القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
ألا ما أعظمه من ذِكر، وما أجلَّه من حديثٍ جامع لأصول الاعتقاد، وأمهات الدين يكرِّره نبينا عليه الصلاة والسلام كل ليلة في سكون الليل وفي جوفه، وفي هدأته وسكونه، يقف بين يدي ربه مستفتحًا صلاته من الليل بهذا الإيمان العظيم والاعتقاد الراسخ، ومع هذا التكرار لهذه الكلمات الجامعات كل ليلة يتجدد الإيمان ويقوى الاعتقاد، ويثبت في القلب ويكون...
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعدُ:
أيها المؤمنون: اتقوا الله –تعالى-، فإنَّ من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون عباد الله: إن أوْلى أمرٍ ينبغي أن تتوافر همَّة المسلم على العناية به الاعتقادُ الصحيح، والإيمان السليم؛ المستمد من كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه الأساس الذي تُبنى عليه الأعمال، ويقام عليه الدين، ولا قبول لعملٍ إلا به، فهو أساس شجرة الإيمان المباركة، وأصلها الراسخ؛ كما قال الله -تبارك وتعالى-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم:24-25].
ولابد -أيها المؤمنون- في مقام الاعتقاد وشأنه من عنايةٍ مستمرة، واهتمامٍ دائم، وعملٍ جادٍّ؛ على تجديد الإيمان وتقويته وتمتينه.
وتأتي في هذا المقام مُعينة للعبد أتم العون محققة هذا الهدف أتم التحقيق الأذكارُ المشروعة والمأثورة عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، فإن للعناية بها، والمحافظة عليها في أوقاتها المخصوصة، وصفتها المأثورة الأثرَ البالغ، والنفع العظيم في تقوية عهد الإيمان، وميثاقه العظيم، وتجديده وترسيخه وتمتينه؛ ولهذا ينبغي على المسلم أن تعظم عنايته بالأذكار المشروعة بصفتها المأثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- معتنيًا في الوقت نفسه بفهم معانيها، ومعرفة مدلولاتها، وتحقيق مقاصدها وغاياتها.
وإليكم -أيها المؤمنون- مثالًا واحدا يجلِّي لكم هذا الأمر، ويبيِّن لكم هذا الأثر، ويوضح لكم هذه العائدة الحميدة المباركة:
روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ، قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المقَدِّمُ وَأَنْتَ المؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ".
ألا ما أعظمه من ذِكر، وما أجلَّه من حديثٍ جامع لأصول الاعتقاد، وأمهات الدين يكرِّره نبينا عليه الصلاة والسلام كل ليلة في سكون الليل وفي جوفه، وفي هدأته وسكونه، يقف بين يدي ربه مستفتحًا صلاته من الليل بهذا الإيمان العظيم والاعتقاد الراسخ، ومع هذا التكرار لهذه الكلمات الجامعات كل ليلة يتجدد الإيمان ويقوى الاعتقاد، ويثبت في القلب ويكون راسخًا ثابتًا قويًا متينا.
وهذا الحديث -أيها المؤمنون- مشتملٌ على اثنتين وعشرين جملة، جملٌ عظيمات، وكلماتٌ بالغات، وأصولٌ راسخات، وعقيدةٌ قويمةٌ متينة؛ ما أحوج المسلم -أيها المؤمنون عباد الله- إلى هذه العناية العظيمة بالعقيدة تجديدًا لها وتمكينًا وتثبيتا.
وتأمل رعاك الله كيف يكون هذا التجديد للاعتقاد في سكون الليل وهدوئه حينما يقوم العبد صافيًا ذهنه متهيئًا لهذا المقام العظيم راجيًا من الله -تبارك وتعالى- أن ينال ما يترتب على هذه الكلمات من مقاماتٍ عليًّة، وأحوالٍ زكية، وأفضالٍ عظيمة، وعطايا كريمة، وعوائد جمَّةٍ في الدنيا والآخرة.
أيها المؤمنون: ألا ما أهنأه من ليل وألذَّه وأطيبه عندما يقوم المؤمن في جوفه بين يدي ربه -تبارك وتعالى- مستفتحًا بهذه الكلمات العظيمات، مجددًا إيمانه، مقويًا عهد اعتقاده، مرسخًا هذه الأصول العظيمات في قلبه، ثم يمضي بعد ذلك راشدًا بأداء ما كتب الله -تبارك وتعالى- ويسَّر له من صلاة، فيكون لذلك الأثر العظيم والخير العميم والعوائد المباركات على العبد في دنياه وأخراه.
أيها المؤمنون: ومما يؤكد عليه أهل العلم في هذا المقام أن يكون إتيان العبد بهذه الأذكار الشرعية إتيانًا بها في أوقاتها، وصفاتها المأثورة، وألفاظها الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مع عنايةٍ دقيقةٍ بفهم المعنى، وعقل الدلالة، وعنايةٍ أيضا بتحقيق المقصد وإقامته؛ حتى يكون لها أثرها البالغ عليه، أما إذا كان يقولها ألفاظًا لا يعي معناها وكلماتٍ لا يعرف مدلولها فإنها تكون ضعيفةَ الأثر إن لم تكن عديمة الأثر.
أيها المؤمنون عباد الله: وفي هذا المقام يُنبَّه المسلمون على أهمية العناية بالأذكار المأثورة عن نبينا عليه الصلاة والسلام؛ لأن الناس في أنحاء كثيرة شُغلوا بأدعية مخترعة وأذكار مبتدعة شُغلوا بها عن هذه الأذكار العظيمة التي أُثرت عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام وثبتت عنه وهي مشتملة على المطالب العليَّة والمقاصد الرفيعة مع السلامة فيها من الزلل والخطأ، بخلاف ما اخترعه المتكلِّفون وأحدثه المتخرِّصون من أذكار أو أدعية شغلوا الناس بها ووظفوا لها أوقاتًا راتبة مع ما يكتنفها من خللٍ وانحرافٍ وزلل.
أيها المؤمنون عباد الله: هذه دعوة إلى مزيد عنايةٍ بالذكر المأثور عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، وعنايةٍ بفهم معانيه وتحقيق دلالاته مما يعود على المسلم بالآثار العظيمة والفوائد العميمة والخيرات الكثيرة في الدنيا والآخرة.
وأما بيان ما في هذا الحديث من ألفاظ المعتقد وأصول الديانة وأمهات الاعتقاد؛ فله مجال آخر [ينظر في ذلك رسالة بعنوان: "المقالة المفيدة شرح حديث جامع في العقيدة" تطبع قريبا بإذن الله].
ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يلهمنا رشد أنفسنا، وأن يعيننا أجمعين على ذكره وشكره وحُسن عبادته، وأن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين؛ إنه -تبارك وتعالى- سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، أحمده -جلَّ وعلا- بمحامده التي هو لها أهل، وأثني عليه الخير كله , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنين -عباد الله-: اتقوا الله –تعالى-.
أيها المؤمنون: ثبت عن نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ".
ألا ما أحوج المسلم إلى هذه العناية بتجديد الاعتقاد وتقوية الإيمان، والمحافظة على أصوله العظيمة، فليس الاعتقاد -أيها المؤمنون- كتابًا يُقرأ في مرحلةٍ من مراحل العمر ثم ينتهي منه العبد، ولا درسًا يحضره عند أحد الشيوخ ثم ينقطع وينتهي.
بل الاعتقاد -أيها المؤمنون- أمرٌ يحتاج من العبد إلى عنايةٍ مستمرة وتجديدٍ دائم ومحافظةٍ دائمة، وكما تقدَّم الأذكار المأثورات عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام فيها أكبر عون على تحقيق ذلك تحقيقًا عظيمًا له أثره على العبد في ثبوت اعتقاده ورسوخ إيمانه، والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له؛ وفقنا أجمعين، وسدَّدنا أجمعين، وأصلح لنا شأننا أجمعين، وزيَّننا بزينة الإيمان وجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
واعلموا أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومُعينا وحافظاً ومؤيِّدا.
اللهم آمن روعاتهم، واستر عوراتهم، واحفظ أعراضهم، واحقن دماءهم يا رب العالمين.
اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتَّقاك واتَّبع رضاك يا ربَّ العالمين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكّاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقَّه وجلَّه، أوَّله وآخره، سرَّه وعلنه.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.