البحث

عبارات مقترحة:

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

خطورة الفطر في نهار رمضان بدون عذر

العربية

المؤلف تركي بن علي الميمان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. تعظيم شعائر الله والمراد بها .
  2. شعائر الله المكانية والزمانية .
  3. استشعار عظمة رمضان .
  4. حكم الجماع في نهار رمضان .
  5. حكم التساهل في الفطر برمضان .

اقتباس

فشعائر الله -تبارك وتعالى- لا يعظمها إلا من عظم الله واتقاه وعرفه -تبارك وتعالى- وقدره حق قدره، وهذا أمرٌ لا خلاف فيه بين المسلمين، وبين كل من يقرأ كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-. فالمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها....

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

أيها المؤمنون: حث الله -تبارك وتعالى- على تعظيم شعائره: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].

وقد أضيفت التقوى إلى القلوب؛ لأن القلب هو محل التقوى كما قال صلى الله عليه وسلم: "التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره"[رواه مسلم (2564)].

وإذا خشع القلب واتقى، خشعت سائر الجوارح، كما ورد ذلك في الحديث.

فشعائر الله -تبارك وتعالى- لا يعظمها إلا من عظم الله واتقاه وعرفه -تبارك وتعالى- وقدره حق قدره، وهذا أمرٌ لا خلاف فيه بين المسلمين، وبين كل من يقرأ كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- [محاضرة: كيف نعظم شعائر الله- سفر الحوالي" بتصرف"].

قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسيره: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحـج: 32].

فالمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها: المناسك كلها، كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) [البقرة: 158] ومنها: الهدايا والقربان للبيت، فتعظيم شعائر الله، صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها، يبرهن على تقواه، وصحة إيمانه، لأن تعظيمها، تابع لتعظيم الله وإجلاله[تفسير السعدي].

فشعائر الله: هي المعالم الظاهرة من دينه، التي جعل الله -تبارك وتعالى-بعضها زمانياً، وبعضها مكانياً.

فمن الشعائر المكانية التي عظمها الله -تبارك وتعالى- وأمر بتعظيمها: المساجد الثلاثة: مكة والمدينة وبيت المقدس، وثبت أنه لا تشدُّ الرحال إلا إليها.

وكل مسجد لله أيضاً من شعائر الله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [النور: 36].

فالمساجد من شعائر الله، ورفع الأذان فيها من شعائر الله، وتعظيمها من تعظيم شعائر الله.

ولقد كان العرب في الجاهلية يعظِّمون البيت الحرام تعظيماً بالغاً، فعلى ما كانوا فيه من شرك وجاهلية وعبادة للأصنام، إلا أنهم كانوا يعظِّمون البيت، وكان من ينتهكه منهم يُعدُّ عندهم من أفجر الفجرة وأكبر الظلمة ولا قيمة له فرداً أم قبيلة.

فلما جاء الإسلام زاد ذلك تعظيماً -ولله الحمد- وتشريفاً بأن أعاد إلى هذا البيت نقاء وطهارة التوحيد، الذي جاء به الخليل صلوات الله وسلامه عليه، والذي بنى هذا البيت أو جدد بناءه؛ ليكون كما أمر الله -تبارك وتعالى- مكاناً يُعبد فيه - عز وجل - كما قال: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ)[الحج: 26].

والمقصود أن أعظم وأشرف الشعائر المكانية هو البيت الحرام.

وأما الشعائر الزمانية، فإنه كما اختص الله -تبارك وتعالى- بعض البقاع وشرفها على بعض، فكذلك اختص بعض الأزمنة وشرفها على بعض، ومن ذلك الأشهر الحرم وشهر رمضان؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- قد فضَّله وشرَّفه كما قال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185] [محاضرة: كيف نعظم شعائر الله- سفر الحوالي"بتصرف"].

فالله -تعالى- يمدح شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن فيه[تفسير ابن كثير].

قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسيره: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 83].

أن الله فرض عليكم الصيام كما فرضه على الأمم السابقة؛ لأنه من الشرائع والأوامر، التي هي مصلحة للخلق في كل زمان.

وفيه تنشيط لهذه الأمة، بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال، والمسارعة إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة، التي اختصصتم بها. ثم ذكر -تعالى- حكمته في مشروعية الصيام، فقال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه [تفسير السعدي].

فالصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع وغيرها مما تميل إليها نفسه تقرباً إلى الله -عز وجل-؛ ففي هذا الفعل يدرب الصائم نفسه على مراقبة الله - تعالى -، فإذا علم أن الله مطلع عليه، ازداد من فعل الطاعات وترك المحرمات.

ومع ذلك فإن من الناس من لا يبالون بتعظيم حرمة ولا شعيرة، لا في هذا الشهر ولا في غيره من الشهور، ولا في حرم الله ولا في غيره من الأماكن، فلا يعظِّمون لله -تبارك وتعالى- مسجداً ولا حرمةً ولا شعيرةً من الشعائر، وهؤلاء قومٌ قد ضرب الله -تعالى- على قلوبهم الغفلة -نسأل الله تعالى العفو والعافية، وإن كان كثير منهم يعدُّ نفسه من أهل الخير ومن عامة المسلمين، لكنهم يغفلون عن تعظيم ما أمر الله بتعظيمه من هذه الشعائر[محاضرة: كيف نعظم شعائر الله- سفر الحوالي].

ومن شدة تعظيم السلف الصالح لشعائر الله ومناسك الحج، واستشعار عظمة المولى -سبحانه- في تلك البقاع؛ فهذا سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يرسم لنا درساً في كيف يكون المسلم في الحرم، قال ابن عيينة: "دخل هشام الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال: سلني حاجة، قال: إني أستحيي من الله أن أسأل في بيته غيره، فلما خرجا قال: الآن فسلني حاجة، فقال له سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا، قال: والله ما سألت الدنيا من يملكها فكيف أسألها من لا يملكها".

وعجباً من هذه الصورة الرائعة في هذا المكان العظيم.

أيها الصائمون: كلما مرّ على الأكوان هلال رمضان عاد إلى الأمة حنينها إلى ما انطوت عليه أيامه من خير ومغفرة وعتق من النار.

وشهر الصيام خليق أن يحتل المكانة الرفيعة في نفوس المسلمين؛ لأن الله جمع فيه الخير والنور والهداية، فقد أنزل الله القرآن في شهر الصيام وخصّه بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ووقعت فيه حوادث غيرت مجرى التاريخ.

فينبغي أن يكون شهر الصوم جهاداً متواصلاً ضد شهوات النفس، ومقاومة عنيدة لنزوات الحس، وانقطاع متبتل إلى الله بالعبادة والطاعة، ومدارسة فاهمة لآيات القرآن، وقيام مخلص بالليل. [كتاب - الصيام أحكام وآداب للشيخ/عبد الله الطيار، ص 6].

جعلنا الله وإياكم ممن يعظِّم شعائر الله ويحفظ حدوده ويقيم دينه وشرعه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

عباد الله: جاء رجلٌ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: هلكتُ، يا رسولَ اللهِ، قال: "وما أهلككَ؟" قال: وقعتُ على امرأتي في رمضانَ، قال: "هل تجدُ ما تُعتقُ رقبةً؟" قال: لا، قال: "فهل تستطيعُ أن تصومَ شهرين متتابعينِ؟" قال: لا، قال: " فهل تجدُ ما تُطعمُ ستين مسكينًا؟" قال: لا، قال: ثم جلس، فأُتي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعَرَقٍ فيهِ تمرٌ، فقال: "تصدق بهذا" قال: أفقرُ منا؟ -وفي رواية: أعلى أفقر منا- فما بين لابتيها أهلُ بيتٍ أحوجُ إليهِ منا، فضحك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابُه، ثم قال: "اذهب فأطْعِمْه أهلك" [رواه مسلم(1111)].

إن استشعار عظمة الزمان في نهار رمضان جعلت هذا الصحابي يأتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: "هلكت" أي وقعت في الإثم الذي يهلكني.

فالحديث دليل على أن من جامع في نهار رمضان وجب عليه أغلظ الكفارات وهي على الترتيب -كما في الحديث-؛ وإن جامع في قضاء رمضان فسد صومه، وعليه القضاء ولا كفارة؛ لأن الكفارة خاصة برمضان؛ لأن له حرمة خاصة، فالفطر انتهاك لها، بخلاف القضاء؛ فإن الأيام متساوية بالنسبة له [كتاب - منحة العلام شرح بلوغ المرام- للشيخ عبد الله صالح الفوزان(5/65)].

ولذلك ينبغي أخذ الحيطة والحذر من الوقوع في ذلك، استشعاراً لحرمة الزمان في نهار رمضان.

والحديث يدل على أن من وقع في أمر محرم ولم يعرف حكم الشرع، أن يسأل أهل العلم عما وقع فيه مخالفة للشريعة، وأن يخاف من سوء عاقبته [كتاب- منحة العلام شرح بلوغ المرام- للشيخ عبد الله صالح الفوزان(5/66)].

عباد الله: ومن أفطر متعمداً في نهار رمضان بدون عذر شرعي فقد أخطأ في حق نفسه، وفي حق مجتمعه؛ فقد ورد الترهيب من الإفطار في رمضان متعمداً؛ كما في حديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " بينا أنا نائمٌ أتاني رجلان فأخذا بضَبعيَّ فأتيا بي جبلًا وعرًا، فقالا: اصعَدْ، فقلتُ: إنِّي لا أُطيقُه، فقالا: سنُسهِّلُه لك، فصعِدتُ حتَّى إذا كنتُ في سواءِ الجبلِ، فإذا أنا بأصواتٍ شديدةٍ، فقلتُ: ما هذه الأصواتُ؟ قال: هذا عُواءُ أهلِ النَّارِ، ثمَّ انطلق بي، فإذا بقومٍ معلَّقين بعراقيبِهم، مشقَّقةٌ أشداقُهم. تسيلُ أشداقُهم دمًا، فقلتُ من هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء الَّذين يُفطِرون قبل تَحِلَّةِ صومِهم"[رواه النسائي وابن حبان وابن خزيمة والحاكم، وسنده صحيح] [أحاديث الصيام أحكام وآداب- للشيخ عبد الله صالح الفوزان ص98].

إن الفطر في نهار رمضان من غير عذر كبيرة من كبائر الذنوب، بدلالة هذا الحديث، ويقول الإمام الذهبي في كتابه الكبائر: "الكبيرة العاشرة: إفطار رمضان بلا عذر ولا رخصة".

وإذا ثبت إفطار شخص في رمضان من غير عذر، وجب على ولي الأمر إذا بلغه ذلك أن يعزره، ويؤدبه بما يردعه ويردع أمثاله[أحاديث الصيام أحكام وآداب- للشيخ عبد الله صالح الفوزان ص99].

وقد يتساهل بعض الناس في الفطر في نهار رمضان من غير عذر، ولاسيما في مثل أوقاتنا هذه من شدة الحر وطول النهار وقلة الصبر وضعف الرقابة لله.

فالحذر الحذر من انتهاك حرمة الشهر؛ وللسلف أحوال في شدة التحمل، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "مرحبا بمطهرنا من الذنوب".

وقيل للأحنف بن قيس: إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك، فقال: إني أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله -سبحانه- أهون من الصبر على عذابه.

أما الصحابي الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، فكان مما تحدث به في ليلة وفاته، إذ يروى أنه قال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار، مرحبا بالموت حبيبا جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمإ الهواجر، ومكابدة الليل، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق العلم.

فاتقوا الله -عباد الله- واستشعروا عظمة الله، وعظِّموا شعائره، وراقبوه في السر والعلانية: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[الحج: 30].

ثم صلوا وسلموا على الهادي البشير...