البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد العزيز سندي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
طالب العلم ذليل للحق، عزيز عن الباطل، كاظم للغيظ، يجيب السفيه بالصمت عنه، والعالم بالقبول منه، وقور رزين، يجتنب التبذل والسخف وإدمان تافه المزاح،..، ثابت متثبت لا سيما في الملمات والمهمات، في الشدائد وقور، وفي الرخاء شكور، ينطق ليفهم ويسكت ليسْلم
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إقرارًا به وتوحيدا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أما بعد: فيا طالب العلم، يا من تسعى إلى أن تطأ عتبة العلم وتصافح راحته؛ اعلم أن له ملاحةً ونضرة، وبهاءً وبهجة، وبهجة العلم لا شيء يشابهها من الفضائل والأخلاق والأدب.
فإذا أردتَ ألَقَه فتحلَّ برونقه، وإذا تُقتَ إلى حلاوته فتزيا بشارته، فإن من طلب أعلى الأمور ينبغي أن يكون خير الناس. ورونق العلم وشارته سمْتٌ حسن وهدي صالح، وذاك ما لا يليق بك غيره.
فكن لحسن السمت ما حييتَ | مقارفًا تُحمد ما بقيت |
وحاصله ما أمليه عليك؛ فأرخ سمعك واستنصت إلى كلِمِ.
طالب العلم؛ هو من أخلص قصده في طلبه وأراد به وجه ربه، قال الأوزاعي -رحمه الله-: "ويل للمتفقهين لغير العبادة، والمستحلين الحرمات بالشهوات". إنه من لا يرى لنفسه الفضل في سعيه بل يرى لله الفضل عليه؛ إن ازداد علمًا خاف من ثبات الحجة عليه، يُكثر الاستعاذة بالله من علم لا ينفع ويسأله علمًا نافعا، لا يزال مستذكرا السؤال "وعن علمه ماذا عمل به"، قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "إن أخوف ما أخاف إذا وقفت على الحساب أن يقال قد علمتَ فماذا عملت فيما علمت؟"، قال بعض الحكماء: "من تمام العلم استعماله، ومن تمام العمل استقلاله".
طالب العلم عالمٌ بداء نفسه، متهمٌ لها في كل حال، قد أجمع الحذر من عدوه الشيطان كراهية أن يزين له قبيح ما نُهي عنه، مستغنٍ بالله عن كل شيء، مفتقر إليه في كل شيء، لربه كثير الشكر، دائم الذكر، متوكل عليه، لا يخاف غيره، أُنسه به ووحشته ممن يشغله عنه، شُغله به في جميع سعيه متصل، وعن غيره منفصل، (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)[الإسراء:107-109]، قال عبد الأعلى التيمي -رحمه الله-: "من أوتي من العلم ما لا يبكيه فخليق أن لا يكون أوتي علمًا نافعًا".
طالب العلم هو المتحلي بالمروءة والسمت الصالح، يدل على الخير بعلمه وعمله وكلامه وصمته وسمته، قال الحسن -رحمه الله-: "إن كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وبصره ولسانه ويده وزهده".
طالب العلم يخشى ربه ويراقبه، قال الإمام أحمد: "أصل العلم خشية الله"، طالب العلم ملتزم بالسنن مقتفٍ للآثار، حريص على الاتباع بعيدٌ عن الابتداع، ملتزم جادة السلف، سنيُّ المذهب، سلفيُّ المشرب، متباعد عن المبتدعة تباعد السليم عن الأجرب، يدرك أن القلوب ضعيفة والشُبَه خطافة، إن سئل عن متبوعه؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن سئل عن طريقته؟ قال الاتباع، وإن سئل عن خرقته؟ قال لباس التقوى، وإن سئل عن نهجه؟ قال السنة، وإن سئل عن حزبه؟ قال أهل السنة.
طالب العلم مكرِمٌ للعلم عن التكثر به، صائنٌ له إلا عن أهله.
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم | ولو عظموه في النفوس لعظَّما |
كان لمعتمر بن سليمان -رحمه الله- حاجة إلى بعض الملوك فقيل له لو أتيته فكلمته، قال: "قد أردت ذلك ثم ذكرتُ العلم والقرآن فأكرمتهما عن ذلك".
طالب العلم مبادرٌ لا مسوِّف، يعلم أن "سوف" من أعظم جند إبليس.
طالب العلم حريص على وقته، جُل ساعاته مستغل بالاشتغال بالعلم؛ قراءةً ودرسًا، ومطالعةً وتدبرًا، وحفظًا وبحثًا، لا يتشوَّف للإفتاء، ولا يتصدَّر قبل أوانه، لعلمه أن من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه، قال علقمة -رحمه الله-: "كان يقال: أجرأ القوم على الفتيا أدناهم علمًا".
طالب العلم أستاذه منه محل إجلال وتلطف، لا يتقدمه بكلام أو مسير، ولا يكثر عنده الهذر، ولا يلح عليه في الجواب.
إن المعلم والطبيب كلاهما | لا ينصحان إذا هما لم يُكرَما |
يجالس العلماء بأدب وتوقير وهمته طلب الفائدة، حضوره مجالس العلم حضور مستزيد أجرًا وعلمًا، لا حضور مستغنٍ بما عنده، أو طالب عثرة يشيعها، أو غريبة يشنِّعها، يسأل سؤال متعلم لا متعنت، ويراجع مراجعة متأدب لا متكبر، قال العلماء: "إذا جالست العلماء فسل تفقهًا لا تعنتًا".
العلم حرب للفتى المتعالي | كالسيل حرب للمكان العالي |
طالب العلم لا يختار للصداقة إلا من يقربه إلى ربه ويعينه على مطلبه، لا يصاحب إلا ثلاثة: رجلا أعلم منه فيتعلم منه، وثانيًا مثله فيذاكره، وثالثًا دونه فيعلمه؛ وهو مع الجميع يلتزم الانصاف والملاطفة، لا الحيف والمنافرة، يتحلى بالوفاء وخصال النبلاء.
اللهم إنا نسألك علما نافعا، ونعوذ بك من علم لا ينفع.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد:
فاعلم يا طالب العلم أن العلم لا يصل إلى حماه إلا المتحلي بالآداب، المتخلي عن الآفات، قال ابن سيرين -رحمه الله-: "كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم".
طالب العلم حقًّا هو الصادق، قال وكيع -رحمه الله-: "هذه الصنعة لا يرتفع فيها إلا صادق".
طالب العلم ظاهر الوقار، شريف النفس، نقي السريرة، سامي الهمة، راجح العقل، تجري في عروقه دم الشهامة، والركض في مهمات الأمور، لا يقف إلا على باب الفضائل، ولا يبسط يديه إلا في مهمات الأمور، تقيٌّ ذكيّ، حييٌّ زكيّ.
طالب العلم لا تُخاف منه غائلة، الناس منه في راحة، ونفسه منه في جُهد، يأمن خيره من خالطه، ويأمل خيره من صاحبه، ينصف من نفسه ويحب لأخيه ما يحب لنفسه، سليم القلب للمسلمين، حسن الظن بالمؤمنين، لا يؤاخذ بالعثرات، ولا يشيع القبائح، ولا يفشي الأسرار، محبوبٌ عند الناس، تحن إليه قلوبهم وتشتاق إلى ذلك نفوسهم، لا مداهن ولا مُراء ولا مختال، ولا حسود ولا حقود ولا سفيه، لا جاف ولا فظ ولا غليظ، لا سبَّاب ولا نمام ولا مغتاب، بعيد عن كل ما يشين ديانته ويسقط هيبته ويستدعي مقته.
طالب العلم ذليل للحق، عزيز عن الباطل، كاظم للغيظ، يجيب السفيه بالصمت عنه، والعالم بالقبول منه، وقور رزين، يجتنب التبذل والسخف وإدمان تافه المزاح، فيه أنفة من غير كبرياء، وعزة من غير جبروت، لا يغشى مواطن الريَب، ولا يطأ مجالس اللغو، ثابت متثبت لا سيما في الملمات والمهمات، في الشدائد وقور، وفي الرخاء شكور، ينطق ليفهم ويسكت ليسْلم.
طالب العلم كلما ازداد علمًا ازداد تواضعا، يكره المدح والترؤس، يَقِظٌ لما يشوب نيته من حب الظهور والتفوق على الأقران، لا يتفقه للرياء، ولا يحاج للمراء، ولا يستنكف عن قول: "لا أعلم".
طالب العلم لا يبخل بالإفادة، لأن أول بركة العلم الإفادة، ولم يبخل أحد بعلمه إلا لم يُنتفع به.
أفد العلم ولا تبخل به | وإلى علمك علمًا فاستفد |
أسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو، اللهم إنا نسألك علمًا نافعا، ونعوذ بك اللهم من علم لا ينفع.