البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | فقه النوازل |
ولو لم يكن من ثمار هذه الثورة الْمُباركة, إلا كشف حقائق الرافضة لكفى, فكيف وقد زلزل الله بثورتهم كيانهم, وأهلك أموالَهم ورجالَهم, وأفشل بهم مُخطَّطاتِهم, وبدَّد آمالَهَم وطُمُوحاتِهِم, وقذف الله في قلوب الناس بُغْضَهم, وصار مُحِبُّهم أشدَّ الناسِ بُغضاً...
الحمد لله الذي أبان الحقَّ وأظهره, ودمغ الباطل وأبطله, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, جلَّ عن الشبيه والنظير, واسْتغنى عن الْمُعينِ والوزير.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, ختم الله به الأنبياء والْمُرسلين, وأعزّ به أتباعَه من الْمُؤمنين, وأذلّ به الكفارَ والْمُشركين, فأضحت رايةُ الإسلام عالية, ومعالمُ الحقِّ والدينِ واضحة, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وأصْحابه والتابعين, وَسَلَّمَ تسْليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون, واعلموا أنَّ الله -تعالى- شاء بحكمته أنْ يستمر الحقُّ والباطل, ويدوم الصراعُ بين الكفر والإيمان, الرُّشد والطغيان, قال -تعالى-: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود:118-119].
فلا يزال الخلاف بين الناس في أديانهم واعتقاداتهم، ومذاهبهم وآرائهم؛ إلا المرحومين من أتباع الرسل، الذين تمسَّكوا بما أَمَرَتْهُمْ به رسُلُهم, واسْتمرُّوا على ذلك دون تحريفٍ وتبديل، حتى كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-, الذي ختمَ الله به الأنبياء، فاتبعوه ونصروه, ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة.
ومن حكمته -تعالى- في جعلهِ الناسَ مُختلفين, ليُميِّز تميِيْزاً ظاهراً عياناً بياناً بين الحقِّ والباطل, والطيِّبِ والخبيث, (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا) [الأنفال:37].
وإذا شاء الله -تعالى- إظهارَ هذه الحِكْمَةِ العظيمة قيَّض لها أهلها, وأعدَّ لها رجالها, واختار لظهورها أرضاً مُباركة, وساحةَ جهادٍ مُهيَّأة.
فحينما أراد الله أنْ يُظهر الحقَّ والهُدى, ويمحقَ الباطل والهوى؛ اختار المدينةَ النبويةَ لذلك, واصْطفى لظهور الحقِّ الْمُهاجرين والأنصار, فأعزّ الله بهمُ الإسلام وأذلّ الكُفَّار.
فهذه حكمةُ الله في كلِّ زمان, قضى أنْ لا يُعلي الحقَّ إلا أهلُ الإيمان, ولنْ يكون ذلك إلا بدماءِ الشهداء, وتمزُّقِ الأعضاءِ والأشلاء.
وإنَّ العالم الإسلاميَّ والعربيّ, منذ عقودٍ طويلة, وأزمنةٍ مديدة, قد اغترَّ أكثرهم بالمذهب الرافضيِّ والصفوي, وانْطلى عليهم أكاذيبُ الرافضة وإيران, بأنهم دُعاةُ التقريب بين المذاهب, وأنهم لا يُعادون إلا الاحتلال الصهيونيّ.
بل؛ إنَّه في فترةٍ من الفترات, أصبح مَن يُحذِّر منهم ويُعاديهم, يُرمَى بالتشدُّدِ والكراهية, وأصبح المدعوّ بحزب الله رمزاً للنضال والجهاد, ومثالاً يُفتَخَر به في سائر البلاد.
بل؛ وأعجب من ذلك، أنَّ كثيراً من علماء المسلمين, قد اسْتماتوا في الدفاعِ عنهم, وإقامةِ الْمُؤتمرات والحوارات, ليُقرِّبوا وُجهاتِ النظر بيننا وبينهم.
فحكم الله أنْ يَنتهيَ أمدُ هذا الغشاء, وقضى أنْ يزولَ عن الأمةِ هذا الغطاء, فميَّز بين الخبيث والطيب, على أيدي أهلِ السُّنَّة في بلاد الشام, فأعزَّ الله بهمُ الإسلام, وأرغم بهم أنوفَ النُّصَيْرِيِّين وعصاباتِ النظام.
فما كان من حزب اللات وإيران، وأوليائهم في سائر البلدان, إلا أنْ أعلنوها صريحةً وعلانية: سنقف مع النظام أمام شعبه, فقتَّلوا العباد, وعاثوا في الأرض الفساد.
فاحتار الناسُ الذين كانوا يُؤيِّدونهم, وتعجَّب دُعاةُ التقارب مِنْ قُبحِ صنيعهم, ونادوهم بأعلى صوتهم: ألستم تقولون لنا من قبلُ بأننا لا نُكنُّ العداء إلا للصهاينةِ وأمريكا؟ ولماذا تقفون مع نظامٍ يقتل شعبه, وتقتلون شعباً يُطالب بحرِّيَّته؟.
فعرف الناس جميعاً أنَّ هؤلاء همُ الأعداء, فتبرَّأ منهم كلُّ مَن ناصرهم أو تعاطف معهم, وأصبح مَن يُؤَيِّدهم أو يمدحهم يُلمَز بأنه رافضيٌّ صفوي؛ وأما قبل سنوات, فمن تكلَّم عليهم أو سبَّهم يُلمَز بأنه متشدِّدٌ همجيّ.
وها هو أحدُ دُعاة التقريب بين السنة والرافضة, الذين أمضوا عشرات السنين وهو يُنادي بالتقريب ونبذِ الخلافات, وقد ناصحه علماؤنا في هذه البلاد وغيرِها بأنه لا يُمكنُ التقريبُ بيننا وبينهم؛ لأن الرافضة يَدينون بدينٍ غيرِ دين الإسلام, ويُجاهرون بالعداء للصحابة وعلماء الأمة, وليس لهم عدوٌّ على مرِّ التاريخ سوى أهلِ السنة والجماعة, لم يغزوا بلداً من بلاد الكفارِ ولا شبراً واحداً, ولكنهم غزوا كثيراً من بلاد الْمُسلمين, وهمُ الذين أعاقوا الدولة العثمانية من فتح الأندلس مرَّةً أخرى.
اليهودُ والنصارى في إيرانَ آمنون, وأهلُ السنة في المشانقِ يُعَلَّقون, حتَّى قال أحدُ كبار رهبان اليهود في أمريكا: انظروا إلى اليهود في إيران, يعيشون بأمنٍ وأمان.
المهمّ - يا أمة الإسلام- أنَّ هذا الشيخ, وهو الشيخُ القرضاوي, ظلَّ يُنافح عن رأيه في التقريب بيننا وبينهم, وحضر عشرات الْمُؤتمرات, وسافر إلى إيران ولبنان, وقابل قادتَهم وعلماءَهم, فماذا قال بعد ذلك: اسمعوا إلى كلامه الذي قاله قبل أيامٍ: "الآن عرفنا ماذا يريد الإيرانيون, يريدون المجازر المستمرةَ والْمُدَّبَرَةَ لقتل أهل السنة, وإنني ظللت لسنواتٍ أدعو إلى التقريب بين المذاهب، وسافرت إلى إيران، لكن هؤلاء المتعصبين (في إيران), يريدون أكل أهل السنة، هم ضحكوا عليَّ وعلى كثيرٍ مثلي، وكانوا يقولون: إنهم يريدون التقريب بين المذاهب, ويريدون الوحدة الإسلامية, لكنَّهم يريدون أنْ يضحكوا على أهل السنَّة.
وقد دافعت (قبل سنواتٍ) عمَّا يُسمَّى: حسن نصر الله, الذي يُسمِّي حزبَه حزبَ الله, وهو حزبُ الطاغوت, وحزبُ الشيطان.
وقفت في فترةٍ من الفترات أُدافع عنهم, ضد المشايخ الكبار في السعودية, داعياً لنصرةِ حزبِ الله, لكنَّ مشايخ السعودية كانوا أنضج مني وأبصر مني؛ لأنهم عرفوا هؤلاء على حقيقتهم, عرفوا أنهم ليسوا ناصحين للمسلمين, هم كذبة.
نعم يا أمة الإسلام، لقد اختارَ اللهُ الأرضَ الْمُباركة أرضَ الشام, واختار أهلهَا أهلَ العزِّ والإيمان, ليَمِيزَ بهمُ الخبيث من الطيب, ويكشفَ حقيقة الرافضةِ الْمُشركين, فضحَّوا بأنفسِهِم ودِمائِهم, وقدَّموا لذلك رجالهم ونساءهم, وأطفالهم وشيوخهم.
ولو لم يكن من ثمار هذه الثورة الْمُباركة, إلا كشف حقائقِ الرافضة لكفى, فكيف وقد زلزل الله بثورتهم كيانهم, وأهلك أموالَهم ورجالَهم, وأفشل بهم مُخطَّطاتِهم, وبدَّد آمالَهَم وطُمُوحاتِهِم, وقذف الله في قلوب الناس بُغْضَهم, وصار مُحِبُّهم أشدَّ الناسِ بُغضاً لهم.
فهذه الفصائلُ الفلسطينيَّةُ الْمُجاهدة, قد نفضوا أيديَهم منهم, وتبرَّؤوا علانيةً من وُدِّهم, وقد كانوا قديماً أعزَّ أصدقائهم, وأقرب داعميهم ومُؤيِّديهم.
وصدق الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36].
لقد كشفَ تدخل حزبِ اللاتِ في سوريا عن الوجه الحقيقيِّ له، وذلك بعد عقودٍ من التَّستُّرِ وراء قِناعِ المقاومة, واستخدامِ القضية الفلسطينية لكسبِ تأييد الشعوب العربية والإسلاميَّة، فها هو الآن يوجِّهُ سلاحَهُ إلى الشَّعْبِ السوري, الذي يُطالب بأبسط حقوقه من الحرية والعدالة، دخل إلى مُدن سوريا برجاله وسلاحه, وجيَّش الجيوشَ الجرَّارة لدكّ أهل السنة.
فيا لله! كم قتلتم من طفلٍ صغير! وكم مزَّقتم من جسد شيخٍ كبير! أما ارْتويْتُم من دمائنا في العراق واليمن ولبنان؟ أما شبعتم من أشلائنا في البحرين وإيران؟.
ولكنْ -يا أمَّةَ التَّوحيد- هم يعلمون علم اليقين أنّ النظام النصيريَّ الطائفيّ, هو شريان الحياة لهم ولأنصارِهِم, فإذا سقط هذا النظامُ انْقطع هذا الشريان, ولم يأته المددُ مِن دولةِ المجوس في إيران, وتجرَّع بعده مرارة الذُّلِّ الهوان.
فاللهم يا مالك الملك, يا مَن تؤتي الملك من تشاء, وتَنزعه مِمَّن تشاء, انزع الْمُلك والتسلُّطَ من هؤلاء المجرمين, اللهم أضْعِفْ شوكتهم, وأبطِلْ كيدهم, وزلزل عروشهم, إنك على كلِّ شيءٍ قدير.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتَمُ الْمُرسلين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: لقد صبَّ الرافضةُ جام غضبهم على إخواننا في القُصير وغيرِها, التي يسكنها عشراتُ الآلاف من الأبرياء, فها هم مُحاصَرون منذ أسابيع على أيدي حزبِ اللات وإيران, مدعومين بعصابات النصيريَّةِ والنظام, فمنعوهم من الدواء والطعام, فضربوهم بالطائرات والدبابات, وقذفوهم بالصواريخ والراجمات.
وكلُّ هذا والعالمُ أجمع, يرى ما يحدث ويسمع, ولكنْ؛ لا حياة لمن تُنادي!.
فلا تنسوا إخوانكم يا مَنْ أنعم الله عليكم بالأمن والأمان, ادعوا الله لهم بصدقٍ, وأنفقوا أموالكم عليهم؛ فهم بأمسّ الحاجة إليكم. فَمَنْ لِلْأَعْراضِ التي انتُهكت, وللبيوت التي هُدِّمت, وللأرواح التي أُزهقت؟!.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ, وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً, فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ" متفق عليه.
وأيُّ حاجةٍ أعظم من حاجتهم، وأيُّ كربةٍ أعظم من كربتهم, حيث تكالبَ الرافضة عليهم, وعلى أعراضِهم وبيوتِهم؟.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ, لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ" متفق عليه. أيْ: لا يتركه مع من يُؤذيه, بل ينصره ويُدافعُ عنه.
وممَّا جاءت الشريعةُ بتقريره وتأكيده: مُوالاةُ المؤمنين والبراءةُ من الكافرين، فالمؤمن وليُّ المؤمن، كما قال الله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة:71].
فالولاء للمؤمنين يوجب مَحَبَّتهم ورحمتهم، والبراءة من الكافرين تُوجب بغضهم وكراهيتهم.
فالحبُّ التامُّ للمؤمنين يستلزم نُصرتَهم ومعاونتَهم، والبغض التامُّ للكافرين يستلزم عداوتَهم ونصرةَ المؤمنين عليهم.
فمن خذل المؤمنين وتركَ نصرتَهم على الكافرين, من غير مانعٍ يمنعه، فلْيعلمْ أنَّ ولاءه للمؤمنين, وبراءته من الكافرين, التي هي أوثق عرى الإيمان, ضعيفةٌ أو زائلة, نعوذ بالله ممَّن هذه حاله.
اللهم انصر مَن نصر دينك وعبادك الصالحين, واخذل مَن خذلهم يا رب العالمين.