البحث

عبارات مقترحة:

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

دارفور جرحنا القادم

العربية

المؤلف أحمد حسين الفقيهي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. بيان قصة دارفور بإيجاز .
  2. ذكر عدد المنظمات العاملة في دارفور وعدد الكنائس .
  3. بيان دور اليهود في دارفور .
  4. مكانة دارفور الإستراتيجية .
  5. واجب المسلمين نحو دارفور وأزمتها الحالية .
اهداف الخطبة
  1. التحذير من وقوع كارثة في دارفور
  2. تنبيه المسلمين لمآرب الغرب في دار فور

اقتباس

وقد اشتهرت دارفور بأنها بلد القرآن الكريم؛ لتعظيم أهلها للقرآن, وحفظته، ولم يَعْرِف إقليمُ دارفور الإنجيلَ والكنائسَ إلا بعد إلتفات الغرب إليه، وقد افتتحت- إلى الآن- أكثرُ من مائة وستة وستين كنيسة، وَوَزَّعَتْ المنظماتُ التبشيرية العديدَ من المطبوعات, والرسائل التي تدعو أهل دارفور إلى النصرانية.

عباد الله, لا يزال أعداء الملّة من اليهود والنصارى يخططون فترة بعد فترة لضرب الإسلام باحتلال أرضه، وإذلال أهله، وتشريد شعبه، فها هي الدول الكبرى -راعية حقوق الإنسان- لم تقلقها ولم تؤلمها تلك الانتهاكات الصارخة التي وقعت وتقع كل يوم وليلة على المسلمين في شتى بقاع الأرض، ولأن الدول الكبرى -راعية حقوق الإنسان- تحترم سيادة الدول وشؤونها الخاصة, فهي تغض الطرف عن عدوان اليهود المتجدد يومياً على أهلنا في فلسطين، وترفض بل تقف في وجه أي محاكمة, أو مساءلة لما يقوم به اليهود على تلك البقاع الطاهرة.

أما السودان وقضية دارفور فتستيقظ لها مشاعر الغرب المرهفة وأخلاقهم الإنسانية، وتنال اهتماماً إعلاميا لا يهدأ، ويتداعون إلى استغلالها، إن لم يكونوا هم الذي أوقدوها, ثم صوروها بغير صورتها.

أيها المسلمون, إن أزمة دارفور تعد نموذجاً مصغراً لمشاكل أفريقيا, بل لمشاكل المسلمين في هذا العصر, حيث تبدأ القصة بإقليم صغير مسلم يحوي ثروات وخيرات، تتجه إليه أعين الغزاة، تبحث عن موطئ قدم، وعن مهبط لأطماعها وعدوانها، وتأتي الفرصة في حادثة صغيرة، أو مشكلة لا قيمة لها، يقع أكبر منها في بلاد الغزاة، غير أن الآلة الإعلامية، والمنظمات التنصيرية، والأيدي الاستعمارية تلعب لعبتها، وتمد يدها, فتجعل من الحدث أحداثاً, ومن المشكلة عصياناً.

عباد الله, دارفور إقليم يقع في غرب السودان، ويلتقي حدودياً مع ثلاث دول، يسكنه ما يقارب الستة ملايين نسمة، وجميعهم -بحمد الله- من المسلمين السنة.
وقد اشتهرت دارفور بأنها بلد القرآن الكريم؛ لتعظيم أهلها للقرآن, وحفظته، ولم يَعْرِف إقليمُ دارفور الإنجيلَ والكنائسَ إلا بعد إلتفات الغرب إليه، وقد افتتحت- إلى الآن- أكثرُ من مائة وستة وستين كنيسة، وَوَزَّعَتْ المنظماتُ التبشيرية العديدَ من المطبوعات, والرسائل التي تدعو أهل دارفور إلى النصرانية.

أيها المسلمون, قصة دارفور بإيجاز هي أن الرُّحَّل والمزارعين في دارفور, كانوا يعيشون في انسجام تام, وهناك علاقات مصاهرة بينهم، وقد اعتادت مجموعات الرُّحَّل التنقل في فترات الجفاف إلى مناطق المزارعين بعد جني الثمار، وهذه العملية يتم تنظيمها في اتفاقيات محلية بين القبائل، وقد يحدث في أوقات الجفاف والتصحُّر بعضُ المناوشات المتكررة بين الرحل والمزارعين, سرعان ما يجري حلها في مؤتمرات قبلية, تنتهي بالمصالحة بين أطراف النزاع، غير أن النزاعات والحروب القبلية اتسعت بصورة كبرى مع الوقت، وتشعب النزاع، وتدخلت أطراف دولية, فأُخرجت هذه النزاعات المحدودة عن طبيعتها، واستغلتها في تحقيق أطماعها الخاصة.

عباد الله, إن اهتمام الغرب بدارفور ليس وليد السنوات الأخيرة فقط، بل يرجع إلى أكثر من خمسين سنة مضت؛ لأن دارفور تعد عند الغرب بوابة مهمة يعبر منها من يريد الاتصال, أو الانتقال من شرق إفريقيا إلى غربها، إضافة إلى كونه بلداً غنياً بالثروات، وأهله مسلمون, لهم تاريخ مجيد في التواصل مع القبائل في شرق أفريقيا, ووسطها, وغربها, حيث أسهموا إسهاما كبيراً في نشر الدين الإسلامي، خاصة في الدول التي تحيط بهم من ناحية الجنوب والشرق, ويحكمها نصارى, يرتبط بعضهم بالمصالح الصليبية الغربية، وهذا هو مفتاح فهم مسار الأحداث واتجاهاتها في السودان عموماً, ودارفور خصوصاً.

أيها المسلمون, لما أدرك الغرب مكانة هذا الإقليم, والثروات التي تحملها أراضيه، بحث عن المبرِّر الذي يسمح له بالولوج إليه, والتحكم في خيراته، فلم يجد إلا الخلافات القبلية سبيلاً إلى ذلك، فسلطت الأضواء الغربية على دارفور, زاعمة أن الاهتمام بدارفور نابع من بُعد إنساني محض, وأن تلك القضية تقع في إطار الأوضاع الإنسانية المتردية في القارة الأفريقية عموماً, وفي سائر أنحاء العالم, بسبب الحروب الأهلية, والصراعات المسلحة, والنزاعات والأجواء المناخية, من نقص الأمطار, والتصحر, وإهمال الحكومات وعجزها.

إلا أن هذه المزاعم سرعان ما تهاوت, بسبب تجاهل الغرب لقضايا إنسانية مشابهة- إن لم تكن أكثر بشاعة- في بلاد أفريقية مجاورة للسودان, مثل: إثيوبيا, والصومال, وبلدان الوسط الأفريقي، ناهيك عن الأوضاع الإنسانية المتردية في فلسطين, والعراق, وأفغانستان التي لم يُولِها الغرب نفس درجات الاهتمام المكثف, الذي أولاه لقضية دارفور، مما يبين أن قضية دارفور بالنسبة للغرب ليست قضية إنسانية, أو قضية حفظ سلام؛ لكنها استمرار لسياسة تمزيق الكيان السوداني, وفصل ما يوصف بأنه الشمال الأفريقي العربي المسلم, عن الجنوب الأفريقي, والوسط الأفريقي الذي لا تمل الدعاية, والسياسة الغربية عن وصفه بالزنجي المسيحي.
وإذا كان التدخل الغربي مقبولاً فيما يتعلق بجنوب السودان بدعوى أن هناك صراعاً بين مسلمين ومسيحيين، فذلك ليس مقبولاً في دارفور؛ لأن كلّ القبائل هناك مسلمة سواء العربية أو الأفريقية.

عباد الله، بدعوى نصرة الشعب المستضعف في دارفور, توافدت المنظمات الغربية إلى السودان عموماً, ودارفور خصوصاً، وقد بلغت- وفقاً للإحصائيات الرسمية- أعداداً مذهلة ومريبة, خاصة في دارفور، حيث زاد عددها عن ثلاثمائة منظمة, في ولايات دارفور الثلاث، مزودة بأجهزة اتصال متطورة, لا يسمح للمنظمات الخيرية الأخرى استخدامها، ولسيارات تلك المنظمات حق الحصانة, على غرار سيارات الدبلوماسيين.

ولقد لعبت بعض المنظمات العاملة في دارفور دوراً ماكراً في الأزمة هناك، ففضلاً عن محاولاتها المستمرة لتنصير من تستطيع من مسلمي دارفور، ونشرها المخدرات والفاحشة، نجدها ساهمت وتساهم بشكل ملحوظ في تأجيج الصراع في هذه المنطقة, حيث تمارس الضغوط السياسية, والانحياز لقبائل المزارعين غير العربية، وتذكي الخلافات بين الأطراف المتنازعة, إضافة إلى مساعدتها للمتمردين عسكرياً، وقد ضبطت الحكومة السودانية أدلة مباشرة تشير إلى دعم هذه المنظمات, والدول الراعية لها حركات التمرد بالطائرات المحملة بالسلاح وغيره.

عباد الله, إن للغرب عموماً, ولإسرائيل خصوصاً, دور كبير في المعاناة التي يلاقيها أخواننا في السودان ودارفور, فها هو أحد ساسة الغرب يقول: إن العين الأمريكية ملتفتة إلى دارفور, ويقظة على ثرواتها, وإبراز قضية دارفور ستبقى من أولويات الإدارة الأمريكية, إلى حين إيجاد الحل الذي يخدم المصالح الأمريكية بالدرجة الأولى قبل كل شيء.

وأما اليهود, فقد قرروا احتواء أفريقيا والانتشار في قلبها, منذ استيطانهم في بلاد المسلمين، وقد استطاعوا- وللأسف- إقامة علاقات مع اثنتين وثلاثين دولة افريقية.

ولقد أثبتت الوقائع والتحقيقات مسئولية إسرائيل, ومشاركتها في إشعال التمرد في دارفور, حيث تم اعتقال عدد من تجار السلاح اليهود, يبيعون أسلحة للمتمردين في دارفور.
وقد صرح وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي في إجابة له عن سبب الاهتمام بالسودان, والتدخل في شؤونه الداخلية, بأن الهدف هو: " تفتيت السودان, وشغله بالحروب الأهلية؛ لأنه بموارده, ومساحته الشاسعة, وعدد سكانه, يمكن أن يصبح دولة إقليمية قوية, مضافة إلى قوة العالم العربي. ولذلك لا بد أن نعمل على إضعاف السودان, وانتزاع المبادرة منه؛ لبناء دولة قوية موحدة، وهذا من ضرورات دعم, وتعظيم الأمن القومي الإسرائيلي " . اهـ

أيها المسلمون, إن هذه الحقائق, التي أفشى عن بعضها الأعداءُ, تبين وتؤكد أن التحركات الغربية ضد السودان, تصب في إجبار الحكومة السودانية على قبول تسوية سياسية, تجعل ولايات دارفور الثلاث إقليمًا واحدًا, بحكومة إقليمية, على غرار جنوب السودان؛ ليتم بعد ذلك وضع مقدرات هذا الإقليم في يد عناصر يتم تحضيرها الآن‏،‏ وأصبح بعضها- وللأسف- أداة علنية في يد الموساد الإسرائيلي, وأجهزة الاستخبارات الغربية‏، وهذا يعني إنهاء وجود السودان كدولة مسلمة بوضعها, وحدودها الحالية، والله نسأل بمنه وكرمه, أن يحفظ الإسلام, وأهل الإسلام, وبلاد الإسلام.

الخطبة الثانية :

عباد الله، إن مشاركة المسلمين, واستشعار ما يحلُ بهم من المصاب العريض في شتى أنحاء المعمورة, من حقِ المسلمِ على أخيه المسلم، وإن من أقل حقوق أخواننا علينا: أن نشركهم في أحاديثنا، وأن يكون لقضاياهم, ومعاناتهم جزء من أوقاتنا؛ فنحن أمة واحدة, وإن تباعدت بيننا المسافات، وتعددت على أثر ذلك اللهجات، وحالت دون وحدتنا الحدود والاتفاقيات، ولسان حال كل مسلم, مع مصاب إخوانه:

إذا اشتكى مسلم في الهند ارقني

وإن بكى مسلم في الصين أبكاني
وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني
شريعة اللـه لَمت شملنا وبنت لنـا معـالم إحسان وإيمان

أيها المسلمون، إن دارفور وغيرها من المناطق الملتهبة في بلدان المسلمين, تطلعنا على حقيقة الغرب, وشعاراته الكاذبة، فهم في الواقع يبحثون عن مصالحهم، وما يحقق أهدافهم, ولو كان ذلك على دماء الشعوب الأبرياء وجماجم المخلصين الأمناء: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217].

أيها المسلمون, إن دورنا حين سماع مصاب إخواننا, لا يقتصر على معرفة الحقيقة فقط، بل ينبغي أن نتبع العلم العمل، من بيان لحقيقة الأزمة وأهدافها, وأبعادها لكل من نراهم ونجالسهم, وبكافة الوسائل المتاحة، وخاصة لأولئك المتأثرين بالإعلام المستغرب.

كما يجب أن تتحرك منظمات الإغاثة, والهيئات الخيرية العربية, والإسلامية, بقوة في كل أنحاء السودان، وخصوصا في الغرب, والجنوب؛ لإغاثة إخوانهم, وسد فاقتهم؛ ولإعادة كفة التوازن مع عشرات المنظمات الإغاثية التبشيرية الغربية, التي ترتع في الساحة كيفما تشاء.

ألا وإن أقل ما يمكن أن يقدمه المسلم لإخوانه, هو الدعاء لهم بالعز والنصر والتمكين، وقد وعدنا ربنا الإجابة, وهو لا يخلف الميعاد: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60].