الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | محمد الغزالي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
والآيات التي ذكرها عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وترجم عن مشاعره نحوها بقوله: "ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها"، يجمع بينها كلها عامل مشترك، وهذا العامل هو أن رحمة الله واسعة، وأنها سبقت غضبه، وأنه -جل شأنه- يغفر لعباده، ويفتح لهم أبواب العودة إليه إذا ما باعد الشيطان بينهم وبينه، ولما كان الإنسان قد خلق من عنصرين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدًا رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فقد جاء عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)، و(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا)، و(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)، و(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)، و(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا).
وفي رواية أخرى أن هذه الآيات الخمس قد انضمت إليها ثلاث آيات أخرى متتابعات تضمنتها سورة النساء، وهي قوله -جل شأنه-: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا).
والآيات التي ذكرها عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وترجم عن مشاعره نحوها بقوله: "ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها"، يجمع بينها كلها عامل مشترك، وهذا العامل هو أن رحمة الله واسعة، وأنها سبقت غضبه، وأنه -جل شأنه- يغفر لعباده، ويفتح لهم أبواب العودة إليه إذا ما باعد الشيطان بينهم وبينه، ولما كان الإنسان قد خلق من عنصرين متضادين: طينة من الأرض، وروح من السماء، فإن الإنسان لابد أن يقع في الخطأ، لابد أن تزل قدمه، وقد صور هذا ابن الرومي في بيت له يقول:
ولابد من أن ينزع المرء مرة | إلى الحمأ المسنون ضربة لازب |
لكن هذه الآيات عندما نقرؤها نحتاج إلى إلقاء ضوء خفيف على كل آية لنرى هل هي فعلاً مدخل حقيقي لبناء المجتمع الإسلامي من الأسرة المتماسكة، ومن الكيان الموحد القوي، أم أن هذه الآيات بعيدة عنه؟!
الآية الأولى هي قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا).
تعني هذه الآية أن المسلم ينبغي أن يجتنب الكبائر وأن يبتعد عنها ابتعادًا تامًّا، وأن يجعل بينه وبينها مسافات شاسعة، وبيّن -جل شأنه- أن من يجتنب الكبائر تغفر له الصغائر التي قد تقع منه.
والكبائر أنواع: منها ما هو متصل بالسلوك العملي كالسرقة أو الزنا أو ترك الصلاة أو ترك الصيام، ومنها ما هو متصل بالمشاعر النفسية كالكبر والحقد والبطر وما إلى ذلك.
أنواع الكبائر -نفسية كانت أو بدنية- ينبغي أن يطهر المرء منها، فإذا أخطأ بعد ذلك في نظرة لا تليق أو في كلمة بدرت منه ما تنبغي، فإن الحديث الشريف يقول: "فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
ويقول -جل شأنه- في آية أخرى تؤكد المعنى هنا: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ابتعد عن المعاصي، ابتعد عن الكبائر النفسية والسلوكية ما يُرى منها وما لا يرى: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ). فما يُرى هو المعاصي السلوكية، وما لا يُرى هو المعاصي النفسية، فإذا اجتنب الإنسان ذلك كان قريبًا إلى الله وغفرت له خطاياه وأخطاؤه الأخرى.
الآية الثانية: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا).
وهي آية تفيد أن حساب السيئات عند الله محدود، فهو قد يجزي السيئة بالسيئة إذا بقي عليها صاحبها، ولكن حساب الله أوسع من ذلك، فهو كما جاء في الحديث: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيّن ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همَّ بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة".
المضاعف عند الله لا حدود له، وهنا أوجه النظر إلى أن قول الله تعالى: (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ). ليس معنى المشيئة الفوضى، فإن الله -عز وجل- أعرف بعباده وملابسات أخطائهم، فربما تصدق شخصان بصدقة واحدة فكتب لهذا جزاءً محددًا، وكتب لذلك أضعافًا مضاعفة، وربما فعل شخصان ذنبًا واحدًا فكتب لهذا عقابًا محددًا، وغفر لذاك!! لا لأن الله يكتب الأمور فوضى، بل لأن الله يعلم ما يحيط بكل إنسان من ملابسات، فزنا الشيخ غير زنا الشاب، وصدقة من فقير مُقلٍّ غير صدقة من غني مكثر، وذنب أعقبه ندم غير ذنب أعقبته فترة أو برودة أو قلة اكتراث. فرب العالمين عليم بعباده، وكتابته للحسنات وللسيئات تتفاوت.
الآية الثالثة: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ).
والناس يخطئون في فهم هذه الآية، فإن الله غفر ما دون الشرك، ولكنه لم يغفر ما يساوي الشرك، وهناك ذنوب أعظم من الشرك!! قد يقول أحد: وما هو الأعظم من الشرك؟!
أولاً: ما الشرك؟! الشرك: أن يُسوَّى المخلوق بالخالق، هكذا فعل المشركون عندما جاؤوا بأصنامهم ثم زعموها بنات لله وسووا بينها وبين الله، وعندما يُقذفون في جهنم يقولون: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ).
لكن هناك من ينكر الألوهية أصلاً، فهم شر من المشركين يقينًا، وهم عندما يحاسبون يحاسبون على ما هو شر من الشرك.
هذه واحدة، وشيء آخر يساوي الشرك، وهو فعل المعصية استباحة لها، وترك الواجب جحدًا لأصله. فالناس عندما يرتكبون الذنب أصناف: فهناك من يرتكب المعصية بعد أن استمات في مدافعتها ثم أزلَّه الشيطان فوقع فيها، ثم أعقب ذلك من التحسر والألم ما يمسح هذه المعصية.
وهناك ناس يرتكبون المعصية ثم يهزون أكتافهم ويمطون شفاههم كأنهم لم يفعلوا شيئًا، الواحد منهم يترك الصلاة مثلاً فإذا قلت له: لم لا تصلي؟! نظر إليك ببرود وقال: ما الصلاة؟! خذني على جناحك!!
هذا يقينًا كفر بالله، هذا يقينا مساوٍ للشرك، كذلك الذي يشرب الخمر أو يرتكب الزنا ثم إذا قلت له: لم تسكر؟! أو لم تزني؟! نظر إليك ببرود وقال: دعني ما لك ولي؟!! هذا أيضًا مساوٍ للشرك.
إن كل معصية تقترن بالاستباحة والتبجح، وكل واجب يهدر ويقترن إهداره بالاسهتزاء والسخرية فهو يقينًا انسلاخ عن الإسلام، ولا يمكن بتاتًا أن يدخل في هذه الآية: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ).
الآية الرابعة: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا).
كان المنافقون قديمًا إذا قيل لهم: توبوا إلى الله، وأصلحوا نفوسكم، وتعالوا إلى النبي يستغفر لكم ويطلب من الله أن يقبلكم رفضوا ذلك رفضًا شديدًا: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
لأنهم ناس منافقون ينتسبون إلى الإسلام زورًا وليست لهم بالله علاقة قائمة، ولو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استغفر لكافر أو لمنافق ما قبل استغفار الأنبياء كلهم له؛ لأن الله لا يقبل عنده إلا من آمن به ورجا رحمته وخشي عقابه.
الآية الخامسة: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا). هذه الآية تمثل خصائص الإسلام، الإسلام يقول لكل امرئ: إن غبّرتك الأرض بترابها تستطع أن تعيد الطهارة إلى جسدك بالتطهر، إن غبرتك الحياة بآثامها تستطع أن تعيد الإشراق إلى قلبك بالتوبة، لن يحول بينك وبين العودة إلى الله بشر، لن تحتاج إلى بشر يقودك إلى الله أو يشفع لك أو يكون وسيطًا بينك وبينه أو تعترف عنده بذنب: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا).
هذا من خصائص الإسلام، من خصائص الإسلام أنه قال لأي مخطئ: تستطيع أن تعتذر إلى الله لا تحتاج إلى أحد، من خصائص الإسلام أنه قال لأي منحرف: تستطيع أن تستقيم على الطريق وتعود إلى الله ما تحتاج إلى كاهن، ما تحتاج إلى قَس تعترف عنده، ما تحتاج إلى بشر يحمل عنك توبتك: "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".
إن الله تعالى باسط يده ليلاً ونهارًا لكل من يريد العودة إليه، بهذا منع الإسلام الوساطات والكهانات، وجعل العلاقة بين الناس وربهم علاقة ميسرة سهلة.
ما أعظم الإسلام!! ما أشرف حقائقه!! ما أيسر الطريقة التي رسمها للناس، وما أبعد الناس عن الحق يوم يبتعدون عن هذا الدين!!
انضم إلى هذه الآيات الخمس في سورة النساء قول الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا).
الله يريد أن يتوب علينا، الله يعلم ضعفنا فهو يرحمنا فلم لا نرحم أنفسنا؟!
هنا نقول: إننا قد ذكرنا في الخطبة السابقة أن محور سورة النساء الذي تدور عليه هو بناء المجتمع الإسلامي، وأساس المجتمع الإسلامي أنه مجتمع ذو هدف، ذو رسالة، ذو فكرة.
ومعنى هذا بالتمثيل والتوضيح: أن هذا المجتمع يقوم على الإيمان بالله، فإذا كان هناك من المبادئ ما يناوئ وجود الله -جل شأنه- منعه؛ لأنه يقوم على الإيمان بالله.
المثل الثاني: هذا المجتمع يرفض الزنا، ويراه منكرًا وفاحشة، فإذا كان هناك تبرج أو تهتك منعه ومنع كل ما يقرب من الزنا، وبالتالي يُغلق المواخير، ويرفض أن يكون في بنائه أي شيء من هذا الذي يُيسر المعصية أو يعين عليها.
المجتمع الإسلامي يحرم الخمر، وبالتالي تغلق الحانات ومعاصر الخمور وما إلى ذلك مما هو بعيد عن أساسه وهدفه وفكرته.
المجتمع الإسلامي يقوم على الصلاة، ومعنى أن المجتمع يقوم على الصلاة أنه يبني المساجد، وأنه يُسمع فيها الأذان في الأوقات الخمسة، وأنه يغري المؤمنين بالمجيء إلى المساجد طوال هذه الأوقات.
المجتمع الإسلامي يعلن عن نفسه، وعن إيمانه بربه، وعن خضوعه لأمره ونهيه، وعن التزامه بوصاياه وحدوده.
المجتمع الإسلامي يعلن عن ذلك كله في الصبغة التي يظهر بها، ونعرف في أرجاء العالمين بأنها لونه البارز الثابت، ومعنى ذلك واضح، قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
فطبيعة المجتمع الإسلامي أنه يصلي ويزكي، طبيعة المجتمع الإسلامي أنه يخشى الله ويحسب حساب الآخرة؛ لأن الله تعالى يقول -عندما يصف المجتمعات الجاهلية التي حاربت الدين، وأعلنت الحرب على المرسلين أجمعين-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ).
لكن كيف يسكنهم الأرض من بعدهم؟! وبأي شرط يسكنون الأرض بعد فراغها من الظلمة؟! قال: (ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ).
هناك فارق بين مجتمع إيماني ومجتمع كفراني: المجتمع الكفراني باهت لا لون له، أو اللون الذي يسوده لا صلاة فيه، لا صيام فيه، لا احترام فيه لصلاة، لا احترام فيه لصيام.
أما المجتمع الإيماني فهو مجتمع يحترم الصلاة، ويحترم الصيام، ويحترم حدود الله.
الإسلام يعلم أن هناك ناسًا يدينون بغير دينه، فماذا يصنع لهم؟! يقول الإسلام في هذا: إن من أراد أن يبقى على دينه فليبق على دينه، لكن لا يجوز منع الإسلام من أن يفرض نفسه على مجتمعه، لليهودي أن يبقى يهوديًّا، لا نمنعه، للنصراني أن يبقى نصرانيًّا، لا نمنعه، لكن إذا حاول أن يمنع المجتمع من أن يقوم على الإسلام فإنه عندئذٍ يعلن الحرب على هذا الدين وعلى أتباعه، ليس له -ما دام قد بقي على دينه- أن يمنع الدين الذي يعيش في مجتمعه أن يفرض نفسه على بيئته.
وسورة النساء عندما تعرضت لليهود وغير اليهود إنما أعلنت الحرب على تصرفات لهم منكرة.
لقد استبقى الإسلام اليهود في المدينة المنورة وفي غير المدينة المنورة من جزيرة العرب على أساس أن يحيوا على عقيدتهم، أما أن يحاولوا ضرب الإسلام في صميمه ومنع تعاليمه أن تقوم وأن تصبغ المجتمع فهذا لا يمكن، وتأمل قوله -جل شأنه- وهو يسرد الأشياء التي جعلته يغضب من اليهود ويلعنهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ). لماذا تشترون الضلالة وتريدون من المسلمين أن يضلوا السبيل؟! أنتم يهود، بقيتم على يهوديتكم، دعوا المسلمين إذًا، دعوهم يصلون، دعوهم يزكون، لماذا تحاولون ضرب هذا المجتمع؟!
موقف آخر لليهود: يسألهم المشركون -وكان الذين سألوا من قادة قريش ومن زعماء الوثنية الجاهلية العابدة للأصنام- يقولون لليهود: أنتم خبراء بالوحي، تدركون طبيعة المنتسبين إلى السماء وإلى الكتب السماوية، دلونا أنحن على الحق أم محمد؟! فيكون جواب اليهود: أنتم على الحق، أنتم أفضل من محمد! لم؟! محمد يدعو إلى التوحيد وهؤلاء عبدة أصنام!! لكنه الحقد على المجتمع الإسلامي، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا).
الخلاف إذًا لم يكن بين المسلمين وبين وجود اليهود في جزيرة العرب، فإن الإسلام استبقاهم حتى إن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "توفى ودرعه مرهونة عند يهودي"، وثبت أن عمر -رضي الله عنه- عندما وجد يهوديًّا يتسول ذهب به إلى منزله وأعطاه شيئًا من المال ووضع عنه وعن أمثاله الجزية.
إذًا الإسلام ما غضب لأن يهوديًّا بقي على يهوديته، إنما الذي أغضبه أن هؤلاء يريدون أن يمحى الإسلام من المجتمع. ولكي تعرفوا خطورة هذا اعلموا ما يأتي:
عندما يتكاسل امرؤ عن الصلاة فكسله جريمة فردية قد يختفي بها، قد يبتعد عن المجتمع وهو يرتكبها شاعرًا بخسته عندما تقع منه، لكن المعصية التي تُولد ميتة معصية لا يُخاف منها، الشاب عندما يخطئ فخطؤه في المجتمع الإسلامي -ومع روح الإيمان- يولد ميتًا، لم؟! لأنه مؤمن، إيمانه قاوم الخطأ طويلاً، فإذا انهزم فإن إيمانه يصحو مرة أخرى ليندم على ما ارتكب.
فالجريمة هنا ميتة لا تتسلل للمجتمع لتفرض نفسها، لكن الخطورة كلها في أن تتحول المعصية إلى تقليد قائم أو إلى تشريع قائم، معنى هذا أن الإيمان سُحق، وأن أثره الفردي والاجتماعي تلاشى.
المجتمع المسلم -بطبيعته- يؤذن فيه للصلاة، لكن عندما يقال للمسلم: إذا أردت أن تصلي الفجر فهات منبهًا يوقظك، فمعنى هذا أن المجتمع قد تنكَّر للصلاة، وأن صوت المؤذن أصبح نابيًا ترفضه طبيعة هذا المجتمع، وأن الصلاة هنا هواية لفرد يريد أن يستيقظ مبكرًا فلا يجوز له أن يوقظ الآخرين.
القضية هنا ليست قضية إنسان تكاسل عن الصلاة في مجتمع يقوم على العبادة، لا، القضية هنا قضية مجتمع يريد الانسلاخ من الصلاة نفسها، وهنا ينبغي أن يعرف أنه يوم تُحول جريمة ترك الصلاة من معصية فردية إلى معصية اجتماعية فهذا ارتداد.
المعركة بين الإسلام وأمته من ناحية وبين الاستعمار شرقيه وغربيه من ناحية أخرى تقوم من خمسين سنة على هذا الأساس، الاستعمار بألوانه يريد أن لا يكون لون المجتمع إسلاميًّا، فإذا نجح في هذا زال الإسلام بيقين، والأمة الإسلامية مستميتة أن تبقى على دينها، وأن يبقى الإسلام شعارًا لها، والمعركة بين الفريقين قائمة، الذين يريدون بقاء المجتمع على الإسلام يريدون أن يبقى المسجد شارة للمجتمع الإسلامي، وغيرهم يريد أن تزاحم المدينة ذات الألف مسجد بمعابد أخرى لا حصر لها حتى يزول الشعار الإسلامي لها، والأذان، ينبغي أن يخرس هذا الصوت حتى تكون الصلاة صوتًا منفردًا لشخص غريب في المجتمع يصلي وحده أو يكسل وحده.
المسألة خطيرة فعلاً، خطورتها تجيء من المعنى الذي شرحته لكم، لا يقال لمؤمن: إذا أردت أن تصلي الفجر فهات منبهًا يوقظك، فإن معنى هذا أن المجتمع لا يريد الصلاة.
إن مجتمعنا مجتمع مؤمن يريد أن يصلي وأن يسمع الأذان، لكن الغزو الإلحادي بلونيه الشيوعي والصليبي يريد أن لا نصلي وأن تقل المساجد في عاصمة الأمة الإسلامية -أي القاهرة-.
الأصوات النابية التي تصدر بمنع الأذان أو بمنع مكبرات الصوت عند الأذان للفجر بالذات إنما هي امتداد لما تريده موسكو وواشنطن وبكين وباريس بالقاهرة، تريد هذه العواصم أن تخرس موحد الله في القاهرة!! هذا الصوت الذي ينبعث خمس مرات له في قلوب المؤمنين متعة، والواقع أنه عندما يخترق حجاب الصمت وسكون الليل وهدأة الناس فإنه ينعش مشاعر الإيمان في قلوب المؤمنين، وهو متعة روحية ينادون لها لأنهم يسمعون صوت نبيهم -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول لهم: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"، وهم عندما يسمعون إلى هذا الصوت يفتتحون به نهارهم يحسون بأن جو القاهرة يتطهر، وأن الموجات التي تغطي جو هذه المدينة يسير فيها نداء الحق ليتجاوب مع المؤمنين الذين يريدون طاعة الله ويريدون مرضاته، ومعروف أن أذان الفجر يتميز بكلمة تضم إليه وهي: "الصلاة خير من النوم"، يسمعها المؤمن فيلبي ويردد ويقول للمؤذن: "صدقت"، إن الذي يتكاسل إنما يفقد الكثير من بركات الصباح ومن خيرات الله ومن ضمانات التوفيق، ففي الحديث: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فيدركه فيكبه في نار جهنم".
وكان عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه- يفخر بقيام الليل وبصلاة الفجر، ويصف عبادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول:
وفيـنا رسـول الله يتلو كتابه | إذا انشق معروف من الفجر ساطع |
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا | بـه موقـنات أن مـا قـال واقع |
يبـيت يجافي جنبه عن فراشه | إذا استثقلث بالمشـركين المضـاجع |
إذا كان أصحاب البلادة وأشباه الدواب من الخلق ينامون في شخير وغفلة فإن أصحاب الإيمان يرتقبون ساعة النداء لينهضوا، والشيطان نفسه يجتهد في أن يجيء لكل إنسان يحاول أن يصرفه عن صلاة الفجر، وفي الحديث: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيط النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".
والعقد هنا عقد معنوية، والإشارة إلى قافية الرأس إشارة إلى المخ والمخيخ والجهاز العصبي.
وقد وُصِف للنبي -عليه الصلاة والسلام- رجل ظل نائمًا حتى فاته أداء صلاة الصبح فقال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه -أو قال- في أذنه"، أنا لا أدري بدقة هل الذين يقاومون صلاة الفجر ونداءها هل هؤلاء ممن بال الشيطان في آذانهم وهم كسالى عن الصلاة؟!
ربما إذا أحسنا الظن بهم، ربما كانوا مسلمين عصاة بال الشيطان في آذانهم واحتقر هممهم وجعلهم صرعى رقودهم حتى فاتهم فضل الصلاة قبل مطلع الشمس، ربما كان بعضهم من هذا النوع، لكن الذي استيقنته أن بعض الذين يهاجمون مكبرات الصوت عند الفجر ما رئي في مسجد منذ ولد، وما شرفته نفسه بركعة لله يحتج بها يوم الحساب.
هناك نوع من الناس يشتغل بالسمسرة للمبادئ الأوروبية من شرق أو غرب، همته أن يحارب الصبغة العامة للإسلام في هذا البلد!! لماذا؟! حتى إذا ضاعت الصبغة العامة وتحول الإسلام إلى نزعات فردية فإن القضاء على النزعات الفردية سهل، إن الشيوعيين أنفسهم في بلادهم قالوا: اتركوا كبار السن بتدينهم، سينقرضون حتمًا، تلقفوا الأجيال الجديدة وعلموها الإلحاد في المدارس، وعلموها الإلحاد في المجامع والأندية، وعلموها الإلحاد في الصحف والمجلات والكتب، وعلموها الإلحاد في النوادي والساحات، علموها في كل شيء، فستشب -ما دامت الصبغة العامة ملحدة- كما قال الله: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا).
هؤلاء يريدون أن يفقد المجتمع الإسلامي صبغته الإسلامية، يريدون أن تختفي شارات العبادة منه لحساب جهات معينة، أنا لا أعتبر هزيمة الإسلام أو هزيمة المصريين أمام الإنكليز في التل الكبير، بل أعتبر هزيمتنا يوم استطاع القس دنلوب أن يضع برامج للتربية والتعليم في وزارة المعارف، فخرّج جيلاً من الناس يتكلم باسم موسكو وواشنطن أوقح وأصرح مما يتكلم به خواجة قادم من موسكو أو واشنطن، لأنه باسم أنه مسلم يتجرأ على الإسلام ويقول لك: إلى اللقاء في الجنة!! كأن الجنة حديقة حيوانات تدخلها أنواع الجاموس الذي يشتغل في دور التحرير في القاهرة!!
هذا كلام غريب واعتذار أغرب عن خطأ صفيق، إننا نريد أن يعلم الناس هذه الحقائق، باسم من يتكلم هؤلاء؟! إننا نريد أن نعلم.
لقد اتصلت بي امرأة من الإذاعة -وأنا في مكاني في وزارة الأوقاف- وقالت لي: إنها ضائقة جدًّا بأذان الفجر!!
ولما كان الذي يكلمني امرأة قلت: أتلطف مع هذه المرأة حتى أعرف ما تريد، قلت: لعلك تضيقين بالتواشيح أو بالابتهالات، ولقد أصدرنا أمرًا بمنع التواشيح ومنع الابتهالات وقلنا: لا يذاع إلا الأذان فقط، فهذه سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتبع السنة لا نزيد عليها ولا ننقص.
قالت: أنا أضيق بالأذان نفسه! قلت لها في هدوء: لكننا لا نقيم تقاليدنا وقوانينا على ضيق رجل أو امرأة، إن القاهرة بلد مسلم، يوم يؤخذ في انتخاب حر رأي المسلمين أيسمعون الأذان في المكبرات أم لا يسمعونه، فإن تسعة وتسعين ونصفًا بالمائة من المسلمين سيقولون: أسعدونا بألفاظ الأذان تقال في أطراف الليل والنهار، فإذا كنت تضيقين بالجو في بلد إسلامي فاذهبي إن شئت لتعيشي في موسكو أو باريس حيث لا دين وحيث لا إسلام، أما المجتمع هنا فمجتمع مسلم.
أنا أريد أن أقول: إن الإسلام ليس جدارًا خفيضًا يثب عليه كل كلب في هذا البلد، إن الإسلام دين محترم، ولن نسمح للكلاب أن تنبحه أو تنال منه، من أراد أن يبقى في القاهرة مسلمًا مصليًا فليسلم وليصلِّ، ومن عصى ربه فليختف بمعصيته ولا يتبجح بهذه المعصية وإلا اعتبر بتبجحه مرتدًا.
إننا لا نسمح أن يقول لنا أحد: صلوا في بيوتكم بمنبهات، إنما نقول لكل كلب لا يريد أن يسمع الأذان: ضع في أذنك قطنًا حتى لا تسمع ذكر الله، أما أن تلزم مجتمعًا مسلمًا بأن لا يسمع ذكر الله فهذه صفاقة لا مثيل لها، هذه سفالة غريبة أن يفرض رجل ملحد إلحاده على مجتمع مسلم.
إن الإسلام يعتز بعاصمته، ويعتز بأن الشباب مؤمن، المثقفون في بلادنا مؤمنون، تسعة أعشار أساتذة الجامعات مؤمنون، وأنا خبير بالجامعات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله (الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ). وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين. وأشهد أن محمدًا رسول الله إمام الأنبياء وسيد المصلحين. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن ديننا انفرد بأنه دعوة إلى وحدة دينية شاملة، أساس هذه الوحدة: أن نؤمن بالله، وأن نؤمن بكل الأنبياء الذين جاؤوا، ومحاولة التفريق بين نبي ونبي أو بين الأنبياء وربهم هي كفر: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
ومع أن الإسلام قام على هذا الأساس -أساس أنه وحّد رب العالمين توحيدًا عاليًا- فإنه أعطى من لا يدين بهذا الدين حق أن يحيا في كنفه بدينه المضاد للإسلام شريطة أن لا يحاول محو الصبغة الاجتماعية لديننا.
نحن ناس يقول لنا ديننا: الصلاة حق، فليصطبغ المجتمع بها، الزكاة حق، فليصطبغ المجتمع بها، الخمر حرام، فلا بقاء لها في مجتمعنا، الزنا حرام، فكل ما يؤدي إليه يجب محوه، وهكذا، فعلى أتباع الأديان الأخرى أن لا يحاولوا ضرب الإسلام في نظامه الاجتماعي لأنه دين يقوم على الشقين معًا: هو عقيدة وشريعة، هو دين ودولة، فمن حاول غير ذلك فإنه يخون مجتمعنا ويغضب أبناء هذا المجتمع، ويغضب الله علينا إن قبلنا ذلك كله.
أيها المسلمون: إن هدف الاستعمار العالمي أن ينقرض الجيل المؤمن ليستطيع هو بإعلامه، بقوانينه، بتقاليده، بلهوه ولعبه أن يخلق مجتمعًا جديدًا يكفر بالقرآن والسنة.
وأنا أعلم أن هناك كتّابًا وإذاعيين أكل الغل قلوبهم حقدًا على توحيد الله وعلى رسالة محمد -عليه الصلاة والسلام-، ألا فليموتوا بغيظهم، ألا فليذهبوا إلى الجحيم، لكننا لا نذهب معهم، لكننا لن نصدقهم في كذبهم، لكننا لن نستمع إليهم في توجيهاتهم: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).
فلنحرص على ديننا، ولنبقِ على صلاتنا وأذاننا، ولنبقِ على أن نحارب المنكر وعلى أن نقر المعروف وعلى أن نوفي لله الواحد ولنبيه الخاتم -عليه الصلاة والسلام-.
"اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر".
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
أقم الصلاة.
نظرات في سورة النساء (1) العناصر الخمسة التي تتكون منها سورة النساء
نظرات في سورة النساء (2) المحور الذي تدور عليه السورة - إرساء قواعد المجتمع وتبيين معالمه