البحث

عبارات مقترحة:

الحافظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

عظمة الماء ومحاربة الإسراف

العربية

المؤلف عبدالباري بن عواض الثبيتي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. ضرورة الماء في الحياة .
  2. التأمل في عجيب صنع الله للماء .
  3. فضل ماء زمزم .
  4. بعض عظات الماء وعبره .
  5. إهدار البشرية للماء والمشاكل الناجمة عن ذلك .
  6. خطر الإسراف بالماء وأبرز الحلول لذلك .
  7. بعض آداب شرب الماء .

اقتباس

آية من آيات الله في الكون، يرى المتأمل فيها إعجاز الله وقدرته، وإيداعه في خلقه، هو العنصر الأول للحياة، وقطب الرحى في حياة الإنسان والنبات والحيوان. هو غذاء الكائنات وحياتها، بفقده تذبل وتموت، ترى الأرض هامدة ياسبة منكمشة لا حراك فيها من العطش، فإذا ...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].

أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي النجاة، وسبيل والفلاح، ومن اتقاه وقاه، ومن سلك سبيله نجاه.

آية من آيات الله في الكون، يرى المتأمل فيها إعجاز الله وقدرته، وإيداعه في خلقه، هو العنصر الأول للحياة، وقطب الرحى في حياة الإنسان والنبات والحيوان، قال الله فيه: (مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) [الأنبياء: 30].

هو غذاء الكائنات وحياتها، بفقده تذبل وتموت، ترى الأرض هامدة ياسبة منكمشة لا حراك فيها من العطش، فإذا نزل عليها الماء تحركت فيها الحياة، وتلألأت بالخضرة والنضرة، قال تعالى: (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الروم: 50].

والذي خلق الماء قد هداه ليؤدي دوره في الحياة، كما قدر له الخالق، ووضع له سننا وأحكاما تسيره فيما قدر له، سننا تجعله سحباً طائرة، وسننا تجعله قطرات مطر متساقطة، وسننا تحوله أنهاراً جارية، وعيوناً متفجرة، وسننا تدفعه في أوراق الشجر وأغصانها، وسننا تحول الماء جزءاً من الدائم الجاري في العروق، وسننا تجعل الماء بحراً يمتلئ بالأسماك، وغيرها من الكائنات، وسننا تيسر البحر لسير السفن، وتسهيل النقل عليه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [النحل: 12].

حظي الماء في القرآن الكريم باهتمام كبير، فقد ورد في تسع وخمسين آية قرآنية، مشيرة إلى أهميته وطهارته وفائدته، باعتباره نعمة كبرى أنعم الله بها على مخلوقاته.

تدعوك الآيات إلى تأمل الماء حين ينزل مطراً في تناسق عجيب، ومشهد مهيب.

تدعوك إلى رؤية حبات المطر تتابع، وقطراته تتساقط، عبرة للقلب، ومتعة للنظر، ومجالا رحبا للتأمل.

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) [النــور: 43].

صور لمشاهد السحاب الثلاث: يولد أولا بخارا رقيقاً، ثم يدفعه الريح، ثم يجتمع هذا السحاب بعضه إلى بعض، فإذا هو ركام أشبه بالآكام والجبال، فإذا هو ركام أشبه بالآكام والجبال، ثم يولد المطر في هذا السحاب، وينزل البرد من جبال السحاب، فسبحان الله أعظم الخالقين، الذي يقول: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18].

أي أنزلناه من السماء ماء بحكمة وتدبير، فلا ننزله كثيرا فيغرق ويفسد، ولا ضئيلا فيكون الجدب والفناء، ولا في غير أوانه فيذهب بلا فائدة، بل ننزله بقدر وحكمة، فينتفع الناس ببعضه، ويسكن الله بعضه الآخر بقدرته في الأرض عذبا وملحا، ملحا في البحار، وعذبا في باطن الأرض من آيات وفي مجرى الأنهار.

انظر إلى البحر الذي تتلاطم فيه الأمواج، وتسبح في جوفه عوالم من الكائنات، تأمل سعته، وعمقه وترامي أطرافه، وما فيه من آيات، ليتعرى أمام غرور القوة العلم، وتستقيم الفطرة إلى ربها وتتجه إلى بارئها، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ * وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)[الشورى: 32 - 34].

آيات أخرى حاضرة جلية في كتاب الكون المفتوح، يقرؤها كل إنسان، ها هي ذي السفن التي تمخر عباب البحار، وتقطع المسافات بالأثقال، تجري حاملة نعم الله وفضله، وهي على ثقلها وضخامتها وإرتفاعها كالأعلام، تجري على سطح الماء لا تغرق بالقاع، من الذي أنشأ البحر المتلاطم ذا الأمواج، وجعله للسفن الضخام خير فجاج؟!

من الذي هيأ جوفه للحياة، وميزه عن سائر المياه؟

إنه الله بعنايته، وكلاءته ورحمته.

إنها آية لا مرية في عظمتها، وخلق لا جدال في صنع الله له: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) [فاطر: 12].

ومن حكمة الله: أن ترى هنا ماء عذبا، وهناك مالحا، تحقيقا لمصالح العباد.

وفي موقع آخر ماء أودع الله فيه ميزة ليكون طعاما وشفاء، بل جعله خير ماء على وجه الأرض، إنه ماء زمزم، ينهل من معينه أمم شتى، وأجيال متعاقبة، وهو نبع لا ينضب، وآية لا تذهب، فارتبط الإعجاز والإبداع بأعظم بقعة، وأقدس بناء، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم" [أخرجه الطبراني].

وكانت عائشة -رضي الله عنها- تحمل من ماء زمزم، وتخبر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحمل ماء زمزم في الأداوي والقرب، ويصبه على المرضى ويسقيهم [رواه الترمذي].

ويقول من حديث جابر -رضي الله عنه-: "ماء زمزم لما شرب له" [رواه ابن ماجة وأحمد].

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "ماء زمزم سيد المياه وأشرفها، وأجلها قدرا، وأحبها إلى النفوس، وأغلاها ثمنا، وأنفسها عند الناس، وهو هزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل".

ثم يقول: وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورا عجيبة، واستشفينا به من عدة أمراض، فبرأت بإذن الله.

للماء سيرة حافلة بالأحداث فيها العظة والاعتبار، فقد كان بأمر الله معجزة، وكان رحمة، وكان عذابا.

معجزة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث كان في سفر، فقل الماء، فقال: "اطلبوا فضلة من ماء" فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: "حي على الطهور المبارك، والبركة من الله" يقول الراوي: "فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" [أخرجه البخاري].

ويوم بدر أكرم الله -تعالى- أولياءه المؤمنين، فبعث الله السماء، وكان الوادي دهسا، فأصاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه منها ما لبد لهم الأرض، ولم يمنعهم عن السير، وأصاب قريشا منها ما لم يقدر على أن يرتحلوا معه، فالمطر واحد، ولكنه كان رحمة وتيسيرا على المؤمنين، وكان مشقة وتعويقا للكافرين.

والماء جند من جنود الله، جعله الله عذابا لأمم مكذبين، فغدى طوفانا عم الأرض، وعلا قمم الجبال، ولم ينج منه إلا نوح -عليه السلام-، وأصحاب السفينة، وكذا لسبأ وأهلها الذين كانوا في نعمة عظيمة، أرزاقهم واسعة، وزروعهم وافرة، وثمارهم جميلة، فأعرضوا عن الهدى، ولم يفردوا الله بالعبادة، ويشكروا نعمه، فعاقبهم الله بإرسال سيل العرم، فانهار السد، واجتاح الماء بلادهم، واجتث زروعهم وثمارهم، وأغرق ديارهم، ودك حصونهم، وأتلف أموالهم ومحاصيلهم، فذلوا بعد عزة، وضعفوا بعد قوة، وتفرقوا بعد إجتماع وألفة، وخافوا بعد أمن ومنعة: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ: 15- 17].

والبشرية اليوم أهدرت هذه الثروة الغالية، حتى برزت لها مشكلة كبرى، بل مشكلتان:

أولاهما: التلوث الذي أفرزته الحضارة التي ما فتئت تحاصر الإنسان، فبعد أن أفسدت فضاءه، ودمرت أخلاقه، ها هي تلوث ماءه بطرح الفضلات، بل بإلقاء المخلفات الإشعاعية، والنفايات الصناعية، فمسكين إنسان هذا العصر، فقد لوثت أرضه وفضاؤه ومياهه.

ومعاناة أخرى، هي: انعدام الماء أو شحه، خاصة بعد نضوب مواقع كثيرة من مخزونها المائي، مع ارتفاع كلفة إنتاج المياه العذبة، وبلوغها مستويات مذهلة، حتى غدت مشكلة الماء في مقدمة المشكلات العالمية.

يتنبؤ بأن تكون محور صراع الأجيال القادمة، ونحن المسلمون أمامنا سنة ربانية في قلوبنا راسخة: أن البلاء الذي نصاب به، والنقم التي تحل، إنما هي بسبب الذنوب والمعاصي، قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)[الأنفال: 53].

وقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى: 30].

وأبرز الذنوب: الإسراف الذي هو سبب كل جفاف، الإسراف داخل البيوت وأفنيتها، وفي الطرقات، وغسيل العربات،  وري الحدائق، وإهمال التوصيلات المنزلية، إلى غير ذلك.

الإسراف عادة لقوم لا يرجون لله وقارا، ولا يحترمون نعم الله -عز وجل-، قال تعالى: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)[الإسراء:26- 27].

بسببه يحرم العبد محبة الله، قال تعالى: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31].

وأبرز الحلول:

أولا: هجر الذنوب والمعاصي، فبالتوبة والتقوى تتنزل البركات، وتفتح الخزائن، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ) [الأعراف: 96].

ثانيا: الاستغفار يستجلب رحمة الله، ونزول الأمطار، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10 - 12].

ثالثا: شكر نعمة الماء، بالمحافظة عليه، وعدم الإسراف.

المدينة في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- والوحي ينزل كانت ذات مياه وافرة، وزروع وحدائق، ومع هذا، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغتسل بصاع، ويتوضأ بمد.

وسأل أعرابي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوضوء، فأراه ثلاثا ثلاثا، ثم قال: "هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء أو تعدى أو ظلم" [أخرجه ابن ماجة].

بارك الله لى ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:

فاتقوا الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70 -71].

ولشرب الماء آداب جاءت بها السنة النبوية، وشهدت لها فوائد صحية:

الشرب ثلاثا: ففي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتنفس في الشراب ثلاثا، ويقول: إنه أروى وأبرأ وأمرأ".

ومعنى: "يتنفس في الشراب" أي يبين القدح عن فيه، ويتنفس خارجه، ثم يعود إلى الشرب.

ومعنى: "أروى" أي أشد ريا وأنفعه.

"وأبرأ " أي يبرىء من العطش ودائه.

"وأمرأ " أي هنيء في عاقبته مريء في مذاقه.

ومن الآداب: النهي عن الشرب من في السقا، وذلك لأن تردد أنفاس الشارب فيه يكسبه رائحة كريهة، وربما كان فيه قذاة لا يراها عند الشرب، فتلج جوفه.

ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزجر عن الشرب قائما، كما في صحيح مسلم، وثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شرب من زمزم من دلو منها، وهو قائم".

 قال الإمام النووي -رحمه الله-: "والصواب فيها: أن النهي محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه قائما فبيان للجواز، فلا إشكال ولا تعارض، فإن قيل: كيف يكون الشرب قائما مكروها، وقد فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-؟".

فالجواب -والحديث ما زال موصولا للإمام النووي-: "أن فعله إذا كان بيانا للجواز لا يكون مكروها، بل البيان واجب عليه" انتهى كلامه رحمه الله.

ألا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى، ومعلم البشرية الخير.