الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله بن حميد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
وليس أشدّ ضراوةً على الأمة وعلى استِقرار الديار من اختِلافِ الكلمة، وتنافُر القلوبِ، وتنازُع الآراء. وحدةُ الكلمة سببُ كلِّ خيرٍ، والفُرقةُ والخلافُ سببُ كل شرٍّ. إن من كمال الدين وكياسَة العقل وسلامةَ الفهم: أن لا ينساقَ المرءُ مع من يُريد تصديعَ وحدة الأمة، لما قد يرَى من ظُلمٍ قد وقعَ، أو حقٍّ قد انتُقِص؛ لأن من فقدَ بعضَ حقِّه في حالَة الوحدة سيفقِدُ كل حقِّه إذا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله فالقِ الإصباح، ومُجرِي السحابِ ومُرسِل الرياح، أحمده -سبحانه- وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ الحق والفوز والفلاح، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أوضحَ معالِمَ الهُدى وهدَى إلى طريق الصلاح، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابِه وأزواجِه وأتباعه بإحسانٍ، ما أغطشَ ليلٌ وأضاءَ صباح، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، ومن استطاعَ منكم أن يلقَى اللهَ خفيفَ الظهر من دماء المُسلمين، خميصَ البطن من أموالِهم، كافَّ اللسان عن أعراضِهم، لازِمًا لأمر جماعتِهم فليفعل.
واعلَموا أن من تركَ الحرامَ وهو قادرٌ عليه فهو الخائِف، ومن جدَّ في العمل واجتنبَ الأماني فهو الرَّاجِي، ومن ركنَ إلى حولِه وقوَّتِه ذلَّ، ومن أُعجِبَ بعمله ضلَّ، ومن اعتمدَ على ربِّه وركنَ إلى مولاه فما ذلَّ ولا ضلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 5، 6].
أيها المسلمون: أسَّس نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- في المدينة النبوية المُنوَّرة؛ أسَّس دولةَ الإسلام -بعد توحيد الله- أسَّسها على المُؤاخاة، فكان المُهاجِرون غرباء الدار إخوة الأنصار ممن تبوَّؤوا الإيمانَ والدار، وكان -عليه الصلاة والسلام- شديدَ الرعاية بهذه الأُخُوَّة، عظيمَ الغيرة عليها، سريعَ المُعالَجة لبوادِر الخروج عليها.
اختلفَ غُلامان في إحدى المغازِي، فقال أحدُهما: يا للمُهاجِرين! فقال الآخر: يا للأنصار! فبادرَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: "أبِدَعوى الجاهلية وأنا بين أظهُركم؟! دعُوها فإنها مُنتِنةٌ". أخرجه البخاري.
مع أن لقبَ المُهاجِرين ولقبَ الأنصار ألقابٌ إسلاميَّةٌ كريمةٌ.
وحينما ضلَّ بنُو إسرائيل وعبَدوا العجلَ، قال موسى نبيُّ الله وكليمُه لأخيه هارون نبيِّ الله ووزير أخيه -عليهما السلام-: (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) [طه: 92، 93]، فكان جوابُ هارون جوابًا لطيفًا رقيقًا حكيمًا: (قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) [طه: 94].
ومعاذ الله أن يُتَّهم نبيُّ الله هارون بانحِراف المنهَج، أو التقصير في المُوازنات، ثم يُقِرُّه أخوه مُوسَى وهو الذي دعا ربَّه: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه: 29- 32]، فأجابَه العليُّ الأعلَى: (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) [طه: 36].
يقول الإمام البغوي -رحمه الله-: "بعثَ الله الأنبياءَ كلَّهم بإقامة الدين، والألفَة والجماعة، وترك الفُرقة والمُخالَفة".
معاشر المُسلمين: وليس أشدّ ضراوةً على الأمة وعلى استِقرار الديار من اختِلافِ الكلمة، وتنافُر القلوبِ، وتنازُع الآراء. وحدةُ الكلمة سببُ كلِّ خيرٍ، والفُرقةُ والخلافُ سببُ كل شرٍّ.
إن من كمال الدين وكياسَة العقل وسلامةَ الفهم: أن لا ينساقَ المرءُ مع من يُريد تصديعَ وحدة الأمة، لما قد يرَى من ظُلمٍ قد وقعَ، أو حقٍّ قد انتُقِص؛ لأن من فقدَ بعضَ حقِّه في حالَة الوحدة سيفقِدُ كل حقِّه إذا وقعَت الفُرقة -معاذ الله-، ولن يأمَن -والله- على نفسه، ولا على أهله، ولا على عِرضه ولا على ماله.
لنا إخوةٌ أعِزَّة في بلادٍ مُجاورة -لطفَ الله بهم وحفِظَهم، وأعانَهم على ما يُعانُون- تفرَّقَت كلمتُهم، وفقَدوا استقرارَهم، وانفرَط عِقدُ وحدتهم؛ ففارقُوا ديارَهم، وتشرَّدوا مُخلِّفين وراءَهم دُورَهم وأموالَهم وزُروعَهم وتجاراتهم، تركُوا الغاليَ والنفيس، ينشُدون الأمنَ والاستِقرار، يعيشُون مُغترِبين مُعدَمين.
مع التشرُّد والخوف والفُرقة لا قيمةَ للدُّور ولا للقُصور ولا للأموال ولا للضِّياع، أتُراهم ينزَحون من ديارِهم لو وجَدوا مُستقرًّا وأمنًا؟!
حين فقَدوا استِقرارَ الدولة حلَّت في ديارهم الفوضَى، وفي أجواء الفوضَى يتفرَّق الجمع، ويتخاصمُ الحُلفاء، ويتخندقُ الفُرقاء، ومن ثمَّ يُصبِحُ الفشلُ مُحيطًا بالجميع، ويصيرُ العجزُ هو النتيجةَ التي يتحمَّلها الجميع.
معاشر الأحِبَّة: في أجواء الفوضَى تُولَد التكتُّلات، وتنبُت المُخالفات، وتلكم هي معاوِلُ الهدم، وقوةُ الهدم أقوَى من قوَّة البناء وأبلغُ وأسرع.
في الفوضَى وعدم الاستِقرار تذوب المعايير الضابِطة، وتغيبُ السياساتُ العاقِلة، وتذهلُ الآراءُ الواعِية، ويكونُ التناقض هو المُسيطر، والاضطرابُ هو السائِد، والضياعُ هو المُهيمِن.
إن غوغائيَّة الجماهير هي الطريقُ السريعُ إلى الفوضَى، ونعوذُ بالله من فتنٍ تدَعُ الحليمَ حيرانًا، فالإنسانُ في أجواء الفتن قد يظنُّ أن لديه إيمانًا يعصِمُه، أو عقلاً إلى رُشدٍ يهدِيه، ولكن مع الفتنِ وبخاصَّةٍ في تقنيَّات العصر الجارِفة، ووسائلِه الطاغِية، وتغريداتِه المُضطرِبة، لا يشعُر إلا وقلبُه قد تشرَّبَ ما تشرَّب، فإذا هو قد زُجَّ في نارها، وغرِقَ في لُجَّتها، وأحرقَه لهيبُها.
ونعوذُ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطَن.
ألم تفقَهوا توجيهَ نبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو يُحذِّرُ من فتنةِ المسيح الدجَّال، مع أنه قد بيَّن لنا أوصافَه وذكرَ لنا علاماته بما لا يلتبِسُ ولا يشتبِهُ، ومع هذا كلِّه فإننا نستعيذُ بالله منه في صلواتِنا كلِّها، وقال: "إن خرجَ وأنا فيكم فأنا حَجيجُه، وإلا فكلٌّ حَجيجُ نفسه".
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
معاشر المسلمين: وليس مخرجًا من الفتن إذا استحكمَت، والبلايا إذا ادلهمَّت، إلا لُزومُ الجماعة، والتزامُ الطاعة، وقد قال ذلك نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وآله وسلم- لحُذيفة -رضي الله عنه-: "تلزمُ جماعةَ المُسلمين وإمامَهم".
ومن أرادَ بَحبُوحَة الجنة فليلزَم الجماعة.
ولُزومُ الطاعة والتمسُّك بالجماعة ليس مُجاملةً، ولا مُمالأةً، ولا ضعفًا، ولا مُداهنةً، ولا مُعاوَضةً، ولكنَّه -والله- من أجل الحِفاظ على الدين، وعلى الأمة، وعلى الأمن والاستِقرار، وعلى الأهل والأنفُس، "من رأى من أميرِه ما يكرَه فليصبِر؛ فإن من فارقَ الجماعةَ شبرًا فماتَ ماتَ ميتةً جاهليَّةً". متفق عليه.
إخوتي في الله: ونحن في هذه البلاد المُباركة في رحاب الحرمين الشريفين، في المملكة العربية السعودية، الدينُ هو الظاهرُ، وشرعُ الله هو المُحكَّم، أسبغَ الله علينا نعمَه ظاهرةً وباطنةً، صحةً في الأبدان، وأمنًا في الأوطان، غذاءٌ وكساءٌ ودواءٌ وصحةٌ وتعليمٌ، تمشِي على قدمَيك وقد قُطعت أقدام، تنامُ ملء عينيك وقد أطارَ الخوفُ والهلَعُ النومَ عن أقوامٍ كثيرين، أمنٌ وافرٌ، وعافيةٌ سابغةٌ وقد نغَّصَ الألمُ والخوفُ المُشرَّدين.
بلادٌ آمنةٌ مُستقرَّة يفِدُ إليها الوافِدون، ويرغبُ إليها الراغِبون، يبذُلون الغالِيَ والنفيس لسُكناها والعيش فيها ابتِغاءَ ظلِّ أمنها الوارِف، وعيشِها الكريم.
لماذا يتفكَّرُ الغافِلون في المفقود ولا يشكُرون الموجود؟! لا بُدَّ من الحِفاظ على هيبَة الدولة وهيبَة الحُكم وهيبَة الأنظمة.
ولا يكونُ استِقرارُ الدولة وأمنُ الأمة إلا بالحِفاظ على الهيبَة حِفظًا للدين والدنيا، والأنفُس والأموال، والاقتِصاد والإعمار، والصحة والتعليم، وكل المناطق والخدمات.
يجبُ استِصحابُ حفظِ الدولة، ووحدة الأمة في أي تحرُّكٍ أو نظرٍ أو تفكيرٍ أو مُطالَبةٍ، وما أجدرَ الغيورين على وحدة الأمة ومصالِحها واستِقرارها أن يُمسِكوا عن كثيرٍ من ألوان الجدَل واللَّغَط الذي تمُوجُ به الساحة.
إن كثيرًا من مواطِن الخلاف ينشأُ من مُجانبَة الاعتِدال، فيرَى المُنتقِد أنه ما دام على الحقِّ فهذا يُسوِّغُ له أن يقولَ ما يشاء وأن يفعل ما يشاء ومتى شاء وكيف شاء. وتلكم هي الغفلةُ القاتِلة.
وكثيرٌ من مواطِن النزاع مبدؤُها خطأٌ يسيرٌ، أو تقصيرٌ محدود، فيُغذِّيه الهوَى، وينفخُ فيه الغلُوُّ، ناهِيكم بمن يعتقِدُ التلازُم بين الغِلظَة على من أخطأَ والحميَّة على الدين. وتغليطُ الِكِبار لا ينبغي أن يُجاهِرَ به الأغمار.
معاشر الأحِبَّة: إن مما يُدعَى إليه طلبةُ العلم، وأهلُ الفضل والصلاح، وأصحابُ الرأي والنظر المُقتدَى بهم يُدّعَون أن يكونوا قُدوةً لطُلاَّبِهم وأتباعِهم في الحِرصِ على وحدة الأمة وهيبَة الدولة؛ بل أن يكونوا قدوةً في التنازُل عن بعضِ حقوقِهم الشخصية من أجل هذا الهدف السامي العظيم.
والمسؤوليةُ مُشتركةٌ -حكومةً وإعلامًا وشعبًا- في التعاوُن وسلوكِ سبيل المُؤمنين، وهدي الشرع، ورعاية الأنظمة، وتحقيق العدل، والرحمة والإحسان والحزم.
وبعد -حفظكم الله-:
فليُعلَم أن الناصِحَ مسؤوليَّتُه تقديمُ النصيحة المُخلِصة والرأيِ النَّصُوح، وصاحبُ القرار له آليَّتُه في صُنع القرار واتِّخاذِه.
وأهلُ العلم والرأي والناصِحون تختلفُ وجهاتُ نظرهم وآراؤُهم، وكلُّهم مُجتهِدون ناصِحون مُخلِصون، وصاحبُ القرار يستمِعُ من الجميع، ويتفهَّمُ ما يتقدَّمُ به الجميع، ويتَّخِذُ ما يراهُ مُحقِّقًا للمصلحة، وحافِظًا للدولة، وخادِمًا للأمة.
والناصحُ وذو الرأي وصاحبُ القرار كلُّهم غيرُ معصُومين، وإذا علِمَ الله منهم صحَّةَ الديانة، وصدقَ النيَّة والإخلاص سدَّدَهم ووفَّقهم وهداهُم للتي هي أقوم، وأثابَهم على خطئِهم وعلى صوابِهم.
فمسؤوليَّةُ الجميع الصدق والنّصح وبذلُ الجهد قدر المُستطاع، أما الصوابُ فيهدِي إليه الله من يشاء، وهو يهدِي من يشاءُ إلى صراطٍ مُستقيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال: 24- 26].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على ما أفضلَ وأنعمَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحدُ الأحدُ الأعزُّ الأكرم، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه ذو الخُلق الأسمَى والنهج الأقوَم، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعِه وسلَّم.
أما بعد:
حقُّ الناس مكفولٌ في التعبير، والمُطالبةُ بالحقوق وإزالةُ المُنكَرات والمفاسِد ورفع الظُّلم، وإيصالُ الحقوق إلى أهلها كلُّ ذلك مكفولٌ من غير منَّةٍ بضوابِطه وبالطرق المشروعة والنظامِيَّة، وبما يحفَظُ البلدَ وأمنَه وأهلَه وهيبتَه ووحدتَه، وبما يمنعُ تدخُّلَ أهل الفُضول والأغراض والأغراب.
وعلى الدولة العناية بحفظِ حقوقِ الناس وحُرماتهم في أنفُسهم وأموالِهم وأعراضِهم وكرامتِهم، في شفافيةٍ ورحمةٍ وعدلٍ وإحسانٍ، يُحاسَبُ الكبير كما يُحاسَبُ الصغير، ويُجازَى الرئيسُ كما يُجازَى المرؤُوس، وليس أحدٌ فوق الخطأ أو النقد أو المُحاسَبة أو المُسائلَة، مع إصدار الأحكام العادِلة بما يقتضِيه نظرُ الشرع الشريف المُطهَّر. والعدلُ هو سبيلُ الأمن وقاعِدتُه وبوابتُه.
وبعد:
وفي أجواء هذه الوحدة المُتماسِكة التي تعيشُها بلادُنا ومُقدَّساتُنا، والأمن الوارِف، والعيش الكريم للمواطِن والمُقيم والوافِد، يظهرُ من يبيعُ نفسَه ضدَّ أهله ووطنِه، يُريد أن يُنغِّصَ عليهم أمنَهم، ويُكدِّرَ صفاءَ عيشِهم، سالِكًا أحقرَ المسالِك؛ ليكونَ صنيعةً وضيعةً بيدِ من يُريد بأهلِه وبلدِه شرًّا.
أهكذا ترخُص المُقدَّسات والديار والأهلُ والعشيرةُ؟! ليمتهِنَ هذا المخذولُ التجسُّسَ والتلصُّص على أهلِه وعشيرتِه ودارِه لمصلحةِ عدوٍّ مُتربِّصٍ.
هل يُتصوَّرُ مُخلِصٌ مهما كان نقدُه، ومهما كانت مطالِبُه، هل يُتصوَّرُ أن يمُدَّ يدَه إلى يدِ عدوٍّ يُريدُ الشرَّ والأذَى بوطنِه!!
إنه الدرسُ البليغُ الذي يزيدُ المُخلِصين يقظَةً وجِدًّا في رصٍّ الصُّفوف والمصلحة العُليا، لحفظ الدين، والأهل، والبلاد، والمُقدَّسات، ضدَّ كل الأعداء والعُملاء.
ثم تبقَى سياسةُ هذه البلاد وإدراتُها على يقظَتها وكفاءتِها وحِكمتِها وحَزمِها ومسارِها الهادِئ الرَّصِين، فلله الحمدُ والمنَّة.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله-، واعتصِموا بحبل الله جميعًا، وكونُوا عبادَ الله إخوانًا، وانصَحوا وأخلِصُوا لدينِكم ولأنفُسكم ولأوطانِكم ولوُلاة أمورِكم.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال -وهو الصادقُ في قِيلِه- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمدٍ الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.