البحث

عبارات مقترحة:

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

الأشراط الصغرى للساعة (6) نار الحجاز ومروج الجزيرة

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. حكمة الإخبار عما سيقع بين يدي الساعة .
  2. علامة من علامات الساعة .
  3. وصف للنار التي خرجت من المدينة .
  4. عدم استبعاد خروج النار مرة أخرى .
  5. علماء الإعجاز العلمي ونظرتهم للزلازل .
  6. عدم معارضة تفسيرات علماء الزلازل بين تفسيراتهم وبين وقوعها بقدرة الله .
  7. الزلازل قد تكون منذرة لحوادث أعظم .
  8. لطف الله ورحمته مع كثرة ذنوبنا ومعاصينا .
اهداف الخطبة
  1. تنبيه الناس لشؤم المعاصي وما تحمله من العقوبات
  2. ترهيب الناس من الوقوع في المعاصي
  3. توضيح سبب وقوع الزلازل

اقتباس

وهذه الحوادث العظيمة من تتابع الفتن، وكثرة القتل، ووقوع الزلازل في سائر الأرض، وبلوغها جزيرة العرب، وقد يعقب ذلك براكين وزلازل أعظم، كل ذلك وإن كان من علامات الساعة فإنه قد يكون إنذاراً من الله تعالى لقوم، وعذاباً على قوم، وابتلاءً لآخرين؛ إذ لا تعارض في ذلك؛ فإن ربنا سبحانه علام الغيوب، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير؛ فيوقع عز وجل إنذاره وعذابه وابتلاءه في آنٍ واحد ..

الحمد لله العليم الحكيم؛ خلق كل شيء فقدره تقديراً، فجعل لكل أجل كتاباً، ولكل بداية نهاية، نحمده على ما هدانا وكفانا، ونشكره على ما أعطانا وأولانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ هدانا للإيمان به وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ورزقنا العلم بذلك في كتاب مقروء محفوظ، على يد نبي مصطفى مبعوث، فكانت الهدايةُ منه وحده لا شريك له ( وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ) [البقرة:198] كما أن العلم بالوحي وبشرائع دينه منه سبحانه وتعالى ( فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) [البقرة:239].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ قام في أصحابه رضي الله عنهم مقاماً فأخبرهم عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتزودوا بالباقيات الصالحات فيما بقي من أيامكم، واعتبروا بما مضى من أعماركم؛ فإن الأمر عظيم شديد، وإن الموعد آتٍ قريب ( اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ) [الشُّورى:17].

أيها الناس: من رحمة الله تعالى بنا، وتعليمه إيانا: أنه سبحانه أخبرنا عما يقع بين يدي الساعة؛ مما لا سبيل إلى العلم به إلا بوحيه عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن العلم بذلك سبب لثبات الإيمان، وزيادة اليقين، والاستعداد ليوم الدين، وقطع حجج المكذبين.

والله سبحانه قد استأثر بعلم الساعة، فلم يطلع عليها أحداً من خلقه ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ) [الأعراف:187].

وجعل سبحانه وتعالى لها أمارات كثيرة تدل على قربها؛ منها أمارات كبرى تكون عند دنوها، ومنها آيات صغرى بعضها وقع منذ قرون وانتهى، وبعضها وقع ولا زال يقع، وبعضها لم يقع بعد، وكأن هذه الآيات التي تقع عبر القرون المتتابعة تذكرة من الله تعالى للناس؛ ليثوبوا إلى رشدهم، وينتبهوا من غفلتهم، ويتوبوا إلى ربهم سبحانه وتعالى.

ومما أخبر الله تعالى عن وقوعه من علامات الساعة نار عظيمة تخرج من أرض الحجاز، فتضيء بها أعناق الإبل في بُصرى الشام، جاء خبرها في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى تَخْرُجَ نَارٌ من أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى " رواه الشيخان.

كما جاء ذكرها في حديث أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: أَقْبَلْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فَنَزَلْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَتَعَجَّلَتْ رِجَالٌ إلى الْمَدِينَةِ وَبَاتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَبِتْنَا معه فلما أَصْبَحَ سَأَلَ عَنْهُمْ فَقِيلَ: تَعَجَّلُوا إلى الْمَدِينَةِ، فقال: " تَعَجَّلُوا إلى الْمَدِينَةِ وَالنِّسَاءِ! أَمَا إنَّهُم سَيَدَعُونَهَا أَحْسَنَ ما كانت " ثُمَّ قال: " لَيْتَ شِعْرِى مَتَى تَخْرُجُ نَارٌ مِنَ الْيَمَنِ من جَبَلِ الوِرَاقِ تضيءُ منها أعَنْاقُ الإِبِلِ بُرُوكاً بِبُصْرَى كَضَوءِ النَّهَارِ " رواه أحمد وصححه ابن حبان.

وبصرى بلدة تقع في جنوب سوريا. وأرض المدينة تسمى حجازية كما تسمى يمانية، نص على ذلك الشافعي رحمه الله تعالى، فيكون موضوع الحديثين واحداً وهو نار الحجاز المشهورة المذكورة في كتب الحديث والتاريخ.

والذي يظهر أن هذه الآية العظيمة يتكرر وقوعها؛ ذلك أن لها ذكراً في تاريخ الجاهلية قبل الإسلام، ويُذكر أنها اشتعلت في عهد عمر رضي الله عنه فانتدب لها تميماً الداري رضي الله عنه، فجعل يحوشها إلى أن أدخلها غارها الذي خرجت منه، وجعلوا ذلك من كرامات تميم رضي الله عنه.

لكن اشتعالها المذهل العظيم كان قبل سبع مئة وستة وسبعين عاماً؛ إذ أجمع المؤرخون على ذكرها واستعظامها ووصفها، وبيان هلع الناس منها حتى ظنوا أنها القيامة..

ومن المؤرخين من عاصرها فنقل عمن حضرها وشاهدها، ومنهم أبو شامة المقدسي رحمه الله تعالى الذي نقل عمن كتبوا إليه من المدينة يصفونها فقال: " جاء إلى دمشق كتب من المدينة بخروج نار عندهم في خامس جمادى الآخرة، وكُتبت الكتب في خامس رجب والنار بحالها بعد، فأخبرني من أثق به ممن شاهدها بالمدينة أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب -وتيماء تبعد عن المدينة أربع مئة كيلو متراً- قال: وكنا في بيوتنا بالمدينة تلك الليالي، وكأن في دار كل واحد سراجاً. ولم يكن لها حر ولا لفح على عظمها، إنما كانت آية".

ووصف أحدهم في كتابه إلى أبي شامة بدايتها فقال: "ظهر بالمدينة دويٌّ عظيم ثم زلزلة عظيمة فكانت ساعة بعد ساعة إلى خامس الشهر، فظهرت نار عظيمة في الحرة....والله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيرانه ... يخرج من وسطها مهود وجبال نار تأكل الحجارة ... ولها الآن شهر وهي في زيادة، وقد عادت إلى الحرار ... كلها نيران تشتعل نبصرها في الليل من المدينة كأنها مشاعل، وأما أم النيران الكبيرة فهي جبال نيران حمر، وما أقدر أصف هذه النار".

ونقل عن آخر قوله: "ظهر بالمدينة صوت كالرعد البعيد، فبقي يومين، وفي ثالث الشهر تعقبه زلزال فتقيم ثلاثة أيام، وقع في اليوم والليلة أربع عشرة زلزلة. فلما كان يوم خامسه انبجست الأرض من الحرة بنار عظيمة يكون قدرها مثل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي برأي العين من المدينة تشاهد، وهي ترمي بشرر كالقصر... وقد سال من هذه النار واد يكون مقداره أربعة فراسخ، وعرضه أربعة أميال، وعمقه قامة ونصف، وهو يجري على وجه الأرض وتخرج منه مهاد وجبال صغار ... وهو صخر يذوب ... فإذا أخمد صار أسود، وقبل الخمود لونه أحمر. وقد حصل إقلاع عن المعاصي وتقرب بالطاعات. وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة".

وكتب قاضي المدينة في ذلك الوقت لأبي شامة يقول: "لقد والله زلزلت مرة ونحن حول الحجرة النبوية، فاضطرب لها المنبر والقناديل. ثم طلع في رأس أخيلين نار عظيمة مثل المدينة المعظمة...وطلعتُ إلى الأمير وكلمته وقلت: قد أحاط بنا العذاب، ارجع إلى الله. فأعتق كل مماليكه ورد على جماعة أموالهم.... والله يا أخي إن عيشتنا اليوم مكدرة، والمدينة قد تاب أهلها...وإلى الساعة ما نقصت بل ترمي مثل الجبال حجارة من نار ولها دويٌّ، ما تدعنا نرقد ولا نأكل ولا نشرب، وما أقدر أصف لك عظمها ولا ما فيها من الأهوال، وأبصرها أهل ينبع... " انتهى النقل عن أبي شامة رحمه الله تعالى، وقد أطال المؤرخون في ذكرها ووصفها.

ومن قرأ الأوصاف المذكورة لهذه النار وآثارها في الأرض وما حدث قبلها غلب على ظنه أنها ما يسمى الآن بالبراكين، وقد كانت براكينَ عظيمة جداً، وصل ضوء نيرانها إلى الشام؛ ذلك أن البراكين تقذف بحممها فتسيل في الأرض أمثال الأودية ناراً على الوصف الذي ذكره المؤرخون في نار المدينة، وما يحصل قبلها من أصوات تصدر من الجبال تشبه صوت الرعد، ثم زلزلة متعاقبة، ثم اشتعال النار، هو عين ما يحصل قبل انفجار البراكين.

وما يقع الآن في أرض العيص قرب المدينة النبوية من أصوات مخيفة تصدر من الجبال يفزع منها الصبية والنساء؛ فلا ينامون ولا يأكلون، ثم ما يعقب ذلك من زلزلة متقطعة تقوى تارة وتهدأ تارة، كل ذلك يشبه وصف المؤرخين لما وقع قبل النار العظيمة التي وقعت في المدينة، وجعلها العلماء هي النار المذكورة في أحاديث أشراط الساعة.

وكون هذه النار تكرر وقوعها، ثم وقعت في القرن السابع على نحو عظيم جداً، فإن ذلك يدل على أن هذه الأمارة من أشراط الساعة قد تتكرر، ولا يلزم من وقوعها قبل سبعة قرون ونصف امتناع وقوعها مرة أخرى؛ فإن من علامات الساعة ما صفته التكرار، وهذا يستلزم اللجوء إلى الله تعالى، والتوبة من الذنوب، وكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يلطف بنا وبإخواننا المسلمين في العيص وما حولها، وفي كل مكان من الأرض، وأن يرحم ضعفنا، وأن يجبر كسرنا، وأن لا يعذبنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا ( رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ) [الدُخان:12].

وأقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده فله الحمد في الآخرة والأُولى، ونستغفره لذنوبنا فمن يغفر الذنوب إلا الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا نقمته فلا تعصوه؛ فإنه سبحانه يمهل ولا يهمل، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) [هود:102].

أيها المسلمون: ما وقع من نار عظيمة في المدينة قبل قرون قد يتكرر مرة أخرى، وقد تكون الزلازل المتتابعة في القرى الشمالية من المدينة النبوية بداية لتكرار هذا الأمر العظيم.

ودارسو الإعجاز العلمي في السنة النبوية يقررون أن بين أحاديث نار الحجاز، وبين كثرة الزلازل في آخر الزمان ارتباطاً وثيقاً، وقد جاء في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ... " رواه البخاري.

كما يرون أن وقوع الزلازل والبراكين في جزيرة العرب دليل على قرب أمارة أخرى من أمارات الساعة وهي بداية عودة جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً كما كانت من قبل؛ وذلك بتغير تضاريس الأرض بفعل الزلازل والبراكين، وتغير أجوائها بفعل أبخرة البراكين وغازاتها. وقد جاء خبر هذه الآية في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً " رواه مسلم وابن حبان واللفظ له.

وهذه الحوادث العظيمة من تتابع الفتن، وكثرة القتل، ووقوع الزلازل في سائر الأرض، وبلوغها جزيرة العرب، وقد يعقب ذلك براكين وزلازل أعظم، كل ذلك وإن كان من علامات الساعة فإنه قد يكون إنذاراً من الله تعالى لقوم، وعذاباً على قوم، وابتلاءً لآخرين؛ إذ لا تعارض في ذلك؛ فإن ربنا سبحانه علام الغيوب، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير؛ فيوقع عز وجل إنذاره وعذابه وابتلاءه في آنٍ واحد، ويكون مع ذلك كله أمارة من أمارات الساعة، وهذا من كمال قدرته، وعجيب تدبيره وصنعه عز وجل.

ولا يعارض ذلك أيضاً تفسيرات علماء الزلازل والبراكين، ودراستهم لباطن البحر والبر والجبال وما يتوقعون من وقوع تغيرات فيها؛ فإن ذلك كله من عند الله تعالى، وبأمره سبحانه، وتحت قهره وسلطانه، وهو خالق البر والبحر والجبال والأجواء، وهو المسبب لما يقع فيها من تغيرات؛ فسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

وقد تكون الزلازل والبراكين إنذاراً لحوادث أعظم وأكبر تعقبها؛ حتى يتوب العباد من ذنوبهم، ويئوبوا إلى ربهم، ويراجعوا دينهم؛ وقد أحسن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حين ألمح إلى أن نار الحجاز التي وقعت كانت نذيراً لما بعدها من حوادث أعظم وأكبر من النار نفسها؛ فإن نار المدينة وإن فزع الناس منها وخافوا آنذاك إلا أنه لم يصبهم منها ضرر مباشر، لكن أعقبتها حوادث عظيمة ذكرها المؤرخون، عُلم بهذه الحوادث أن هذه النار العظيمة كانت نذيراً لها، وابن تيمية حين اشتعلت نار الحجاز كان عمره سبع سنوات، فهو ممن أدركها وأدرك ما بعدها من حوادث عظيمة؛ ولذلك ألمح إلى أنها كانت نذيراً لما بعدها مع كونها من أمارات الساعة.

ففي رمضان من نفس سنة نار الحجاز احترق المسجد النبوي كله، واغتم المسلمون لذلك غماً شديداً، وفيها وقع غرق عظيم في بغداد أهلك خلقاً كثيراً، وأتلف زروعاً وثماراً، وهدَّم دوراً، وفيها كان مسير التتر إلى بلاد المسلمين، وما مضت سنتان من نار الحجاز حتى استباحوا بغداد، وقتلوا أهلها، وأفسدوا فيها، وجرى على المسلمين ما يَجِلُّ عن الوصف، ومن سنة الله تعالى في عباده أنه ينذرهم بالآيات، ويخوفهم بالنذر عقب النذر؛ لعلهم يذكرون ( وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا ) [الإسراء:59].

ومن تأمل حال المسلمين وجد ضعفاً في الإيمان، وإقبالاً على الشهوات، ونكوصاً عن الدين، ووجد أهل النفاق والفساد قد أطلعوا قرونهم، وأمعنوا في فسادهم، مع إصرار عجيب في صرف الناس عن دينهم، وإفساد عقائدهم وأخلاقهم، والاستماتة في فرض المشاريع التغريبية الاستعمارية، والمنكرون عليهم قليل، وأهل العلم والدعوة في ضعف واستكانة إلا ما رحم الله تعالى، إضافة إلى ما يقع من الناس من ظلم لأنفسهم بالمعاصي، والتقصير في فرائض الله تعالى، وظلم بعضهم لبعض؛ بأكل الحقوق، وخيانة الأمانات، وتضييع الأسر والبيوت، وغير ذلك من الموبقات، التي يكفي بعضها لنزول العذاب، لولا رحمة الله تعالى بنا، وإمهاله لنا؛ فلنتب قبل حلول العذاب؛ فإن النذر قد تتابعت علينا؛ فلنعتبر بها، ونعوذ بالله تعالى أن نكون عبرة لغيرنا ( وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [النور:31].

وصلوا وسلموا على نبيكم...