بها؛ إما إلى طريق العز والخير والشرف، وإما إلى طريق الشر والذل والسفول.
لذلك يجب علينا إلزاماً أن نعتني بهم، وندرس قضاياهم، ونحل مشكلاتهم، ونضعهم نصب أعيننا دائماً وأبداً، فهم عزنا ونصرنا، وهم مجدنا وسؤددنا، وهم رفعتنا وشرفنا إن أحسنا إليهم، وأخذنا على أيديهم، وقمنا بواجبنا تجاههم.
لقد أخبرنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أن لمرحلة الشباب عند الله شأنا خاصاً، وسؤالاً مخصصاً يتم السؤال عليه أمامه -سبحانه وتعالى- فقال: "لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ" [الترمذي (2416) ].
فماذا فعلنا بشبابنا؟ وماذا قدمنا لديننا وأنفسنا ومجتمعنا في هذه المرحلة الحساسة من أعمارنا؟ وهل كانت هذه المرحلة أساساً ومنطلقاً بنا في بقية عمرنا إلى طريق الثبات والسداد أم أنها خلاف ذلك؟ فإن من شب على شيء شاب عليه.
أيها المسلمون: لو نظرنا في أحوال شبابنا وفي واقع فتياننا لوجدنا أن كثيراً منهم لديه طاقات هائلة، وإمكانات عظيمة، وصلاحيات واسعة، وخبرات متعددة، ولكن كثيراً منهم -وللأسف الشديد- لا يحسن استغلال هذه الامكانات، ولا يستغل هذه القدرات، ولا يحسن توظيف هذه الطاقات التوظيف الصحيح.
كم من شبابنا من يملك القوة والفتوة وعنده القدرة والشجاعة ما لو صارع عشرة من أعداء الله لصرعهم وقضى عليهم، ومع ذلك فإنه لا يفكر أبداً في استغلال هذه القوة في طاعة الله، وفي سبيل الخير، وقمع الشر؟!!. وإنما تجده -إلا من رحم الله- فخوراً بقوته، متباهياً بشجاعته، مستعرضاً بعضلاته، ولكن على من؟ إنه يبرز شجاعته على إخوانه المسلمين مثله، ويظهر تحديه لهم، ويظهر شجاعته ضدهم، ولا يصرف هذه الطاقة الهائلة في طريقها الصحيح.
يقول الله -سبحانه وتعالى- مبيناً خطأ هذا المسلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة : 54]. ويقول -سبحانه وتعالى-: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : 29]. هذا هو حال هؤلاء الأبطال الشجعان، يستعرضون بشجاعتهم على أعداء الله، ويظهرون قوتهم وشدتهم عليهم، ولكنهم عند إخوانهم وأمام المسلمين تجدهم أذلاء بسطاء مسامحين.
من الطاقات المعطلة لدى كثير من شبابنا طاقة الخبرة والمعرفة، فكثير من شبابنا -بفضل الله- لديهم خبرات واسعة في مجالات عديدة، فمنهم من لديه خبرة هائلة في مجال الطاقة والتصنيع، ومنهم من لديه خبرة في علوم الكيمياء والفيزياء والأحياء، ومنهم من لديه خبرات احترافية في مجال التقنية والتكنولوجيا، ومنهم من لديه ذكاء خارق لو استغله في طلب العلم الشرعي لكان نابغة من نوابغ الإسلام، وعالماً من أعلامه النبلاء، وعلمائه الأجلاء.
ولكن نقولها مرة أخرى -وللأسف الشديد- لم يستغل كثير منهم هذه الخبرات والطاقات استغلالاً صحيحاً، فمنهم من يهمل نفسه، ويعطل طاقته، ويقتل ذكاءه، ويقضي عليه بنفسه. ومنهم من لا يبالي بتطوير نفسه وصقل طاقته، فتجده ذكياً في البداية ثم يتلاشى ذكاؤه، ويذهب عقله، إلى أن يصير كأي شخص عادي، وكأنه لم يكن في يوم من الأيام أحد الأوائل والأذكياء.
وهذا ما نلاحظه في كثير من أبنائنا، فتجده من الأوائل المبرزين في السنوات الأولى من سنوات الدراسة، فإذا وصل إلى المرحلة المتوسطة أو الثانوية إذا به في عداد الراسبين والفاشلين بسبب إهماله لعقله، وعدم استغلاله لذكائه وقدراته العقلية.
ومنهم من يستغل ذكاءه ولكن في الجانب السلبي، فتجده ذكياً ولكنه في الحقيقة غبي، لأنه لم يستغل طاقته العقلية فيما ينفعه في الدنيا والآخرة، وإنما يستغلها في جانب الشر، وتعلم الأشياء المضرة، والتأثر بالأفكار المشبوهة، والقيام بالترويج لها والدفاع عنها بصورة ذكية. وهؤلاء هم الذين قال الله عنهم: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم : 7].
فيا شباب الإسلام: إن أمة الإسلام اليوم في حاجة إلى طاقاتكم الجبارة، وخبراتكم الفذة، والمسلمون محتاجون وفي أمس الحاجة إلى كل صاحب خبرة وطاقة ليخدم بها الإسلام وينصر بها المسلمين.
الأمة الإسلامية محتاجة جداً إلى العالم الرباني، والمجتهد المتبحر في كل علوم الشريعة؛ ليبصّر الأمة بدينها، ويفتي لها في نوازلها، ويحكم على المسائل المستجدة بحكمها الصحيح وفتواها الشرعية المأخوذة من الشريعة الإسلامية, وهذا لن يكون إلا إذا استغلت الأمة طاقات أبنائها، ففرغت منهم من يقوم بهذا الجانب، ويتخصص في علوم هذه الشريعة الربانية، ويكشف أسرار الأحكام الإلهية الموجودة في كتاب الله وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة : 122].
ويقول: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء : 83]. فهاتان الآيتان تأمران بتعلم العلم الشرعي، والتخصص في الفقه في الدين، والتبحر في علوم الشريعة، وتبليغ العلم إلى الناس بفقه وبصيرة، وتنزيل الأحكام الشرعية المستنبطة من الوحيين الشريفين على واقع الناس ومسائلهم.
كما أن الأمة في حاجة ماسة إلى الطاقات القوية، من أصحاب الخبرات العسكرية والفنون القتالية، ليرفعوا عنها غبار الهوان والذل الذي أصابها منذ سقوط الخلافة الإسلامية, ولن يرفع هذا الهوان إلا شباب الإسلام المعتزين بدينهم، المضحين في سبيله بطاقاتهم وأموالهم وأوقاتهم، الذين قال الله عنهم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات : 15]. وقال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [التوبة : 20].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعد:
عباد الله: الأمة كما لا يخفاكم تعيش ذلاً وهواناً لم تصب بمثله أبداً في تاريخها، ويجب أن نستيقن ونعلم أنه لا عزة لهذه الأمة ولا مجد لها إلا بتفعيل طاقات أبنائها، واستغلال خبراتهم، وتوجيههم نحو العمل للدين وخدمة الإسلام.
نحن في حاجة ماسة إلى صاحب كل خبرة ليستغلها في الخير، وخدمة الدين، ونشر الإسلام، فنحن محتاجون للطبيب المسلم، والمهندس المسلم، والكيميائي المسلم، والتربوي المسلم، والتقني المسلم، وغيرهم وغيرهم.
هناك كثير من شبابنا عندهم خبرات مذهلة في جانب التقنية وعلوم الحاسب الآلي والانترنت، ولكن قليل منهم من يستغل التقنية في جانب الخير، ودعوة الغربيين إلى الإسلام، والتواصل معهم لإدخالهم فيه، وترغيبهم في تعاليمه الصحيحة ومنهجه الشريف.
أكثر شبابنا نجدهم يستغلون هذه الخبرات التقنية في الأمور العبثية، والمجالات الوهمية، والدردشات التافهة، وأحسنهم حالاً من يستغلها في الأمور الشخصية، والزيادة من دخله وماله، ولكن القليل منهم من يستغلها في الدعوة، ونشر الخير والفضيلة.
هل تعلمون -ياعباد الله- أن في بلاد الغرب كثيراً من رجال المسلمين من أصحاب الطاقات والخبرات، ذهبوا إلى بلاد الكفر وفضلوا العيش فيها حينما لم يجدوا من المسلمين وفي بلاد الإسلام من يقوم بهم، ويعطيهم حقهم، وينزلهم منازلهم, فهلا توجهوا نحو أمتهم، وعاشوا بين إخوانهم، وخدموا المسلمين وأعزوهم، بدلاً من خدمة الكافرين وإعانتهم، فإن أمتهم اليوم تدعوهم لخدمتها، وتناديهم لنصرتها، وتناشدهم لينهضوا بها.
علينا جميعاً أن نحرك كل جهودنا وإمكانياتنا وطاقاتنا من أجل رفعة هذا الدين وإعزازه، فإن ذلك والله عز لنا وفخر وشرف، وإلا فإن دين الله -سبحانه وتعالى- عزيز، وشريعته ظاهرة، ومنهجه منصور، ولكن الشرف لنا حين يكون عزه ونصره على أيدينا. (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة : 40]. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ" [أحمد (16957) ].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم وفق شبابنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصينا للبر والتقوى، ووفقنا وإياهم لاستغلال ما رزقتنا وأعطيتنا من طاقات وقدرات في طاعاتك ونصرة دينك، يارب العالمين.