البر
البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
الأمور التي يشرع للمسلمين الفرح بها هي القرآن والإسلام وانتصار الحق على الباطل وتغلب المسلمين على الكافرين لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وأما متاع الدنيا وحظوظها العاجلة فقد ذم الله الفرح بها.
الحمد لله رب العالمين على ما خصنا من جزيل الإنعام، ومن علينا به من دين الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته. وتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من صلى وصام، ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلم تسليماً على الدوام..
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وانظروا في عملكم واستعدوا لرحيلكم من هذه الدار إلى دار القرار، وأين سيكون نزولكم أفي الجنة أم النار، فحقيق بمن تحقق قرب رحيله، ولا يدري أين سيكون نزوله. أن يخاف غاية الخوف وأن يستعد بأحسن ما لديه من استعداد، وأن لا يغفل ولا يلهو، ولا يفرح بمال زائل ودنيا فانية، قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58] أمر الله سبحانه المؤمنين أن يفرحوا بفضله ورحمته وهما القرآن والإسلام. لأنهما أكبر نعمة على العباد.
فينبغي للمسلمين أن يستبشروا ويغبطوا بهما ويتلذذوا بهما. ولا شك أن من فرح بشيء تمسك به واحتفظ به وخاف من زواله، كما أن المؤمنين يفرحون بنصر الله لهم على أعدائهم. لأن بانتصار المؤمنين على الكافرين انتصاراً للحق على الباطل، قال تعالى: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ) [الروم:4-5] وقال تعالى: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ) [الصف:13].
وإنما هي لمجرد لهو ولعب وضياع للوقت كالفرح بانتصار المنتخب الرياضي الفلاني على المنتخب الآخر. ومنح الجوائز الكبيرة من المشجعين لهذه المنتخبات. بل من الرجال والنساء من يخرج إلى الشوارع لاستقبال اللاعبين، كما يحصل دائماً من التطبيل والفخفخة وضياع الأموال والأوقات. وإهدار الطاقات. لا لشيء إلا أن فريقنا انتصر على الفرق الأخرى، وبماذا انتصر؟!! انتصر بقذف الكرة إلى هدف معين، وما هي النتيجة والفائدة التي تعود على المسلمين في دينهم ودنياهم من وراء هذا العبث الذي عظم شأنه وهول أمره حتى صار كأنه شيء يذكر وهو لا شيء.
يا لسخافة العقول وضياع الحياء والرجولة!
إن الإنسان ليخجل أن يتحدث عن هذا، ولكنه أصبح واقعاً مريراً يتكرر ويتطور ويحاط بهالة من الإكبار والتبجيل والتشجيع في وسائل الإعلام، وفي أوساط المجتمع. وفي بعض الرؤساء. حتى آل الأمر ببعض الشباب المتهور إلى أن يقود سيارته في وسط الشارع بطيش وحمق من شدة الفرح حتى نتج عن ذلك وقوع حوادث ذهب بسببها أنفس بريئة، ونتج عنه إزعاج للمارة وغيرهم وتهديد لسلامتهم، وفي الحكمة المشهورة: "أن كل شيء تجاوز حده، سينقلب إلى ضده"
ونحن نخشى من العقوبة التي تترتب على هذا التهور. وإذا كان الإسلام لا يمنع من الرياضة البدنية المفيدة للجسم، فإن ذلك في حدود المعقول الذي لا يشغل عن واجب ديني أو عمل دنيوي نافع للفرد والمجتمع. وبشرط أن لا يصل إلى حد التهور والمبالغة. وإذا كان الكفار يبالغون في تشجيع هذه الألعاب فإنه لا يجوز لنا معشر المسلمين أن نقلدهم ونتشبه بهم، لأن ديننا يمنعنا من التشبه بهم، ولأن الكفار ليس لهم مستقبل أخروي يحافظون عليه ويستعدون له، لأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم ونسوا يوم الحساب: (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا) [الأنعام:29] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) [محمد:12] . وليس بعد الكفر ذنب. فلا يستغرب منهم الانشغال بهذه الترهات. أما المسلمون: فإن واجبهم في هذه الحياة واجب عظيم كما قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110] .
فليس في حياة المسلمين فراغ للهو، واللعب والعبث، ولكن حياتهم كلها جد في جد وعمل مثمر لدينهم ودنياهم لأنفسهم ولغيرهم، وكيف يكون عند المسلمين اليوم فراغ للهو واللعب وقد تكالب عليهم أعداؤهم من اليهود والشيوعيين والصليبيين وانتزعوا منهم بيت المقدس والمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله. وهو ثالث المساجد المقدسة التي تشد الرحال إليها للصلاة فيها، وهجموا على المسلمين في بلادهم في أفغانستان والعراق ولبنان، والحرب مستمرة بين المسلمين وبين الكفار في كل جهة.
وقد شرد الملايين من ديارهم وقتل الألوف من الرجال الذين فقدتهم عوائلهم فأصبحت أرامل وأيتاماً.
فهل يليق بالمسلمين مع هذا الواقع الأليم أن يضيعوا دقيقة من وقتهم أو درهماً من أموالهم إلا في الاستعداد للخروج من هذه المحنة. وأن لا ينشغلوا في هذه الترهات والتوافه المضحكة، إنني أخشى أن تكون هذه المشاغل الرياضية بتخطيط من الكفار لإشغال المسلمين عن واجبهم وعن التنبه لمخططات أعدائهم. وحتى ينشأ جيل من الشباب المسلم على هذا اللهو واللعب لا يستطيع الجهاد في سبيل الله وتحمل المسؤولية لأنه شباب لهو ولعب وميوعة.
ألم يتعظ المسلمون بهذه المجاعة التي ضربت كثيراً من أنحاء أفريقيا وصار يموت فيها المئات من الناس يومياً من الجوع، هل يليق بمن يسمع عن ذلك أو يشاهده أن يلهو ويلعب أو يشجع اللاعبين، أما يخشى أن يصيبه ما أصاب غيره.
فاتقوا الله عباد الله وتذكروا قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، كرم بني آدم وفضلهم على كثير من مخلوقاته بما منحهم من العقول وسخر له من منافع الكون تفضلاً منه وإحساناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين...
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى واحذروا عدوكم كما حذركم الله منه، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر:5] وقال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6] وقال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [يس:60] إن هذا الشيطان زين لأبيكم آدم المعصية ودعاه إليها حتى أوقعه فيها، وحصل عليه بسببها ما حصل من الامتهان، وما زال يزين لبني آدم ويغويهم، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف:27] إنه يزين لبني آدم التوافه والمضار ليصرفهم بها عن المنافع والحقائق، ويزين لهم الشرك والكفر والفسوق والعصيان، ليصرفهم عن العبادة وطاعة الرحمن، فهو دائماً مع بني آدم في محاولات. إذا أدرك منهم الشيء الحقير تدرج بهم إلى الشيء الكبير، وإن ما نراه في عالمنا اليوم من جري وراء هذه المباريات الرياضية التافهة ما هو إلا مثال واضح لتزيين الشيطان فهذه اللعبة أعطيت من الأهمية أكبر من حجمها. من حيث الاهتمام والتشجيع وإنفاق الأموال. وهي لعبة تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تعود بأي فائدة. لكنها أحدثت منافسات وحزازات بين الفرق ومشجعيها قد تؤدي أحياناً إلى المضاربة والمخاصمة، كما أحدثت انقسامات وعداوات بين المشجعين حتى ربما فرقت بين الإخوة والأقارب حينما يشجع كل واحد غير ما يشجعه الآخر من الفرق، وشغلت عما هو مفيد ونافع ولو صرفت هذه الجهود والأموال فيما ينفع المسلمين لكان أجدى.
ومن هنا يتبين لنا كيد الشيطان وما يريد من وراء تزيينه لهذه اللعبة التافهة التي يظنها كثير من الناس مجرد عمل رياضي. والواقع أن وراءها ما وراءها، فيجب على من خدعوا بذلك أن يراجعوا عقولهم. ويستعيدوا صوابهم. وينصرفوا إلى ما هو أنفع لدينهم ودنياهم، وينتبهوا لخداع أعدائهم ومكرهم بهم، فإن شأن المسلمين أرفع من أن ينساقوا وراء هذه التوافه الساقطة التي يروجها أعداؤهم، والله تعالى يقول: (وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139] فعلو المؤمنين على غيرهم إنما يتحقق بالإيمان.
فالإسلام يترفع بالمسلمين عن السفاسف والدنايا، ويعلو بهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال. ومن زعم أن في هذه المباريات ظهور سمعة المسلمين فقد أخطأ في زعمه فإن السمعة الطيبة للمسلمين لا تحصل إلا بتمسكهم بالإسلام، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمتى ابتغينا العز بغيره أذلنا الله".
فاتقوا الله واعلموا أن خير الحديث كتاب الله....
فالأمور التي يشرع للمسلمين الفرح بها هي القرآن والإسلام وانتصار الحق على الباطل وتغلب المسلمين على الكافرين لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وأما متاع الدنيا وحظوظها العاجلة فقد ذم الله الفرح بها.. ولهذا أمر الله بالفرح بفضله وبرحمته قال:(هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58] أي: أن فضل الله ورحمته المتمثلين في القرآن والإسلام خير للناس من حطام الدنيا الفاني الذي يتعبون أنفسهم بجمعه ويتحملون مسؤوليته، وإذا كان الأمر كذلك فاللائق بالمؤمن أن لا يفرح بالحياة الدنيا مهما تزينت وتزخرفت. وإنما تكون قرة عينه وبهجة نفسه بكتاب ربه وذكره وطاعته،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"
وقد ذم الله الفرح بالدنيا لأن ذلك دليل على التعلق بها والانشغال بها عن الآخرة. فقال تعالى: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ) [الرعد:26] أي أن الكفار فرحوا بما أوتوا من الحياة الدنيا استدراجاً لهم. ولم يعلموا أنها متاع مؤقت سيزول عنهم عما قليل. كما ذكر الله عن قوم قارون أنهم نصحوه عن الفرح بذلك فقالوا له: (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص:76] ، وقال تعالى عن الإنسان: (لَفَرِحٌ فَخُورٌ) [هود:10] وقال تعالى: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) [الحديد:23] وقال تعالى عن الكفار إنهم حينما يدخلون النار ويقاسون شدة عذابها يقال لهم: (ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) [غافر:75] والآيات في هذا المعنى كثيرة تذم الفرح بالدنيا ومتاعها، لأن ذلك يحمل على الأشر والبطر ويشغل عن العمل للدار الآخرة، وإذا كان الفرح بالحظوظ الدنيوية مذموماً مع ما فيها من بعض المصالح والمنافع العاجلة. فكيف بالفرح بالأشياء التافهة التي لا فائدة فيها ولا خير فيها.