الواسع
كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن صالح الدهش |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
دعونا أيها الإخوة نتذاكر بعضاً مما يجعل إجازاتنا إجازات مرضية، مجمة لقلوبنا، وحادية في نشاطنا، وعوناً لنا على كل خير نجلبه لأنفسنا. فأيام الإجازة، بل أيام الدنيا كلها لا تكون سعيدة، وبها الحياة مطمئنة إلا وقد أبقى الإنسان على أعظم سبب يصل به إلى ربه، فالصلاة صلة بين العبد وخالقه في إقامته وسفره، وفي...
الخطبة الأولى
الحمد لله بيده مقاليد الأمور، حذَر عباده الفتن ومواطن الشرور.
وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الغفور، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله العبد الشكور صلى الله عليه وعلى آله ومن سار على ربه إلى يوم النشور، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
ففي هذا الوقت الذي يضع المسلمون فيه أيديهم على قلوبهم، ويتابعون فيه تحركات أعدائهم الذين تعددت أنواعهم، وتوحدت أهدافهم: (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً) [التوبة: 10].
ثم هؤلاء الأعداء منهم من أظهر نفسه، ومنهم من أظهره الله، وكشف سوء طويته على الرغم من اجتهاده في إخفاء نفسه، وكتم أنفاسه.
وفي هذا الوقت أيضاً ينتظر المسلمون فرجاً لإخوانهم المظلومين في أديانهم وأبدانهم وبلدانهم، وبلوا بالظلمة من الحكام الذين وطئوا على رؤوسهم، وقالوا: "سنحكمكم قسراً أو نميتكم قتلاً وقهراً" (قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الزمر: 50]، (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].
ومن أفضل العبادات انتظار الفرج، وربك: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29].
أقول: على الرغم من كل ذلك وفي هذه الظروف الصعبة لا بد أن نتذاكر أمراً يحتاجه كثير منا.
فبين أيدينا أيام الإجازة، وإن قلَّت في عدتها فهي جزء من عمرك يا ابن آدم، والكرام الكتبة الذين وكلهم الله بحفظ أعمالك، وتسجيل حسناتك، وسيئاتكم هم على أعمالهم قائمون ومؤتمرون بأمر الله لا يفرطون.
فحري بك أن تضع نفسك حيث أراد الله، ومع ذلك قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا فادِّ كل ذي حق حقه".
دعونا أيها الإخوة نتذاكر بعضاً مما يجعل إجازاتنا إجازات مرضية، مجمة لقلوبنا، وحادية في نشاطنا، وعوناً لنا على كل خير نجلبه لأنفسنا.
فأيام الإجازة، بل أيام الدنيا كلها لا تكون سعيدة، وبها الحياة مطمئنة إلا وقد أبقى الإنسان على أعظم سبب يصل به إلى ربه، فالصلاة صلة بين العبد وخالقه في إقامته وسفره، وفي حال جده وهزله، فالمسلم لا يستهين بأول أمر سوف يحاسب عليه يوم القيامة، وقد جعل الله للصلاة كتاباً موقوتاً تؤدى فيه فلا يجوز تأخيرها عن وقتها، فالمسلم يقوم يصلي وإن طابت له جلسة مع أصحابه، وتفكه في أعذب حديث معهم، والمسلم يصلي وإن وجد لذة في نومه ودفء في فراشه، بل هو يصلي وإن سحرته متابعة برنامج تلفزيوني، أو شدَّته مشاهدة مباراة كروية هنا أو هناك، وهو يصلي لا تشغله وظيفته ولا يقدم على صلاته صفقا في سوقه، ولا تجارة في بيعه ولا شرائه؛ لأنه عبد لله، ويخشى أن يفجأه الموت وهو لم يصل.
فالصلاة رغبة في قلبه، وإن أحسن إقامتها، فهي قرة لعينه وراحة لنفسه.
وحيث إنَّ ثلة من أبنائنا وأسرنا يقضون أيام إجازتهم في البر قد نصبوا خيامهم، أو استأجروها وعمدوا إلى توفير ما تكون فيه مخيماتهم ممتعة مريحة، فحق على هؤلاء الحرص على الصلاة.
فيا نازلاً في البر تعرف إلى القبلة، وناد للصلاة، واجمع عليها رفاقك أيقظ نائمهم، وادع جالسهم، وحثهم على كمال الطهارة بالماء إن توفر الماء وضوءاً عن الحدث الأصغر، واغتسالاً عن الحدث الأكبر، فإن عدم الماء، أو قلَّ أو كان الجو بارداً يخشى باستعماله الضرر، فقد أباح الله التيمم حتى يزول العذر، ويسهل استعمال الماء.
ثم هنا وقفة وعظة:
لا تنس يا عبد الله نعمة الله عليك حينما تعد عدتك، ونجمع متاعك لتنعزل عن الناس في بر قريب، أو بعيد لا تنس أنك في صحة في بدنك وعافية في جسدك، ولولا ذلك لما استطعت أن تفارق بيتك مختاراً تسفه الرياح، وخشونة الرمال، وصبراً على برد قد يعرض، أو مطر قد ينزل.
ثم لا تنس أيضاً أن عماد ذلك كله الأمن في الوطن، فأنت آمن على نفسك وولدك ومالك، في بيتك وفي سيارتك وفي خيمتك، في فلاة من الأرض بعيدا عن الناس، لا تحمل سلاحاً، ولا تتكلف حراسة.
أتشك أن هذه نعمة؟!
إذن حق النعمة الشكر، فبالشكر تقرُّ النعم، ويعرف فضل المنعم، وقد أذن الله بالمزيد للشاكرين: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم: 7].
ثم إياك أن تكون في مجالسك ومسامراتك من الغافلين، أو من المتساهلين، فذكرك أخاك بما يكره من كبائر الذنوب، وهي الغيبة التي شبه الله صاحبها بمن يأكل لحم أخيه ميتاً، فلا يكن في حديثك شيء منها، وحذِّر من جهل أو تجاهل.
واصطحاب آلات اللهو، ونصب الدُّشوش لرؤية ما لا تحل رؤيته، والسهر في تقليب النظر في عشرات قنوات الفساد، ليجد ما يشبع ناظريه وما هو بمشيعهما.
فإنَّ حال متتبع قنوات الرذيلة؛ كحال شارب الماء المالح، لا يزيده شربه إلا عطشاً، فهي قد تمكنت من قلبه فهي أنسه وراحته، وأنى له الأنس والراحة؟!
وسماع الأغاني المحرمة والموسيقى الآثمة من أي مصدر كانت، وقد كثرت مصادرها -لا كثرها الله-، فأصبحت تلاحق الناس في خلواتهم وجلواتهم -نسأل الله السلامة والعافية-.
فإن بليت بها، فلا تجاهر بها، وتؤذي بها غيرك، وتسمعهم ما يكرهون.
فإن بليت بها، فالحياء من الله يمنع أن يكون وقت النزول الإلهي في آخر الليل، وقتاً للسماع المحرم.
كل هذه الأمور تعدي لحرمات الله، وأسباب لقسوة القلوب، وتبديل لنعمة الله كفراً.
وإن العوض عن ذلك كله أن تتقي الله حيث ما كنت، فالبقاء في البر فرصة للبعد عن صخب الحياة، وللنظر في بديع خلق الله!!
كيف مدَّ الأرض ورفع بغير عمد هذه السموات؟
ثم هذه الجبال الصُلبة، وتلك كثبان الرمال الرِّخوة، والوهاد الممتدة.
من خلقها؟
(هَذَا خَلْقُ اللَّهِ) [لقمان: 11].
(لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر: 57].
(وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغاشية: 18-20].
ثم إذا جنَّ الليل بدت زينة السماء: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ) [الملك: 5].
آيات نحن عنها غافلون!
ثم نذكر إخواننا نازلي البر: أن يحذروا الإسراف في المآكل، وتجهيزات الطعام وتنويعها في حال أنه لا يحتاج إلا إلى معشار ما أعدَّ، وربما بعض الناس لا يحسن تصريف فائض الطعام، فيترك في مكانه، أو يحمل مع نفايات المخيم ليرمى في الزبالات، وكان يمكن تلافي هذا بالاقتصاد في الولائم، ومتعة البر في نوع طعامه، وعدم الكلفة في إعداده.
(وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31].
وفقني الله وإياكم لشكر نعمته، والقيام بطاعته.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين.
أما بعد:
فيأيها الآباء أيها الأولياء لا تختلف الكلمة أنَّ أساس كثير من المشاكل، بل أقول المنغصات التي يراه الناس أو يسمعونها، فتعكر صفو حياتهم، وتقلب جو متعت إجازتهم إلى توتر مزعج، وقلق يدع الحليم حيران.
أقول: لا تختلف الكلمة أنَّ كثيرا من هذه المشاكل نحمل معظم تبعتها –نحن- معاشر الأولياء، فالتزاحم عند توافه الأمور، وتنادي الناس للحضور، واستنفار البيوت لمناسبة، أو أخرى، حتى يهرع الناس إليها، فيضيق المكان بمن فيه، وتنسد الطرق بالسيارات التي حمولتها فلذات الأكباد من البنين والبنات، وينفلت الزمام أو يكاد عن قدرة الجهات المنظمة، وتبقى الفرصة سانحة لمريد الشغب ولمن يطربهم الصخب، ثم نجعل بتساهلنا فرصة لمن ضعف إيمانه لذئاب البشر.
عباد الله: اعلموا أنَّ الله عزَّ وجل يغار وغيرته أن تؤتى محارمه.
فاحفظوا أولادكم مما يضر بأبدانهم، ويوقعهم في الهلكة، فكفى حوادث سببها تهور مراهق في سيارته، أو عبث في دبابه.
ثم احفظوهم مما يضر في أديانهم، ويعرضهم للفتنة، فامنعوا التميع والتساهل في الحجاب.
وبنتك المراهقة تقود الدباب قريبة من الرجال، وعرضة للمعاكسين، أمور تأباها الغيرة العربية إن لم تسعفك الغيرة الدينية.
أليس لنا عظة في دول تموج شعوبها؛ لما سلب الله نعمة الأمن عنهم والاستقرار.
فلنتق الله أيها الإخوة في أنفسنا، ولننظر في تفريطنا.
فاستشعروا فقركم لربكم، وخذوا بأسباب رحمته، واحذروا أسباب سخطه، وادفعوا عقوبة الله عنكم بالقيام بحقه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ علَّ الله أن يحفظ علينا أمننا، ويربط على قلوبنا، ويزيد في إيماننا.
اللهم أصلح لنا ولاة أمورنا.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
أيها الإخوة: علمتم عن العدوان الصليبي من دولة الحضارة والديمقراطية، ودولة حقوق الإنسان من فرنسا الكافرة على شعب مسلم في شمال دولة مالي.
قصف عشوائي، وما نقموا منهم إلا أن يقولوا ربنا الله.
ولكن أبشروا فالظالم له نهاية في نفسه ودولته، وإنها بإذن الله بشائر نصر وعز للمسلمين، علمه من علمه، وجهله من جهله.
فاللهم احفظ المسلمين في بلاد مالي.