الشهيد
كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...
العربية
المؤلف | سليمان بن حمد العودة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
وأقول كما قال مَنْ قبلي: أيها الشباب، إنَّ الشهواتِ والعواطف، وحبَّ الراحة، وإيثار اللذات، هو الذي يُسقط الهِمَم، ويُفتِّر العزائم، فكم من فتيان يتساوون في نباهة الذهن، وذكاء العقل، وقوة البصيرة، ولكن قويَّ الإرادة فيهم، وعالي الهمة منهم، ونافذ العزيمة فيهم، هو الكاسب المتفوق، يجد ما لا يجدون، ويبلغ من المحامد والمراتب ما لا يبلغون، بل إن بعض الشباب قد يكون أقلَّ إمكانيات، وأضعف وسائل، ولكنه يفوق غيره بقوة الإرادة، وعلوِّ الهمة، والإصرار على الإقدام.اهـ.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فأما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].
أيها المسلمون: ابتدأت امتحانات الطلبة والطالبات وانتهت أو كادت، وللحديث على أبواب الإجازة أهمية ووقفة، بل وقفات، يسأل فيها عن الأوقات كيف تقضى، وعن الطاقات كيف تُحفظ وتستثمر، وعن الأموال كيف وأين تنفق؟ وكأني بأسئلة تدور في أذهان الكثيرين: أين ستقضى الإجازة؟ وبم يستثمر الوقت؟ وما الهدف من الرحلة والنزهة؟ وما حجم النفقة المبذولة؟ وما هي الفوائد المرجوّة والمخاطر المتوقعة من الرحلة هنا أو هنا؟.
وأبادر الإجابة قبل اكتمال الأسئلة الكثيرة فأقول: لا بد أن يتذكر المسلم -بادئ ذي بدء- مسؤوليته أمام الله عن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه، وعن علمه ما عمل به، كذلك صح الخبر عن الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-.
ولا بد من التذكير بأن المال والسؤدد، والصحة والولد نعمة ومسؤولية، فمَن رعاها حقَّ رعايتها أفلح وأنجح، ومن أهملها وتخوّض فيها بغير علم وحق، ونسي حقَّ الله فيها خاب وخسر، ونسيه الله يوم يلقاه، والجزاء من جنس العمل.
قال -عليه الصلاة والسلام-: "يُؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول له (ربُّه) ألم أجعل لك سمعاً وبصراً، ومالاً وولداً؟ سخرت لك الأنعام والحرث؟ وتركتك ترأس وتربع؟ فكنت تظنُّ أنك ملاقيَّ يومك هذا؟ فيقول: لا، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني" أخرجه الترمذي، وبنحوه عند مسلم.
يا صاحب الشأن توقف إن كنت عازماً على شيء يغضب ربَّك، ويا صاحب الأسرة رُوَيْدَكَ! وسائلْ نفسك: ماذا قدمت لأسرتك من أساليب التربية للخير، وطرق الوقاية من الشر؟ وليس يخفاك أنك تعيش في عالم تتضارب أمواجه، وكلٌّ يقدم إليك بضاعته، ومن قديم الزمان يوجد في البضائع ما يشترى بأغلى الأثمان، ومنها ما فيه حتف الإنسان وهلكته ولو عُرض بأبخس الأثمان.
أيها الآباء والمربون: دوركم كبير، ومسؤوليتكم عظيمة مع الأبناء، ولئن كانت المدرسة -حين الدراسة- تشارككم مسؤولية التربية، فها أنتم في الإجازة تنفردون وحدكم في مسؤولية أبنائكم، فما أنتم صانعون؟ أيظل الوضع كما كان، وتسير الأمور من حسن إلى أحسن، ولا يشعر الطالب بفارق التربية بين المنزل والمدرسة، وتظل أوقاته بما ينفع مستثمرة، وسلوكياته منضبطة؟.
أترونه ينكشف الإهمال، ويبدو ضعف المتابعة، وتبدو على الشباب سلوكيات منحرفة، واجتماعات غير معلومة، وسهرات صاخبة، وينكشف لك أن جزءاً كبيراً من استقامة ابنك وصلاحه يعود الفضل فيه -بعد الله- إلى مدير مدرسة حليم حازم، ومعلم فهم دوره ومارسه في التربية والتوجيه، ومرشدٍ زاول الإرشاد بكلِّ أمانة وإخلاص فتعرف على مشكلات الطلاب الاجتماعية والخلقية واقترح لها من الحلول ما ظهرت آثاره على الطالب خُلُقاً حميداً، ومستوى دراسياًّ متفرقاً؟.
أيتها الأمهات: أنتن شريكٌ مهمٌ في التربية، وقد يخفى على الآباء ما يكشفه الأبناء والبنات لكُنَّ، فقدِّرْن مسؤوليتكنَّ، وكنَّ عوناً للآباء في مسؤولياتهم، ولا شَكَّ أن دوركن مع البنات أكبر، وأنتن بهنَّ من الآباء ألصق، ولأمورِهنَّ الخاصة أدرى وأعرف، فعلموهن ما يجهلن، وهيئوهن للحياة الأسرية القادمة، ورحم الله امرأة أخرجت بنتها للحياة الزوجية بأبهى حُلَّة، وأكبر تجربة، وأكرم تربية، لا تُعاب في عملها، ولا مطعن عليها في دينها وخلقها، ولا ينفر الآخرون من سوء أدبها وتعاملها.
وإذا خُشي على الأبناء من صاحب السوء، ونافخ الكير، ومجموعة الشلل الضائعة، ورؤية المشاهد المحرمة –كانت الخشية على الفتيات من الأفكار المعلبة المصدرة، والصور الخليعة الفاضحة، والمكالمة الهاتفية المثيرة، والصوت الغنائي الماجن، وهواجس النفس المتخيلة، والخروج للأسواق بلا حاجة، إلى غير ذلك من أمور قد تزيد فيها الفتاة على الفتيان؛ نظراً لكثرة الفراغ عندها.
عباد الله: قد اعتاد بعضُ الناس على السفر في الإجازة لصلة قريب، أو زيارة صديق، أو زيارة الرحاب الطاهرة، وأداء مناسك العمرة، أو للمتعة البريئة والراحة، وتجديد طاقة النفس بعد كلالها، والسير في مناكب الأرض، والتفكير في مخلوقات الله فيها، وكل ذلك مشروع ومرغوب.
ولكن الذين عليهم أن يفكروا قبل أن يسافروا، أولئك الذين اعتادوا السفر للخارج وما فيه من مخاطر ومأثم، وابتزاز للأموال، وخدش للحياء والدين، أولئك الذين لا يتورعون عن الذهاب لأماكن الخنا، ولا يلتزمون آداب الإسلام وحدوده حين الغربة والخفا، لقد حبانا الله في هذه البلاد المباركة نعماً لا تعد ولا تحصى، وقيماً ومآثر نفاخر بها حتى نبلغ الجوزاء، فالحرمان الشريفان لا يستكثر لهما زيارة، ولهما وللمسجد الأقصى -حرره الله من أوغاد اليهود- تشدُّ الرحال.
وفي بلادنا يتوفر السهلُ والجبل، والبرُّ والبحر، والمناطق الباردة صيفاً، والدافئة شتاء؛ أفنزهد في ذلك كلِّه، وتستهوينا الدعايات المضللة للسفر للخارج؟.
أيها المسلمون: ثمة ما يستحق التنبيه ويستوجب الحذر إذ تصدر بعض المؤسسات الأجنبية مستندات تندرج تحت بادرة النصب والاحتيال، مثل ما يُسمى بمسابقات لعبة الدولار الصاروخي التي تجريها بعضُ الشركات والمؤسسات وتشتمل على أكل أموال الناس بالباطل والتغرير بهم.
لذا فإنني أحذر كلَّ مسلم من هذه المستندات المشبوهة، وأوصيه بالابتعاد عن المعاملات المحرمة وما شابهها، فإنها من أعظم كبائر الذنوب، لما تشتمل عليه من ربا الفضل وربا النسيئة، وكلاهما مُحَرَّمٌ بإجماع المسلمين، وفي كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من تحريم الربا والميسر والقمار ما هو حاضرٌ ومعلوم للعامة والخاصة.
يا أخا الإسلام: حريٌّ بك أن تحفظ نفسك ومن تحت رعايتك من الحرام، وأن ترعى الأمانة التي تحملتها، واسمع هدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ولْيَكُنْ منك دائماً على البال، فقد أخرج الإمام أحمد وغيره بأسانيد حسنة عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ الأمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة" رواه الترمذي وصححه الألباني.
كن طيباً -أيها المسلم- في حديثك ومطعمك، وفي صدورك وورودك وفي شأنك كلِّه، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ويوم القيامة تكون حسن العاقبة للطيبين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل:32].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله بكل حال والمعبود على الدوام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تفرد بكل كمال، وتفضل على عباده بجزيل النوال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بكريم الصفات وجميل الخصال، اللهم صل وسلم على سائر المبعوثين قبله، التابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد.
أيها المسلمون: أعودُ إلى الشباب، ثروة الأمة المنتظر، عنصر حركتها، ومصدر طاقتها، ودليل حيويتها، وسبب نهضتها، أعود إليهم مذكراً -وهم على أبواب الإجازة- بقيمة الوقت، وعلو الهمة، وأقول كما قال مَنْ قبلي: أيها الشباب، إن الشهوات والعواطف، وحبَّ الراحة، وإيثار اللذات، هو الذي يسقط الهِمَم، ويُفتِّر العزائم، فكم من فتيان يتساوون في نباهة الذهن، وذكاء العقل، وقوة البصيرة، ولكن قويَّ الإرادة فيهم، وعالي الهمة منهم، ونافذ العزيمة فيهم، هو الكاسب المتفوق، يجد ما لا يجدون، ويبلغ من المحامد والمراتب ما لا يبلغون، بل إن بعض الشباب قد يكون أقلَّ إمكانيات، وأضعف وسائل، ولكنه يفوق غيره بقوة الإرادة، وعلوِّ الهمة، والإصرار على الإقدام.اهـ.
إن من المؤسف حقًّا أن يعيش شباب في عمر الزهور، واكتمال القُوى، لا يُبالون في إضاعة أوقاتهم سُدى، بل إنهم يسطون على أوقات الآخرين ليقطعوها باللهو الباطل، والشؤون الساقطة، والأمور المحتقرة.
يجب أن يُنقذ شباب الأمة من هذا الذهول المهلِك، والغفلة عن الغد، واستغراق مميت في الحاضر، ومن الغفلة والحرمان، وسبيل فناء الأمم أن يألف شباب أصحاء النوم حتى الضُحى، تطلع عليهم الشمس وتتوسط كبد السماء وهم يغطُّون في نوم عميق، قد بال الشيطان في آذانهم، وإذا قام أحدهم فإذا هو ثقيل النفس، خبيث النفس، هزيل القوى، كسلان، على حين تطلع الشمس على قوم آخرين من غير أهل الإسلام وهم منهمكون في وسائل معاشهم، وتدبير شؤونهم، وسنن الله تأبى إلا أن يُعطى كلُّ امرئ حسب استعداده وعمله وجدِّه، والسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة.
أيها الشاب: لا يستوي منكم من حفظ وقته، واستفاد من سني عمر، وقدَّر الشباب حقَّ قدره، فجدَّ واجتهد وسارع للعلياء بهمة ودأب، ومن فرّط وسوّف وظن أن المستقبل سيكون أكثر فراغاً من الحاضر، فما هذا إلا وهمٌ وسراب، والواقع يشهد أنه كلما كبُرت سِنُّ المرء كثُرت مسؤولياته وضاقت أوقاته، وضعفت طاقاته، فالوقت في الكِبَر أضيق، والجسم فيه أضعف، والصحة هزيلة، والنشاط كليل. فبادروا ساعتكم، واستثمروا شبابكم، ولا تهدروا طاقتكم، وإياكم والتعلقَ بالغائب المجهول! وما التسويف إلا تفويتٌ للحق، وخسرانٌ لليوم، وتضييع للغد.
معاشر الشباب: لن يُحسَّ بالفراغ، أو يشعر بطول الوقت وثُقل الأيام من كان على وقته حريصاً، ولآخرته ساعياً، وفي دنياه عاملاً، ولقد كان السلف الصالحون يمقتون المرء لا هو في عمل للآخرة ولا شغل للدنيا.
ألا وإن الأعمال التي يمكن أن يستثمر الشابُّ فيها وقته على الدوام -وفي أيام الإجازة خصوصاً- كثيرة متنوعة، وأذكِّر بشيء منها على سبيل التنبيه لا الحصر.
فكتابُ الله خير ما قضيت به الأوقات، واستنفدت له الأعمار حفظاً، ومراجعة، وتدبراً، ومن التحدث بنعم الله أن فئات من الشباب الصالح هذا شأنهم، والأمل في الله كبير أن يلحق بهم غيرهم، بل تجاوزت همم بعض الشباب إلى حفظ متون السنة، وكثرة القراءة في كتب العلم، دون أن يقعدهم ذلك عن معرفة واقعهم، والمتابعة لأحوال أمتهم، وما أجمل الشباب يعيدون للأمة سالف مجدها، ويحيون تراثها، ويجددون ما اندثر من كنوز العلم وجمهور العلماء السابقين في تاريخها، ويُسرون لأفراح أمتهم ويشاركونها أحزانها دون أن يداخلهم شيءٌ من الغرور والكبرياء، أو يصدروا أحكاماً أو يتصدروا للفتيا، وهم بعدُ في رحلة الطلب، ولهم في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة، وقد كانوا يتدافعون الفتيا، وهم مَنْ هُمْ علماً وعملاً.
أيها المسلمون: إذا كان لجماعات تحفيظ القرآن الكريم دورٌ يذكر فيشكر، وحلقهم تملأ المساجد والمدن والقرى، وتفتح أبوابها للراغبين، وتنفق على المعلمين والمتعلمين فلجمعيات البر الخيرية، وللمعاهد الفنية دورها في افتتاح الدورات المتخصصة، وإسعاف الشباب بالمهارات المختلفة، فضلاً عن مناشطها الثقافية، وخدماتها المختلفة.
وترعى وزارة المعارف -مشكورة- المناشط اللامنهجية طوال العام، وتُعنى بالمراكز الصيفية في الإجازات الصيفية ومنتصف العام، وهي مراكز تُعنى بحفظ أوقات الشباب ورعاية مواهبهم واستثمار طاقاتهم إذا توفر لها العاملون الأمناء، والمشرفون الأكفاء، وتفتح النوادي الأدبية أبوابها للشباب يقرؤون ويقترحون، وفي المسابقات الثقافية والأدبية يتنافسون، وهم على كلِّ عمل خير مشكورون، وكم هي لفتة طيبة حين تُعنى مكاتب الخدمة المدنية، أو شركات القطاع الخاص، بتوفير فرصٍ وظيفية للشباب في الإجازات يقضون بها فراغهم، ويسدون بها حاجاتهم!.
أيها الشباب: ثمة فرصة يزهد بها البعض منكم رغم أهميتها: إنها الجلوس بعض الوقت مع الشيوخ المجربين، والاستماع إلى أحاديثهم، والاستفادة من خبراتهم، لقد قيل: إن الشيوخ أشجار الوقار، ومناجع الأخبار، لا يطيش لهم سهمٌ، ولا يسقط لهم وهمٌ، إذا رأوك في قبيحٍ صدُّوك، وإن أبصروك على جميلٍ أيدوك وأمدوك، كما قيل: عليكم بآراء الشيوخ فإنهم إن فقدوا ذكاء الطبع فقد مرّت على عيونهم وجوه العِبَر، ووردت على أسماعهم آثار الغير، ومن طال عمره نقصت قوة بدنه، وزادت قوة عقله، والأيام لا تدع جاهلاً إلا أدبته، وكفى لأولي الألباب ما جربوا.
أيها الشباب: استفيدوا من تجارب من سبقكم، وأضيفوا إلى رصيد معارفكم خبرات ومعارف من سبقكم، بِرّوا بوالديكم، وإياكم أن تنظروا إليهم على أنكم عالمون وهم جاهلون! وقدموا طاعتهم على طاعة غيرهم بالمعروف، وعاملوهم بالرأفة والإحسان، فذلك هدي القرآن وطريق الجنان، وصِلوا أرحامكم، وقدموا لهم الخير، فهم أولى من غيرهم بالدعوة والإحسان، وكونوا عناصر خير في مجتمعكم، ورجالاً أوفياء لأمتكم، ومصابيح دجى تضيئون حيث تكونون، وتُفتقدون حين تغيبون، ولا تملُّ منكم أو يضيق بتصرفاتكم الأقربون والأبعدون، وإياكم والاغترار بالفكر الدخيل، أو التلبيس بشيء من جنوح الفكر! وبعد هذا فلا يرجفن بكم المرجفون، ولا يستخفنكم الذين لا يوقنون.
سددكم الله، وألهمكم رشدكم، وجعلكم قرة عين لوالديكم، وثبتكم على الحقِّ، ونفع بكم، وصدق الله وهو أصدق القائلين: (إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) [فاطر:18].
اللهم اهدنا وثبتنا شيوخاً وشباباً، ذكراناً وإناثاً. اللهم ادفع عنا وعن مجتمعنا وأمتنا كلَّ فتنة ومكروه...