الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
كثير من الناس لا يعرفون هذا الشهر إلا أنه شهر لتنوع المآكل والمشارب، فيبالغون في إعطاء نفوسهم ما تشتهي، ويكثرون من شراء الكماليات التي لا داعي لها.
الحمد لله الذي جعل لعباده مواسم يتقربون إليه فيها بأنواع الطاعات. فيغفر لهم الذنوب ويرفع لهم الدرجات. وأشهد أن لا إله إلا الله. حكم فقدر. وشرَع فيسّر. ولا يزال يفيض على عباده من أنواع البر والبركات. وأشهد أن محمدً عبده ورسوله أول سابق إلى الخيرات. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يحافظون على طاعة ربهم في جميع الأوقات.
ويخصون أوقات الفضائل بمزيد من القربات. وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أنه يجب على المسلم أن يعبد ربه ويطيعه في جميع مدة حياته. قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99] قال بعض السلف: ليس لعمل المسلم غاية دون الموت.
وينبغي له أن يخص مواسم الخير بمزيد اهتمام واجتهاد. وقد جعل الله مواسم للعبادة تضاعف فيها الحسنات أكثر من غيرها ومن هذه المواسم شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فيا له من موسم عظيم الشأن وقد قارب حلوله عليكم ضيفاً مباركاً ووافداً كريماً فاستقبلوه بالغبطة والسرور واشكروا الله إذ بلغكم إياه واسألوه أن يعينكم على العمل الصالح فيه. واسألوه القبول فقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يدعو الله ببلوغ رمضان فقد روى الطبراني وغيره عن أنس رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل شهر رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان".
وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان، فإذا بلغهم إياه دعوا الله أن يتقبله منهم وكان –صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر المبارك، فقد روى ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما عن سلمان رضي الله عنه، قال: خطبنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في آخر يوم من شعبان فقال: "يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك. شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر. جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً. من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه. وهو شهر الصبر. والصبر ثوابه الجنة. وشهر المواساة. وشهر يزاد فيه الرزق. ومن فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار. وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء". قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم. قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء. ومن سقى صائماً سقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة. ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار حتى يدخل الجنة. وهو شهر أوله رحمة. وأوسطه مغفرة. وآخره عتق من النار. فاستكثروا فيه من أربع خصال. خصلتين تُرضُون بهما ربكم. وخصلتين لا غنى بكم عنهما. أما الخلصتان اللتان ترضُون بهما ربكم؛ فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه. وأما الخلصتان اللتان لا غنى بكم عنهما، فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار".
عباد الله: لقد بين لكم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الشريف فضل هذا الشهر وما فيه من الخيرات، وحثكم على الاجتهاد فيه بالأعمال الصالحة من فرائض ونوافل من صلوات وصدقات وبذل معروف وإحسان وصبر على طاعة الله وعمارة نهاره بالصيام وليله بالقيام واجتهاد في الدعاء والذكر وطلب لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر فلا تضيعوه بالغفلة والإعراض كحال الأشقياء الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم فلا يستفيدون من مرور مواسم الخير عليهم ولا يعرفون لها حرمة ولا يقدرون لها قيمة فيا أيها العاصي تب إلى ربك. وانتبه لنفسك واستقبل هذا الشهر بالإقبال على الله –فإن الله يغفر الذنوب جميعاً. ودوام على التوبة والاستقامة في بقية عمرك. لعل الله أن يختم لك بالسعادة. ولعلك تكتب في هذا الشهر من جملة العتقاء من النار.. شهر رمضان تفتح فيه أبواب الجنان. وتغلق فيه أبواب النيران. ويصفد فيه كل شيطان. وتتنزل فيه الخيرات من الرحمن. شهر عظمه الله فعظموه. وضيف كريم سينزل بكم فأكرموه. واحمدوا الله على بلوغه واشكروه.
عباد الله: كثير من الناس لا يعرفون هذا الشهر إلا أنه شهر لتنوع المآكل والمشارب، فيبالغون في إعطاء نفوسهم ما تشتهي، ويكثرون من شراء الكماليات التي لا داعي لها. ومعلوم أن الإكثار من الأكل يكسل عن الطاعة، والمطلوب من المسلم في هذا الشهر أن يقلل من الطعام حتى ينشط للعبادة. والبعض الآخر من لا يعرف شهر رمضان إلا أنه شهر النوم والبطالة فتجده معظم نهاره نائماً، فينام حتى عن أداء الصلاة المفروضة. والبعض الآخر من الناس لا يعرف شهر رمضان إلا أنه وقت للسهر في الليل على اللهو واللعب والغفلة، فإذا فرغ من سهره تسحر ونام عن صلاة الفجر – هذا ما عليه كثير من الناس اليوم في شهر رمضان. إنهم يضيعون فيه الواجبات ويرتكبون فيه المحرمات. ولا يخشون الله ولا يخافونه- فما قيمة رمضان عند هؤلاء وماذا يستفيدون منه؟
والبعض الآخر من الناس: لا يعرفون شهر رمضان إلا أنه موسم للتجارة وعرض السلع، فينشطون على البيع والشراء فيه ويلازمون الأسواق، ولا يحضرون المساجد إلا قليلاً من الوقت وعلى عجل. فصار رمضان عندهم موسماً للدنيا لا للآخرة. يطلب فيه العرض الفاني، ويترك النافع الباقي.
وصنف آخر من الناس لا يعرف شهر رمضان إلا أنه وقت للتسول في المساجد والشوارع فيمضي أوقاته بين ذهاب وإياب، ويظهر نفسه بمظهر الفقر والفاقة وهو كذاب مخادع. أو يظهر نفسه بمظهر المصاب بالآفات وهو سليم معافى. فيجحد نعمة الله، ويأخذ المال بغير حق، ويضيع وقته الغالي فيما هو مضرة عليه. هذا قدر شهر رمضان في عرف هذه الأصناف من الناس. وهذا من أعظم الحرمان لهم وأشد المصائب عليهم. حيث ضيعوا الفرصة على أنفسهم. وأعرضوا عن فوائد هذا الشهر وصرفوا أوقاته في غير ما هيئت له.
عباد الله: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يجتهد في هذا الشهر أكثر مما يجتهد في غيره بل كان يتفرغ فيه من كثير من المشاغل ويقبل على عبادة ربه. وكان السلف الصالح يهتمون بهذا الشهر غاية الاهتمام ويتفرغون فيه للتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة. كانوا يجتهدون في قيام ليله وعمارة أوقاته بالطاعة. قال الزهري رحمه الله: إذا دخل رمضان إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.
وكانوا يحرصون على الجلوس في المساجد ويقولون: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحداً. وكانوا يحرصون على صلاة التراويح ولا ينصرفون منها حتى ينصرف الإمام. وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه. وقال –صلى الله عليه وسلم-: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة". رواه أهل السنن.
فاتقوا الله أيها المسلمون وحافظوا على شهركم. وأكثروا فيه من طاعة ربكم لعلكم تكتبون فيه من الفائزين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:185-186].