البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

خلاص الشام

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. المؤمن يُمتَحن في الرخاء والشدة .
  2. دور الابتلاء في بناء الشخصية المؤمنة .
  3. الحكمة من ابتلاء الجماعات والأفراد .
  4. الابتلاء سنة الله في خلقه .
  5. ما الذي يحدد جنس الابتلاء والغرض منه ؟ .
  6. شدة ابتلاء إخواننا في الشام .
  7. السوريون بين خبث الروافض وعداء النصيرية .
  8. خواطر إيمانية حول ابتلاء إخواننا في الشام .
  9. أهمية مقام التوكل في حال الابتلاء .
  10. رابطة العقيدة هي روح الأمة وقوتها .

اقتباس

الابتلاء مهم لبناء الشخصية المؤمنة وامتلاكها صفات الثبات، وتطهيرها من الذنوب ورفع درجاتها عند الله، هذا بالنسبة للفرد، أما بالنسبة للجماعة فالابتلاء مهم باستخراج معادن أفرادها وتمحيص قلوبهم.. يقول سبحانه: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)، ويقول جل وعلا: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)، والابتلاء مهم للجماعة كذلك بتنقيتها وتمييز الخبيث من الطيب من أفرادها وأعوانها ومعرفة الصديق من العدو ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إن مما جرت به السنة أن يمتحن المؤمن في الرخاء والشدة، يقول سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)

وهذه الابتلاء مهم جدًّا للجانبين: الفردي والجماعي، أما أهميته للجانب الفردي فهو مهم في بناء الشخصية المؤمنة وفي امتلاكها صفات الثبات من التوكل واليقين وإحسان الظن بالله، هذا يمحصه الابتلاء في النفس.

إضافة إلى تطهير النفس من الذنوب ورفع درجاتها عند الله تعالى بظهور صدقها مع الله تعالى، وتحقق ذلك في الواقع وصبرها على الأقدار كل هذا يحدثه الابتلاء، وابتلاء المسلم لا يستغني عنه أحد حتى الأنبياء (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) حتى الذي قال أمنت يُبتلى.

ولذلك لما سأل ابن أبي وقاص رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أي الناس أشد بلاءًا؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الإنسان حسب دينه».

الابتلاء مهم لبناء الشخصية المؤمنة وامتلاكها صفات الثبات، وتطهيرها من الذنوب ورفع درجاتها عند الله، هذا بالنسبة للفرد، أما بالنسبة للجماعة فالابتلاء مهم باستخراج معادن أفرادها وتمحيص قلوبهم..

يقول سبحانه: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)، ويقول جل وعلا: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

والابتلاء مهم للجماعة كذلك بتنقيتها وتمييز الخبيث من الطيب من أفرادها وأعوانها ومعرفة الصديق من العدو، يقول سبحانه: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، ويقول سبحانه في أحداث أحد: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ).

وقد يطول الابتلاء فيكون طوله ابتلاءً آخر، فإذا صبر المؤمن واستقين أنه بالرغم من إيمانه وثباته على عمله الصالح، فإن الابتلاء آتٍ جزمًا وحتمًا، وأنه لن يكون في منجاة من ذلك التمحيص، وتلك الشدة وأن ابتلاءه بالرغم من تقواه وصلاحه لا يعني سخط الله عليه بالضرورة، بل عليه أن يحسن الظن بالله، وأن يحتسب مزيد الأجر بذلك الابتلاء، ويرجو أن يمشي على الأرض وما عليه خطيئة، وأنه لا بد له أن يعد العدة لتلك الشدة التي لا يعلم وقتها ومكانها إلا الله، ولا يعلم وقت زوالها إلا هو جل وعلا..

علم أن هذه هي السنة، هذا ما جرت به السنة منذ خلق الله الخلق، قال سبحانه: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ* وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، لقد أُصيبوا ولكن في سبيل الله، لقد قُتلوا ولكن في مرضاة الله، لقد شُردوا ولكن فداءً لدينه، وكله ابتلاء ولكنه ابتلاء رضا وزكاة ورفعة لا ابتلاء غضب ولا تأديب ولا عقوبة.

فحال الإنسان من حيث قربه أو بعده من الله هو الذي يحدد جنس الابتلاء والغرض منه، فللمؤمن ابتلاء التمحيص والتطهير وللفاجر ابتلاء العقوبة، والأصل في المسلم ألا يسأل الله البلاء حتى لو كان ابتلاء رضا وزكاة، بل يسأله العافية، ولكن إذا ابتُلي فيجب أن يصبر، وهو هديه صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله تعالى العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا» أخرجه أبو داود.

وفي مسند أحمد بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «سلوا الله العافية، فإنه لم يُعط عبد شيئًا أفضل من العافية».

ولقد ابتلى الله المسلمين السابقين الأولين ابتلاء تمحيص ورفعة في مكة، وكان ابتلاءً عظيمًا جدًّا حتى شق على بعضهم ما يلقونه من أذى، فاشتكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طول البلاء وشدته..

ففي صحيح البخاري وسنن أبي داود من حديث خباب قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فشكونا إليه فقلنا: "ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا"؟ فجلس محمرًا وجهه صلى الله عليه وسلم فقال: «قد كان من قبلكم يُؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض فيُجعل فيها ثم يُؤتى بالمنشار فيُوضع على رأسه، فيُجعل نصفين، ويُمَشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون».

معاشر الإخوة: هذه المقدمة في مفهوم الابتلاء استفتاح لواحدة من أعظم الأمة خطورة اليوم، قضية أهلنا الذين يبتلون في الشام..

وهي بالرغم من كونها في أحد وجوهها متعلقة بعقيدة الأخوة الإيمانية التي تجمعنا بإخواننا هناك إلا إنها كذلك متشعبة لها تبعات أمنية وسياسية خطيرة على كل المنطقة.

فكم أنفقت المليارات لنشر الرفض في الشام تحت حماية هذا النظام الفاسد على حين غفلة أو حيلة من أهل السُّنة حتى تشيعت بعض القبائل السنية، وصُدرت أوقاف سنية لتقام مكانها الحسينيات، وجُنِّس العديد من الصفويين؛ لتغيير التركيبة السكنية السنية.

فسقوط هذا النظام السفاح سقوطٌ لهيمنة الرافضة الحاقدين شرقًا وشمالاً وجنوبًا بإذن الله، وسهولة وصول الأخبار والتحليلات عبر وسائل الإعلام المتنوعة اليوم جعلت مواكبة الناس للأحداث قوية، وليس المنبر مكانًا للتحليل السياسي، وإنما أذكر هذه القضية العظيمة اليوم كي أبوح ببعض الخواطر الإيمانية.

الخاطرة الأولى: الابتلاء الذي يقع على إخواننا في الشام لمدة عام كامل، وما يزال مستمرًّا أحسب أنه ابتلاء تمحيص ورفعة، فبهذا الابتلاء يشتد عودهم، وينكسر حاجز الخوف إلا من الله، وتتوحد كلمتهم.

ولقد شاهدنا هذه الوحدة في منظر خروج الآلاف في كل نواحي ومدن سوريا يهتفون بالإسلام بشكل منقطع النظير في تلك البلاد وبلا ترتيب بينهم، وإنما هو ترتيب الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

وبهذا الابتلاء تنقى صفوفهم فيعرفون الصادق من الكاذب والصديق من العدو، وتصدق في نفوسهم العودة إلى الله ويشتد الدعاء وترتفع الضراعة (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) هذا ما يرضاه الله تعالى ويفتح الإجابة لأبواب السماء، ولقد قال جل وعلا: (إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ).

فالإجابة يقينية مع الاضطرار (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ).

وأخرى شديدة الأهمية بهذا الابتلاء يتأكد التوكل في قلوبهم، وما عُبد الله بأوقع من التوكل، فالتوكل أهم من الكثرة، وأهم من العتاد والسلاح، وأهم من المهارة ومن الشجاعة.

لا أحد ينكر أو يقلل من قيمة الإعداد، والأخذ بالأسباب، فقد قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)، ولكن الخوف من توكل القلب على تلك الأسباب، هذه هو المحذور.

ولأهمية مقام التوكل في حال الابتلاء نص عليه القرآن في أكثر من موطن، قال تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ..) قليل مستضعفون يتخطفهم الناس من الخطف، أي يأخذونكم بسرعة لشدة ضعفكم، قال: (فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ)، وقال: متوعدًا جل وعلا المشركين: (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ).

فالكثرة ليست بالضرورة عامل نصر، قال سبحانه: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) ذكر أنهم كانوا أذلة أنهم قليلين ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً والمشركون ثلاثة أضعافهم، لماذا نصرهم رب العباد؟ لأنهم كانوا أهل حق.. هذا أولاً، وثانيًا لأن اعتمادهم كان خالصًا على الله دون أي سبب أخر..

أُفرغت قلوبهم من كل شيء سوى الله وتدبيره حتى قال جل وعلا: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).

بل قال تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

وفي الوجه الآخر قال محذرًا من ضعف التوكل، وأنه يتسبب بالهزيمة والفشل بالرغم من الكثرة والقوة: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ).

هذا الإعجاب بالكثرة واتكاء القلب عليها ولو قليلاً هو قدح في التوكل، وبالتالي هو نذير الهزيمة، فإذا تخلى العالم عن إخواننا هناك في الشام فرغت قلوبهم من الاعتماد على غير الله تعالى، وصفا التوكل على الله في قلوبهم صفاءً كاملاً فليس لهم إلا هُو، وقلوب مؤمنة وبمثل هذا الصفاء لن يتخلى عنها رب العالمين ولو طال البلاء قليلاً..

فقد قال عز وجل: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).

ولقد قضت سنة الله تعالى أن يتخذ من أحب خلقه شهداء، قال سبحانه: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) فاتخاذ الشهداء سُنة جارية، أسأل الله الشهادة لكل من مات لإخواننا هناك..

والأجر بعد ذلك الجنة، فالجنة دونها الصبر والجهاد، قال سبحانه: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).

الخاطرة الثانية: رابطة العقيدة، ورابطة العقيدة واقع بشري فطري في كل مجتمع، المجتمع الإسلامي والنصراني واليهودي والرافضي الصفوي المجوسي، ولكنها أصفى ما تكون وأصدق ما تكون بين من يعتزون بعقيدتهم من المسلمين الموحدين..

أولئك الذين يدركون معاني وواجبات الولاء والبرء، والحب في الله والبغض في الله، أولئك الذين يتذوقون حلاوة الأخوة في الله التي يقول عنها صلى الله عليه وسلم كما في الجامع الصحيح كما في حديث ابن مسعود: «أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله عز وجل».

هذه الرابطة المقدسة التي يحاول الغرب وأتباعهم من العرب العلمانيين الليبراليين بكل قوة إلغاءها من فكر الأمة، كما كان ذلك هدفًا من أهداف المنافقين لما فضحهم عز وجل بقوله: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا) أي فسادًا ونميمة للتفريق بينكم (وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ

هذه الرابطة -معاشر المسلمين- رابطة العقيدة هي روح الأمة وقوتها (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) هذه الرابطة هي دليل حياتها، هي النبض الذي ما زال يُسمع فما يزال في الأمة مقومات النهوض والانطلاق.

هذه الرابطة المقدسة هي التي تجعلنا نتألم لما يحدث لإخواننا في الشام، وهي التي تجعلنا ندعو الله لهم وننفق من حر أموالنا في سبيل إعانتهم، وهي التي تُبقي على الوشائج بيننا وبين إخواننا في العقيدة في كل مكان، في فلسطين والسودان واليمن، وتونس ولبيبا مصر، وفي كل أرض وتحت كل سماء..

نحزن لأحزانهم ونفرح لأفراحهم، ونعتبر نصرهم نصرًا لنا وعزّهم عزًّا لنا، وإن من أقوى ما يحيي هذه الرابطة، ويعيد نشاطها من جديد: الابتلاءات والمحن، فرُبّ ضارة في جهة نافعة في جهة أخرى.

أسأل الله أن يديم إخواننا، وأن يكشف الضر عن إخواننا، وأستغفر الله فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد:

فالخاطرة الثالثة: أرض الشامل ليست كأي أرض، بل ينبغي أن يكون لها مكانة خاصة في قلب كل مؤمن.

في مسند الإمام أحمد بسند صحيح، عن زيد بن ثابت قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «طوبى للشام.. طوبى للشام» قلت: ما بال الشام؟ قال: «الملائكة باسطو أجنحتهم على الشام».

وفي صحيح الترغيب من حديث عمرو بن العاص قال صلى الله عليه وسلم: «إني رأيت -أي في المنام- كأن عمود الكتاب -أي عمود الدين- انتُزع من تحت وسادتي، فأتبعته بصري، فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، إلا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام».

وفي صحيح الجامع من حديث أبي ذر قال صلى الله عليه وسلم: «الشام أرض المحشر والمنشر».

وفي سنن الترمذي بسند صحيح عن معاوية بن قرة عن أبيه قال، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم».

وفي فضائل الشام بسند صحيح عن عبد الله بن حوالة قال: "يا رسول الله! اكتب لي بلدًا أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر على قربك"، قال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالشام، عليك بالشام، عليك بالشام».

وهناك أحاديث أخرى، ولكن يكفي ما قيل في توجيه القلب إلى تلك النواحي العزيزة..

معاشر الإخوة: في أصعب الظروف يزدهر التفاؤل، هذا ما ربَّى القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم الأمة (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا).

(فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).

فأسأل الله تعالى أن يكون النصر لإخواننا قريبًا، وأن يكشف عنهم البلاء، وأن يبدلهم حالاً خيرًا مما هم فيه..