الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | سليمان بن حمد العودة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
حديث اليوم عن البيوت الوهمية لبعض الناس، وعن العزلة عن الأهل والعشيرة، إنه حديث عن الجلسات المطوّلة في الأحواش، وتحذيرٌ عن طول المكوث والسهر بلا فائدة في الاستراحات. إنها ظاهرة تستحِقُّ الوقفة والعلاج حين يُسرف فيها المسرفون، وتكون سلوكاً مستديماً يحجب الزوج عن أهله وأولاده، أو يغيبُ فيها الابن طويلاً عن بيته وأبويه وإخوانه، أو تشلُّ الموظف عن إتمام عمله، أو تعيقُ المعلم عن الوفاء بمتطلبات وظيفته، أو تقطع المتسبب عن البحث عن مواطن رزقه ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارضَ اللهم عن آله المؤمنين، وصحابته الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فأما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين، ومَن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً، ومن يتق الله يُكفر عنه سيئاته ويُعْظِم له أجراً.
عباد الله: يظن بعض الناس ظنًّا خاطئاً أن الحياة الدنيا لهوٌ ولعب وزينة وتفاخر وتكاثر في المال والولد لا أكثر، ولئن جاء وصفها كذلك في كتاب الله فإنما جاء ذلك توهيناً لأمرها وبياناً لحقارتها؛ ولكنها ليست كذلك بالنسبة للمسلم، والذي يراها مزرعةً للآخرة، ويعلمُ علمَ اليقين أن عاقبتها إما إلى مغفرة ورضوان، أو عذاب شديدٍ ونيران: (وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد:20].
وحين يُخيَّل لآخَرين أن الحياة طيشٌ وعبث، وضياع للأوقات، وانتهاكٌ للمحرمات، وزهدٌ في العبادات والطاعات؛ يراها آخَرون ميداناً للتنافس في الطاعات، وسُلَّماً للجنان وأعالي الدرجات؛ يراها العالِمون للعبودية الحقة لربِّ العالمين، وقد جاءهم من ربهم اليقين، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أي: إلا ليُقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً، وهذا اختيارُ ابن جرير رحمه الله.
كما ورد في بعض الكتب الإلهية، يقول الله تعالى: ابن آدم خلقتُك لعبادتي فلا تلعب، وتكفَّلتُ برزقك فلا تتعب، فاطلبني تجدني، فإنْ وجدتني وجدت كلَّ شيء، وإن فتك فاتك كلُّ شيء، وأنا أحب إليك من كلِّ شيء. اهـ.
أيها المسلمون: يتسعُ مفهوم العبادة في الإسلام ليشمل أمور الدنيا والآخرة، ويدخل فيها مع حسن القصد والنية رعاية الأهل والولد، والبحث عن الأسباب المشروعة للرزق، وفي شريعة الإسلام يُسأل العبدُ عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه. حديث حسن رواه الترمذي، صحيح الجامع.
وليس للمسلم أن يُطلق لعينيه النظر كيف يشاء، ولا لأذنيه السمع كيفما اتفق، فكل أولئك كان عنه مسؤولاً.
عباد الله: نُذكر بهذا تنبيهاً وتحذيراً من ظاهرة بدأت تسري في المجتمع، وانساق لها عددٌ من الشباب والرجال، تُهلك بها الأوقات، وتضيع فيها الحقوق والواجبات، ويغيب فيها القيِّمون على الأهل والأبناء والبنات.
حديث اليوم عن البيوت الوهمية لبعض الناس، وعن العزلة عن الأهل والعشيرة، إنه حديث عن الجلسات المطوّلة في الأحواش، وتحذيرٌ عن طول المكوث والسهر بلا فائدة في الاستراحات.
إنها ظاهرة تستحِقُّ الوقفة والعلاج حين يُسرف فيها المسرفون، وتكون سلوكاً مستديماً يحجب الزوج عن أهله وأولاده، أو يغيبُ فيها الابن طويلاً عن بيته وأبويه وإخوانه، أو تشلُّ الموظف عن إتمام عمله، أو تعيقُ المعلم عن الوفاء بمتطلبات وظيفته، أو تقطع المتسبب عن البحث عن مواطن رزقه، أو تكون -على الأقل- مادةً للاجتماع على أمورٍ محرمة.
إن الحديث موجهٌ لأولئك الذين يقضون معظم أوقاتهم في هذه الاستراحات وبشكل مستديم دونما فائدة، ولا يعني الحديث أولئك الذين ربما خرجوا للاستجمام والنزهة أحياناً، أو مصطحبين معهم أهليهم وأولادهم لماماً وفي مناسبات معينة.
أيها المسلمون: كم ضاعت أسرٌ حين غاب عنها القيِّمون! وما ظنكم ببيت يغيب عنه الولي شطراً من النهارِ وزُلَفاً من الليل وإلى ساعاتٍ متأخرة في الليل؟ أين القوامة؟ وأين الشعور بالمسؤولية؟ وهل يظن أولئك المفرطون أن البيوت مشتملة على قطعانٍ من المواشي والأنعام، ليس لها إلا أن يُوفر لها الماء والمرعى؟.
كلا؛ فالمسؤولية عظيمة ودور الرجل في البيت لا يُعوض، وكيف يطيب طول المكوث والأُنس بعيداً عن الأهل والوالد والولد؟ ولو قُدر عليهم حادث لضاقت بهم المهاجر، هل ترضى أيها العاقلُ الحرُّ الكريم أن يقضي الناس حوائج أهلك وأنت في سهر ولهو ولعب؟ وأسوأ من هذا لو وقع انحراف في بيتك -لا قدر الله- نظراً لطول غيبتك وضعفِ رقابتك؛ فهل ترى غيرك مسؤولاً أمام الله عنها؟.
إننا كثيراً ما نتحدث عن فساد الزمان وضياع الشباب، وانحراف الفتيات، ونجيد في إلقاء اللوم على غيرنا، وننسى أننا نُسهم أحياناً في هذا الفساد والضياع بضعف أدوارنا في بيوتنا وبين أبنائنا وأهلينا وعشيرتنا، وهل يستطيع العدو أن يخترق البيوت المحصَّنة؟.
عباد الله: المسلمُ مسؤولٌ أمام الله عن ضياع الأوقات بلا فائدة، فليس الوقت عبئاً ثقيلاً يلقيه المرءُ عن كاهله كيفما اتفق؛ بل هو في حسِّ المسلم مزرعةٌ للآخرة، وطريق موصل إلى الجنة أو النار، ويرحم الله أقواماً كانوا -ولا زالوا- يشحُّون بأوقاتهم أكثر من شحِّ أحدنا بماله، فلا يضيعونها بدون فائدة.
وكيف يطيب لك يا أخا الإسلام أن تضيع زهرة شبابك أو دهراً من عمرك فيما لا يعود بالأثر الحميد عليك وعلى مجتمعك وأمتك؟ وإذا لم تستطع أن تسهم في حلِّ مشكلات إخوانك المسلمين؛ فلا تكن على الأقل يداً شلَّاء تُعيق المجتمع عن النهوض وبلوغ المبتغى من أمور الدين والدنيا.
وهل بلغ بك تبلُّدُ الإحساس وعدم الشعور بالمسؤولية إلى درجةٍ استطاع الأعداءُ فيها أن يشغلوك بسفاسف الأمور عن أوضاع أمتك؟.
إخوة الإسلام: إنني أربأ بكم عن ضياع أوقاتكم سدى، سواء في هذه البيوت الوهمية أو في بيوتكم الحقيقية، لكنني سائلكم عن رأيكم في هذا الموظف الذي أمضى سحابة ليلة ساهراً؛ أترونه يأتي لعمله مبكراً؟ وإن كان؛ فما نوع المعاملة التي سيتعامل بها مع مراجعيه؟ إنها مزيجٌ من مدافعةِ السهر والإعياء، يرافقها ضيقٌ في النفس وتقصيرٌ في الأداء، وتعطيل لمصالح الناس، وانشغال الفكر بأحاديث الصحبة وبرامج السهرة.
وما ظنكم بالمعلم الذي اتخذ له من هذه البيوت الوهمية سكناً؟ أترونه يأتي للدرس مُحضِّراً، وللطلبة موجهاً مربياً، أم ترونه كسولاً مهملاً، يتوارى من القوم من سوء ما صنع، يضيق ذرعاً بالطالب النجيب يسأله، وبالحائر المتردد يتطلع إلى توجيهه، وضيقُه أشد مع المسؤول حين يكلفه بنوع من النشاط يسهمُ في تربية الجيل ويوسع مداركه ويعمق وعيه بقضايا أمته، والواجبات التي تنتظره.
أيها المسلمون: ثمة ملحظ اقتصادي يخطئ فيها البعض منا وهو لا يشعر، وكم رأيت شاباً صعلوكاً لا يملك منزلاً يأوي به نفسه ويستر به أولاده؛ ولكنك تراه ينفق في الاستراحة كلَّ ما جمع، ويظل يكدُّ ويكدحُ وتستوعب الاستراحة كلَّ ما جمع، وتنتهي مهمة هذه الاستراحةِ عند اجتماع الخلِّ والأصحاب بها، والسهر واللعب داخل أسوارها، ويبقى الأهلُ والولد في مكانٍ ضيق، والمسكين يدفع الأجرة لمن أجر، وهكذا يُصرف المالُ دون مواربة، ولا غرو أن يضيع المالُ إذا ضاعت الأوقات، وماتت الهمم. وما لجرح بميت إيلام!.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً) [الفرقان:72-75].
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وفَّق من شاء لطاعته باغتنام الأوقات والمسارعة للخيرات، أحمده تعالى وأشكره وهو أهلٌ للحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
إخوة الإسلام: إذا كان التحذيرُ عن مجرد إضاعةِ الأوقات والتقصير في أداء الواجبات في هذه الأحواش والاستراحات، فالأمرُ أعظم وأخطر حين يصاحبها المنكرات، ويكون الاجتماع على المحرمات من سماعٍ للغنى، أو مشاهدة لأفلام العُهر والخنا، أو شرب ما حرم الله، أو مقارفة للفساد بأي لون من ألوان الفساد، وإن لم يكن هذا ولا ذاك لم تسلم هذه الاجتماعات المطوَّلة من غيبة أو نميمة تُنتهك بها الأعراض، وتحمل على الظهور الأوزار.
وكم هو عزيزٌ أن يكون القرآن وسنةُ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- والقراءة في كتب السلف وسير الصالحين، مادةً لهذه الاجتماعات وغيرها، فتحف بالمكان الملائكة وتغشى المجتمعين السكينة، وبذكرهم لله يذكرهم في الملأ عنده! وكم هو عظيمٌ أن تكون اجتماعاتنا تعاونا على البرِّ والتقوى كما أمر بذلك ربُّنا، لا تعاوناً على الإثم والعدوان وهو محذورٌ في ديننا.
عباد الله: ما أتعس حياة الساهرين إذا كان السهر سبيلاً لقطعهم عن شهود الصلاة مع المسلمين! وهل ترضى يا أخا الإسلام أن تحشر نفسك في زمرة المنافقين، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً".
وما أنكد حياة الخِلاَّن إذا كانت على الفسق والفجور! ومثلك خبيرٌ بلعن بعضهم بعضاً، وهذا جزاء مقدم في الدنيا، أما في الأخرى فتذكر جيداً قول ربِّنا: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67].
يا أخا الإيمان: إني مذكرك ونفسي برقابة الله إن كنت ممن يستترون بهذه البيوت الوهمية أو غيرها عن أعين الخلق ليمارسوا ما شاءوا من الفواحش والآثام بعيداً عن الرقيب في ظنِّهم، ورقابة الله فوق كلِّ رقابة، وهو الذي يعلم السرَّ وأخفى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة:7].
إذا ما خلوتَ الدهرَ يوماً فلا تقل | خلوتُ ولكنْ قُلْ عَلَيَّ رقيبُ |
يا أخا الإيمان: أتُراك بعد هذا محتاجاً للفتوى في حكم الانعزال بهذه الاستراحات التي تزاول فيها المنكرات؟ استفت قلبك، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس، وإن أصررت على سماع الفتوى فهاك السؤال مقروناً بالإجابة الشافية من فضيلة الشيخ محمد العثيمين -حفظه الله-.
وقد سئل: فضيلة الشيخ الوالد: محمد بن صالح العثيمين -وفقه الله-: كثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الجلوس في الأحواش والاستراحات والسهر بها لأوقات طويلة، ويكون بعض هذه الاجتماعات على أمورٍ مفسدة، كالاجتماع على الدخان والشيشة ورؤية السيء في القنوات الفضائية عبر جهاز الاستقبال (الدِّش)، فما حكم ذلك؟ وإذا كان يغلب على ظن صاحب الملكِ (المؤجِّر) أن استخدام حوشِه أو استراحته سيكون لهذه الأغراض السابق ذكرُها أو أن تكون وسيلةً لتجمعات بعض المراهقين فيها، فهل يجوز له تأجيرُها؟ نرجو من فضيلتكم الإجابة والتوجيه مشكورين.
فأجاب فضيلته، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
أولاً: ننصح إخواننا المسلمين عن طول السهر فيما ليس مصلحة دينية أو دنيوية، سواء في هذه الاستراحات أو في بيوتهم، لأن من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، ولأن طول السهر يفضي إلى النوم عن قيام الليل لمن كان له حظٌّ من قيام الليل، ويفضي إلى ثقل صلاة الفجر، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا".
ولأن طول السهر في الليل يُفضي إلى أن ينامَ الإنسان في النهار طويلاً، ويقابل كدحه وعمله بفتور، ومن المعلوم عند جميع الناس أن نوم الليل أصحُّ وأقومُ للبدن، لأن الليل محل السكون والنهار وقت المعاش، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً) [يونس:67]، وقال تعالى: (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص:73]، وقال: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً) [النبأ:10-11].
ثانياً: الاجتماع على أمور مُفسدة كالاجتماع على الدخان والشيشة وما يسمع من الأغاني الماجنة، أو يشاهد من المرئيات السافلة التي تثير كوامن الشهوات وتدعو إلى الفتنة والمنكرات اجتماع محرمٌ، سواء كان في الأحواش والاستراحات أو البيوت.
وتأجير الأحواش والاستراحات على من يُظن منه الجلوس فيها على هذه المنكرات تأجيرٌ محرَّم، وأخذ الأجرةِ على ذلك حرام، لأنه أجرة على محرم، وأجرةُ المحرم حرامٌ وإعانة على الإثم والعدوان، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2].
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى، المتناهين عن الإثم والعدوان، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. كتبه محمد الصالح العثيمين في 10/6/1417هـ.
يا أخا الإسلام: إياك أن يتلاعب بك الشيطان فتقول: أنا لا أجتمع وأسهر في هذه البيوت الوهمية، إذ أوفر جهاز الدش في بيتي وأتحكم فيما يُبث فيه بنفسي، وتلك مخادعة للنفس، ونقلٌ للمصيبة في البيت، وغشٌّ للرعية التي استرعاك الله إياها من النساء والذرية، وهاك الفتوى الأخرى صريحةً وموقظةً لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد، وذلك في سياق حديث الشيخ (محمد) عن الدشوش وحكمها.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: هذا مقطع من خطبة فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين، في التحذير من البث المباشر (الدش) وذلك في الخطبة الثانية من يوم الجمعة 25/3/1417هـ:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" حديث صحيح، وهذه الرعاية تشمل الرعاية الكبرى الواسعة والرعاية الصغرى، وتشمل رعاية الرجل في أهله لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته".
وعلى هذا؛ فمَن مات وقد خلّف في بيته شيئاً من صحون الاستقبال (الدشوش) فإنه قد مات وهو غاش لرعيته وسوف يُحرم من الجنة كما جاء في الحديث؛ ولهذا نقول: إن أي معصية تترتب على هذا (الدش) الذي ركّبه الإنسان قبل موته، فإن عليه وزرها بعد موته وإن طال الزمن وكثُرت المعاصي.
فاحذر -أخي المسلم- احذر أن تُخلّف بعدك ما يكون إثماً عليك في قبرك، وما كان عندك من هذه (الدشوش) فإن الواجب عليك أن تُكسِّره (تحطمه)؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا على وجه محرم غالباً، لا يمكن بيعه لأنك إذا بعته سلّطت المشتري على استعماله في معصية الله، وحينئذ تكون ممن أعان على الإثم والعدوان، وكذلك إن وهبته فأنت معين على الإثم والعدوان.
ولا طريق للتوبة من ذلك قبل الموت إلا بتكسير هذه الآلة (الدش) التي حصل فيها من الشر والبلاء ما هو معلوم اليوم للعام والخاص، احذر يا أخي أن يفجأك الموت وفي بيتك هذه الآلة الخبيثة، احذر احذر احذر! فإن إثمها ستبوء به وسوف يجري عليك بعد موتك. نسأل الله السلامة والعافية. وأن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم، وأن يتولانا بعنايته، وأن يحفظنا من الزلل برعايته، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين. اهـ.
أيها الآباء، أيها الأولياء الفضلاء: إني أُجلُّكم عن ضياع أوقاتكم في هذه البيوت الوهمية، وأترفع بكل عاقلٍ عن إضاعة الدين والدنيا في هذه الأحواش والاستراحات، ولكني أنبهكم ناصحاً مُشفقاً على أبناءكم وإخوانكم الشباب، فهل تأملتم في غيابهم حين يغيبون؟ وهل تعرفتم على أصدقائهم حين يروحون ويجيئون؟.
إننا نخشى أن تكون بعض هذه الاستراحات والأحواش مصيدة للشباب، بها يَفسدون ويُفسدون، ومن خلالها يبدأ خط الانحراف الخُلقي في غيابٍ من الموجِّه والرقيب، فتنبهوا -رحمكم الله- لمكمن الخطر، وصلوهم بالرفقة الصالحة التي تعينكم على تربيتهم، ورغبوهم في حلق التحفيظ، ومجالس العلماء، شاركوا رجالات الأمن والحسبة مسؤوليتهم في الرقابة وكشف أوكار الفساد أنَّى كانت وفي هذه الاستراحات أو غيرها، فالأمرُ جدُّ خطير، والمسؤولية عظيمة، وقد سمعتم أثر التهاون بها.
وبعدُ -إخوة الإيمان- فهذا نداءٌ أخوي أوجِّهه للمبتلين بالجلوس طويلاً في هذه الاستراحات، أذكرهم فيه برقابة الله أولاً فيما يعملون أو يدعون، وأذكرهم -إن كانوا متزوجين- بشكاوى نسائهم، وحنين أطفالهم، وحاجة أبنائهم وبناتهم إلى توجيههم حين يمسون وحين يصبحون.
وإن كانوا شباباً عزباً فبالبرِّ بوالديهم، وحفظ أوقاتهم، والاستعداد لمستقبل حياتهم؛ أنصح الجميع بعدم الإسراف في المكوث في هذه البيوت الوهمية، والعودة إلى بيوتهم الحقيقية، فالعافية مطلبٌ، والسلامة لا يعد لها شيء، والفضيحة -لا قدر الله- تسيء إلى البيوت الشريفة.
وإن كان لا بد من الجلوس فيها للأنس والراحة فليختر الرفقة، وليكن ذلك أحياناً، وبعد التأكد من سلامتها من كلِّ ما يخدش المروءة والدين.
إنني على ثقة أن بعضاً من مرتادي هذه الاستراحات عقلاء في تصرفاتهم، حريصون على دينهم، ولكنهم ربما في خضم القافلة ساروا، وإذا ذُكِّروا تذكروا وأنابوا، وفيها -كذلك- شبابٌ أحداثٌ غُرِّر بهم وبمشورة غيرهم انقادوا، والأمل معقودٌ -بعد الله- على استجابتهم لنصح الناصحين، ومشورة المربين.
وحنانيكم أيها الناصحون! وأيها الآباء والمربون! حنانيكم! الرفق الحكمة! ولا تنظروا لمن ابتلي على أنه عضوٌ فاسدٌ لا يصلحُ الجسدُ إلا بقطعه؛ كلا! فبالكلمة الطيبة تنفتح المغاليق، وبالهدية تتقارب القلوب، بالزيارة والنصيحة تُردم الفجوة، والهداية أولاً وآخراً بيد الله يعلم من يستحقها وهو لها أهل ومَن هو في ضلال مبين.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا، وبارك لنا في أعمارنا، وتقبل أعمالنا.