البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

الحرب على مسلمي مالي

العربية

المؤلف إبراهيم بن سلطان العريفان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. الإسلام في مالي وصراعه المعاصر مع أعدائه .
  2. أسباب التدخل الفرنسي الصليبي .
  3. وجوب نصرة المسلمين في مالي .
  4. المفاسد المترتبة على الحروب في مالي .
  5. حكم نصرة الكفار ضد المسلمين .
  6. دلالات تخلي العرب والمسلمين عن نصرة إخوانهم. .
اهداف الخطبة
  1. تعريف المسلمين بمالي والغزو الصليبي لها
  2. بيان مسؤولية المسلمين وواجبهم تجاهها

اقتباس

إن هذه الحرب المنتظرة ليست سوى امتدادٍ لمسلسل الحملات الاستعمارية التي طالت الكثير من بلاد المسلمين، فزرعت في فلسطين خراباً ودماراً حصد المقدسات والحرمات، وجرحت أفغانستان جرحاً لا يزال ينزف، وخلفت في العراق لوعة ودموعاً لا تجف، وأشعلت في السودان والصومال حرباً ما زال يذكو وقودها، وجعلت...

الحمد لله الذي حرم الظلم والعدوان، وأوجب العدل والتناصر بين الإخوان، فوسعت رحمته الأكوان؛ والصلاة والسلام على خير من عاف الضيم والهوان، وعلى آله وأصحابه خيرة الأعوان، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الْمَلَوَان.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

إخوة الإيمان والعقيدة: صفحة جديدة، وفصل جديد في الاعتداء والحرب على الإسلام والمسلمين، تلك الحرب التي كشف عنها أعداء الدين أستارهم، وأنشبوا أظفارهم، والتي يستهدفون من خلالها احتلال شمال مالي، تلك الدولة الإفريقية. إنه يجب على المسلمين معرفة واجباتهم وتحمل مسؤولياتهم تجاه تلك الأرض وساكنيها.

إن هذه الحرب المنتظرة ليست سوى امتدادٍ لمسلسل الحملات الاستعمارية التي طالت الكثير من بلاد المسلمين، فزرعت في فلسطين خراباً ودماراً حصد المقدسات والحرمات، وجرحت أفغانستان جرحاً لا يزال ينزف، وخلفت في العراق لوعة ودموعاً لا تجف، وأشعلت في السودان والصومال حرباً ما زال يذكو وقودها، وجعلت من بلاد المسلمين روافد للدموع، ومنابت للأحزان.

وهاهم أعداء الدين اليوم يشدون رحالهم لغزو هذه المنطقة، وفرض النظام العالمي الجديد فيها، وصدق الله: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217].

إن ساكني هذه المنطقة مسلمون، وقد قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات:10]، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا".

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "الْمُسْلِمُ أَخُو اَلْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ. مَنْ كَانَ في حَاجَة أخِيه، كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كرَبِ يَومِ القِيَامَةِ".

ففي هذه الأحاديث أمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا يسلم المرء أخاه المسلم لظلم ظالم، وأن يأخذ فوق يد كل ظالم، وأن ينصر كل مظلوم.

فتجب إذا نصرة هؤلاء المسلمين بكل الوسائل المتاحة، ولا يجوز التقاعس عنها أو التقصير فيها بحال، فالمسلمون كالجسد الواحد، وكالبنيان المرصوص، وهم يد على من سواهم، لأن رابطتهم الإيمانية أقوى الروابط، ولا عبرة بعدها باختلاف لون أو عرق أو بلاد.

لقد شهد العالم تدخل فرنسا في مالي، وقتلها للمسلمين بعملياتها العسكرية هناك, وتأييد بريطانيا وغيرها من الدول لذلك، وإنه لَمِنَ الظُّلم البيّن والإرهاب الواضح اجتماعهم وتكاتفهم على ضرب المسلمين هناك، وإن تعجب فعجب أن يحصل هذا الاعتداء منهم من دون إذن من مجلس أمنهم المزعوم! فكيف لهم أن يُقْدِموا على ذلك؟ وخاصة أن المسلمين في مالي لم يعتدوا عليهم أو يقتلوا أحدا منهم!.

وإن كانوا -بزعمهم- يريدون تحقيق الأمن في مالي، فلماذا لم يتدخلوا في سوريا ضد بطش النظام النصيري؟! والأمر فيها أشد وأنكى، والقتلى والجرحى والنازحون والمهجَّرون بمئات الآلاف، والقصف والتدمير أكثر بكثير مما يحصل في مالي! (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا) [الكهف:5]؛ بل، لماذا لم يتدخلوا بجمهورية أفريقيا الوسطى، وقد استغاث رئيسها بأمثال هذه الدول, ولم يجيبوا نداءه؟!.

إن سبب تدخلهم في مالي -كما لا يخفى- أن منطقة أزواد هي منطقة صحراوية فقيرة، ولكنها غنية بالموارد الطبيعية والمعادن النفيسة التي لم تستغل، يوجد بها نصف الإنتاج العالمي من الذهب، ويوجد بها اليورانيوم الذي تستخدمه فرنسا لمفاعلاتها النووية، ويوجد بها أكبر بحيرة مطمورة تحت الماء.

سكانها من العرب والطوارق وبعض القبائل الأفريقية، يدينون بالإسلام، وعلى مذهب أهل السنة والجماعة، وجميع سكان أزواد يحفظون القرآن والسنة والعلوم الشرعية، حتى الأطفال، ولا يوجد أمي لا يقرأ؛ لتمسكهم بالدين الصحيح.

احتل الفرنسيون أزواد في القرن التاسع عشر، فهبوا جميعاً لمقاومتهم ودحرهم، فسلمت فرنسا أزواد للحكم المالي. تعامل الماليون معهم بعنصرية ، فقتلوا منهم الكثير، وارتكبوا المجازر، ونهبوا خيرات البلاد، ونشبت بينهم عدة حروب؛ لأن الأزواد يطالبون بالاستقلال.

وفي عام اثني عشر وألفين تمكن أهل الأزواد من تحرير بلدهم، وأعلنوا الاستقلال، أعلنوا إرادتهم لتطبيق شرع الله، وهدموا الأصنام والمشاهد التي تُعبد من دون الله... إلا أن هذا الأمر لم يعجب الغرب الكافر الذي لا يريد أن ينال المسلمون حقوقهم، فأعلنت فرنسا الحرب عليهم بحجة محاربة الإرهاب، ولمنع تطبيق الشريعة.

والآن؛ تشن فرنسا بمعاونة الغرب الصليبي الكافر حرباً صليبية على أهلنا في أزواد، فتقتل النساء والأطفال، وفي الأيام الماضية قصفت قوات فرنسا مستشفى يعالج فيه الجرحى من النساء والأطفال.

فما تقوم به فرنسا ما هو إلا حرب صليبية على المسلمين في مالي، ولا تخفى المفاسد العظيمة من هذه الحروب, وأعظمها قتل الأطفال والنساء والشيوخ, فهذه القنابل لا تفرق بين صغير وكبير، أو ذكر وأنثى.

ثم ما يحصل من تشريد وتهجير للمسلمين في مالي, وإخراجهم من بيوتهم, وقد يصلون إلى عشرات أو مئات الآلاف, فتحصل المجاعات والنكبات عليهم, ومالي دولة فقيرة أصلا وأهلها فقراء, فكيف ستكون أحوالهم إذا هُجّروا؟ وتراخي المسلمين عن نصرتهم يسبب استمرار هذه الأزمة عليهم واستفحالها, كما هو الحال في سوريا الآن, ومن قبلها أفغانستان وفلسطين.

فعلى المسلمين أن ينصروا إخوانهم، ويقفوا معهم، قال الله -تعالى-:(وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)، وقال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".

أسأل الله أن يفرج همهم ، وأن ينفس كربهم، وأن يرفع البلاء عنهم، وأن ينصرهم على عدوهم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين: إن ما يطلبه اليوم أعداء الدين من النصرة والتأييد في هذه الحرب لا تجوز الاستجابة له بحال؛ لأن نصرة الكفار ضد المسلمين من أعظم أنواع الولاء للكفر وأهله، وهي من نواقض الإسلام الواضحة وضوح شمس الضحى.

يقول -سبحانه-: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) [آل عمران:28]، يعني: فقد برئ من الله، وبرئ الله منه؛ بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر.

وقال -سبحانه- على لسان موسى -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) [القصص:17]، أي: فلن أكون عونا للكافرين.

وقال -تعالى-: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة:22].

وأي ظلم وعدوان أعظم مما تقوم به أمريكا وفرنسا وحلفاؤهما من نشر الكفر ومحاربة الإسلام والمسلمين، واحتلال بلدانهم، وتدنيس شعائرهم، ونهب ثرواتهم؟.

وإن ما هو واقع اليوم من التخلي عن المسلمين، والميل إلى أعداء الدين، لَدَلِيلٌ على ما وصلت إليه الأمة من برودة الدين، ورقة الإيمان. إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامِهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبَّيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة.

وقد أفتى بعض العلماء أثناء الاحتلال الفرنسي بحرمة التجنس، وردّة المتجنس بالجنسية الفرنسية، وقال: بل هو بهذا التجنس راضٍ ببذل ماله ونفسه في قتال المسلمين إذا دعته دولته إلى ذلك، وهي تدعوه عند الحاجة قطعاً.

عباد الله: إن تخلي الدول العربية والإسلامية عن نصرة المسلمين في هذا الموقف الحرج مصيبة عظيمة، فكيف بمناصرة الكفار عليهم؟ فإن ذلك من تولي الكافرين، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51]، وقد عدَّ العلماء مظاهرة الكفار على المسلمين من نواقض الإسلام؛ لهذه الآية.

ونص الإمام ابن باز -رحمه الله- على إجماع العلماء في ذلك, قال رحمه الله: "وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم".

ففي هذا الظرف الحاسم يجب على المسلمين عموما أن يصطفوا دروعاً دون إخوانهم، وألا يصل إليهم العدوُّ من جهتهم، فضلاً عن أن يخذلوهم بإعانة العدوِّ عليهم.

نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وباسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، أن يفرج عن إخواننا في مالي.

فنسألك اللهم أن تنصر عبادك، وأن تفرج عن أوليائك، اللَّهم إنك تعلم أن هؤلاء القوم المسلمين في مالي قد كَسَّروا الأصنامَ التي تُعبد من دونك، وأرادوا نُصرةَ شريعتِكَ - نحسبهم كذلك وأنت حسيبهم- فاللَّهم نصرك الذي وعدت، اللهم يا قوي يا عزيز، نسألك أن تخذل فرنسا ومن معها من الدول الكافرة, إنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.