المنان
المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إن كل أمة ودولة إنما تعلو ناجحة في طريقها غير خاضعة لأحد من بني جنسها إذا أعدّت العدة للنجاح، وإن أكبر عامل لنجاحها بعد توفيق الله -جل وعلا- هو شبابها، فشباب كل أمة عمادها، فإذا صلح شبابها صلحت سيرتها، وإذا فسد شبابها فسدت سيرتها. ولنعرف أهمية الشباب نلقي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد:
أيها المؤمنون: إن كل أمة ودولة إنما تعلو ناجحة في طريقها غير خاضعة لأحد من بني جنسها إذا أعدّت العدة للنجاح، وإن أكبر عامل لنجاحها بعد توفيق الله -جل وعلا- هو شبابها، فشباب كل أمة عمادها، فإذا صلح شبابها صلحت سيرتها، وإذا فسد شبابها فسدت سيرتها.
ولنعرف أهمية الشباب نلقي بالنظر الصائب إلى أول دولة إسلامية أقيمت في هذه الأمة، لنرى بوضوح أثر الشباب في مسيرتها وخضوع العالم لها.
إن أول وقعة حصلت بين الصحابة والكفار، فرّق الله بها بين الحق والباطل، وسماها الله في كتابه (يوم الفرقان)، كان غالب الجيش من شباب الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين-.
وانظر إلى أسامة بن زيد -رضي الله عنه- تولى إمرة أول جيش يغزو الروم ولم يبلغ العشرين من عمره، ولما احتاج النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى من يتعلم لغة اليهود انبرى لها زيد بن ثابت -رضي الله عنه- فتعلمها في سبعة عشر يومًا، وهو دون سن العشرين من عمره.
ولو ألقينا نظرة إلى المجتمع الإسلامي في ذلك الزمن -أعني زمن النبوة-، لرأينا الشباب هم العباد، وهم المجاهدون، وهم العلماء، وهم الدعاة، وهم الغالبية العظمى في كل مجال، ذلك أنهم يتطلعون للحياة وينظرون إليها النظرة الصحيحة الواضحة، ويعلمون مدى العبء الملقى على ظهورهم تجاه أمتهم.
أيها المسلمون: ومتى ما تخاذل الشباب وانحرف عن جادة الصواب، انخسفت الأمة في أوحال الذل، وتسلطت عليها الأمم من كل حدب وصوب، فلنلق الضوء على هذا القرين الذي نعيش فيه، ولننظر بعين البصيرة، في أحوال شبابه وما هي اهتماماتهم واتجاهاتهم، وطموحاتهم، إنه للأسف ليرجع الطرف كسيرًا حسيرًا.
قد بكت عينه واعتصر قلبه، وتهاوت به قدماه أمام واقع الشباب هذا الزمن، فالأوقات قد قتلت عند عامة الشباب إلا من رحم الله، فالسهر في الليالي، والنوم في الأيام، وتجد الانكباب والانهماك في المحرمات كالتدخين والمخدرات والعشق، والمعاكسات والمطاردات، مع إضاعة الفرائض كالصلوات، وغالب العبادات.
ومما يدلك على تهاوي عقول الشباب في الرذيلة وطرقها إلا من رحم الله، ذهابهم في تلك المقاهي زرافات ووحدانًا حيث تقتل الأوقات، وتدار بينهم المحرمات، ويتعلمون من بعضهم طرق الإجرام والرذيلة، والانحطاط وإضاعة الفضيلة.
حتى إن الغالبية العظمى من الشباب قد أسر الغرب عقولهم، فهم في قيود الأسر يسيرون، فهم يقلدون الغرب حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، فانظر إلى لباسهم، وانظر إلى حركاتهم وهيئاتهم، بل انظر إلى كلامهم وعباراتهم، تنبيك عن ذلك.
حتى إن البعض منهم قد انطمست هويته فاشتبه الأمر على الناظر، فلا فرق بينه وبين الكفار، والعياذ بالله، حتى اضطر كثير من الشباب إلى السفر إلى بلاد الكفر للتنفيس بزعمه عما بداخله من الشهوات واختلاط الهوى المكتسب من مخالفة شرع الله تعالى.
وبينما ترى الشباب قد غرق في لجة المعاصي غافلاً عما يراد به، تجد فرقةً أخرى من الشباب قد ضربوا طريقًا أخرى من طرق الشهوة والغواية، وذلك بتحسين دعاة الضلال لهم، وفتنتهم بالمادة، ألا وهو طريق الكرة، نعم إنه لعب الكرة الذي شخصت أبصار كثير من الشباب نحوه، وقد سلبت الخيالات عقله، لما يرى من مستقبل بعض المخدوعين الذي جُعلوا أداة لجلب الشباب، كل ذلك تحت عبارة برّاقة، هي الاحتراف.
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: إن الاحتراف المزعوم هو طريق الانحراف لكثير من الشباب بكل ما تعنيه هذه الكلمة من مدلولات.
فإذا كان شباب الأمة قد غرق في شهواته بين مغريات وملهيات، وأعراض وماديات، فمن سيكون السبب في نصرة هذا الدين: (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7]، إذا غرق الشباب في شهواته، فمن ينقذ فتيات المسلمين من أيدي اليهود والنصارى، ومن يمسح دمعة اليتامى في أرض المغتصبين عن المسلمين.
من سيحرر الأقصى من أيدي اليهود، ومن سيرفع راية الجهاد لقمع أهل الكفر والإلحاد؟!
أيها المسلمون: لقد نجح أعداء الدين في سلخ الشاب المسلم من عقيدته التي بها يعرف قيمته بين الأمم، فهل من مفيق، فما زال في الأمر فسحة!! وإن أسباب عودة الشباب المسلم إلى الطريق الصحيح هي هدم أساليب الفساد بجميع أنواعه، والتمسك بالكتاب والسنة، والإعراض عن جميع الملهيات، تربيةً للنفس على علو الهمة، وثبات العزيمة، فبذلك ينهزم أعداء الملة، وتتهاوى دول الكفر، فنحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، الله حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا.
الخطبة الثانية:
أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: بعد هذا العرض المختصر لما عليه شباب الأمة، يجب على الجميع معرفة العلاج الناجع، الذي سيكون سببًا في صلاح أوضاع الشباب المؤلمة، فبالنظر إلى حياة الشاب المسلم يجد أن مرحلة الخطورة التي تكثر فيها المنزلقات هي ما بين السنة الثانية عشرة والعشرين، فلا بد من إعطاء الشباب حقنة من التربية المتقنة في هذا السن، وأن يُتعامل معه بالحكمة السليمة.
إن السبب الفعّال في انحراف الشاب وصلاحه هو الأب، ولي الأمر، فكم من أب أصبح أداة فساد لابنه، شعر بذلك أم لم يشعر.
أيها المسلمون: إن من يهمل ابنه في سن الطفولة، يجني العقوق والانحراف عند المراهقة إلا من رحم الله، فلا بد من رعاية الابن منذ نعومة أظفاره، فإذا دخل المرحلة المتوسطة، ازدادت الرعاية، وحققت رغبات الابن بضوابط الشريعة، بلا إفراط ولا تفريط.
وعلى الأب أن يجتهد في اختيار الصحبة الطيبة له، وأن يزرع في ابنه معرفة قيمة الوقت وأهميته.
أيها الآباء وأولياء الأمور: نحن نستقبل عامًا دراسيًّا جديدًا، فينبغي الاهتمام بالأبناء منذ بداية العام، فإن الفشل الدراسي من أسباب الانحراف، كما ينبغي للأب أن يتعرف على صحبة أبنائه في المدرسة وخارجها، وأن يقوم بزيارة المدرسة لمعرفة حال ابنه.
فإن بعض الأبناء يهربون من المدارس ويذهبون إلى المقاهي بلا حسيب ولا رقيب، فلقد حدثني أحد المشرفين في إدارة التعليم أنهم قاموا بجولة في المقاهي في منطقة الجنادرية في الصباح الدراسي، فوجدوا من الطلاب ما يربو عددهم عن مائتي طالب في يومٍ واحد.
فالحذر الحذر من الغفلة عن الأبناء؛ فإن صلاح الابن صلاح لبيتك ولمجتمعك، وهو ربح لك بعد موتك، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له".
أيها المؤمنون: عودًا على بدء، الله الله في الشباب، يجب مد يد العون لهم، فإنهم يعيشون في زمن مليء بالفتن، وهم مع ذلك يعالجون النفس الأمارة بالسوء، والهوى والشيطان من الجن والإنس، فمن رحمتهم أن نوجههم إلى طريق الخير، بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نسعى جادين في إلزامهم طريق الصلاح والخير.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6]، فلا تكن -أيها الأب- ممن يحرص على ابنه في مساره الدنيوي، ويغفل عن مساره الأخروي، فعليك بنصحه والدعاء والتعامل معه، خصوصًا في سن المراهقة، التعامل معه بحذر ورفق، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ما نزع من شيء إلا شانه.
اللهم ارزقنا الحكمة في جميع أمورنا، اللهم اهدنا وسددنا.