البحث

عبارات مقترحة:

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

أثر اللغة العربية في فهم القرآن

العربية

المؤلف مرشد الحيالي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. إعجاز القرآن الكريم وبعض أوجهه .
  2. أثر معرفة اللغة العربية في فهم القرآن والاهتداء به .
  3. وجوب تعلم اللغة العربية لترسيخ محبة القرآن الكريم وفهمه واتباعه .

اقتباس

إن السبب الحقيقي في أن الأوائل من السابقين إلى قرون متأخرة تأثروا بالقرآن وكانوا حملته، وتذوقوا معانيه، وكشفوا عن أسراره، ووجدوا حلاوته، وفقهوا عن الله مراده، أنهم كانوا على علم تام بمعاني اللغة العربية، وفي... أيها المسلمون: كم منا يسمع آيات الله تتلى دون أن يجد لها ردة فعل أو حلاوة أو لذة أو انشراحا، والسبب يعود إلى...

الخطبة الأولى:

الحمد لله،  ثم الحمد لله،  ما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله،  عليه توكلت واليه أنيب،  حسبي الله، الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.

وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له،  وأن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في سبيل الله حتى أتاه من ربه اليقين.  

ورضي الله عن سادات ديننا، وكبراء أمتنا بالحق: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحب، ومن تبعهم إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها المسلمون: يقول سبحانه في كتابه المبين: (الر تِلْكَ آيات الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا القرآن وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) [يوسف:1-3].

لقد نزل هذا الكتاب المبين بلسان العرب فصيحا بليغا؛ لأجل أن يفهمه الناس،  ويعقلوه، ثم يطبقوه في واقع حياتهم، فيسعدوا في دنياهم وأخراهم.

والقرآن -أيها المسلمون- معجز، تحدى العرب البلغاء الفصحاء أهل اللسان والبيان على أن يأتوا بمثله فعجزوا واستسلموا، قال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء:88].

بل تحداهم في ما هو أقل من ذلك، لقد تحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله؛ بل فيما هو أقل من ذلك، قال تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة:23]، وهذا يدل -بلا شك- على عظمة هذا القرآن المنزل، وأنه ليس من لدن بشر.

وقد ذكر العلماء والمختصون أن لهذا الإعجاز القرآني وجوها متعددة، ومنافذ تطل عليه، وتدل على أن هذا القرآن بلغ من الإعجاز الغاية.

والحق ما شهدت به الأعداء، فهناك الإعجاز المتعلق باللغة والبلاغة، وذلك من ناحية الأسلوب والنظم والنسق، حيث إن القرآن تضمن ستة آلاف ومائتي آية، وفي مواضيع شتى وأغراض مختلفة في الاعتقاد والتشريع والأخبار والقصص، كلها في غاية الروعة والبيان والنسق والإتقان، لا تختلف فيه المعاني ولا تتصادم فيه الأحكام...

وهناك الإعجاز من ناحية الأخبار عن المغيبات المستقبلية والماضية، كقوله تعالى مبينا أن الغلبة والظهور ستكون لهذا الدين: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [الفتح:28].

أيها المسلمون: إن السبب الحقيقي في أن الأوائل من السابقين إلى قرون متأخرة تأثروا بالقرآن وكانوا حملته، وتذوقوا معانيه، وكشفوا عن أسراره، ووجدوا حلاوته، وفقهوا عن الله مراده، أنهم كانوا على علم تام بمعاني اللغة العربية، وفي سلامة وعافية من العجمة وآثارها.

وقد اهتدى كثير من المشركين إلى الإسلام، وأيقنوا أحقيته بمجرد سماعهم لآيات القرآن، ومعرفتهم بفصاحته، وبلاغته الباهرة.

ومما يدل على ذلك في السيرة والتاريخ قصة الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي، فقد قدم إلى مكة، وأحاط به المشركون، وأسمعوه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلاما سيئا.

  يقول: ما زالوا يحذرونني من سماع القرآن حتى حشوت في أذني كرسفا -قطنا-، وأبى الله إلا أن أسمع ما يقول، فقلت في نفسي: ويحك! إنك لبيبٌ، تعرف الحسن من القبيح، فاسمع ما يقوله، فان كان ما يقول محمد حقا قبلته، وإن كان غيره رددته، فتبعت الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته وسمعت شيئا من القرآن وشرح صدري للإسلام وعرفت أنه الحق.

أيها المسلمون: كم منا يسمع آيات الله تتلى دون أن يجد لها ردة فعل أو حلاوة أو لذة أو انشراحا، والسبب يعود إلى جهلنا بأسرار اللغة العربية ومعانيها السامية التي نزل القرآن بها، فإذا أردنا أن نزداد محبة لكتاب الله، واتباعا له، وانقيادا؛ فعلينا أن نتعلم اللغة، ونغرس في نفوس أبنائنا حبها، ونعودهم على النطق والتخاطب بها.

وإذا أردت أن تعرف دور اللغة في فهم القرآن والتأثر به فاسمع هذه الحكاية الطريفة عن الأصمعي حيث يقول: خرجت ذات ليلة, وفيما أنا سائر إذ بصرت بطفلةٍ لم تتعد التاسعة من عمرها تنشد هذه الأبيات:

أستغفرُ اللهَ لذنبي كُلِّهِ

قتلتُ إنسانا بغَيْر حِلِّهِ

مثل غزالٍ ناعم في دَلِّهِ

وانتصف الليلُ ولم أُصَلِّهِ

فقلت لها: يا هذه, قاتلك الله! ما أبلغك على صغرك! فأجابت: ويحك! أبعد هذا فصاحة بجانب قول الله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص:7]. فقد جمع فيها سبحانه بين أمرين، ونهيين، وبشارتين، في آية واحدة!.

أيها المسلمون: توجد العديد من البرامج التعليمية في بعض القنوات الهادفة التي تزودنا بمعلومات عن عظمة القرآن وإعجازه، وما يحويه من لمسات بيانية وأسرار بلاغية يمكننا أن نتابع هذه البرامج والدروس لأجل أن ننهل من كتاب الله، ونفهم ما يحويه من حكم وغايات وأسرار، ونحس بحلاوته وطلاوته.

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين، وحشرني وإياكم تحت لواء سيد المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل لغة العرب مفتاحا لفهم القرآن، وأرشدنا إلى التزود من التقوى والعمل الصالح والإيمان، وأشهد أن لا اله إلا الله الديان،  وأشهد أن محمداً رسول الله، أفضل من أوتي جوامع الكلم والبيان.

وبعد: أيها المسلمون، إن من لا يُحسن اللغة العربية ومعرفة أساليب العرب وخطاباتهم قد يقع في بعض الأخطاء في فهم القرآن، فيفهم عن الله غير ما أراد، ويقع في الحيرة والاشتباه في المراد.

ومن ذلك ما وقع في العهد الأول، مع معايشتهم للتنزيل، وقربهم من أصحاب التأويل، حيث ذكر أن أعرابيا قدم للمدينة، وطلب من قارئ أن يعلمه القرآن،  فقرأ عليه من أول سورة التوبة، حتى وصل إلى قوله: (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة:3]،  فقرأها بالجر، فقال الأعرابي معبرا عن فطرته وسليقته: أوَقَد برئ الله من رسوله؟ فان يكن ذلك فانا أبرأ من رسوله أيضا.

فبلغ ذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال له: أوتبرأ من رسول الله؟ فقال الأعرابي: هكذا سمعت القارئ يقرأ، فقال عمر: ليس ذلك، إنما هي (إن الله بريء من المشركين ورسولُه)، أي بالضم والرفع، فأمر الخليفة أبا الأسود بوضع اللغة والنحو، فانظر -رعاك الله-كيف أدى الخطأ اللغوي إلى تغير المعنى برمته.

وقد سمعت بعض الناس يفهم من قوله تعالى: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) غير ما ذكره أهل التفسير والبيان، وما ذاك إلا لأنهم جهلوا الإعراب، فوقعوا في الشك والارتياب، والآية في غاية البيان، حيث قدم المفعول على الفاعل لإرادة الحصر، وأن العلماء هم وحدهم من يخشى الله؛ لقوة يقينهم، ولكمال إيمانهم، ومعرفتهم بأسرار الشريعة الغراء.

نعم أيها المسلمون، نحن لا نريد من الناس اليوم أن يكونوا أمثال سيبويه وخالويه وابن عقيل أو ابن هشام وغيرهم من فطاحل اللغة والبيان والبلاغة والشعر واللسان، ولكن؛ نطلب منهم أن يتعلموا من اللغة ما يعينهم على محبة كتاب الله وفهم معانيه، وتذوق ألفاظه، والتغلغل في مقاصده ومراميه، لأجل العمل به وتطبيقه؛ لأن العربية أساس هويتنا. يقول عمر بن الخطاب: تفقهوا في الدين، وتعلموا العربية.

هذا؛ وصلوا على الحبيب المختار كما أمرتم في القرآن، فان الله قال قولا كريما تعظيما لشأن نبينا، وتعليما لنا وتفهيما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم على عبدك القائل: "مَن صلى علي صلاةً صلى الله بها عليه عشرا".

فيا أيها الراجون شفاعته، أكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم، فان صلاتكم معروضة عليه ...