البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

همة محمد -صلى الله عليه وسلم-

العربية

المؤلف معيض محمد آل زرعة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. همة النبي الكريم والارتقاء لمقام الحمد .
  2. همته في الدعاء .
  3. همته في العطاء .
  4. همته في الزهد .
  5. همته في التشفع لأمته .
  6. الاقتداء به في همته العالية .

اقتباس

فلم تكن همته -صلى الله عليه وسلم- لمنصب زائل، فالمنصب كان سبباً لخسارة فرعون، ولم تكن همته -صلى الله عليه وسلم- لكنوزٍ ولا ذهبٍ ولا فضةٍ، فإنها سبب تعاسة قارون، ولم تكن همته -صلى الله عليه وسلم- لجاهٍ دنيوي وشهرةٍ ذاهبة، فبه كانت لعنة أبي جهل؛ ولكن همته -صلى الله عليه وسلم- كانت رضوان الواحد الأحد، همته -صلى الله عليه وسلم- سجدةٌ بخشوع، ودمعةٌ بتبتّل، وقراءةٌ بتدبر. ومن أراد أن يدخل مع محمد -صلى الله عليه وسلم- مُدخل صدق ويُسقى من حوضه -صلى الله عليه وسلم- فليقتد بسيد الخلق في الهمة العالية.

الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكوراً، والصلاة السلام الأتمان الأكملان على الحبيب المصطفى والرسول المجتبى وعلى آله وأصحابه صلاة دائمة متلازمةً إلى يوم البعث والنشور، اللهم بلغه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة وفي هذا اليوم المبارك.

أما بعد: عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فإنها خير زاد ليوم المعاد.

حديثنا اليوم هو بعنوان: "همته -صلى الله عليه وسلم-".

أيها الناس: من هو صاحب المقام المحمود؟ من هو صاحب اللواء المعقود؟ من هو صاحب الحوض المورود؟ من هو صاحب الكنزين؟ من هو من صلى إلى القبلتين؟ من هو الذي انشق له القمر نصفين؟ من هو الذي سلم عليه الحجر؟ من هو الذي سار إليه الشجر؟ من هو الذي انهمل بدعائه المطر؟ من هو خاتم الأنبياء؟ من هو قدوة الأولياء؟.

السماواتُ شيّقاتٌ ظِماءُ

والفضا والنجومُ والأضواءُ

كلها لهفة إلى العلَم الها

دي وشوقٌ لذاته واحتفاءُ

فما حملت من ناقةٍ فوق ظهرها

أبرّ وأوفى ذمةً من محمدِ

أتى -صلى الله عليه وسلم- في جمعٍ من الصحابة بعد صلاة العصر، وإذا بقدرٍ استجمعت غلياناً، وقد أدركه الجوع -صلى الله عليه وسلم-، يجوع وهو سيد الخلق، ينام على التراب وهو أفضل الناس، يتوسد الحصير وهو شفيع العالمين، وكانت تعجبه الذراع، فأخذ الذارع بيده -صلى الله عليه وسلم- فنهش منها نهشه ثم قال: "أنا سيدُ ولد آدم يوم القيامة"، نقول: أنعِمْ وأكْرِمْ!  ثم قال للصحابة: "أتدرون ما ذاك؟"، قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: "إذا جمع الله الأولين والآخرين ليومٍ لا ريب فيه واستشفع الناس بآدم"، ثم ساق القصة...

قال: "كُلٌّ يقول: نفسي نفسي! فيأتون إليّ لأشفع لهم عند ربي، فأقول: أنا لها! أنا لها! ثم أسجد تحت العرش، فيفتح الله عليّ محامد لم يفتحها عليّ اليوم، فيقول الله لي: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفّع".

هذا هو مقام الحمد، وهذه هي الهمة العالية التي أوصلته إلى هذا المكان الرفيع -صلى الله عليه وسلم-.

هذا الذي جاء والأبحار مالحةٌ 

   فمجّ فيها فصار الماءُ كالعسلِ

هذا الذي رد عيناً بعد ما فقئت

  وريقه قد شفى عينَ الإمام علي

في غزوة الأحزاب تجتمع عليه الخصوم، ويتحزب عليه المشركون حتى ضاقت به وبأصحابه الضوائق، (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب:10]، خوفٌ ومرضٌ وقلقٌ وفزع ٌ وإرجافٌ، فيأتي -صلى الله عليه وسلم- إلى الصحابة وهم يحفرون الخندق وقد عرضت لهم صخرة، فيأخذ المعول ويقول: "باسم الله"، وهم لا يأمنون الذهاب إلى الخلاء، ولا يجدون كسرة الخبز، ثم يضرب بالمعول ضربةً، فإذا بارقٌ بالمشرق والمغرب، فيتبسم -صلى الله عليه وسلم- تبسم الواثق بالله ويقول: "أُريت قصور كسرى وقيصر وأبواب صنعاء، وسوف يفتحها الله عليّ".

وضرب ضربة أخرى وتبسم وقال: "أُوتيتُ الكنزَيْن: الأبيض والأحمر"، أي: الذهب والفضة، فأما المؤمنون فقالوا: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب:22]، وأما المنافقون -عليهم لعائن الله إلى يوم القيامة- فقالوا: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب:12].

وأما همته -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس؛ فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسقفه عرش الرحمن، ومنه تفجّر أنهار الجنان".

وأما عن همته -صلى الله عليه وسلم- في العطاء، فهذا رجلٌ من الصحابة يسأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثوبه، وهو ثوبه الوحيد، ومع ذلك يدير الأمة، والكنوز تجبى إليه -صلى الله عليه وسلم-، وتعرض له الجبال ذهباً وفضة! أتته امرأة أنصارية فنسجت له ثوباً، ليلبس هذا الثوب أطهر وأحسن جسم في العالم، وأعظم بدن في الدنيا، فبعدما لبسه -صلى الله عليه وسلم-، عرض له أنصاري فقال: يا رسول الله اكسني ثوبك الذي عليك، فقال -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يخشى الفاقة:  "أنظرني قليلاً". 

تأمل! ثوبه الوحيد، هَدِيَّة، وهو محتاجٌ إليه، ومع ذلك دخل -صلى الله عليه وسلم- بيته ولبس إزاره القديم الممزق وأتى بالثوب وأعطاه الأنصاري، فقال الصحابة للأنصاري: "فعل الله بك وفعل"، هذا نص البخاري: "تعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يرد أحداً وتسأله ثوبه؟!".

ولو لم يكن في كَفِّهِ غَيْر رُوحِهِ

لَجَادَ بِها فَلْيَتَّقِ اللهَ سائلُهْ

تراه إذا ما جئتَهُ مُتَهَلِّلَاً 

كأنَّكَ تُعْطِيهِ الَّذِي أنتَ سائله

قال الأنصاري: والله الذي لا إله غيره ما لبسته وما طلبته إلا ليكون كفني إذا مت، وفعلا! لقد كان كفناً له بعد موته -رضي الله عنه-.

أتى -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين وأخذ غنائم الطائف، يقول ابن هشام أنها أربعة وعشرون ألف رأس من الغنم، وسبعة آلاف رأس من الإبل، وأعداد هائلة من البقر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخاطباً الأبطال الذين أسلموا للتو: "يا عيينه خذ مائة، يا أبا سفيان خذ مائة، يا أقرع خذ مائة".

فأتاه حكيم بن حزام وقال : أعطني يا رسول الله، فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أترى ما بين الجبلين؟"، قال: نعم. قال -صلى الله عليه وسلم-: "خذها لك"، ثم أتاه الرجل مرة أخرى، فأعطاه ما بين الجبلين، ثم جاءه مرة ثالثة وسأله فأعطاه ما بين الجبلين وقال: "خذها لك".

ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "يا حكيم، اليد العليا خير من اليد السفلى"، فقال حكيم: والله لا اسأل أحداً غيرك، ثم واصل -صلى الله عليه وسلم- توزيع تلك الغنائم، فوالله ما عاد ببقرة ولا شاة ولا بعير، ولم يعد إلا بكسائه -صلى الله عليه وسلم-، كساء العظمة والمجد، ومع ذلك الأعراب يحاصرونه ويسألونه فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس، فكوا ردائي، فوالذي نفسي بيده لو كان لي مثل جبال تهامة ذهباً وفضةً وأنعاماً لوزعتها فيكم ثم لا أكون بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً".

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ فيا فوز المستغفرين!.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد: وأما همته -صلى الله عليه وسلم- في الزهد في الدنيا فيقول: "لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس".

فلم تكن همته -صلى الله عليه وسلم- لمنصب زائل، فالمنصب كان سبباً لخسارة فرعون، ولم تكن همته -صلى الله عليه وسلم- لكنوزٍ ولا ذهبٍ ولا فضةٍ، فإنها سبب تعاسة قارون، ولم تكن همته -صلى الله عليه وسلم- لجاهٍ دنيوي وشهرةٍ ذاهبة، فبه كانت لعنة أبي جهل؛ ولكن همته -صلى الله عليه وسلم- كانت رضوان الواحد الأحد، همته -صلى الله عليه وسلم- سجدةٌ بخشوع، ودمعةٌ بتبتّل، وقراءةٌ بتدبر. ومن أراد أن يدخل مع محمد -صلى الله عليه وسلم- مُدخل صدق ويُسقى من حوضه -صلى الله عليه وسلم- فليقتد بسيد الخلق في الهمة العالية.

أختم بهمته -صلى الله عليه وسلم- وهو يقرأ سورة "الضحى"، وهي سورةٌ خاصةٌ له -صلى الله عليه وسلم-، فلما بلغ قوله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى:5]، دمعت عيناه -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "والذي نفسي بيده، لا أرضى وأحدٌ من أمتي في النار" فنسأل الله أن يشفعه فينا.

عباد الله: صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم أصلح شبابنا وشباب المسلمين واحفظهم من الفتن، اللهم وارزقهم التوفيق والنجاح والصلاح في الدنيا والآخرة.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين...