العربية
المؤلف | عاصم محمد الخضيري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
أبغوني شبابكم! أبغكم كُلَّ مطارٍ تطير به أمجادُكم وافتخاراتُكم إلى حيث لا منتهى لكبارها، أبغوني شبابكم! أبغكم سؤدد الدنيا وعِزَّ الآخرة، أبغوني شبابكم! وأنا ضمين أن نرتقي السلم العلوي فلا ننزل منه أبدا، أبغوني شبابكم! وأنا ضمين لكم ولهم بجاه الشرف، شرفِ الدنيا والآخرة، أبغوني شبابكم! وأنا ضمين أن السرعة في بناء الحضارة التي نشرها أجدادنا من قبل نحن قادرون على أن ننشرها بنفس...
الحمد لله الحمد لله حمد الرضا..
حمدا كثيراً طيّبا..
حمدا علِيّاً أرحبا..
حمدا كأنسام الصَّبَا..
كالرَّوْحِ كالريحان إذ تسري فتعتبق الرُّبا..
حمدا لك اللهم حمدا يملأ السما | بأقطارها والأرض والبر والبحرا |
لك الحمد حمداً لا يُعَدُّ لحاصرٍ | أيحصي الحصى والنبت والرمل والقطرا؟ |
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،
فهو الذي برداء العزّةِ احْتَجَبَا | |
الباطِن الظّاهر الحق الذي عَجزَتْ | عنه المدارِكُ لما أمْعَنَتْ طَلَبا |
علا عنِ الوصْفِ مَن لا شيءَ يُدْرِكُه | وجَلَّ عن سبَبٍ من أوْجَدَ السّببا |
وأشهد أن محمد بن عبد الله عبد الله ورسوله، إمامُ الهدى، أجلى الله به الدجى، فأصبح ليلُ الأرض في أفقه فجرا،
صلّى الأُلى والآخرون عليه ما | صلَّتْ عليه وسلَّمَتْ أُمُّ القرى |
وصلى الله على آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
سلامٌ مِن صَبَا بَرَدَى أَرَقُّ | ووُدٌّ لاعجُ النفحات طلْقُ |
ومعذرة الخطابة والقوافي | جلالُ الوُدِّ عَنْ وَصْفٍ يَدِقُّ |
لا تلُمْ ثغري إذا أفشى الذي أفشى لهمْ..
لا تلم ثغري إذا وفّى شعو | رَ الصدقِ فيهمْ عنْهُمُ |
دع عنك تعنيفي [وذُقْ طعمَ الهوى] | فإذا هَوِيْتَ فبعْدَ ذلك عنِّفِ |
أحبهم... وليس في شرع الهوى أن أكتما
ما لي يد فيما جرى | ألّا أهيم وأغْرَما |
أحبّهم! قدّرَ اللهُ وما شاء فعل! ويا نُعمى القدر!.
وإذا كان الأول يقول: على قدْرِ الهوى يأتي العِتَابُ؛ فإن الحديث رغم البُرَحاء لن يكون في هذا المقام إلا عتابا. ولكنه عتاب ألطف مِن مر النسيم إذا سرى، وأجمل من روض تكلله العطر.
عتابٌ؛ وأيّ عتاب؟! ولمن؟ ولأجل ماذا؟ ومن المعاتَبون؟.
أمّا هم فأعمدة الأمم، وأسنمة القمم؛ فخر الحضارات، ومستوقد الكرامات،
وكم جَرَتْ لهمُ في الخير عاداتُ | تضفى لهم قدرا تلك التحياتُ |
يا شبابَ الأمة العليا | ءِ أُهْدِيكم خِطابي |
ثم أُزْجِيهِ سَلَامَاً | مُرسِلَاً فيه عتابي |
يا شباب الأمة العطشى | ويا زَيْنَ الشباب |
أكرعوا أفواهنا من ماءِ مكرمةٍ | فإنا قد سمئناها حكاياتِ الظما |
لكل فسطاط عموده، وأنتم الفساط والعمود! ولكل دولةِ مجدٍ حدودها، وأنتم الدولة والحدود والجنود،
[لاهُمَّ هبْ لي] بيانا أستعين به | على قضاءِ حقوقٍ نام قاضيها |
إنه؛ كما أن هذا المقامَ يشرف بهم وبذكرهم، فإن واجب العتاب والنصح لهم أشرف وأولى؛ وإذا كنا نحبهم ونؤمِّل منهم ونخشى عليهم من كل طارقة تطوف بها رحى الملوان؛ فإن حبنا إياهم هو ما دعا هذه الوقفة في هذا المقام.
أحببناهم؛ وَأَبْئِسْ بِحُبٍّ لا يقتضي وقفة حق نقولها فيهم، ونخبرهم بما لهم وعليهم! أحببناهم؛ وأبئس بحب يمنعنا أن نقول للمحسن منهم أحسنتَ وللمسيء أسأت! أحببناهم؛ وأبئس بحب يمنعنا أن نخبرَهم بأن أمتنا قد أُتِيَتْ منهم، ومن تخاذلهم، وموت هممهم، وسافل طموحاتهم!.
بئس هذا الحب حين يجعلني أكتم عتابي يوم أن ارتقت الحضارات من حولنا على أكتاف شبانها، في الحين الذي أرى شباب أمتي ملؤوا الآفاق غبرة وقتاما،
يملؤون الآفاق فيها سواداً | وَهُمُ -لو خبرتَهُمْ- كَالْغُثَاءِ |
يولد المولود وينعم في ظلال أمته، ويحبو، ثم يبلغ أشدّه آكلا من خيراتها، وناعما في دعة أمنها، ثم إذا استوى زرعه، وانتظرت أمته حصاد خيره، لم نر إلا هشيما تذروه الرياح!.
ألا بئس هذا الشباب! لمن العتاب؟ لشبابٍ يأخذني الحياء أن أحدثهم أن الكبواتِ التي سقطت بها أمتي ما كانت إلا يوم أن عثروا بها؟ لمن العتاب؟ لشبابٍ صبغوا وجه أمتهم بالسواد بعد أن لوَّنوها قديما بالبياض؟ لشباب ننتظرُ بلوغ أحدهم حتى يتحمل جزءا من المسؤولية الثقيلة لمليار ونصف مليار؟ ولكنهم فاجؤونا بأنهم لم يستطيعوا أن يُخرجوا أنفسهم من أنفسهم!.
لمن العتاب؟ لشباب كنا ننتظر أن يزيدوا في أمتهم فإذا هم زائدون عليها،
لمن العتاب؟ هو لشباب عزلوا أنفسهم عن مهمتهم التي خلقوا من أجلها ثم ارتضوا أن يرضعوا من ثدي الهوان! لمن العتاب؟ لهم، حين انصرفوا عن فطرة الله التي فطر الناس عليها، ثم سلكوا سبيل الغواية والسبهللية، لا في عمل دينٍ ولا دنيا.
شبابٌ يملؤون الشوارع، وآخرون ضجت بهم الأرصفة، وآخرون لا تراهم إلا حيث الأذى لكل من مر بهم!.
وآخرون، كلما نادى المنادي: حي على الفساد، تبصرْهم في الصف الأول! يأتون إليها ولو عاقدي الحبَواتِ!.
وأدناهم -وما فيهم عليٌّ- مَن يحاول إضاعة وقته بالذهاب والإياب، والإكثار من القيل والقال، والتماوت, لا طموح ولا همة ولا سمو، إنما هو البحث عن كل غثاء! وليته بحَث عن نفسه!.
أشك أنهم من أمة أحمد! ما هم بأمة أحمد! خبِّراني: أهُم ينتسبون لدين خير الورى وصحابِه العظماءِ؟ خبراني: أليس هم الذين ينتسبون لنفس تلك السلالة التي فتحت التأريخ، ثم ضمّخته من عظمتها؟ خبراني عن هؤلاء الشباب الذين نراهم في كل محلة ومقام،
يملؤون الآفاق منها سواداً | وهمُ -لو خَبرْتَهُمْ- كالغثاءِ |
خبّراني عنهم! فإني أراهم أينما اتجهت يدي؛ أقول: ما أكثرَ الشباب!
ولكن ما أقلّهمُ! | الله يعلم أني لم أقُلْ فَنَدَا |
إني لَأفتح عيني حين أفتَحُهَا | على كثيرٍ ولكنْ لا أرى أحدا! |
خبراني عن هؤلاء الشباب؛ هل لهم صلة بأولئك الذين أحاطوا بمحمد بن عبد الله؟ ليتسوروا بعدها بأساور كسرى وقيصر، رغما عن ممالك الرستمية والهرمزانية والمجوسية!.
خبراني عن هؤلاء الشباب! هل لهم صلة بالشباب الأول؟ خبراني! أم أنهم لا يريدون أن يعرفوهم؟ خبراني: ألهم صلة بالشاب أبي بكر -رضي الله عنه- حين أسلم وهو في السابعة والثلاثين؛ ليودّع بعدها الرقاد، وخاطرَ السهاد، وليعلن الحرب على انهزامية الجاهلية، ويبدأ بالعمل الخالد؛ ليسلم على يده ستة نفر من الذين بشرهم رسول الهدى بالجنة؟!.
خبراني: ألهم صلة بالشاب عمرَ بنِ الخطاب -رضي الله عنه- حين أسلم وهو في الحادية والثلاثين، ليكون شبابُه الفتيّ وإيمانُه القوي أن يفر الشيطان منه؟.
أم هل لهم صلة بالشاب علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين أسلم وهو لم يستكمل الثامنة عشرة! ليكون فارس الإسلام الأول، ويتغنى سمع الزمان به وبجهاده، قائلا:
لا سيف إلا ذُو الفقارِ | ولا فَتَىً إلا عليّ |
إني أكاد أؤمن من شكٍّ ومن عَجَبِ | هذي الملايينُ ليسَتْ أمةَ العَرَبِ |
كأنما لم تَلِدْ في اليُتْمِ آمنةٌ | ولا حليمةُ هزّتْ مَهْدَ مرتقب! |
والله ما كنا ننتظر منكم ذلك أيها الشباب! أيرضيكم أن تكونوا سهاما صائبات؛ ولكن في نحورنا؟ أيرضيكم أن يكون لسانُ حالِ أمتكم فيكم:
وشُبّانٍ تَخِذْتُهُمُ دُرُوعاً | فكانوها؛ ولكن للأعــــادي! |
وخلتُهُمُ سهاما صائبــاتٍ | فكانوها؛ ولكن في فؤادي! |
قد سعينا كُلَّ سَعْيٍ | لقد صَدَقوا؛ ولكن في الفساد! |
إني أخاطب الشباب، ولا غير الشباب!
خذوا مِنِّي فؤادي وامنحُوني | مسامِعَكُم أزفُّ لها كلامي |
متى أُتينا إلا حين أوضَعت الحرب أوزارها عليكم؛ فركنتم، ولم تعرفوا سبب هذه الغزوة الموجهة إلينا فيكم.
متى أخذنا أذناب البقر والخنازير إلا حين سلط الأعداء علينا السهام، ولكنه أنابكم في هذه المهمة, فوا أسفاه يا شباب الخيرية!.
كلما قلنا: هذه النار أطفأها الله؛ فإذا أعداؤنا يحاولون إيقادها فيكم، لتشتعل أمُّتكم جمعاء.
شبابَ الخيرية: صدقوني هذه المرة، وانظروا أي دولة في قديم الدهر وحديثه قامت على أشدها، ستجدون شبابها هم طوبُها وقواعدُ نهضتها وبقاؤها.
ثم صدقوني أخرى، وانظروا أي دولة في قديم الدهر وحديثه، وانظروا أيَّ شيء أسقطها؛ تجدون شبابَها هم مقاصل إعدامها، وهم الذين أهدوها نفَسها الأخير! ما كان حديثا يفترى! أقسم بالله ما كان حديثا يفترى!.
دعوا التأريخ يحدثكم عن سقوط الدول وأسبابها، دعوه يحدثكم عن أرض الفردوس المفقود، دعوا التأريخ يحدثكم عن أرض أندلس وما أسقطها في أنياب النصرانية، وأنه لولا الميوعاتُ والتخنثاتُ والفتكات الكُبرُ ما سقطت جنة الله في أرضه!.
دعوا زمن إيزابيلا يحدثكم، حين أرادت هذه الملكة الإسبانية أن تسقط آخرَ معاقل الأندلس مدينة غرناطة أرسلت رسولا ليبلغها خبر أهلها قبل مهاجمة المدينة، ولكنَّ هذا الرسولَ عاد أدراجه بعدما اختبر صمود المدينة بشاب وجده في إحدى طرقاتها وهو يبكي، ليسأله الرسولُ عن سبب بكائه، فإذا هو لا يستطيع الجواب؛ عَقَدَ لسانَهُ هجرُ الحبيب،
وهمُّه لقيا الحبيــــ | ـــبِ وَلَاَتَ حين لقاءِ! |
ويا له من اختبار لصمود المدينة! يا له من اختبار لصمودها! تزلزلت هذه المدينة بجوابه!
فرح الرسولُ وقال:
هذي نفحةٌ | قُدْسِيَّةٌ للفتح جاءت مسرعهْ |
رجع الرسول إلى ملكته ليخبرها بالذي شَهِد، لتطلقها إيزابيلا مدوية في أسماع الشباب عبر الأجيال قائلة: الآن نغزوهم ولا يغزونا! ثم هاجموا المدينة، لتسقط دولة طارق بن زياد، وتموتَ آخرُ ورقة أنبتها الإسلام في بلاد الغرب!
اللهُ يعلم ما قلَّبْتُ سيرتها | يوماً وأخطأ دمع العين مجراهُ |
والله لا تخطئ عيناي الدمعَ وأنا أرى شبابا يحفرون بأيديهم فراديس مفقودة، وأراهم أينما اتجهت يدي كفئران سبأ ينخرون في استقرار هذه الأمم, لا تخطئ عيناي الدمع وأنا أبصر في وجوههم أثرَ الموات، لا تبصر في وجوههم أيةَ هويَّة تعبر عنها الرزية. أسمى مطالبهم رضا الغلمان عنهم!.
ولو جاز حُكْمِيَ في العالميـــ | ــنَ وَسَمَّيْتُ أسماءَ هذا الورى |
لَسَمَّيْتُ بعض النساءِ الرجا | لَ وسميت بعض الرجالِ النسا |
والله لا تخطئ عيناي الدمع حين أرى شبابا لا يبتغون من دنياهم سوى عجلة يمْسحون عنها أغبرة الشوارع، ومركوبا يُدلِّهُون به ضائع أوقاتهم، وضحكاتٍ في عباد الله يدخلون بها وهم السعادة في قلوبهم. ألا بئس هذا الشباب! ألهذا ابتغتهم أمتهم؟.
يا سليلَ المجْدِ ماذا غيَّركْ | أنتَ للمجْدِ وهذا المجدُ لَكْ |
كيف تغْفو يا فتى التوحيدِ هَلْ | هَيَّأَ الأعداءُ في الدَّرْبِ الشَّركْ؟ |
كانتِ الدُّنْيا ظلاماً دامِساً | بِئْسَتِ الدُّنْيا وبئسَ المُعْتَرَكْ! |
أُمّةٌ تاهَتْ على غير هُدَىً | بين تضليلٍ وإرهابٍ وشَكّ |
فانْبَرى للحقِّ نورٌ ساطِعٌ | أنزلَ القرآنَ للدُّنيا ملك |
أسفرَ الصبحُ وعادتْ مكَّةٌ | منبعَ النورِ وإشعاعَ الفلَك |
بعدها قامتْ جُيُوشٌ هَمُّها | نُصرةُ الحقِّ تدكُّ الــمُعْتَرك |
وأرى اليوم حِمى الحقِّ غدا | مسرحَ العابثِ حلاً مُنْتَهَك |
يا سليلَ المجدِ هلّا قلتَ لي | أيَّ ذنبٍ بالمخازي ضيَّعَك؟ |
أيها السّادرُ في لَذَّاتِهِ | هل ترى عيشَ المعاصي أعجبك؟ |
أُمَّتِي قد علّقَتْ فيكِ المــُنى | فاستفِقْ وانهَضْ وغادِرْ مضْجعك |
عُد إلى الرحمن في طُهْرٍ تَجِدْ | مَرْكَبَ النصـر إلى العَلْيَـا مَعَـك |
وترى الأبطـالَ آسادَ الشَّرى | تشتهي يوم الفِدَا أنْ تتبعك |
نـســأل الله "صـلاحـاً" عــاجــلاً | إنمــا الغافــلُ فـــي البلــوى هلـك |
قـد كفـانـا ما مَضَى من بؤْسِنا | ربّنا اكشِفْ ما بِنا! فالأمرُ لك |
أستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد: إنه يجب أن نعلمَ أن أزمتنا الأخيرة والأولى هي فشلنا في صناعة شباب حيٍّ واعدٍ يقوم على رواسٍ شامخات من العزيمة والقيادة والصلاح والثبات، ونفي الانهزامية المقيتة عن قلوبهم، إنه يجب أن نعلم أن المعركة الحقيقية هي في تبصرة الشباب بالصراط المستقيم، (صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) [الشورى:53].
أين هم شباب الأمة؟ لا تذكروا لي مجد فلان وفلان! هؤلاء استثناء من هذه الأمة؛ لكني أسألكم عن السواد الأعظم من الشباب، أين أجدهم؟ وفي أي سبيل؟ وأيُّ أرض تُقلهم؟ وما هم؟ وما قدر نفوسهم؟.
يعز عليَّ أن أقول إن شباب الأمة أحدُ ثلاثة: شبابٌ تائهون مغفَّلُون منساقون خلف شهواتهم، وهم الذين عبروا البحار والمحيطات للغرب بفكرهم وتلبسوا فكرا ومظهرا ليس منهم ولا يمت إليهم بصلة، فأصيبوا بانفصام كبير، وضياع بعيد، وسلب للهوية، وهم الأكثر، إلا من رحم ربك.
وإما شباب شغلتهم لقمة العيش، فهم إما منكبون عليها لاهثون وراءها، وإما متنازلون عن مبادئهم وأخلاقهم من أجلها؛ يذهبون حين تذهب اللقمة، ويؤوبون حيث آبت؛ إن أعطوا منها رضُوا، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون.
وإما شباب مصابون باليأس، ومنهم من وصل اليأس عنده حد اللامبالاة.
فإذا قيل له : انهض. قال: قد ضاع السباقُ وولَّتِ الركبان، وتلك -لعمر الله- ثالثة الأثافي! فضعفت الهمة، وتمزقت الأمة.
شبابَ الجيل للإسلام عودوا | فأنتم روحُهُ وبكم يسودُ |
وأنتم سِرُّ نهضته قديماً | وأنتم فجره الزاهي الجديد |
أبغوني شبابكم! أبغكم كُلَّ مطارٍ تطير به أمجادُكم وافتخاراتُكم إلى حيث لا منتهى لكبارها، أبغوني شبابكم! أبغكم سؤدد الدنيا وعِزَّ الآخرة، أبغوني شبابكم! وأنا ضمين أن نرتقي السلم العلوي فلا ننزل منه أبدا، أبغوني شبابكم! وأنا ضمين لكم ولهم بجاه الشرف، شرفِ الدنيا والآخرة، أبغوني شبابكم! وأنا ضمين أن السرعة في بناء الحضارة التي نشرها أجدادنا من قبل نحن قادرون على أن ننشرها بنفس تلك السرعة؛ والحق ما شهدت به الأعداء!
يقول مرماديوك باكتول: إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم بنفس السرعة التي نشروها سابقا إذا رجع شبابهم إلى الأخلاق التي كانوا عليها حينما قاموا بدورهم الأول؛ لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع أن يقف أمام حضارتهم. اهـ.
فمتى ألقاك يوما مسرجا فيه حصانك..
حاملا حزما وعزما عاقدا فينا رهانك..
ومتى يبيضُّ وجه الأمـــــة الغراء منك...
أبغني شبابك؛ فإنا قد سئمناها حكايات الظمأ.
أبغني شبابك! أبغك الصمود والصعود والخلود! أبغني شبابك؛ فإنهما نعمتان أنت مغبون فيهما أيها الشاب: صحتك وفراغك! أبغني شبابك! فإن أول ما تسألُ عنه يوم القيامة، تسأل عن شبابك فيما أبليته! أبغني شبابك! فقد كفانا ما أصابنا، يكفينا حين نعلمُ أن الشباب كما أنهم سر نهضة أولينا، فإنهم سرُ شقوة هذا الزمان. كفانا ما أصابنا!
تحدِّثُنا الركابُ حديثَ بؤسٍ | وأنْتَ اليوم -لو تدري- الحديثُ |
أحدثك أنت أيها الشاب: إن كنت مللت من أحاديث أمجادك السابقة فأرنا منك الحاضرة، إن كنت مللت من سير الشباب الأولين التي تقص عليك دائما فأرنا جديد أمتك فيك، إن كنت مللت من قصص الفتية السالفين ومللت من شباب يذكرهم القرآن دوما كان شبابهم حجة لهم فأرنا منك فيك!.
أعرف أن سمعك قد طرقته أحاديثُ كثيرةٌ، وقصصٌ مثيرة، "وأحاديث السما تُروى بإسناد صحيح". ولكن؛ أين العمل؟.
لا فتيةَ الكهف أنت، قد نسيت قصتهم مع الثبات؛ ولا قصة يوسف -عليه السلام- في الحرب بينه وبين شهوته التي أتته من كل جانب؛ ولا أنت نسيت شباب الصحابة من أبي بكر مرورا بالفاتحين الشباب، يقودون وأعمارهم في الثامنة عشرة ونحوها، ولا أنت نسيت شباب الدول التي حكمت في الإسلام، ولا أنت تنسى النماذج المشرقةَ في هذا الزمان.
شبابا كالسنابل في عطاءٍ | يُرَوْنَ وكالشُّموس منورينا |
فأين العمل؟ هلا كنت في عمل دين أو دنيا؟! يكفينا أيها الشاب ما أصابنا! يكفينا أن تكون أنت -ولا غيرُك- السبب الأكبر لنكستنا ونكبتنا وكربتنا وسقطتنا ورهبتنا!
تحدِّثُنا الركابُ حديثَ بؤسٍ | وأنت اليوم -لو تدري- الحديثُ |
يكفينا والله تتابع النكباتِ والنكساتِ والكرباتِ والسقطاتِ واللفحات، جيش الشر فيك يقوده الشيطان والهُلاك والخناس.
يا ابن الألمعيين السوالف: أناديك أنت من هذا المنبر، أناديك من منبري، وإن لم أقل فيه كلمة الحق فيك أنزل منه أشرف لي.
متى تسلكِ الدرب الصحيح فإننا مللناك في موتٍ، فقل لي: متى تحيا؟ أخي، متى تدري وتعلم ما يُحاك بك المساء؟! أخي، متى تغضبُ لواقعك الغبي، وتنتفضُ لتعمل ما يكسبك ويكسبُ أمتك الخلد الديني والدنيوي؟.
قل لي: ما لك وما لشبابنا؟
إن قيل حيّ على الكفاح..
استبدلوه بالصياح..
إن قيل حي على الفلاح..
لعقوا الرقاد وسامروا الغفلات وانتهكوا، فعرض المجد منهم مستباح..
الفجر لاح..
لكنهم خلف الملاح..
لكنهم -أواه!- قد شكت الجراح من الجراح..
نامت عيونهم ولم تعرف عيون أحبتي بالشام طيفا من كرى..
وتناثرت أشلاؤهم مركومة فوق الثرى..
ودم الشباب المؤمنين كسيل أنهارٍ جرى..
حسبي فمي! خذوا مني كلامي،
وليس بنافعٍ أبدا كلامي! | إذا ما الواقع المحزون أشهد |
وَطَنْطَنَةُ الكلام عن الضَّحَايا | كباقات الزُّهُورِ على ضَريحِ |
متى علّلْت بالكلمات كلمى | وما جدوى القريحة للقريح |
ومن يمشي على حرفٍ فصيحِ | كمن يمشي على جرح فصيح |
أخبرني إذن:
متى تغضب؟..
إذا قُتلت شهامتنا، إذا ديست كرامتنا، إذا قامت قيامتنا، أخبرني متى تغضبْ؟..
إذا نُهبت مواردنا، إذا نكبت معاهدنا، إذا هُدمت مساجدنا..
وظل المسجد الأموي، وظلت قدسنا تُغصَبْ..
ولم تغضبْ..
فأخبرني: متى تغضبْ؟..
عدوّي أو عدوك يهتك الأعراضَ..
يعبث في دمي لعباً وأنت تراقب الملعبْ!..
إذا لله، للحرمات، للإسلام لم تغضبْ..
فأخبرني: متى تغضبْ؟..
وأخبرني: لأية أمة تنسب؟..
إذا ما الواقع المحزون آلم قلبك المرتاح..
ولم تسلك سبيل الراشدين..
ولم تبث المجد في شريان نفسك في الدنا والدين..
فعِش أرنبْ..
ومُت أرنبْ..
اللهم أصلح شباب الأمة، اللهم أصلح شباب الأمة، اللهم أصلح شباب الأمة، ووفقهم للعمل بمرضاتك، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
اللهم أصلحهم، ووفقهم لما فيه عز الدنيا وشرف الآخرة.
اللهم أقر عيوننا بشبابنا، اللهم أقر عيون أمتهم بهم، اللهم أنت المستعان وعليك التكلان.
أرنا في شباب أمتنا ما يغيظ أعداءها، ويشفي فيهم صدور قوم مؤمنين. أنت حسبنا؛ ونعم الوكيل!.