البحث

عبارات مقترحة:

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

في الحثّ على الاعتبار بما يجري من الحوادث

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. الاعتبار بوقوع الآيات والحوادث .
  2. سبب هذه الكوارث .
  3. الإصلاح هو سبيل النجاة مما حلّ بالمسلمين .

اقتباس

فإذا رأيت هذه الأمور قد أقبلت وراياتها قد نصبت؛ فبطن الأرض والله خير من ظهرها، وقلل الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس. اقشعرت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة. وذهبت البركات وقلت الخيرات. وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة. وبكى ضوءُ النهار وظلمةُ الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقِّبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والبائح ...

 

 

 

 
الحمد لله القائل: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) يعجل العقوبة بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. أحمده على نعمه وأسأله المزيد من فضله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله واعلموا أن الله سبحانه أمركم أن تعتبروا بما ترون وما تسمعون مما يجري من الحوادث والعقوبات في الأمم الماضية والأمم الحاضرة، فالسعيد من وعظ بغيره. قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) وقال تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ). وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) والآيات في هذا كثيرة يأمرنا الله فيها بالاعتبار بما حل ويحل بالظلمة والمجرمين من قبلنا ومن حولنا حتى نتجنب طريقهم لئلا يحل بنا ما حل بهم وهذا من رحمته سبحانه وتعالى بعباده (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

عباد الله: لو نظرنا في أحوالنا وما يجري حولنا, لأدركنا أننا في حالة خطر شديد, إن لم نستدرك أمرنا ونصلح ما فسد من أحوالنا. فإننا لا نزال نسمع ما يجري حولنا فيما يجاورنا من البلاد من العقوبات المتتابعة. زلازل تجتاح المدن العامرة فتهدم المباني وتهلك آلاف النفوس وتشرد ألوفاً آخرين فيبقون بلا مأوى ولا أقوات. ولا يزال يحل بالعالم أعاصير مدمرة وفيضانات غامرة تتلف الأموال الوفيرة وتقضي على المحاصيل الزراعية الكثيرة.

وحروب طاحنة تلتهم الأخضر واليابس ويعيش الناس فيها تحت أمطار القذائف وأزيز المدافع تحصد النفوس حصداً، وتقض المضاجع. وترمل النساء وتيتم الأطفال. ويسلط الله الظلمة بعضهم على بعض فلا يقر لهم قرار. بينما أحدهم زعيم أو رئيس يأمر وينهى إذا به في أسرع وقت قد صار أذل ذليل في قبضة أعدائه، فإما أن يقتلوه شر قتلة أو يبقوه يعيش تحت وطأة العذاب والهوان.

أحزاب متناحرة وفتن مشتعلة وقودها جثث وهام. هذا والدول الكافرة الكبرى توقد هذه الفتن، وتحرض بين القادة وتضرب بعضهم ببعض. وكل هذا يا عباد الله بسبب الابتعاد عن الإسلام والتنكر لدين الله بعد معرفته. والإعراض عن شريعة الله واستبدالها بأنظمة الكفر من شيوعية ورأسمالية وغيرها. قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لما أعرض الناس تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة في قلوبهم وكدر في أفهامهم ومحق في عقولهم. وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربي عليها الصغير. وهرم عليه الكبير. فلم يروها منكراً، فجاءتهم دولة أخرى أقامت فيها البدع مقام السنن والهوى مقام الرشد. والضلال مقام الهدى والمنكر مقام المعروف والجهل مقام العلم. والرياء مقام الإخلاص. والباطل مقام الحق. والكذب مقام الصدق. والمداهنة مقام النصيحة. والظلم مقام العدل. فصارت الغلبة لهذه الأمور.

فإذا رأيت هذه الأمور قد أقبلت وراياتها قد نصبت؛ فبطن الأرض والله خير من ظهرها، وقلل الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس. اقشعرت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة. وذهبت البركات وقلت الخيرات. وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة. وبكى ضوءُ النهار وظلمةُ الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقِّبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والبائح.

وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه. ومؤذ بليلِ بلاءٍ قد ادلهم ظلامه. فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح. ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح. وكأنكم بالباب وقد أغلق. وبالرهن وقد غلق. وبالجناح وقد علق (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).

عباد الله: إن الأمر قد زاد في وقتنا هذه عما وصف الإمام ابن القيم، فأصبح الإسلام غريباً في بلاده، فقد اكتفى الأكثر من المتسمين به بمجرد التسمي به والانتساب إليه من غير عمل بأحكامه. فعقائدهم قد داخلها الشرك. ومحاكمهم تحكم بالقوانين الوضعية بدل الشريعة السماوية. وأموالهم تجمع بالتعامل المحرم من رباً وغيره.

عباد الله: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إن جور الولاة وولاية الطغاة بسبب جرم الرعايا قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) وفي الأثر: " كيفما تكونوا يُوَلَّ عليكم " إنه إذا ظهر الفساد. وانتشر الإلحاد. وتجاهر الناس بالذنوب، فغير عزيز على الله أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصباً أو يهلكهم بالأمراض والحروب. أو يسلط عليهم الولاة الكفرة، والطغاة، والجبابرة والأحزاب الغاشمة فيسومونهم سوء العذاب (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ).

إنه لا نجاة للمسلمين مما وقعوا فيه اليوم إلا بالرجوع إلى دين الإسلام من جديد، الرجوع الصحيح الذي تطبق به تعاليمه وتنفذ به أحكامه. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) وما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة. فيجب علينا معشر المسلمين الرجوع إلى الله بإصلاح أوضاعنا على وفق شرائع الإسلام، فلن يُصلِح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

وكل مسلم عليه من مسؤولية الإصلاح ما يقدر عليه، فعلى ولاة الأمور مسؤوليتهم وعلى كل فرد من أفراد الرعية مسؤوليته و " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فما لم تتضافر جهود المسلمين على الإصلاح ومنع المفسدين من الفساد. فلن يتم المطلوب. والمسلم أينما كان فهو على ثغر من ثغور الإسلام إذا تخلى عنه دخل منه العدو؛ فالحاكم على كرسي حكمه على ثغر من ثغور الإسلام فلا يجوز له أن يسمح للفساد أن يدخل مملكته. والوزير على ثغر من ثغور الإسلام فلا يجوز له أن يترك الفساد أن يتسرب إلى أجهزة وزارته.

ومدير المكتب أو المدرسة على ثغر من ثغور الإسلام فلا يسمح للفساد أن ينتشر في صفوف منسوبيه أو تلاميذه. والرجل في بيته، ومع أفراد عائلته على ثغر من ثغور الإسلام فلا يترك الفساد يدخل بيته، فالمسؤولية على جميع المسلمين أفراداً وجماعات. والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً. لكن متى تخلينا عن مسئوليتنا وألقينا باللائمة على غيرنا دب إلينا الفساد وتمكن منا الأعداء وحقت علينا العقوبة، وليس ببعيد منّا ما حل بالدول المجاورة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ).