العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
هذه أهمّ مسائل سجود السهو, فمن فهمها ووعاها فقد دخل في صلاته على علمٍ وبصيرة, وعمِل بعلمٍ حال سهوه في صلاته.
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاْ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأنتُمْ مُسلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُم رَقِيباً) [النساء:1]. (يَآ أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ قُولُواْ قَولاً سَدِيداً * يُصلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُم وَيَغْفِرْ لِكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيِمَاً) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ أصدق الحديث كلام الله, وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم, وشرَّ الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
عباد الله: لقد كان الحديثُ في الجمعة الماضية عن أسباب سجود السهو, وبقيت بعضُ الأحكام والمسائل المهمَّة التي تتعلَّق بسجود السهو, ويحتاجها كلُّ مُصلٍّ.
فمن ذلك أنه إذا سبَّح بالإمام اثنان من المأمومين, ممن يثق بقولهما؛ لزمه الرجوع لِقولِهِما, سواء غلب على ظنه صوابُ قولِهِما أم لا.
فأما إن كان الإمام على يقينٍ من صوابِ نفسه: فلا يجوز له متابعتهم.
ومتى سبَّح المأموم بالإمام, فلم يرجع في موضعٍ يلزمه الرجوع؛ بطلت صلاته, كما لو قام إلى ركعةٍ خامسةٍ؛ لأنه ترك الواجب عمدًا.
ولا يجوز للمأمومين مُتابعتُه؛ لأن صلاته باطلة، فإن تابعوه عالمين بالحال وهو الخطأ, وعالمين بالحكم الشرعيِّ وهو التحريم؛ بطلت صلاتهم؛ لأنهم تركوا الواجب عمدًا.
وإن نووا المفارقةَ وصلوا منفردين وسلَّموا صحت صلاتهم؛ لأنهم فارقوه لعذر.
وإن كانوا جاهلين بالحكم فصلاتُهُم صحيحة؛ لأن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- تابعوه في الركعةِ الخامسة كما سبق, ولم تبطل صلاتُهم.
وإذا سبح بالإمام واحدٌ فقط لم يرجع إلى قوله, إلا إذا غلبَ على ظنِّه صوابُه.
وإذا أدرك المأمومُ إمامه في الركعةِ الأخيرة, فلمَّا سلَّم أخبره الجماعةُ بأنه زاد ركعة, فالمأموم أدرك الركعةَ الخامسةَ الزائدة, لا الركعةَ الرابعة؛ فإنه يعتدُّ بهذه الركعة الزائدة؛ لأن القول بأنه لا يعتدُّ بها يَقتضي جواز أن يزيد في الصلاة ركعةً متعمداً, وذلك مبطلٌ للصلاة بإجماع العلماء, فيقتضي أن يصليَ الفجر ثلاثا, والمغرب أربعا, والرباعية خمسا.
وإذا شك في ترك ركنٍ من أركان الصلاة, أو واجبٍ من واجباتها, وهو في أثناء الصلاة؛ فإنه يبني على غلبة ظنه ويعمل به, ويسجد بعد السلام, وأما إذا لم يترجح له شيء فحكمه حكم تركه, إمامًا كان أو منفردًا؛ لأن الأصل عدمه, ويسجد قبل السلام.
مثال ذلك: قام الإمام أو المنفرد إلى الرَّكعة الثانية؛ فَشَكَّ أثناء قيامه: هل سَجَدَ مرَّتين أم مرَّةً واحدة؟ فإنه يرجع مطلقاً، ما لم يصل إلى موضعه مِن الرَّكعة التالية، فيرجعُ ويجلسُ الجلسةَ التي بين السجدتين، ثم يسجد ثم يقوم؛ لأن الشَّكَّ في تَرْكِ الرُّكن كالتَّرك.
أما لو كان الشك في الزيادةِ وهو في صلاته، فلا يخلوا من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: إذا شك في الزيادة، ثم تأكد أنها زائدة: فيجب عليه السجود لأجل الزيادة.
الحالة الثانية: إذا شك في الزيادة, ثم تبين أنها ليست زائدة: فلا يلزمه أن يسجد؛ لأنه لم يزِدْ في صلاته ولم يَنْقُص.
كما لو ركع, فشك وهو في نفس الركوع: هل هو ركوعٌ زائدٌ أم لا؟ ثم تأكَّد أنه الركوعُ الأصليُّ لا الزائد, فلا يلزمه أن يسجد.
الحالة الثالثة: إذا شك في الزيادة بعد انتهائه فلا سجود عليه؛ لأنه شك في سبب وجوب السجود, والأصل عدمه.
كما لو كان قائمًا فشك: هل زاد ركوعًا أو سجودًا؟ فلا يسجد؛ لأنه إذا انتقل إلى الركن الآخر, فلا عبرة بشكِّه في الركن السابق.
ولو نسي السجود الذي قبل السلامِ وسلم فيجب أن يسجد إن لم يَطُلِ الفصل، فإن طال الفصلُ سقط عنه، وصلاته صحيحة.
وإذا سها المأموم دون إمامه فلا يلزمه السجود, في قول عامة أهل العلم؛ لأن الإمام يتحمَّلها عنه.
هذا إذا لم يكن مسبوقًا, أي لم يفته شيءٌ من الصلاة.
أما إذا كان المأموم مسبوقًا, وسها في صلاته دون إمامه، كما لو نسي أن يقول: «سبحان ربي العظيم» في الركوع, وسلم الإمام، وقام المأموم يقضي، فالواجب عليه السجود للسهو.
فأما إذا سها الإمام, فالواجب على المأموم متابعته في السجود, سواء سها معه أو تفرد الإمام بالسهو, وسواء سجد الإمام قبل السلام أو بعده؛ لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه" متفق عليه.
هذا إذا لم يكن المأموم مسبوقًا, بل دخل مع الإمام من أول الصلاة.
أما إذا كان المأموم مسبوقاً فسها الإمام, وسجد بعد السلام, فلا يلزمُ المأموم متابعتَه؛ لأن المتابعة حينئذٍ متعذرة، فإن الإمام سيسلم, ولو تابعه في السلام لبطلت الصلاة.
ولكن؛ هل يلزمه إذا أتم المأمومُ صلاته, أن يسجد بعد السلام؟.
هذا فيه تفصيل:
إذا أدرك المأمومُ إمامه في سهوه فيجب عليه أن يسجد بعد السلام. مثال ذلك: دخلت مع الإمام في الركعة الثانية, فلما جاءت الركعةُ الثالثة سها الإمام فركع مرَّتين، فأنت أدركته في ذلك، فيلزمك أن تسجد إذا أتْمَمْتَ صلاتك؛ لأنك أدركت الإمام في سهوه, فارتبَطَتْ صلاتُك بصلاته، وصار ما حصل من نقصٍ في صلاته حاصلاً لك.
وإذا لم يُدرك إمامه في سهوه فلا يجب عليه أن يسجد. مثال ذلك: أن تكون زيادةُ الركوع في الركعة الأولى، ولم تدخل معه إلا في الركعة الثانية، فإنه لا يلزمك السجود.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: ومن سها مرارًا كفاه سجدتان, ولو اختلف مَحِلُّهُمَا, بأن يكون أحدُهما قبل السلام والآخر بعده, فإنه يسجد لهما سجودًا واحدًا قبل السلام؛ لأنه أسبق وآكد.
وسجود السهو وما يقوله فيه كسجود الصلاة, فليس لسجود السهو ذكرٌ يَخُصُّه.
ولو شك المسبوق: هل دخل مع الإمام في الركعة الأولى أو في الثانية جعله في الثانية؛ لأنه اليقين.
ولو أدرك الإمامَ راكعًا, ثم شك بعد تكبيره: هل رفع الإمامُ رأسه قبل إدراكه راكعًا أم لا؟ فإنه لا يعتد بتلك الركعة, إلا إذا غلب على ظنه أنه أدركه راكعًا, فإنه يعتد بها.
معاشر المسلمين: هذه أهمّ مسائل سجود السهو, فمن فهمها ووعاها فقد دخل في صلاته على علمٍ وبصيرة, وعمِل بعلمٍ حال سهوه في صلاته.
نسأل الله تعالى أنْ يرزقنا الفقه في الدين, وأنْ يجعلنا مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ؛ إنه جوادٌ كريم.