الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | مجدي مكي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
أهل الباطل لا يكفيهم بقاؤهم على الباطل، بل يسعون إلى سحق الحق وأهله، وصد الناس عنه بالقتال وبذل المال، وهذا شأن الباطل وقوته، هذه القوة تدفعه إلى إزالة الحقِّ وأهله بالقوة، قال تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة: 217]. وإذا كان الأمر كما ذكرنا من شأن الباطل وقوته التي تطغيه فلابد للحق من قوة تحميه من طغيان الباطل وأهله، ولهذا أمر الله -تعالى- بإعداد...
الحق هو: الثابت الواجب الصحيح، والباطل: نقيض الحق، وهو ما لا ثبات له ولا صحة، قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ) [الحج: 62].
والتدافع: إزالة الشيء بقوة، قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ) [البقرة: 251].
والتدافع بين الحق والباطل أمر لابد منه لأنهما ضدان، والضدان لا يجتمعان، ولأن وجود أحدهما يستلزم مزاحمة الآخر وطرده، ودفعه وإزالته، أو إضعافه ومنعه من أن يكون له تأثير.
للباطل قوة تطغيه ولابد للحق من قوة تحميه:
أهل الباطل لا يكفيهم بقاؤهم على الباطل، بل يسعون إلى سحق الحق وأهله، وصد الناس عنه بالقتال وبذل المال، وهذا شأن الباطل وقوته، هذه القوة تدفعه إلى إزالة الحقِّ وأهله بالقوة، قال تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)[البقرة: 217].
وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال: 36].
وإذا كان الأمر كما ذكرنا من شأن الباطل وقوته التي تطغيه فلابد للحق من قوة تحميه من طغيان الباطل وأهله، ولهذا أمر الله -تعالى- بإعداد القوة لإرهاب الباطل وأمر الله أهل الحق بالجهاد في سبيل الله بالمال والنفس لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ) [الأنفال: 39].
سنة الله في تدافع الحق والباطل:
وهذه قصة موسى - عليه السلام - وفرعون، مثل واضح لذلك، لقد ألقى السحرة عصيهم وحبالهم: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) [الأعراف: ].
وهل أنزل الله ملائكته يوم بدر إلا لنصرة الحق وهزيمة الباطل: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ)[الأنفال: 5-8].
إن صاحب الحق يكفيه في الدنيا ما يشعر به من سكينة وعزَّة باتباع الحق ونصرته.
من أسباب النصر:
رجال وسلاح، فما الذي ينقصنا منهما؟ هل ينقصنا العَددَ؟ هل ينقصنا العُدد؟
أما العدد فنحن كثير، نحن المسلمين أكثر من مليار ونصف مليار، فكم عدد اليهود؟
العُدد: إن ما لدى المسلمين جميعاً أكثر مما لدى اليهود فكيف غلبونا؟ كيف أخذوا منا قبلتنا الأولى ومسرى نبينا؟
إنهم - أولاً - ما غلبونا بأنفسهم، ولا هم بالذين يستطيعون أن يغلبونا أو أن يعدلونا، ولكن بالذين أعانوهم علينا، وأمدوهم بالمال والسلاح، وبالناس، السلاح من الغرب من أمريكا، والناس من الشرق من بولونيا وروسيا.
ثم إنهم ما غلبونا - ثانياً- بقوتهم لكن بضعفنا وتفرقنا وانقسامنا.
الأب يؤدب أولاده إذا أساؤوا وعصوا، والله يأخذ عباده المؤمنين ببعض الألم ليعودوا إليه، ويبلوهم بشيء من الجوع والخوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ينبههم إذا أساؤوا وانحرفوا ليحسنوا ويستقيموا، وإن أسأنا وانحرفنا أمرنا الله أن نتمسك بدينه، ونعتصم بحبله، ونكون جسداً واحداً له شعور واحد، وتكون رحمتنا وعطفنا على إخواننا، وشدُّتنا وحدَّتُنا على عدونا؟ فماذا صنعنا؟ هل أطعنا أمره؟ أم حدنا عن سبيله؟ انقسمنا وصرنا شيعاً، وجعلنا شدتنا وقوتنا على إخواننا، ولذلك عاقبتنا الله بأذلِّ الأمم كما يعاقب الجبابرة بأضعف مخلوقاته، بحيوان لا يُرى فتذل جبروتهم.
ولكن هل تدوم؟ لا، وأؤكدها تأكيد الفعل والواقع.
الخطبة الثانية:
لقد تعلمنا منذ صغرنا أن كل أمر مخالف لطبيعة الأشياء التي طبعها الله لا يمكن أن يدوم، فهل ترونه طبيعياً أن تعيش دولة صغيرة قائمة على الباطل على سرقة الأرض وطرد سكانها، ولو صارت ثكنة ممتلئة بالجند، ولو غدت قلعة محصنة الجوانب، ولو بلغ سكانها عشرة ملايين؟ هل يمكن أن تعيش وسط بحر يمتد على ثلث محيط الأرض فيه ألف مليون كلهم عدو لها، عادوها لظلمها وبغيها، ولو هي عاشت سبعين أو ثمانين عاماً، فهل تعيش الدهر كله؟ وما سبعون أو ثمانون عاماً في أعمار الأمم.
لقد بقيت القدس قرابة قرن من الزمان بيد الصليبيين فهل دام في القدس حكم الصليبيين؟
إن أقوى أسلحة النصر: الإيمان القوة المدخرة التي تظهر في الشدائد.
نحن أكثر من اليهود عدداً، وعندنا من العُدد والعلم الذي يصنع العُدد مثل الذي عندهم، ثم إن عندنا ما ليس عندهم، عندنا الحق الذي نؤمن به، ونقاتل دونه، وما عندهم إلا الباطل.
وعندنا قبل ذلك وعد الله للمؤمنين بالنصر، وإن العاقبة لهم، فأين وعد الله من وعود البشر؟
(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[إبراهيم: 22].
إن الله أنزل القرآن وتولى حفظه، فالعاقبة للإسلام فإن عدنا إلى ديننا، جعل الله النصر على أيدينا، فربحنا عزَّ الدنيا والآخرة، وإن كانت الأخرى استبدل الله بنا قوماً غيرنا، وعدنا كفقراء اليهود - لا دنيا ولا دين - لا قدر الله ذلك علينا.
عوامل نصر المؤمنين ومعوقاته:
إن سنة الله في نصر المؤمنين أهل الحق على أهل الباطل، إنما تتحقق إذا هيَّأ المؤمنون في أنفسهم ومجتمعاتهم عوامل النصر التي أرشد القرآن الكريم إليها، وأمر الله -تعالى- بها، وأبعدوا عن أنفسهم ومجتمعاتهم عوامل الفشل ومعوقات النصر.
فما هي عوامل النصر الواجب على المؤمنين تحصيلها؟ وما هي معوقات النصر الواجب على المؤمنين إبعادها عن أنفسهم ومجتمعاتهم؟
وهذا ما نبينه في خطبة قادمة بعون الله.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.