الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | سعد بن عبد الله العجمة الغامدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
ومازلنا مع بعض ما يتعلق بالصلاة، وفي هذه الخطبة أورد كلمات موجزة في بيان صفة الصلاة مقتبسة من كتب بعض أهل العلم، ومُلَخِّصَةً لصفة صلاة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليجتهد كل مسلم ومسلمة في التأسي والاقتداء به؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ..
أما بعد: فلقد تعرفنا على بعض أحكام الصلاة من حيث تركها ووجوب أدائها جماعة في المساجد بالنسبة للرجال الذين ليس لهم عذر شرعي، ومازلنا مع بعض ما يتعلق بالصلاة، وفي هذه الخطبة أورد كلمات موجزة في بيان صفة الصلاة مقتبسة من كتب بعض أهل العلم، ومُلَخِّصَةً لصفة صلاة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليجتهد كل مسلم ومسلمة في التأسي والاقتداء به؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
فيبدأ المسلم بإسباغ الوضوء وإتمامه، وإسباغه بأن يتوضأ كما أمره الله عملاً بقوله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة: 6]، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور". رواه مسلم، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟!"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط". رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه..
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله". رواه مسلم وأحمد والترمذي -رحمهم الله-.
فالشاهد هو إسباغ الوضوء والإتيان فيه بالمشروع والبعد عن الابتداع والوساوس، حيث يبدأ المسلم الوضوء بالتسمية، وقبل ذلك السواك، وإذا لم يجد السواك فيستعمل فرشاة الأسنان خاصة عند القيام من النوم وبعد الطعام حتى لا يبقى في الفم وبين الأسنان شيء مما يُكره ويُستقذر من بقايا الطعام وخلاف ذلك، ولا ينبغي للمسلم أن يتهاون بالسواك قبل الوضوء والصلاة لما ورد من أحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة". رواه البخاري واللفظ له ومسلم إلا أنه قال: "عند كل صلاة"، وأحمد وابن خزيمة وعندهما: "لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء".
والوضوء معروف لدى جميع المسلمين، ولكن يغيب عن بعضهم تخليل أصابع الكفين والقدمين للرجال والنساء أي: غسل ما بين الأصابع، وكذلك تخليل اللحية بالنسبة للرجال أي: إدخال شيء من الماء مما في أصابع الكفين بين شعر اللحية مع وجوب غسل ظاهر الشعر مع الوجه في كل مرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "وخلّل بين الأصابع". رواه أبو داود وصححه الألباني -رحمهما الله تعالى-.
ويغيب عن بعضهم أيضًا كيفية المسح المشروع للرأس، وصفته بأن يأخذ المسلم الماء في باطن كفيه ثم ينفضهما لإفراغ الماء منهما، ثم يقابل بين رؤوس أصابعهما حيث تلتقي الأصابع الوسطى، أما البقية فليست كالوسطى في التقارب، ثم يبدأ المسح من مقدمة شعر الرأس إلى مؤخرة الرأس وبداية الرقبة من القفا ويعيدهما إلى مقدمة شعر الرأس، يفعل ذلك مرة واحدة فقط أي: ذهابًا وإيابًا، ثم إدخال السبابتين في صمام الأذنين -أي: وسطيهما- وإدارة الإبهامين من خلف الأذنين ومسحهما.
ويغيب عن بعض المسلمين الاهتمام بغسل عقبي القدمين أي: مؤخرتهما، وخاصة أسفلهما من المؤخرة وتحت وحول الكعبين العظمين الناشزين البارزين فوق كل قدم، مع ورود الوعيد الشديد لمن يتهاون بعدم غسلهما بالكامل، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء". رواه مسلم وأبو داود، واللفظ له والنسائي وابن ماجه، ورواه البخاري بنحوه.
وبعد الانتهاء من الوضوء يرفع المسلم بصره إلى السماء ويرفع سبابة اليمنى مشيرًا بها إلى توحيد الله -جل جلاله- قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد يتوضأ فيُبْلِغُ -أو: فيسبغ- الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء". رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه، وقالا: "فيحسن الوضوء"، وزاد أبو داود: "ثم يرفع طرفه إلى السماء ثم يقول...". أما لفظ: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين". فرواه الترمذي وصححه الألباني.
ثم يتوجه المصلي لصلاته التي يريدها فرضًا أو نفلاً، ويتجه إلى القبلة -وهي الكعبة- أينما كان بجميع بدنه، قاصدًا بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة، ولا ينطق بلسانه بالنية؛ لأن النطق باللسان غير مشروع، بل بدعة، لكون النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينطق بالنية ولا أصحابه -رضي الله عنهم-، قال الله تعالى: (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحجرات: 16]، ويجعل له سترة يصلي إليها إن كان إمامًا أو منفردًا. واستقبال القبلة شرط في الصلاة إلا في مسائل مستثناة معلومة وموضحة في كتب أهل العلم.
واستقبال القبلة يكون بالوجه والصدر ومقدمة البدن حتى بالرجلين ومنها القدمان، بحيث تكون أصابعهما إلى القبلة من غير اعوجاج، وليس كما يفعله بعض المتنطعين الذين يلاحقون مَنْ بجوارهم بأقدامهم لإلزاقها بأقدام المجاورين، مع أن الله -جل جلاله- خلق جميع أقدام البشر عريضة من مقدمتها جهة الأصابع، ومن الخلف أقل من ذلك بكثير، فلا يمكن أن تُلْزَقَ الأقدام بتلك الكيفية التي يفعلونها بإلزاق الكعبين من المؤخرة حتى تعوجّ المقدمة، وليس ذلك الفعل هو المقصود من الحديث بسدّ الخلل، إنما هو عدم ترك فرجة بين المتجاورين، ويصل التنطع ببعضهم في مضايقة من يجاورونهم إلى أنّ أحدهم يحرف صدره وبعض جسمه عن القبلة من شدّة الزحام ولا يبقى إلا وجهه ورقبته يستقبل بهما القبلة، وقد لا يكونان أيضًا إلى القبلة، لدرجة أنه يضع عضده وكتفه الأيمن على صدر المجاور له يمينًا، ويضع بعض عظام صدره مع العضد الأيسر خلف المجاور له في اليسار، وهذا خلاف السنة، والمشروع والمندوب فعله في سد الفرج والخلل في الصف واستقبال القبلة والخشوع المأمور به جميعًا في الشرع المطهر.
فعلى المصلي حال وقوفه في الصف إذا أراد الانضباط والوقوف الصحيح أن يفتح رجليه بحيث تكونان متناسبتين ومتناسقتين مع عضديه مع زيادة بسيطة لبروز المرفقين عندما يضع يديه على صدره حال القيام قبل الركوع وبعده، ولا يفرّج بين قدميه كما يفعل بعض المصلين من أخذ مسافة كبيرة بينهما، ولا يلصقهما أيضًا بحيث يترك فرجة في الجهتين، ولا يضع القدمين كرقم سبعة كما يفعله الجنود في صفوفهم العسكرية والطلاب في مدارسهم، بل عليهم أن يوجهوا أقدامهم باستقامة جهة القبلة مع سدّ الفرج وعدم التعدّي والتجاوز على المجاورين وأذيتهم بذلك، حتى يصل الوسواس ببعضهم إلى حدّ أنه يتحسّس كل لحظة بقدمه وخاصة الأصبع الصغيرة وما جاورها يتحسّس قدم المجاور له، وبعضهم لا يكتفي حتى بهذا مع خشونة أرجلهم وأذيتهم للمجاورين، بل يخفض رأسه ويحني جسمه ليصل بصرُه إلى قدميه وقدمي المجاورين له حتى يتأكد من عدم وجود خلل، وذلك كل دقيقة أو أقلّ من ذلك في كل ركعة، وهذا كله من الشيطان حتى يبعد المصلي عن الخشوع وحضوره في صلاته واستمتاعه بلذة الخشوع والوقوف بين يدي رب العالمين.
أعود للقول بأن على المصلي أن يكبر تكبيرة الإحرام قائلاً: الله أكبر، غير ممدودة عن المدِّ المعلوم ولا مُمَطَّطَة، ناظرًا ببصره إلى محل السجود، رافعًا كفيه عند التكبير حذو منكبيه أو إلى حيال أذنيه، تكون الأصابع مبسوطة غير متفرقة عن بعضها، مستقبلاً براحة الكفين القبلة، وهكذا في كل رفع لليدين. وينبغي ملاحظة أن السنة في رفع اليدين حذو المنكبين مستقبلاً براحتيهما القبلة في أربعة مواضع فقط: عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع والرفع منه في كل ركعة، وعند القيام للركعة الثالثة في الثلاثية كالمغرب والرباعية كالظهر والعصر والعشاء، ثم يضع يديه على صدره، اليمنى على ظهر كفه الأيسر والرسغ والساعد، لثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وينبغي أن يكون النطق بالتكبير موافقًا للفعل ومقرونًا به، وهذا هو الأكمل، سواء في تكبيرة الإحرام أو تكبيرات الانتقال، بحيث يكون رفع الكفين وضمّهما ووضع اليدين على بعضهما على الصدر في تكبيرة الإحرام موافقًا للنطق بقول: الله أكبر في لحظة واحدة، وليس كما يفعله كثير من المصلين اليوم من تأخير أو تقديم إحداهما على الأخرى، أو في تكبيرات الانتقال والتهاون بذلك وعدم العناية بها، وقد لا ينطق كثير من المصلين بالتكبير وخاصة من المأمومين، فينتقل أحدهم من ركن إلى آخر دون تكبير ونطقٍ به حتى ولو كان يصلي منفردًا، فيجب الانتباه لذلك من جميع المصلين.
وكذلك التمطيط في التكبير ومَدّه أكثر من اللازم وعدم موافقته للفعل في ركوع أو سجود أو اعتدال، وخاصة من بعض الأئمة حيث يَمُدُّ بعضُهم التكبيرَ أو قول: سمع الله لمن حمده أكثر من اللازم، ويُلجِئُون من خلفهم للموافقة لهم إذا لم تكن المسابقة عند بعض المأمومين، مع ما في ذلك من النهي الشديد خاصة المسابقة، وسبب الموافقة خاصة هم الأئمة، حيث لا يفقه بعضهم هذا الجانبَ المهمَّ في الانتقال بين الأركان، لذلك فهم يتحملون إثمًا بسبب المدّ الزائد والتمطيط أو عدم اقتران القول بالفعل، حيث يسبق انتقالُه التكبيرَ أو العكس من ذلك، مع أن المأموم الذي يوافق الإمام يتحمل إثمًا، أما الذي يسابق الإمام فناصيته بيد شيطان كما ورد في الخبر عن سيد البشر -صلى الله عليه وسلم-، وبعض أهل العلم الذين يقولون بأن جلسة الاستراحة ليست مسنونة ولا مشروعة خاصة في حق الإمام هو لعدم توافق تكبيرة الانتقال مع الجلوس وهذا الانتقال، يقولون: متى يكبر؟! إن كبّر وجلس فإن كثيرًا من المصلين سوف يقومون، وإن انتقل إلى الجلوس دون تكبير ثم كبّر عند قيامه كانت مخالفة شرعية في صلاته، لذلك لا يرون فعلها إلا للكبير أو للمنفرد، مع أنها لم ترد فيما قاله رسول الله أي: في السنة القولية للصلاة، وإنما كانت في قول الصحابي للصفة الفعلية، ويعزوها بعضهم إلى أنه في حال كبره وآخر حياته -صلى الله عليه وسلم-، فوجب التنبيه عليها هنا، وليس فيها ذكر ولا دعاء، ولا حرج على من تركها، ولا يجوز أن تكون محل خلاف ونزاع بين المسلمين مثل الذي نشاهده ونسمعه من وصول ذلك إلى الولاء والبراء في هذه المسألة وأشباهها.
ومن السنة أن يقرأ دعاء الاستفتاح وهو: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد". رواه البخاري. وإن شاء قال بدلاً من ذلك: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك". رواه أبو داود والحاكم. وإن أتى بغيرهما من الاستفتاحات الثابتة عن النبي فلا بأس، والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة؛ لأن ذلك أكمل في الاتباع.
ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ سورة الفاتحة لقول الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، ويقول بعدها: آمين؛ جهرًا في الصلاة الجهرية، وسرًّا في الصلاة السرية، ثم يقرأ ما تيسر له من القرآن، والأفضل أن يقرأ بعد الفاتحة في الظهر والعصر والعشاء من أوساط المُفَصَّل، وفي الفجر من طواله، وفي المغرب من طواله تارة ومن قصاره تارة أخرى؛ عملاً بالأحاديث الواردة في ذلك، والمفصَّل من سورة ق والقرآن المجيد إلى آخر سورة الناس، وطواله من ق إلى المرسلات، وأوساطه من النبأ إلى الليل، وقصاره من الضحى إلى الناس.
ثم يركع مكبرًا رافعًا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه، جاعلاً رأسه حيال ظهره، واضعًا يديه على ركبتيه، مفرِّقًا أصابعه عليهما، وينبغي ملاحظة وضع الرأس حيال الظهر في مستوى واحد، وليس كما يفعله بعض المصلين من خفض الرأس حتى يصل قريبًا من الركبتين. وعليه أن يطمئن في ركوعه ويقول: سبحان ربي العظيم، أو يزيد عليها: وبحمده، والأفضل أن يكررها ثلاثًا أو أكثر، ويستحب أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.
ثم يرفع رأسه من الركوع رافعًا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلاً: سمع الله لمن حمده إن كان إمامًا أو منفردًا، ويقول حال قيامه: ربنا لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيءٍ بعد. أما إن كان مأمومًا فإنه يقول عند الرفع: ربنا لك الحمد... إلى آخر ما تقدم، وإن زاد كل واحد منهم أي: الإمام والمأموم والمنفرد على ذلك: "أهل الثناء والمجد، أحقّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". فهو حسنٌ لثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويستحب أن يضع يديه على صدره كما فعل في قيامه قبل الركوع لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي من حديث وائل بن حجر وسهل بن سعد -رضي الله عنهما-.
وينبغي ملاحظة المصلي لاعتداله التام في القيام بعد الرفع من الركوع، وكذلك الرفع من السجود للجلسة بين السجدتين حتى ترجع عظام الفقرات في اعتدال للظهر وطمأنينة في الفعل؛ لأن بعض المصلين ينقر صلاته ويسرع فيها خاصة في الرفع من الركوع والسجود والانتقال إلى الركن الذي بعد ذلك بسرعة متناهية.
ثم يسجد مكبّرًا واضعًا ركبتيه قبل يديه إذا تيسّر له ذلك، فإن شقّ عليه قدّم يديه قبل ركبتيه مستقبلاً بأصابع يديه ورجليه القبلة، ضامًّا أصابع يديه مادًّا لها، ويكون على أعضائه السبعة لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم"، وفي رواية: "على سبع: الجبهة مع الأنف واليدين والركبتين والقدمين".
والأعضاء السبعة: الجبهة مع الأنف، حيث لا بدّ من إلزاق الأنف بالأرض كالجبهة، وراحة الكفين أي: بطونهما، والركبتان، وبطون أصابع الرجلين، ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويرفع ذراعيه عن الأرض لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب".
وسبب بسط الذراعين هو تقديم وضع الكفين إلى مقدمة الرأس، فهذا الوضع لبطن الكفين يجعل المصلي يبسط الذراعين، وبعضهم يؤخر كفيه إلى محاذاة الركبتين أو الفخذين، وكلا الوضعين ليس بصحيح، وإنما الوضع السليم هو مقابل المنكبين مع الرقبة، بحيث تصل الأصابع بمحاذاة الأذنين.
ويقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، أو يزيد عليها: وبحمده، ويُسنّ أن يقول ذلك ثلاثًا أو أكثر، ويستحبّ أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، ويكثر من الدعاء لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أما الركوع فعظّموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء؛ فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم"، ويسأل الله من خير الدنيا والآخرة، سواء أكانت الصلاة فرضًا أم نفلاً، وينبغي للمسلم ملاحظة أن مجافاة العضدين عن الجنبين يمكن فعلها للإمام والمنفرد بكل سهولة، ولكنها مؤذية في الصفوف للمجاورين، فليتنبه كل مسلم لهذه وغيرها بحيث لا يؤذي من يجاوره بأي فعل من أفعال الصلاة وإن كانت مسنونة ولكنها ليست على إطلاقها، فبعض المصلين يؤذي من يجاوره في كل سجود في المجافاة عن العضدين بحيث يضعهما تحت صدر من في اليمين واليسار، حتى يضطرهما لإبعاد عضديه حيث التقاء المفاصل للساعدين والعضدين في كل سجود، وهذا من قلة الفقه في الدين، مع أن كثيرًا من المسلمين يعلمون نص حديث رسول الله الذي قال فيه: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين".
ثم يرفع رأسه مكبرًا، ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى ويضع يديه على فخذيه وركبتيه ويقول: رب اغفر لي وارحمني، واهدني وارزقني، وعافني واجبرني، ويطمئن في هذا الجلوس. وينبغي أن يعرف المصلي هيئة الجلوس السابقة مع ملاحظة عدم إبعاد ما بين الركبتين، حيث يفرّق بعض المصلين ما بين الفخذين حتى تبتعد مقدمة الفخذين من جهة الركبتين ويؤذي بهما المجاورين له في الصف، مع أنه بهذا الفعل الأناني يقلّص المسافة من مؤخرته جهة رجليه ويباعد المقدمة في منظر غير لائق بمصلٍّ يقف بين يدي ربه يرجو رحمته ويخشى عذابه.
فليتنبه المسلم لذلك وغيره من أنواع الأذى للمصلين، وليضع نصب عينيه حديث رسول الله عندما قال: "إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"، عندما نهى عن أكل الثوم والبصل ونحوهما، ونهى عن إتيان المساجد لمن أكلها حتى لا يتأذى المصلون منه، فكيف بمن يؤذيهم بالأفعال في كل ركوع وسجود واعتدال ووقوف وجلوس للتشهد أو بين السجدتين؟! وهذا الأمر يغيب عن كثير من المسلمين حتى من الملتزمين أنفسهم، وما أجمل المصلي الذي يوافق السنة ويطبقها في هيئة وصفة الوقوف حال القيام والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين أو للتشهد، ما أجمله وأروعه متى طبّق السنة كما وردت لا كما يفهمها كثير من المسلمين على غير حقيقتها ويطبقها كل واحد حسب فهمه وإدراكه القاصر، حيث لا يأخذها غالبية المسلمين عن العلماء تطبيقًا عمليًّا، بل يأخذونها نظريًّا، إما من الكتب أو ممن يتلقّون عنهم العلم، وهذا هو الذي جعل كثيرًا من المسلمين بل الكثرة الكاثرة لا تعرف كيفية الصلاة وصفتها وهيئاتها المتنوعة، لا يعرفون ذلك ولا يطبقونه كما ينبغي.
ثم يسجد المصلي السجدة الثانية مكبرًا، ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى.
ثم يرفع رأسه مكبرًا قائمًا إلى الركعة الثانية معتمدًا على ركبتيه إن تيسر له ذلك، وإن شقّ عليه اعتمد على الأرض بوضع يديه عليها، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسّر له من القرآن بعد الفاتحة، ثم يفعل كما فعل في الركعة الأولى.
فإذا كانت الصلاة ثنائية -أي: ركعتين- كصلاة الفجر والجمعة والعيد، جلس بعد رفعه من السجدة الثانية ناصبًا رجله اليمنى مفترشًا رجله اليسرى، واضعًا يده اليمنى على فخذه الأيمن، قابضًا أصابعه كلها إلا السبابة ليشير بها إلى التوحيد في التشهد، وإن قبض الخنصر والبنصر من يده وحلّق إبهامها مع الوسطى وأشار بالسبابة فحسنٌ لثبوت الصفتين عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة، ويضع يده اليسرى على فخذه الأيسر وركبته، ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس وهو: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك -أيها النبي- ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، ثم يقول: "اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد". ويستعيذ بالله من أربع فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجّال"، ثم يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة، فإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس، سواء أكانت الصلاة فريضة أم نافلة، لعموم قول النبي في حديث ابن مسعود لما علّمه التشهد: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو"، وفي لفظ آخر: "ثم ليختر من المسألة ما شاء"، وهذا يعمّ جميع ما ينفع العبد في الدنيا والآخرة.
ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وإن زاد كلمة: وبركاته فلا بأس لورود ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وإن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء يقرأ التشهد المذكور آنفًا مع الصلاة على النبي من غير الدعاء الأخير، ثم ينهض قائمًا معتمدًا على ركبتيه رافعًا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلاً: الله أكبر، ويضعهما -أي: يديه- على صدره كما تقدم، ويقرأ الفاتحة فقط، وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض الأحيان فلا بأس؛ لثبوت ما يدلّ على ذلك عن النبي من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وعد المحافظين على الصلاة أجرًا عظيمًا، وأعدّ لهم في جنات الفردوس نعيمًا مقيمًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل المصلين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
أما بعد:
ففي الجلوس بعد الثالثة من المغرب وبعد الرابعة من الظهر والعصر والعشاء يجلس كجلسته في الثانية من حيث الصفة، وأحيانًا يتورك أي: يعتمد على وركه أي: فخذه الأيسر مخرجًا قدمه اليسرى من تحت قدمه اليمنى وجهة القدم، ويتشهد كما تقدم في الصلاة الثنائية، يقرأ التشهد مع الصلاة على النبي والاستعاذة بالله من الأربع الواردة في الحديث، ثم الدعاء وسؤال الله بما يختاره المصلي ويريده، ثم يسلّم عن يمينه وعن شماله، ويستغفر الله ثلاثًا، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام قبل أن ينصرف جهة المأمومين إن كان إمامًا، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ، ثم يسبح الله ثلاثًا وثلاثين، ويحمده ثلاثًا وثلاثين، ويكبره مثل ذلك، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ويقرأ آية الكرسي و(قل هو الله أحد) و(قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس) بعد كل صلاة فرض، ويستحبّ تكرار هذه السور الثلاث الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات، وقَوْل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير يرددها عشر مرات بعد صلاتي الفجر والمغرب لورود الأحاديث بها عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا ينسى المسلم أن يقول بعد كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وهذه من ضمن وصية رسول الله لمعاذ -رضي الله عنه- عندما عبر له عن محبته له وقال: "لا تَدَعَنَّ دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
وكل هذه الأذكار وغيرها سنة وليست بفريضة، ولكن ينبغي المحافظة عليها هي وغيرها مما لم أورده هنا والتي ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليحوز المسلم على الأجر العظيم الذي وعد به الرسول حيث تزيد عدد الحسنات عن خمس وثلاثين ألف حسنة بعد الصلوات الخمس في كل يوم وليلة، فإذا حافظ عليها المسلم فكم يكسب من الحسنات التي يجدها في ميزانه يوم القيامة!! والأفضل في عدّ التسبيح أن يكون على أصابع اليد اليمنى.
ويُشرع لكل مسلم ومسلمة أن يصلي قبل الظهر أربع ركعات وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين، وقبل صلاة الفجر ركعتين، الجميع اثنتا عشرة ركعة، وهذه الركعات تسمى الرواتب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحافظ عليها في الحضر، أما في السفر فكانت المحافظة منه على سنّة الفجر والوتر، فإنه كان -عليه الصلاة والسلام- يحافظ عليهما حضرًا وسفرًا، والأفضل أن تُصلى الرواتب التي بعد صلاة الفريضة والوتر في البيت، فإن صلاها في المسجد فلا بأس، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". والمحافظة على هذه الركعات من أسباب دخول الجنة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى اثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته تطوعًا بنى الله له بيتًا في الجنة". رواه مسلم في صحيحه.
وإن صلى أربعًا قبل العصر واثنتين قبل صلاة المغرب واثنتين قبل صلاة العشاء فحسنٌ؛ لأنه صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على ذلك، وعلى ركعتين أخريين بعد الظهر غير الركعتين الوارد مجموعهما ضمن اثنتي عشرة ركعة. والمحافظة على النوافل ومن قبلها السنن من أفضل القربات والطاعات بعد الفرائض، فليحرص المسلم على كل ما يقربه إلى الله -عز وجل- ليحوز على الأجر العظيم في يوم هو أحوج لحسنة واحدة يوم الجزاء والحساب، في يوم ليس فيه إلا الحسنات والسيئات.
هذا ملخص لصفة الصلاة، ولم أورد الأدلة على كل قول أو فعل لأن خطبة الجمعة لا تحتمل الإطالة، والمهم في ذلك هو الخروج بالنتائج المبنية على الدليل الشرعي، ولم أتطرق إلى البدع والأمور المنهي عنها في الصلاة التي يفعلها بعض المصلين لأنها غالبًا معلومة لدى كل مسلم مثل رفع البصر إلى السماء والالتفات في الصلاة والإقعاء والتخصر وفرقعة الأصابع داخل الصلاة وخارجها وغير ذلك من المنهيات، أما البدع فيطول الكلام عنها، وقد اكتفيت بهذا الملخص الذي رأيت كفايته في التطبيق للسنة ويؤدي المطلوب بإذن الله -عز وجل-.
وأود التنبيه إلى أمور شاهدتها وعاصرتها حول بعض الأفعال أو الأقوال في الصلاة؛ حيث بلغ الأمر عند بعض المتحمِّسين والمندفعين من الشباب وغيرهم إلى حَدِّ الموالاة والمعاداة، الموالاة لمن سلك طريقهم واتبعهم، سواء على علم أم دون علم، والمعاداة لمن خالفهم أو ناقشهم ولم يستجب لآرائهم وأفكارهم، مع أن الأمر في غاية السعة والمرونة والسهولة، ولا يجوز أن يصل بهم الأمر إلى العداوة وتلك التصرفات التي لا ترضي الله -عز وجل-، بل يرضى بها الشيطان وأتباعه حينما يصل النزاع والخلاف بين المسلمين إلى هذا الحد عند أمور لا يترتب عليها بطلان صلاة أو عمل أو قول من أقوالها، ومنها جلسة الاستراحة عند القيام للركعة الثانية أو الرابعة، أو وضع اليدين وإرجاعهما على الصدر بعد الرفع من الركوع، أو مكان وضعهما على الصدر أو تحت السرة أو سدلهما أي: مدّهما ووضعهما في الجانبين دون ضمّ لهما، وأيضًا تقديم اليدين على الركبتين أو العكس عند النزول من القيام إلى السجود أو عند النهوض والرفع من السجود إلى القيام أيهما يتم تقديمه، وهل يُسار حسب ظاهر الحديث؟! وهل فيه قَلْبٌ للجمع بينه وبين حديث آخر بنفس المعنى؟! وكذلك الإشارة بالسبابة في التشهد هل تكون الإشارة عند النطق بعبارة: أشهد أن لا إله إلا الله، أو الإشارة عند الابتداء في كل جملة، أو عند الدعاء وقول: اللهم صَلِّ... إلى آخره، اللهم إني أعوذ بك من... أو الإشارة المستمرة دون تحريك من أول التشهد إلى آخره، أو الإشارة مع عدم توقف الإصبع ثانيةً واحدةً، وهذا النوع من المصلين قد لا يفقه أحدهم مما يقول شيئًا إن كان ينطق بشيء مع أنه يُشغل الذين بجواره بتلك الحركات المتناهية في السرعة المؤدية إلى ذهاب الخشوع عن المصلين المجاورين له، وغالبًا ما يكون هو فاقدًا لذلك نظرًا لاشتغاله بتلك الحركة الرهيبة السريعة التي تتحرك معها يده بكاملها وليس إصبع السبابة فقط.
ومن الحركات التي ينبغي التنبيه إليها ملاحقة بعض المتحمسين بأقدامهم من يجاورهم يمينًا وشمالاً لسد الخلل في كل ركعة وبحركات هي في غاية ذهاب الخشوع وإشغال المصلين، سواء من يقوم بها أم من يلاحقونه بأقدامهم لتتبع سد الخلل، أو التورك في المغرب والعشاء والظهر والعصر وهو بين المصلين في الصف، خاصة عندما يكون سمينًا ويؤذي بفعله هذا من يجاوره، وكذلك عندما يسمع أحدَهم يزيد الواو في قول: ربنا لك الحمد، أو يزيد عليها: الشكر كيف ينفعل بعد الصلاة على من قالها وقد يصل الأمر إلى مشادة كلامية، مع أن زيادة الواو وردت في حديث صحيح، وغير ذلك مما هو معلوم في الدعاء في السجود أو نهاية التشهد أو بعد صلاة الفريضة أو النافلة وغير ذلك مما يطول الكلام حوله، وأطلب من المسلمين أن يتفقهوا في دينهم سواء ذلك المنفعل المتحمّس أم ذلك الذي لا يعرف السنة أو لا يعمل بها جهلاً أو تساهلاً، وأن لا يصل بهم الأمر إلى القطيعة والجدل والخصومة والولاء والبراء على هذا الأساس وهذه الأمور البسيطة الخلافية إما في الكيفية والصفة أو في فهم المعاني والمقصود من الكلام الوارد حولها، عليهم وعلينا جميعًا أن نتفقه في دين الله ونتبع سنة رسول الله مع الإخلاص أولاً وأخيرًا حتى يقبل الله منا أعمالنا؛ حيث لا يقبل الله من الاعتقاد والأعمال والأقوال إلا ما كان خالصًا وصوابًا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، وفي رواية: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، أي: مردود عليه، قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الشورى: 21]، وقال -عز وجل-: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 7]، وقال تعالى: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63]، وقال سبحانه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31]، وقال الله -جل جلاله-: (مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110].
اللهم فقهنا في ديننا وزدنا علمًا وأعمالاً خالصة صوابًا متقبلة يا رب العالمين، وردنا إلى إسلامنا ردًا جميلاً، وألّف بين قلوب المسلمين، وردّ كيد أعداء الإسلام والمسلمين في نحورهم يا ذا الجلال والإكرام.
وصلّى الله وسلم وبارك على رسولنا محمد وآله وصحبه...