النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
العربية
المؤلف | فواز بن خلف الثبيتي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات |
الشائعات في المجتمع موقدة نار العداوة والبغضاء، ومدمرة القيم في النفوس، ومهلكة البيوت العامرة بالخراب المعجل، وهي في كل الأحوال حِرَابٌ مسمومةٌ ظالمةٌ إن كانت صحيحة أو مكذوبة، ولهذا فقد وصف النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم- هذه النفسيات التي تميل إلى بثِّ الأراجيف والبحث عنها بأنها...
الحمد لله، رب البرايا، وعالم الخفايا، ومجزل العطايا، ومجزى العباد على أعمالهم، والمطلع على نياتهم: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 7-8].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، جعل العدل ميزانا بين خلقه، فعدله مطلق، وشملت رحمته العصاة والطائعين من فيض كرمه وجميل عطائه، وذلك الوعد المحقق.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، رحمة الله المهداة، ونعمته المسداة، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد أمر الإسلام بحفظ اللسان وضبطه عن الولوغ في الباطل، وتجريح الخلق، وحدد الدين الحنيف تلك المساخط المحرمة التي تحصدها الألسنة وبينها للناس، والتي يقع فيها البعض إما جهلا أو استمراءً لعاداتٍ خاطئةٍ درجوا عليها، ونظمٍ اجتماعيةٍ فاسدةٍ بينها وبين التعقل والتقى بُعد المشرقيْن.
وأسهل الذنوب ما جاء من اللسان، تلك النعمة الإلهية التي تستوجب الحفاظ عليها، وشكر المولى المنعم بها، أو تتحول بحماقة العبد إلى وسيلة حصادٍ لخطايا النطق والارتكاس في حمأةِ العذاب، يروي الصحابي الجليل معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ قال: " لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه؛ تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) حتى بلغ: (يَعْمَلُونَ)[السجدة: 16-17]. ثم قال: " ألا أخبركم برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟ " قلت: بلى يا رسول الله قال: " رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه، قال: "كف عليك هذا" فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم"[سنن الترمذي 2616 وقال: حديث حسن صحيح].
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه ارتقى الصفا، فأخذ بلسانه، فقال: يا لسان قل خيرا تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أكثر خطأ ابن آدم في لسانه" [المنذري في الترغيب والترهيب 4/25 وإسناده حسن].
ومع هذا؛ فكثيرة هي المجالس التي يقودها الذين يطلقون ألسنتهم كالخناجر التي تفري في سمعة الأطهار من عباد الله، دون أن يجد الكثيرون فيها عوجا، ونتج عن ذلك أمراض اجتماعية فتاكة؛ تنـزع الثقة بين الأفراد، وتوهن قوى المجتمع، بل وتوقد نار البغضاء بين القلوب الْمُحِبَّةِ؛ فتورثها البعد والشقاق.
ومن سخائم هذه المجالس تبزغ مصيبة قتالة، تقتل الحب والاحترام والتقدير بين الخلق، ألا وهي "الشائعات" التي تدنس السمعة، وتفكك الجماعة المترابطة، وتشغل الناس بالقيل والقال.
فربما قام أحد بأمر الله فتطاولت عليه ألسنة السوء تنتقص وتنقد، وتثير عليه من مقالات السوء ما تنوء بحمله الجبال الرواسي، لدرجة أن كثيرا من أهل الكفاءة والعطاء يَنْأَوْنَ بأنفسهم أن يتصدروا أي مجال لخدمة المجتمع خوفا من الإشاعات المغرضة التي لم تسلم منها أعراض الشرفاء.
والشائعات في المجتمع موقدة نار العداوة والبغضاء، ومدمرة القيم في النفوس، ومهلكة البيوت العامرة بالخراب المعجل، وهي في كل الأحوال حِرَابٌ مسمومةٌ ظالمةٌ إن كانت صحيحة أو مكذوبة، ولهذا فقد وصف النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم- هذه النفسيات التي تميل إلى بثِّ الأراجيف والبحث عنها بأنها صاحبة إيمان مزعزع؛ فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: "صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه؛ لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله".
ونظر ابن عمر إلى الكعبة، فقال: "ما أعظمك وما أعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك"[المنذري في الترغيب والترهيب 3/241 بإسناد صحيح أو حسن أو ما يقاربهما].
قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النــور: 19].
أراجيف كاذبة حول بيت النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-:
وعلى زمان النبوة الكريم طارت أراجيف، وتناول المنافقون رموز العفاف والطهر بالقذف والتشهير، وفعلت الشائعات فعلها كالسم الناقع حتى كادت الفتنة أن تقسم المجتمع نصفين، وتحيي بينهم نعرات الجاهلية الأولى التي أماتها الإسلام، كل هذا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم شاهد.
لقد سجل التاريخ بعجب واندهاش كيف أن عصبة من الذين أسلموا بلسانهم قد بلغت بهم الجرأة كل مبلغ لدرجة أن يرموا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - الصديقة بنت الصديق، ومعها صفوان بن المعطل السلمي - رضي الله عنه - بما يستحي العقلاء من ذكره، فضلا عن المؤمنين، لما تأخرت عن الجيش لحاجة، حين ظعنها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني المصطلق، وانتشر الخبر كالحريق بين الجيش قبل أن يرسي فلوله إلى المدينة المنورة، وسرعان ما ولغت ألسنة بعضهم في عرض أم المؤمنين، وقالوا ما لا يجوز قوله، وتغير النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - من زوجه، ولكنه لم يدرها ما الخبر، وشعرت أم المؤمنين - رضي الله عنها - بحال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلمت بعد ذلك من أم مسطح ما يردده الناس عنها، ثم استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن تلحق ببيت أبيها فأذن لها، ورجع النبي بعد ذلك لتدارس الأمر مع خاصته، ثم مع المسلمين في مسجده، وكادت تحدث مقتلة حين طلب منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - المشورة وما يجب عمله مع الذي تولى كبر هذه الفتنة، فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه: إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك. فقام سعد ابن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية، فقال: كذبت لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن الحضير فقال: كذبت لعمر الله، والله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر، فنزل فخفضهم، حتى سكتوا...[صحيح البخاري 4381 عن عائشة - رضي الله عنها -].
سبحان الله، يخفف النبي -صلى الله عليه وسلم- من حدتهم وهو صاحب البلوى؟!.
يحدث التاريخ عن هذه الفترة بأنها كانت اختباراً شاملاً لكل الأطراف، حيث وقع في براثن التصديق، بل والترديد لهذا الهراء مجموعة من المسلمين، وبزغت بوادر فتنة كادت أن تثور قواها لولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطفأها في مهدها، وكما سبق؛ فقد غادرت السيدة عائشة - رضي الله عنها - بيتها إلى بيت والدها الصديق أبي بكر - رضي الله عنه -، حتى أنزل الله -تعالى- براءتها من فوق سبع سماوات ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت صاحبه، حيث ينفصم عنه الوحي بعد تنـزله بالحق الصراح والإنصاف لأم المؤمنين -وهو يضحك-، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي: "يا عائشة، احمدي الله، فقد برأك الله" فقالت لي أمي -والدة أم المؤمنين عائشة فهي راوية الحديث-: قومي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: لا والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، فأنزل الله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)[النور: 11] الآيات.
فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا، بعد ما قال لعائشة، فأنزل الله -تعالى-: (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ) إلى قوله: (أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[النور: 22] البخاري 4381)].
ونزلت البراءة من فوق سبع سماوات لترد عن أم المؤمنين -رضي الله عنها- كل السهام الطائشة، وظهر الحق وعلا سلطانه الأسمى بعد مرحلة قصيرة من لجلجة الباطل بأوهامه وتُرَّهَاتِهِ.
والسبب؛ كلماتٌ غيرُ مسئولةٍ من لسانٍ لا يعرف مذاقاً لتقوى الله -تعالى-.
والعجيب أن هذه الكلمات غير المسئولة لا تزال تعمل عملها، وتؤدي دورها المشئوم بين أطياف المجتمع المسلم، بعد زمانٍ طويلٍ من انقطاع الوحي، وتَنَزِّلِ آخرِ بَرَكَاتِهِ، فمن يُجيرُ المؤمنين من ألسنة الفتَّانين؟
ويا ترى من يقطع الأوهام من الأفهام بعدما مُلئتْ بهتاناً وزورا!
ذكر الزمخشري في تفسيره "الكشاف" لقد برأ الله -تعالى- أربعة بأربعة: برأ يوسف بلسان الشاهد: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا)[يوسف: 26].
وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه.
وبرأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)[مريم: 30].
وبرأ عائشة بهذه الآيات العظام.
فهل سيتنزل الوحي تارة أخرى لبيان براءة المقذوفين زورا وبهتانا؟
وكيف ذلك ونحن نعلم أنه لا وحي بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟!
ولم يكن مُصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أثاره المنافقون عن عائشة هو المصاب الوحيد من الشائعات والأراجيف، بل إنهم أهل إعادةٍ وزيادةٍ، ولهم في ذلك باعٌ طويل - وذلك دَيْدَنُهُمْ في كل زمان ومكان -، ولهذا؛ فقد لعنهم الله - تعالى- وزوَّد رسوله - صلى الله عليه وسلم- بوعد الفِراقِ لهم وإبعادهم عن سُكْنَاهُ، قال تعالى: (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا) [الأحزاب: 60-61].
فقد أثاروا كثيراً من الإشاعات مثل مقتل رسول الله يوم أحد، وعن زواجه بأمهات المؤمنين بما فيها من تفصيلات كزواجه بالسيدة عائشة والسيدة زينب بنت جحش، واستفادته من مال السيدة خديجة -رضي الله عنهن أجمعين-، وعن استماعه صلى الله عليه وسلم للقرآن من غيره ليمليه عليه: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ)[التوبة: 61].
وقال تعالى: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الفرقان :5].
فهل حدث كل هذا أم أنها مجرد إشاعات؟!
ومن أراجيفهم الكاذبة: إشاعة التهمة أيضا حول السيدة مارية القبطية التي أهداها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عظيم القبط في مصر، وقالوا: علج دخل على علجة، يقصدون خادماً مصريا كان قد أهداه المقوقس أيضا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رجلاً كان يتهم بأم ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – لعلي: " اذهب فاضرب عنقه " فأتاه علي فإذا هو في ركي يتبرد فيها، فقال له علي: اخرج، فناوله يده فأخرجه، فإذا هو مجبوب ليس له ذكرن فكف علي عنه، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! "إنه لمجبوب، ماله ذكر"[رواه مسلم في المسند الصحيح بسند صحيح 2771)].
ونجا الله هذه الرجل من القتل في آخر لحظة، وبرأ عرض مارية - رضي الله عنها -، وصان عرض نبيه - صلى الله عليه وسلم - من الشائعات المغرضة.
شائعات حول الرسل الكرام:
وعن الرسل الكرام طارت أراجيف، وبُثَّتْ على سمع التاريخ، بلا حياءٍ ممن أثاروها وأطاروها، فقد زعم اليهود فخراً وكذباً أنهم صلبوا المسيح عيسى بن مريم، وهذه إشاعة زور وقول بهتان؛ إذ أن الله -تعالى- يقول: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ)[النساء:157].
ومما أثاروه أيضاً عن نبي الله الكليم موسى - عليه السلام -، أنه آدر، حيث يذكر الإمام السيوطي في الدر المنثور ما نصه: أخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرف عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن موسى - عليه السلام - كان رجلاً حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء؛ استحياءً منه، فأذاه من أذاه من بني إسرائيل، وقالوا: ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده؛ إما برص، وإما أدرة، وإما آفة! وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا، وإن موسى - عليه السلام - خلا يوماً وحده، فوضع ثيابه على حجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى - عليه السلام - عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر! حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله، وبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضرباً بعصاه، فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه، ثلاثاً، أو أربعاً، أو خمساً، فذلك قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا)[الأحزاب:69] "[الإمام السيوطي الدر المنثور في التفسير بالمأثور نسخة اليكترونية على موقع روح الإسلام].
وأما نبي الله داوود - عليه السلام - فقد أشاع القوم عنه أنه ضم زوجة أحد قواده " أوريا الحثي" لما طالعها وهي تغتسل من شرفة قصره، فلم يطق صبراً، وأرسل زوجها إلى القتال آمراً به أن يتقدم إلى التابوت، وهو أقرب ما يكون من الأعداء لمظنة القتل.
وأن نبي الله سليمان ختم حياته بعبادة الأصنام والسحر، وعشق النساء.
فعلى كل أخٍ مسلمٍ أن لا يكون حلقة في سلسلة فساد اجتماعي، وأن لا يتلقى الشائعات بلسانه ليذيعها كما صوَّر الله -تعالى- هذه الفعل بالعتاب القرآني: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)[النور: 15].
وأَجْمِلْ بالستر من خلقٍ يضمن عيش السعداء لكل المجتمع عند وجود الزلل، ورائدنا في ذلك هو قول حبيبنا الأعظم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم– "... ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"[البخاري في الجامع الصحيح 2442 بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-].
ونسأل الله -تعالى- أن يسترنا بستره الجميل في الدنيا والآخرة.