البحث

عبارات مقترحة:

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

دروس من قصة موسى عليه السلام مع فرعون

العربية

المؤلف سليمان بن حمد العودة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. الحكمة من كثرة ذكر قصة موسى في القرآن .
  2. قصة موسى عليه السلام مع فرعون الطاغية .
  3. دروس وعبر من هذه القصة. .

اقتباس

فليس كل من ادعى النزاهة والعدالة محقاً صادقاً، وليس كل من رمي بالتطرف أو اتهم بالفساد مبطلاً كاذباً، وليست تغير الألفاظ والاتهامات الباطلة من واقع الأمر شيئاً، لكنها السنة في الابتلاء تمضي في الأولين والآخرين؟ ومن حق ابن كثير أن يعجب لهذه المقولة الكاذبة ويقول: "يالله العجب صار هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه ..

 

 

 

الحمد لله معز المؤمنين، وناصر أوليائه المتقين، ومذل الطغاة ومهلك المستكبرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله… اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر المرسلين، وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -يا عباد الله- وثقوا بنصر الله إذا توفرت أسبابه من الصدق والإخلاص والاستقامة على شرعه، والتضرع بين يديه ورجائه والخوف منه وحده دون سواه.

أيها المسلمون: وتكثر القصص في القرآن بشكل عام، وفي كل قصة عبرة وما يعقلها إلا العالمون، وتحكي قصص القرآن صوراً من صور الصراع القديم بين الحق المؤيد من السماء، والباطل الذي يلوذ به الملأ والكبرياء؛ خداعاً وعناداً واستكباراً وحفاظاً على الذوات ليس إلا، كما تكشف قصص القرآن عن مواقف المؤمنين وحقيقة وآثار الإيمان، ومواقف الظالمين ونهاية الفجار.

ولئن كانت القصص تشغل مساحة عريضة في القرآن؛ فإن قصة موسى عليه السلام مع فرعون تتميز بكثرة عرضها وتنوع مشاهدها، وهي من أطول قصص الأنبياء عليهم السلام في القرآن؛ فما الحكمة من كثرة ذكرها؟

قال المفسرون: "لأنها من أعجب القصص؛ فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر، فسخره القدر أن ربي هذا الذي يحذر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد ثم ترعرع، وعقد الله له سبباً أخرجه من بين أظهرهم، ورزقه النبوة والرسالة والتكليم، وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى ليعبده ويرجع إليه، هذا مع ما كان عليه فرعون من عظمة المملكة والسلطان، فجاءه برسالة الله، وليس له وزير سوى أخيه هارون عليه السلام، فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية، والنفس الخبيثة الأبية، وقوى رأسه وتولى بركته، وادعى ما ليس له، وتجرأ على الله وعتا وبغى وأهان حزب الإيمان من بني إسرائيل، والله تعالى يحفظ رسوله موسى وأخاه هارون -عليهما السلام- ويحوطهما بعنايته ويحرسهما بعينه التي لا تنام، ولم تزل المحاجة والمجادلة والآيات تقوم على يدي موسى شيئاً فشيئاً ومرة بعد مرة مما يبهر العقول ويدهش الألباب، مما لا يقوم به شئ ولا يأتي به إلا من هو مؤيد من الله (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا) [الزخرف:48] وصمم فرعون وملؤه -قبحهم الله- على التكذيب بذلك كله.. حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد وأغرقهم في صبيحة واحدة: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)" [الأنعام:45]

أجل -إخوة الإيمان- لقد تعمد فرعون قتل أبناء بني إسرائيل؛ لأنه بلغه أن غلاماً منهم سيولد ويكون هلاك ملك مصر على يديه، فانزعج لذلك وأمر بقتل كل مولود يولد لبني إسرائيل حذراً من وجود هذا الغلام -ولا يغني الحذر عن القدر- ومع حرص فرعون وطغيانه وجبروته فقد قدر الله أن يولد موسى -عليه السلام- في السنة التي يقتل فيها كل مولود بني إسرائيل، وأن ينجو من بأسه وقتله، وقد حزنت أمه حين حملت به؛ خوفاً عليه، وحين وضعته، واستمر الخوف يلاحقها حتى أوحي إليها أن ترضعه، فإذا خافت عليه فلتضعه في صندوق، ثم تلق به في البحر، وسيحفظه الله ويرده إليها (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص 6: 7]

ولكم -معاشر المسلمين- أن تعجبوا من قدر الله وقدرته وأمواج البحر بدأت تقذف بتابوت الرضيع موسى -عليه السلام- ذات اليمين وذات الشمال، حتى أوصلته إلى بيت فرعون، وكأن الله تعالى أراد -فيما أراد- أن يظهر عجز فرعون وضعفه أمام قوة الله الجبار وقدرته، فإذا كان فرعون يقتل الغلمان من أجل هذا الغلام فها هو الغلام يولد، ويسلم من القتل رغم المتابعة الدقيقة، فإذا سلم وصل إلى بيت فرعون دون عناء أو بحث؛ فهل يستطع الملك الطاغية أن يقتل غلاماً ما زال في المهد؟ كلا وعناية الله تحيط بالغلام، ورعايته -سبحانه- تتولاه وصدق الله (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) [القصص :8] وتحقق وعد الله (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [القصص:13]

ويبدأ، ويستمر موسى عليه السلام في دعوة فرعون ومثله -ويصر أولئك على الكفر والمعاندة-، وبلين الدعوة بالقول تارة، ويؤكد موسى وهارون -عليهما السلام- نبوتها بالبراهين القاطعة والمعجزات الظاهرة، ويظل الحوار مع فرعون صريحاً جاداً تؤكد فيه الربوبية الحقة لله رب العالمين، وتسلخ من فرعون الدعي العنيد وتنسف الدعوة الكاذبة؛ رغم المكابرة والاستهزاء: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) بالشعراء 23: 28]

وحين شعر فرعون أن موسى عليه السلام قد غلبه بالحجة والبرهان لجأ إلى القوة والسلطان وهدد بسجن موسى إن هو عبد الله وحده ورفض ما عليه الناس من عبودية فرعون: (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) [الشعراء:29]

أيها المسلمون: وحين نتجاوز كثيراً من المشاهد والمواقف ونصل إلى نهاية القصة نجد العبرة فيها أكثر والدروس أبلغ، وموسى والمؤمنون معه يفرون بدينهم من وجه الطاغية بأمر الله، ويصر فرعون وجنده على اللحاق بهم، بل ويرسل فرعون في المدائن، حاشرين، ويقول عن المؤمنين: (إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) [الشعراء54: 56] ويبلغ الكرب بالمؤمنين نهايته والبحر أمامهم، والعدو خلفهم، وهم لا يدرون ماذا في غيب الله وعلمه (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).[الشعراء 61: 67]

إخوة الإيمان: وبين البدء والنهاية في هذه الملحمة العظيمة التي وقعت في اليوم العاشر من هذا الشهر شهر الله المحرم عدد من الدروس والعبر المهمة ومنها:

1- نور الله غالب مهما حاول المجرمون طمس معالمه، وأن الطغاة وإن أثروا في عقول الدهماء فترة من الزمن، واستمالوهم بالمنح والعطايا، فإن القلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء، وتأملوا في فرعون وسحرته وكم وعدوا ومع ذلك انقلبوا فجأة عليه، واستهانوا بما وعد به حين أبصروا دلائل الإيمان، وحين لاذوا بحمى الملك الديان، فكانوا أول النهار سحرة وآخره شدهاء بررة (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) [الأعراف 113: 122]

إنه موقف من المواقف الحاسمة في تاريخ البشرية هذا الذي كان بين فرعون وملئه والمؤمنين من سحرة السابقين، إنه موقف حاسم بانتصار العقيدة على الحياة وانتصار العزيمة على الألم، وانتصار الإنسان على الشيطان.

وليس هذا أول خرق في سفينة فرعون فقد كان في بيته مؤمنون، ومع ضعف النساء فقد تحدت آسية امرأة فرعون زوجها، وشمخت بإيمانها ولم تفتنها الدنيا ومباهجها،وضرب الله بها مثلاً للمؤمنين وقالت (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).[التحريم:11]

ووجد في آل فرعون مؤمنون ناصحون رغم العنت والأذى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) [غافر:28] بل وجد سوى هؤلاء من آل فرعون آمنوا بموسى رغم الخوف وخشية الفتنة في الدين: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِين) [يونس:83]

قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنه -في تأويل هذه الآية-: "فإن الذرية التي آمنت لموسى من أناس غير بني إسرائيل، من قوم فرعون يسير، منهم امرأة فرعون، ومؤمن آل فرعون، وخازن فرعون وامرأة خازنه" وقال ابن كثير: "قليل من قوم فرعون من الذرية وهم الشباب ورد على ابن جرير الذي اختار أن الذرية من بني إسرائيل، لا من قوم فرعون" وقال ابن كثير: "وفي هذا نظر لأنه أراد بالذرية الأحداث والشباب وإنهم من بني إسرائيل والمعروف أن بني إسرائيل كلهم آمنوا بموسى عليه السلام واستبشروا به، وكانوا يعرفون نعته وصفته والبشارة به من كتبهم المتقدمة".

وكذلك يبدد نور الإيمان دياجير الظلمات في أجواء تخنق فيها العبودية لله رب العالمين ويكره الناس على عبودية البشر من دون الله..

 

الخطبة الثانية

 
الحمد لله رب العالمين، أحمده تعالى وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين.

أيها المسلمون: أما الدرس الثاني من قصة موسى عليه السلام مع فرعون فقد عاش المسلمون في أيام فرعون ظروفاً عصيبة ملؤها الخوف والأذى، ووصل بهم الأمر أن يسروا بصلاتهم ويتخذوا المساجد في بيوتهم قال الله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس:87]

والمعنى: كما قال العوفي عن ابن عباس في تفسير الآية: "قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: لا نستطيع أن نظهر صلاتنا مع الفراعنة وأذن الله لهم أن يصلوا في بيوتهم" وقال مجاهد: "لما خاف بنوا إسرائيل من فرعون أن يقتلوا في الكنائس الجامعة.. أمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة يصلون فيها سرا"، وكذا قال قتادة والضحاك.

الدرس الثالث: وفي ظل هذه الظروف العصيبة أمر المسلمون بالصبر عليها والاستعانة بالله على تجاوزها بالوسائل التالية:

1- الصبر والصلاة، قال الله تعالى لهم (وَأَقِيمُوا الصَّلاة) (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا) [الأعراف:128] وقال لهم ولغيرهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153] فالصلاة سمة المسلم حين الرخاء وهي ملاذه حين الشدة والضراء.

2- والإيمان بالله والتوكل عليه ضرورة للمسلم في كل حال وهما في حال الشدة عدة (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس: 84]

3- وكذلك الدعاء وصدق اللجوء إلى الله، أملاً من الضيق وفيه فرج من الكروب وخلاص من فتنة الظالمين، ونجاة من الكافرين:

(فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [يونس 85: 86]

(وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [يونس:88]

4- ومع ذلك فلا بد من الاستقامة على الخير وعدم الاستعجال في حصول المطلوب فذلك أمر يقدره الله أنى شاء وكيف شاء (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [يونس:89] قال ابن جريج: "يقال أن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة"، وقال محمد بن علي بن الحسين: "مكث أربعين يوماً".

أمة الإسلام: أما الدرس الرابع الذي تكشفه قصة الحوار بين موسى عليه السلام والمؤمنين معه، وفرعون وملئه، فهو الخداع والتدليس الذي يمارسه المجرمون على رعاع الناس وجهلتهم، وتأملوا في مقولة فرعون للسحرة -حين آمنوا-كما قال تعالى: (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف:123] وقال في الآية الأخرى: (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) [طه: 71]

قال ابن كثير رحمه الله: "وفرعون يعلم -وكل من له لب- أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل؛ فإن موسى عليه السلام، بمجرد ما جاء من (مدين) دعا فرعون إلى الله وأظهر له من المعجزات ما جعله يبعث في مملكته لجميع السحرة لإبطال سحر موسى -كما زعم- وموسى -عليه السلام- لا يعرف أحداً منهم، ولا رآه، ولا اجتمع به.. " إلى أن يقول ابن كثير: "وفرعون يعلم ذلك وإنما قاله تستراً وتدليساً على رعاع دولته وجهلتهم، ما قال تعالى (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوه) فإن قوماً صدقوه في قوله: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) من أجهل خلق الله وأضلهم"، انتهى كلامه رحمه الله.

أيها المؤمنون: ومع الخداع والتدليس على الدهماء قلب الحقائق، واتهام الأبرياء -وهذا هو الدرس الخامس- فلم يكتف فرعون وقومه بالقول عن المؤمنين الصادقين (إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ)، بل اتهم المل وجلساء السوء موسى والمؤمنين معه، بالإفساد في الأرض: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) [الأعراف]

وهكذا إخوة الإيمان: فليس كل من ادعى النزاهة والعدالة محقاً صادقاً، وليس كل من رمي بالتطرف أو اتهم بالفساد مبطلاً كاذباً، وليست تغير الألفاظ والاتهامات الباطلة من واقع الأمر شيئاً، لكنها السنة في الابتلاء تمضي في الأولين والآخرين؟ ومن حق ابن كثير أن يعجب لهذه المقولة الكاذبة ويقول: "يالله العجب صار هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه، ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون ولكن لا يشعرون".

الدرس السادس: أن الصراع مهما امتد أجله، والفتنة مهما استحكمت حلقاتهما فإنه العاقبة للمتقين.. لكن ذلك يحاج إلى صبر ومصابرة واستعانة بالله صادقة: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128]

أجل: فلا ينبغي أن يخالج قلوب المؤمنين أدنى شك بوعد الله، ولا ينبغي أن يساورهم القلق وهم يصبرون على الضراء، ولا ينبغي أن يخدعهم أو يغرنهم تقلب الذين كفروا في البلاد فيظنوه إلى الأبد، وما هو إلا متاع قليل، ثم يكون الفرج والنصر المبين للمؤمنين.

أيها المسلمون: ويحس المسلمون برباط العقيدة، مهما كانت فواصل الزمن، وكما تجاوز المؤمنون من قوم موسى عليه السلام المحنة، فكذلك ينبغي أن يتجاوزها المسلمون في كل عصر وملة، وكما صام موسى عليه السلام يوم عاشوراء من شهر الله المحرم شكراً لله على هذا النصر للمؤمنين صامه محمدصلى الله عليه وسلم والمؤمنون، ولا يزال المسلمون يتواصون بسنة محمد صلى الله عليه وسلم بصيام هذا اليوم، ويرجون بره وفضله. وقد قال عليه الصلاة والسلام بشأنه: "..وصوم عاشوراء يكفر السنة الماضية" وفي لفظ: "وصيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".

فقدروا لهذا اليوم قدره.. وسارعوا فيه إلى الطاعة واطلبوا المغفرة، وخالفوا اليهود، وصوموا -تطوعاً لله- يوماً قبله أو يوماً بعده، وإن صمتم العاشر ويوماً قبله ويوماً بعده فذلك أمل مراتب الصيام، كما قال ابن القيم، رحمه الله.