البحث

عبارات مقترحة:

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

حق الجار

العربية

المؤلف خلف بن حمود الشغدلي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. عظم حق الجار .
  2. مراتب الجيران .
  3. الأمر بحسن الجوار والتحذير من الإساءة إلى الجار .
  4. من صور أذية الجار .
  5. من حقوق الجار .
  6. الموقف من الجار السوء .

اقتباس

والجيران ثلاثة أقسام: جار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم القريب، وجار له حقان وهو الجار المسلم، وجار له حق واحد وهو الجار غير المسلم، له حق الجوار كما ورد في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأما قوله سبحانه: (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)، فقد ورد عن علي وابن مسعود أنها...

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، والتمسوا من الأعمال ما يحب الله ويرضى، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أنه يسمع ويرى، وإياكم والطغيان واتباع الهوى وإيثار الحياة الدنيا؛ فإنه بذلك هلكت القرون الأولى.

عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن حق الجار في الدين عظيم، قد أكده الله تعالى والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- بالآيات والأحاديث، يقول الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [النساء: 36].

وفي هذه الآية الكريمة قد قرن الله -عز وجل- الأمر بالإحسان إلى الجار بالأمر بإحسان عبادة الله وعدم الشرك به والإحسان إلى الوالدين؛ ما يدل على أهمية الجوار في الإسلام.

والجيران ثلاثة أقسام: جار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم القريب، وجار له حقان وهو الجار المسلم، وجار له حق واحد وهو الجار غير المسلم، له حق الجوار كما ورد في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأما قوله سبحانه: (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)، فقد ورد عن علي وابن مسعود أنها الزوجة، وقيل: الصاحب في السفر، وقيل: الجليس في الحضر.

إخواني: إن حق الجار عظيم في دين الله -عز وجل-، وفي عرف العرب وعوائدهم وسجاياهم، وقد ورد في الحديث قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، أي: سيجعل له نصيبًا في الميراث.

ولا يُسيء الجوار ويؤذي الجار إلا لئيم وخبيث معتدٍ أثيم، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "والله لا يؤمن" ثلاثًا، قيل: لقد خاب وخسر! من هو يا رسول الله؟! قال: "من لا يأمن جاره بوائقه"، قالوا: وما بوائقه؟! قال: "شره".

ولقد كان العرب قديمًا في الجاهلية والإسلام يحمون الذمار ويتفاخرون بحسن الجوار، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار.

وقد أمر الإسلام بحسن الجوار ولو من الكفار، وشر الناس من تركه الناس اتقاء شره وفحشه، وتباعد عنه من يعرفه تجنبًا لشره، وأخبث الجيران من تتبع العثرات وتطلع إلى العورات في سره وجهره، وليس بمأمون على دين ولا نفس ولا أهل ولا مال، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في الصحيح: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"، وقال -بأبي هو وأمي-: "المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السوء، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه".

أيها المسلمون: إنه من المؤسف المحزن أن يبيت الرجل في بيته شبعان وله جار جائع، ويلبس الجديد من الثياب ويبخل بالبالي من ثيابه وأثاثه على العراة من المسلمين والمحاويج. يقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لا تحقرنَّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة"، وقال لأبي ذر -رضي الله عنه-: "يا أبا ذر: إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعهد جيرانك".

واعلم -يا عبد الله- أنه حرام عليك أن تنظر في بيت جارك وهو غافل أو تخونه في أهله، ومن فعل ذلك فقد خان الله ورسوله. وقد رأى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مرة رجلاً عند بابه حينما خرج فقال: "لو أعلم أنك تنظر لطعنت عينك بهذا المدرى، فجعلت عين المتطلع هدرًا". وكذلك حرام عليك التجسس على جارك في فعله وقوله.

أيها المسلم، أيها المؤذي لجاره: إذا عجزت عن برِّ جارك والإحسان إليه والاعتراف بفضله فكفّ عنه أذاك في فعل وقول.

أيها المسلمون: إن حق الجار عظيم، فإذا دعاك فأجبه، وإن استشارك فأشر عليه، وإذا كان مظلومًا فانصره، أو ظالمًا فأمسك على يديه، وإن أحسن فاشكر له، وإن أساء فاعف عنه، وإن رأيته على فساد فلا تقره عليه، فربّ جارٍ متعلق بجاره يوم القيامة، يقول: يا رب: إن هذا قد أغلق بابه دوني، ومنعني معروفه ونصحه، وقد جاء في الحديث الصحيح: قال رجل: يا رسول الله: إن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها ولكنها تؤذي جيرانها، قال: "هي في النار"، وقيل له: إن فلانة تُذكر من قلة صلاتها وصيامها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها، قال: "هي في الجنة".

عباد الله: قد ذُكر في الأثر أن أربعًا من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق. وقد ورد في السنن: "خير المجالس أوسعها".

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا كما يُحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

عباد الله: إن الله تعالى يحبّ جارًا صبر على أذية جاره حتى يكفيه الله إياه بتحوّل أو موت، وقد ورد في الحديث الصحيح أن رجلاً شكا إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- جاره فقال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "اصبر"، فأتاه مرتين أو ثلاثًا، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "اذهب فاطرح متاعك في الطريق"، أي: أخرج فراشك وأثاث بيتك وضعه في الطريق ليعلم الناس جميعًا أنه يؤذيك. ولما ذهب الرجل وطرح متاعه في الطريق جعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، وجعل الناس يقولون: اللهم العنه، اللهم افعل به وافعل به، فجاء جار السوء إلى الرجل فقال: ارجع والله لن ترى مني شيئًا تكرهه.

إخواني: وإنه من السفه والحماقة وقلّة المروءة ترافع الناس إلى القضاء والمحاكم والشرط فيما يقع عادة بين الجيران من الخصومات التي لا تحتمل ذلك من خصومات النساء ومشاجرات الصبيان أو السفه والحماقة في القول، فليس كل الجيران عاقلاً حازمًا ذا مروءة وشرف، فالبعض قد يحركه النساء والصبيان.

فإذا بُليت -يا عبد الله- بمثل هذا فعليك بالصبر والتحمل، والله يحب الصابرين.

وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة؛ فإن جار البادية يتحول". وقال -عليه الصلاة والسلام-: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب".

جعلني الله وإياكم من خيار خلقه، وبارك لي ولكم في الطيبات من رزقه، وأجارني الله وإياكم من الأذى والأذية، آمين.

اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم ومنّ علينا بالتوبة النصوح، اللهم أرنا الحق حقًّا ووفقنا لاتباعه، وأرنا الباطل باطلاً ووفقنا لاجتنابه...