المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
العربية
المؤلف | عزام الشويعر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
فتسلط الأعداء على الأمة بسبب التفرق والخلاف، والخلاف يظهر حينما يرى كل فرد أنه رأس، وأنه مسئول، وأنه عالم ببواطن الأمور، وأنه على دراية عالية بسياسة الناس، ومعرفة ما يصلحهم، فينازع الأمر أهله، فتنشق عصا المسلمين، فيضعفوا، فيكون ذلك سببا في...
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذا الموضوع من أهم المواضيع التي يجب على المسلم أن يعتني بها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتني بذلك، فقد كان – صلى الله عليه وسلم - يُعلِّم الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - أهمية الاجتماع، وخطر الافتراق، ففي حديث العِرْبَاض بن سارِيةَ - رضي الله عنه وأرضاه - يقول: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله أوصنا كأنها وصية مودع. قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن أُمِّر عليكم عبد حبشي، فإنه من يَعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وَعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
وفي حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه– قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: " نَعَمْ". فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ". قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ: " قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ". فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ: " نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ". فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ".
فهذه هي وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - كانوا يسمعون هذا التأكيد، وهذا الأمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - بلزوم الجماعة، فعرفوا أهمية الجماعة، فكان أول ما قاموا به قبل دفن النبي - صلى الله عليه وسلم – أن تركوه في غرفته ثلاثة أيام، وذهبوا وأقاموا الصِّديق - رضي الله عنه وأرضاه - خليفة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - حتى لا يفترقوا، أو يختلفوا، ولكي يعلم الجميع أهمية هذا الأمر.
وقد تبين لهم - رضي الله عنهم وأرضاهم – أهمية هذا الأمر حينما حصل الذي حصل في عهد عثمان بن عفان – رضي الله عنه - من خروج الخوارج عليه، ورفعهم راية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، عرفوا أهمية السمع والطاعة، والاجتماع وعدم الاختلاف.
والصحابة الكرام هم أفقه الناس، وأعلم الناس، ولذلك كانوا حريصين على جمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفهم، وغلق أي باب من شأنه أن يفرق المسلمين، والدليل على ذلك ما فعله ابن مسعود - رضي الله عنه وأرضاه – عندما صلى عثمان - رضي الله عنه بمنى أربعا، فقال عبد الله بن مسعود منكِرا عليه: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها، ثم تفرقت بكم الطرق، فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين، ثم إن ابن مسعود صلى أربعا، فقيل له: عِبْتَ على عثمان، ثم صليت أربعا ؟ قال: الخلاف شر.
وهذا مما تأصل عند علماء الإسلام قديما وحديثا، أنه لا جماعة إلا بإمام، ولا إمام إلا بسمع وطاعة، فمن الخصائص التي تميز أهل السنة والجماعة عن غيرهم أنهم يسمعون لولي الأمر ويطيعونه في المنشط والمكره.
إن من يدعو إلى الفرقة بالقول، أو بالفعل، أو بحمل السلاح، أو بالتحريض، أو نحو ذلك، هو ظالم لنفسه، قد اتبع غير سبيل المؤمنين، والله - عز وجل – يقول: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115].
فالواجب على المسلم دائما وأبدا أن يتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل صغيرة وكبيرة، قال - تعالى -: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) [آل عمران:31].
ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - تكون باتباعه، وقد أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسمع والطاعة، ولزوم الجماعة، وعدم مفارقتها، بل قال - صلى الله عليه وسلم -: " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية ".
فليحذر العبد أن يخالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم – حيث يقول: " إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا واحدة، وهى الجماعة، وإنها ستخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يَتَجارى الكَلَب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله".
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، فإنه من يَعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
فلا نصرة للإسلام، ولا إقامة لشعيرة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولا جهاد، ولا دعوة إلا بمثل ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فالمسلم يؤدي هذه الأعمال على طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم – ولا يتأتى ذلك إلا بلزوم الجماعة، وهذا هو الواجب، أما من خالف الجماعة، وشق عصا المسلمين، فقد يتسبب في تسلط الأعداء على الأمة، ويوقعنا في مخالفة أمر الله - عز وجل – حيث يقول: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) [الأنعام: 159].
قال الحسن البصري - رحمه الله -:" لقد رأيت الذين قتلوا عثمان تحاصبوا في المسجد حتى ما أبصر أديم السماء، وإن إنسانا رفع مصحفا من حجرات النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نادى: ألم تعلموا أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد برئ ممن فرق دينه، وكان شِيَعًا".
فتسلط الأعداء على الأمة بسبب التفرق والخلاف، والخلاف يظهر حينما يرى كل فرد أنه رأس، وأنه مسئول، وأنه عالم ببواطن الأمور، وأنه على دراية عالية بسياسة الناس، ومعرفة ما يصلحهم، فينازع الأمر أهله، فتنشق عصا المسلمين، فيضعفوا، فيكون ذلك سببا في تشجيع الأعداء على محاربة المسلمين.
والله - جل وعلا - أمر المسلمين بالاجتماع على طاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم – وبين أن الفشل، وضياع القوة في التنازع، فقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 45 - 46].
قال ابن جرير - رحمه الله -: يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين به: أطيعوا أيها المؤمنون ربَّكم ورسوله فيما أمركم به، ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شيء: (وَلَا تَنَازَعُوا) يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم، (فَتَفْشَلُوا) يقول: فتضعفوا وتجبنوا: (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) وهذا مثلٌ، يقال للرجل إذا كان مقبلا ما يحبه ويُسَرّ به: الريح مقبلةٌ عليه. يعني بذلك: ما يحبه، ومن ذلك قول عُبيد بن الأبرَص:
كَمَا حَمَيْنَاكَ يَوْمَ النَّعْفِ مِنْ شَطَبٍ | وَالفَضْلُ لِلقَوْمِ مِنْ رِيحٍ وَمِنْ عَدَدِ |
يعني: من البأس والكثرة، وإنما يراد به في هذا الموضع: وتذهب قوتكم وبأسكم، فتضعفوا، ويدخلكم الوهن والخلل.
فما حصل البلاء في لأمة، وما نزلت المشاكل في بلد من بلدان الدنيا إلا حينما تنازعوا واختلفوا، ونزغ الشيطان بينهم، وحلت الأهواء بينهم، فنزل البلاء بهم.
إن من يدعو الناس إلى التفرق والتحزب باسم التطور، أو الإصلاح هو في الحقيقة قائل على الله بغير علم؛ لأن الله -عز وجل- أمر بالاجتماع، وهذا يأمر بالاختلاف والتفرق والتنازع وتشتيت الرأي، والإنسان مأمور أن يفعل ما شرعه الله -عز وجل- وألا يفتئت على الله فيشرع للناس أمرا نهى الله عنه، ففي هذا محادَّة لله -جل وعلا-، قال - تعالى -: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].
فحينما يقف الرجل ويتكلم ويُأصِّل لمسألة التفرق، ويزعم أن هذا من التطور، ومن التحضر، نقول: هذا قول على الله بلا علم، فإن السعي إلى الفرقة، وإلى التحزب من الإحداث في الدين، يترتب عليه أحكام كثيرة، جاء الشرع بها، منها مفارقة الجماعة، ومخالفة ولي أمر المسلمين، ونزع يد الطاعة، وهذا مِن فِعل الخوارج.
ولذا يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله -: وهذه الطريقة هي طريقة أهل البدع والضلال، ومَن عُدِم الخشيةَ والتقوى فيما يصدر عنه من الأقوال والأفعال، فإن الواجب على المسلم إذا رأى من يدعو إلى هذه الفرق، وهذه الجماعات، وهذه الأحزاب، وهذه التيارات أن يعيد الأمر إلى أهله، وأن يسأل أهل العلم فيما أشكل عليه، هذا هو الواجب على الإنسان، أما أن يأخذ الفتوى، ويأخذ الأمر من غير أهله، ففي هذا وقوع الاختلاف والتفرق والتشتت في هذه المسألة نَجَم عن هذا القول.
والدعوة إلى التفرق يترتب عليها ارتكاب ما حرم الله - عز وجل – كما فعلت إحدى هذه الفئات الضالة، حيث أعلنت عدم السمع والطاعة لولي الأمر، وكفّرت المسلمين، فاعتدت على الآمنين والمستأمنين، واستباحت الدماء، وقتلت للأنفس المعصومة، وسلبت الأموال، وغدرت، وفجّرت المساكن، وتركت الجُمَع والجماعة، ووقعوا في الغيبة والنميمة والبهتان، ومسائل كثيرة يطول ذكرها، ففعلوا ما حرم الله - عز وجل - .
وهكذا كان كل من يدعو الناس إلى الفرقة، وإلى التحزب مرتكبا ما حرم الله - عز وجل -؛ لأن الشريعة جاءت بحفظ الدماء والأعراض والأموال، فالمحافظة عليها واجب، وهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤكد على هذا المعنى، فيقول في خطبة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا".
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "كل المسلم على المسلم حرام: دَمُه وماله وعِرْضه".
فعلى الإنسان أن يتنبه، وأن يحذر أن يقع في شيء مما حرمه الله عليه، فإن هذا من البلاء العظيم.
والحديث في ضرر الفرق يطول ويطول، لكن لا يفوتنا أن نبين عِظَم عقوبة من يفعل ذلك في الآخرة، إذ إن من يسعى إلى تفريق الأمة، وشق الصفوف وخلخلتها، وإثارة البلبلة، سواء كان بالقول، أو بالفعل، أو بحمل السلاح، أو بأي مظهر من المظاهر، يبتلى يوم القيامة بسواد الوجه، لأن الله - عز وجل – يقول: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وَجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ) [آل عمران: 105 - 106].
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "تبيَضّ وجوه أهل السنة والجماعة، وتسودّ وجوه أهل البِدْعَة والفرقة".
ومما يعاقب به هؤلاء يوم القيامة أن يُبْعدوا عن حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إني على الحوض حتى أنظر من يَرِد عليّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني فأقول: يا رب مني ومن أمتي . فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: " أنا فَرَطُكم على الحوض، فليُرفعن إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختُلجوا دوني، فأقول: أي ربّ أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك".
فما بالنا بقوم يحرمون من حوض النبي - صلى الله عليه وسلم – إن هذا ليدفعنا إلى التفكير في خطورة ما نسعى إليه، أو ندعو الناس إليه.
ومما يُعَاقب به هؤلاء أنهم يموتون ميتة جاهلية، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية".
والنصوص في هذا المعنى كثيرة، ولهذا يجب على المسلم أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وأن يعتصم بكتاب الله – عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن يحذر أن تُسَلَّط عليه الشياطين، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بالجماعة، وإياكم والفُرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة".
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "يد الله مع الجماعة".
فإن الشاذ تختطفه الشياطين، كما يختطف الذئبُ الشاةَ من الغنم، فعلينا أن نأخذ بوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن في ذلك الخير لنا في الدنيا والآخرة، ولنحذر أنفسنا من مخالفة أمره، فمن خالفه خُشِي عليه أن يبتلى بفتنة أو عذاب أليم، كما قال ربنا - جل وعلا -: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [النور: 63].
فاحذروا عباد الله أن تسعوا إلى الفرقة، أو أن تدعوا لها، أو أن تروجوا لها، فإن هذا كله منهي عنه، فالله - عز وجل - أمر المسلمين بالاجتماع، فقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 102 - 103].
فالواجب على المسلم أن يستشعر هذا الأمر دائما وأبدا في حياته، يعني أمر الاجتماع وأهميته، وعدم مفارقة الجماعة، فإن هذا مما أوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يُذَكّرنا ذلك، وأن يجعلنا من المهتدين بهداه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.